تحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات المجلد 1

اشارة

سرشناسه : خمینی، مصطفی، 1356 - 1309

عنوان و نام پديدآور : تحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات/ تالیف مصطفی الخمینی

مشخصات نشر : تهران: موسسه تنظیم و نشر آثار الامام الخمینی(س)، 14ق. = - 13.

مشخصات ظاهری : ج 4

شابک : 964-335-143-7(دوره) ؛ 964-335-143-29000ریال:(ج.3) ؛ 964-335-144-0(ج.4)

يادداشت : فهرستنویسی براساس جلد سوم: 1378

يادداشت : عربی

یادداشت : کتابنامه

عنوان دیگر : کتاب الخیارات

موضوع : خیارات

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

شناسه افزوده : موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی(س)

رده بندی کنگره : BP190/2/خ 8ت 3 1300ی

رده بندی دیویی : 297/372

شماره کتابشناسی ملی : م 78-11082

تذكرة

قد ضاع و للأسف القسم الأوّل من كتاب الخيارات المشتمل علىٰ 540 صفحة من مخطوطة المصنف (قدّس سرّه) و الموجود عندنا من المخطوط مجلد واحد جمع بين دفتيه الجزء الثالث و الرابع من مباحث الخيارات و قد تمّ بعون اللّٰه تبارك و تعالى تحقيقه و الحمد للّٰه ربّ العالمين.

مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه) فرع قم المقدّسة

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 2

القول في خيار العيب

اشارة

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 3

في كيفية خيار العيب بالنسبة إلى الردّ و الأرش

اشارة

ظهور العيب في المبيع يوجب تسلّط المشتري على الردّ و أخذ الأرش بلا خلاف و يدلّ على الردّ الأخبار المستفيضة و أمّا الأرش فلم يوجد في الأخبار ما يدلّ على التخيير بينه و بين الردّ، بل ما دلّ على الأرش يختصّ بصورة التصرّف المانع من الردّ قد أثبتنا بين العضادتين صدر المسألة من كتاب المكاسب للشيخ الأعظم الأنصاري (قدّس سرّه) لتسهيل الأمر على القارئ الكريم ..

بينهما كما صرّح بذلك جمع من الأعلام (رحمهم اللّٰه) فيكون التخيير طوليّاً، لا عَرْضيّاً؛ بمعنى أنّه إن كان المعيب قائماً بعينه فيردّ، و إلّا فله أخذ الأرش.

و نسب إلىٰ مواضع من «المبسوط» «1» الميل إليه، أو الإفتاء به،

______________________________

(1) قال المحقّق الأنصاري: «يظهر من الشيخ في غير موضع من المبسوط أنّ أخذ الأرش مشروط باليأس عن الردّ». المكاسب، الشيخ الأنصاري: 253/ السطر 25، لاحظ المبسوط 2: 131 132.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 4

خلافاً لسائر كتبه، و صريحِ موضع منه «1»، و «نهايته» «2».

و حيث إنّ الشهرة بين قدماء أصحابنا ليست بالغة إلىٰ حدّ النصاب؛ لعدم اشتهار الحكم بين المخالفين؛ فإنّ المسألة كأنّها لم تكن كثيرة الدور بين الأصحاب (رحمهم اللّٰه) حتّى يحصل الوثوق بكونها من مبادي الوحي و التنزيل؛ ضرورة ذهاب الشيخ إلىٰ الخلاف أوّلًا، و سكوت جمع من العامّة عن هذا التخيير ثانياً، مع بُعد وجود الأمر التعبّدي في المعاملات ثالثاً، تحصل الشبهة في إمكان إثبات التخيير العَرْضيّ.

نعم، ربّما يوهم ما في «الفقه الرضويّ» أنّ المسألة كانت عندهم مفروغة؛ و ذلك لقوله فيه: و روى في الرّجل يشتري المتاع فيجد به عيباً يوجب الردّ «فإن كان المتاع قائماً بعينه ردّ

علىٰ صاحبه، و إن كان قد قطع أو خيط أو حدثت فيه حادثة، رجع فيه بنقصان العيب علىٰ سبيل الأرش» «3».

و قال في موضع آخر يظهر أنّه فتواه: «فإن خرج في السلعة عيب و علم المشتري فالخيار إليه؛ إن شاء ردّ، و إن شاء أخذه، أو ردّه عليه بالقيمة أرش المعيب.» «4» إلىٰ آخره.

______________________________

(1) المبسوط 2: 138.

(2) النهاية: 392.

(3) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 250 251.

(4) هكذا في مستدرك الوسائل 13: 306، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 12، الحديث 3، و في الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 253، ورد «الواو» بدل «أو».

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 5

و كلمة «أو» عدل قوله: «فالخيار إليه» أي أنّ له الخيار، أو يردّ عليه الأرش.

و الإنصاف: أنّ في العبارة غلقاً ظاهراً يحتمل فيه الاحتمالات، فلا يصلح للاستناد.

بحث و تحصيل الاحتمالات في خيار العيب

في المسألة احتمالات:

الخيار فقط.

و الأرش فقط.

و التخيير بينهما عَرْضيّاً.

و أمّا التخيير الطوليّ، فهو مربوط بصورة التصرّف و عدمه. و البحث هنا حول الصورة الأصليّة؛ و هي ما قبل التصرف، و قبل أن تنقلب العين إلىٰ حالة اخرىٰ.

و هنا احتمال رابع: و هو خيار المشتري إن لم يردّ الأرش البائع.

أمّا وجه الخيار فقط فهو واضح؛ لأنّ العيب علىٰ خلاف البناء، و هو كافٍ لحكم العقلاء الممضى بالشرع بالضرورة.

و أمّا وجه الأرش فقط فبدعوىٰ: أنّ البيع وقع علىٰ ما هو العين

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 6

الشخصيّة الباقية، و هو لازم حسب إطلاق دليل الوفاء بالعقود «1» الرادع لبناء العقلاء. و التمسّك بهذه الأخبار لإثبات تقييد إطلاق الآية، في غير محلّه، لأنّها مورد الإعراض. مع ضعف جملة منها، كما سيمرّ عليك بتفصيلٍ إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

اللهمّ إلّا أن

يقال: إنّ السيرة مخصّصة، و فيه ما لا يخفىٰ.

نعم، قد مرّ منّا في محلّه أجنبيّة الآية الشريفة عن هذه المواقف «2»، فالسيرة ممضاة.

و أمّا وجه الخيار بعد عدم قبول البائع جبران الأرش؛ فهو أيضاً لحكم العقلاء بأنّ العيب الشخصيّ مورد البيع اللازم الوفاء به، و إذا كان هو الراضي بالجبران فيعطى الأرش، فلا معنىٰ للخيار؛ لأنّ منشأ الخيار- حسب نظر العقلاء جبران الخسارة و الضرر نوعاً، و هو يحصل في مفروض البحث، كما مرّ في خيار الغبن.

و توهّم: أنّ الأخبار في المسألة تنافي هذا الاحتمال، في غير محلّه؛ ضرورة أنّ مصبّ الأخبار حول بقاء العين و عدمها. و ما ورد في الأرش على الإطلاق يؤيّد ذلك؛ لأنّه إذا كان البائع يقبل فلا خيار له.

نعم، ثبوت الإطلاق المذكور لمثل خبر يونس «3» و عمر بن

______________________________

(1) يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»، المائدة (5): 1.

(2) تحريرات في الفقه، كتاب البيع 1: 27 28.

(3) إسماعيل بن مرار، عن يونس في رجل اشترى جارية على أنّها عذراء فلم يجدها عذراء قال: يرد عليه فضل القيمة إذا علم أنّه صادق.

الكافي 5: 216/ 14، تهذيب الأحكام 7: 64/ 278، وسائل الشيعة 18: 108، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 6، الحديث 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 7

يزيد «1» و السكوني «2»، غير واضح؛ و إن أصرّ عليه السيّد الفقيه اليزديّ (قدّس سرّه) «3».

فبالجملة: فيما هو مفروض البحث- و هو بقاء العين يحتمل أن يكون خيار المشتري في طول جبران الخسارة و إعطاء الأرش من قبل البائع، فإن لم يقبل ذلك فهو بالخيار.

و أمّا دعوى: أنّ الشهرة تنافيه، فهي مندفعة بأنّ القدر المتيقّن من ذلك؛ هو صورة عدم قبول

البائع جبران الخسارة.

مع أنّ ثبوت الشهرة المفيدة غير واضح بعد.

ثمّ إنّ هنا احتمالًا ليس في عَرْض الاحتمالات الأُخر: و هو أنّ البيع

______________________________

(1) الحسن بن عطيّة، عن عمر بن يزيد قال: كنت أنا و عمر بالمدينة فباع عمر جراباً هرويّاً كلّ ثوب بكذا و كذا، فأخذوه فاقتسموه فوجدوا ثوباً فيه عيب، فقال لهم عمر: أعطيكم ثمنه الذي بعتكم به، قالوا: لا و لكنّا نأخذ منك قيمة الثوب، فذكر ذلك عمر لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، فقال: يلزمه ذلك.

الكافي 5: 206/ 1، الفقيه 3: 136/ 591، تهذيب الأحكام 7: 60/ 259، وسائل الشيعة 18: 29، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 1.

(2) النوفلي، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه أنّ عليّاً (عليه السّلام) قضى في رجل اشترى من رجل عكة فيها سمن، احتكرها حكرة فوجد فيها رُبّاً فخاصمه إلى عليّ (عليه السّلام)، فقال له عليّ (عليه السّلام): لك بكيل الرُّبّ سمناً، فقال له الرجل: إنّما بعته منك حكرة، فقال له عليّ (عليه السّلام): إنّما اشترى منك سمناً، لم يشترِ منك رُبّاً.

تهذيب الأحكام 7: 66/ 286، وسائل الشيعة 18: 110، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 7، الحديث 3.

(3) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 68/ السطر 12.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 8

الواقع على العين الشخصيّة المعيبة، ربّما لا تكون الخصوصيّة الخارجيّة و الشخصيّة، دخيلةً عند العقلاء فيما هو المهمّ من الأغراض، فإذا قبل البائع التبديل- كما في مثل الحنطة و البطّيخ لا يبعد حكم العقلاء بعدم الخيار و الأرش، فالبيع شخصيّ بحسب الإنشاء و المبادلة، إلّا أنّ التبديل لا ينافي تلك الشخصيّة عرفاً.

فبالجملة: لولا مخافة مخالفة تلك الشهرة و هذه الأخبار احتمالًا، كان الاحتمال

المذكور قويّاً؛ و هو ثبوت الخيار بعد امتناع البائع عن الأرش.

و يجوز أن يستشهد علىٰ ما أبدعناه بما ورد عن عمر بن حنظلة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في رجل باع أرضاً علىٰ أنّها عشرة أجربة، فاشترى المشتري ذلك منه بحدوده، و نقد الثمن، و وقّع صفقة البيع و افترقا، فلمّا مسح الأرض إذا هي خمسة أجربة.

قال: «إن شاء استرجع فضل ماله و أخذ الأرض، و إن شاء ردّ البيع، و أخذ ماله كلّه، إلّا أن يكون له إلىٰ جنب تلك الأرض أيضاً أرضون فليؤخذ، و يكون البيع لازماً» «1».

______________________________

(1) عمر بن حنظلة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في رجل باع أرضاً علىٰ أنّها عشرة أجربة، فاشترى المشتري ذلك منه بحدوده و نقد الثمن، و وقّع صفقة البيع و افترقا، فلمّا مسح الأرض إذ هي خمسة أجربة، قال: إن شاء استرجع فضل ماله و أخذ الأرض، و إن شاء ردّ البيع، و أخذ ماله كلّه، إلّا أن يكون له إلىٰ جنب تلك الأرض أيضاً أرضون فليؤخذ، و يكون البيع لازماً له، و عليه الوفاء بتمام البيع، فإن لم يكن له في ذلك المكان غير الذي باع فإن شاء المشتري أخذ الأرض و استرجع فضل ماله، و إن شاء ردّ الأرض و أخذ المال كلّه.

الفقيه 3: 151/ 663، تهذيب الأحكام 7: 153/ 675، وسائل الشيعة 18: 27، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 14، الحديث 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 9

ما يتكلّف لتوجيه الخيار و الأرش عرضاً

و أمّا التكلّف لتوجيه الخيار و الأرش للمشتري عَرْضاً، فلا حاجة إليه، إلّا أنّ الإشارة إلى بعض الوجوه ممّا لا بأس بها؛ و إن كان الكلّ غير راجع إلىٰ محصّل.

فمنها: ما أُشير

إليه في كلام الشيخ (قدّس سرّه) و هو أنّ وصف الصحّة يقابل جزء الثمن فبتخلّفه يثبت الخيار؛ و هو خيار العيب، لا تبعّض الصفقة؛ و إن كان هناك إمكان وجوده أيضاً زائداً عليه؛ لأنّه من الممكن رجوع جميع الخيارات إليه، إلّا ما كان تعبّدياً صِرفاً؛ و هذا الرجوع ليس عقلائيّاً، انتهىٰ «1» ببيان منّا، و فيه ما لا يخفىٰ.

و منها: ما أُشير إليه في كلام السيّد الفقيه (رحمه اللّٰه) بدعوىٰ: أنّ هناك ثلاث طوائف من الأخبار:

طائفة: تحكم بالأرش على الإطلاق.

و ثانية: تحكم بالخيار على الإطلاق، و هي كثيرة.

و ثالثة: تفصّل بين صورتي التصرّف و عدمه، و تكون مقيّدة للطائفتين

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 253/ السطر 21.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 10

الأُوليين من حيث التصرّف و عدمه.

فبقيتا متعارضتين بحسب الإطلاق فيما إذا لم يتصرّف، فيؤخذ بهما جميعاً، و نقول بالتخيير؛ إمّا لأجل أنّ التخيير هنا في العمل، لا في الإفتاء، كما عليه مشهور الأُصوليّين، أو لأجل وجود شاهد على الجمع المزبور، و هو «فقه الرضا» أم يكفي الاشتهار و الإجماع الكاشف عن قرينة ناهضة على الجمع المذكور، فلا يكون تبرّعياً «1»، انتهىٰ بتكميل منّا.

و فيه:- مضافاً إلىٰ بعض ما مرّ أنّ الطائفة الثالثة تجمع بين السالفتين، و تكون شاهدة لهما «2».

اللهمّ إلّا أن يقال: هي معرض عنها، بخلاف الأُوليين.

هذا، و لو وصلت النوبة إلى التمسّك بالشهرة، فلا حاجة إلى هذه التمحّلات.

و منها: ما في بعض الحواشي: «من أنّ الأخبار الناطقة بالردّ تشمل ردّ البيع بكلّيته فينحلّ، و هو خيار، أو ردّ بعضه؛ و هو أخذ الأرش» «3».

و فيه:- مضافاً إلىٰ ما فيه أنّ في الأخبار ما يوجب القطع بأنّ المراد من «الردّ» هو ردّ

المبيع، لا البيع، فلا يبقىٰ محلّ لتخيّله.

و منها: أنّ جواز الأرش و عدم هدر مال المشتري، ممّا هو من الأمر الواضح الجليّ بين العالي و الداني، و لا معنىٰ لتخيّل لزوم العقد؛

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 68/ السطر 12 22.

(2) لاحظ حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 68/ السطر 23.

(3) لاحظ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 95/ السطر 29، نقلًا عن بعض أجلّة المحشّين.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 11

و عدم جواز رجوع المشتري إلىٰ البائع، و إنّما الإشكال بين السائل و المجيب و بين الأصحاب حول الخيار، و أنّه خلاف الوفاء اللازم، فاشير في الأخبار إليه، فلا إطلاق فيها لنفي الأرش الذي هو ثابت بالضرورة، كما زعمه الشيخ (قدّس سرّه) «1».

و ليس هذا من الجمع التبرّعي المحتاج إلى الشاهد، كما في كلام السيّد المحشّي (رحمه اللّٰه) «2».

و أنت خبير: بأنّ هذه الاستئناسات ممّا لا بأس بها؛ بعد كون الحكم ثابتاً بدليل آخر، و إلّا فالفقيه المتشرّع أجلّ شأناً من أن يتّكل علىٰ أمثالها للإفتاء و أخذ الحجّة، كما هو الظاهر.

إشكال و دفع: حول ثبوت التخيير بين الردّ و الأرش عرضاً

كيف يعقل التخيير بين الحقّ المتعلّق بالمقدار المعيّن، و بين حقّ المراجعة إلى البائع بالأرش؟! فإنّه يشبه أن يكون التخيير بين نجاسة شي ء، و نجاسة شي ء آخر، و هذا غير التخيير في الواجب المخيّر، فإنّه من التخيير بين الفعلين.

أقول: لو اشترط الخيار لزيدٍ و لعمرو، فإنّه لا يكون من التخيير، إلّا أنّه بإعمال أحدهما لا يبقىٰ محلّ للآخر، و فيما نحن فيه أيضاً كذلك؛ ضرورة أنّه بإعمال الخيار لا يبقىٰ وجه للأرش، و بالمراجعة إلى

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 253/ السطر 17.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 68/ السطر 21.

الخيارات (للسيد مصطفى

الخميني)، ج 1، ص: 12

الأرش يعتبر سقوط خياره و رضاه بالعقد؛ و هو بحكم العقلاء، و لا يمكن الجمع بينهما، بخلاف المثال المذكور، فإنّه يمكن، إلّا أنّه يجوز أن يكون الشرط علىٰ وجهٍ لا يؤثّر الفسخ حين إعمالهما.

و بالجملة: إذا امتنع الجمع بينهما، فلا بدّ من التخيير على الوجه المذكور؛ جمعاً بين مقتضىٰ الأدلّة.

اللهمّ إلّا أن يقال: ظاهر كلمات الفقهاء و الأخبار؛ هو التخيير بين الفسخ و الإمضاء بالأرش، و هذا غير الخيار الحقيّ، و لا منع من الالتزام به، إلّا أنّ ذلك خلاف بنائهم القطعيّ علىٰ تورّثه، كسائر الخيارات «1».

اللهمّ إلّا أن يقال: لا منع في الاعتبار من تورّث هذا المعنى التخييريّ الحدثيّ إذا اقتضاه الدليل الخاصّ؛ من إجماع و غيره. بل ربّما يكون هو حكم العقلاء، كما إذا جاز للوارث ضرب زيد تقاصّاً، فإنّه لمكان عدم وجوبه التكليفيّ يعتبر حقّا- لا بالمعنى الثابت القطعيّ عليه فيورّث، فتأمّل.

و لو كان ذلك صحيحاً، لا يتوجّه إلىٰ الدفع المذكور إشكالٌ آخر: و هو أنّ كون كلّ من الخيار و حقّ الأرش حقّا ثابتاً تعييناً، من الجزاف و اللغو بعد عدم إمكان الجمع بينهما، و إن يمكن دفعه؛ ضرورة أنّ إمكان الاستيفاء من كلّ واحد كافٍ للفرار من اللغويّة المتوهّمة.

______________________________

(1) جواهر الكلام 23: 74 75، «المسألة الثالثة: إذا مات من له الخيار انتقل إلى الوارث من أيّ أنواع الخيار كان، بلا خلاف معتد به، بل ظاهرهم الإجماع، بل عن بعضهم دعواه صريحاً».

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 13

و بالجملة تحصّل: أنّ التخيير بين الحقّين، و بين كون الخيار حقّا وضعيّاً، و بين أخذ الأرش و لو كان حدثاً؛ و لو كان محالًا، إلّا أنّ الالتزام بما

ينتج نتيجة التخيير ممكن.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ الجمع بينهما ممكن، فالدفع المذكور غير مفيد؛ و ذلك لأنّ في صورة إعمال الخيار لا معنىٰ للأخذ بالأرش أو عكسه، لجواز كون الخيار معلول العيب، و لا يسقط حتّى بعد أخذ الأرش، و لذلك للشرع التصريح به بالضرورة. و ممّا يؤيّده بقاء خيار الشرط و لو أخذ بالأرش، فبحسب الثبوت يمكن الجمع.

فلو كان حقّ الأرش منتفياً، و هكذا حقّ الخيار، ففي صورة أخذ الأرش يبقى الخيار، و هو خلاف الضرورة عند الفقهاء و العقلاء، فالقول: بأنّ التخيير هنا مصبّه المعنى الحدثيّ لا الوضعيّ، أقرب.

و يمكن أن يقال: إنّ ما هو الحقّ الوضعيّ أحد الأمرين تعييناً، و يكشف ذلك بالفسخ، أو الإمضاء و الأرش.

تتميمٌ جريان خيار العيب في المثمن الكلّي

إذا كان المثمن شخصيّاً، فجريان خيار العيب ممّا لا إشكال فيه ثبوتاً؛ و لا إثباتاً.

و أمّا إذا كان كلّياً، ففيه إشكال من ناحيتين

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 14

أمّا الاولى: فلأنّ العيب و الصحّة من الاعتبارات المنتزعة من تطابق الخارج مع العنوان المعهود و عدمه؛ فإن لم يكن تطابق بين المبيع و ما يترغّب الكلّي، فلا يكون المقبوض مبيعاً، فلا معنىٰ لخيار العيب في المبيع.

نعم، للمشتري الردّ، لا لأجل أنّه حقّه، بل لعدم وصول المبيع إليه.

و من هنا يظهر: أنّ بناء المعاملة علىٰ أن يكون المبيع صحيحاً في أُفق المتعاملين؛ و إن لم يكن قيداً، و كان مغفولًا بتاتاً.

و لك دعوى: أنّ الأمر و إن كان كذلك، و لكنّ الكلّي غير المقيّد يتشخّص بما قبضه المشتري، و يكون تخلّف الصحّة غير موجب لقصور في الوفاء من ناحية البائع، ففرق بين التقييد الضمنيّ و الصراحة؛ و بين القيد البنائيّ الكلّي.

و فيه ما لا

يخفىٰ، اللهمّ إلّا أن يتشبّث بذيل فهم العرف؛ و انطباق المبيع عليه، كما تحرّر منّا في محلّه «1»، فعليه يكون البيع صحيحاً لازماً، و قد وفّاه البائع بردّ المبيع إليه، و ثبوت الخيار حينئذٍ يحتاج إلىٰ دليل.

و من الغريب ما في كلام العلّامة المحشّي (قدّس سرّه) «2» من تخيّل صحّة المسألة ثبوتاً عقلًا؛ بتوهّم أنّ المبيع هي الذات المحفوظة!! و عليه في

______________________________

(1) هذه المباحث من كتاب البيع للمؤلّف (قدّس سرّه) مفقودة.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 96/ السطر 35.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 15

جميع الكلّيات المقيّدة بالقيود الكثيرة، يكون الأمر كما أفاده؛ و لا أظنّ التزامه به.

و أمّا الثانية: فقضيّة دليل الوفاء بالعقد و لزومه عدم الخيار، و مقتضى الأخبار الخاصّة اختصاص الحكم- حسب الظاهر بالأعيان الشخصيّة «1»، مع أنّ تلك الأخبار غير ظاهرة حجّيتها؛ لإعراض المشهور عن ظواهرها جدّاً، فيبقىٰ بناء العقلاء غير الصالح للمرجعيّة بعد إطلاق دليل الوفاء الرادع لها، و لا معنىٰ لتقديم حكم العقلاء في فرع علىٰ إطلاق دليل الشرع؛ لعدم إمكان كشف الرضا فيه حتّى يكون مقيّداً لذلك الإطلاق.

نعم، لأحد دعوى القطع باشتراك الحكم و ثبوت الخيار. و لكن في ثبوت الأرش في عَرْض الخيار إشكال حينئذٍ قويّ.

إن قلت: لا معنىٰ لخياره بالنسبة إلى العقد، بل الغاية ثبوت خياره بالنسبة إلى الوفاء، فيجوز له الاستبدال.

قلت: لا معنىٰ لكون الوفاء مورد الخيار الحقّي، و جوازُ الاستبدال غير الخيار المصطلح عليه؛ فما يثبت له يُحتمل أن يكون الخيار في نفس العقد؛ لأجل أنّ المبيع الخارجيّ و الكلّي واحد، فإنّ الطبيعيّ موجود بشخصه، لا بأمر آخر.

و ممّا ذكرناه إلىٰ هنا يظهر مواضع ضعف المحكيّ «2» عن

______________________________

(1) يأتي في الصفحة

34.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 70/ السطر 25.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 16

«الجواهر» «1» في المقام و أشباهه، كما يظهر مواضع ضعف كلام المحشّي الفقيه اليزديّ (قدّس سرّهم) «2»، و يظهر وجه ذهاب الأصحاب في بيع الصرف إلىٰ خيار العيب بالنسبة إلىٰ أصل العقد «3».

فبالجملة: الأمر دائر بين امتناع جريان خيار العيب؛ لما مرّ، و بين وجوب الوفاء بالعقد من غير خيار؛ لعدم الدليل إثباتاً. و حديث حلّ الوفاء و ردّ المبيع كلّه من الغفلة؛ فإنّه يرجع إلىٰ عدم تشخّص المبيع بما هو المقبوض، فلا تغفل.

______________________________

(1) جواهر الكلام 24: 28 و 331.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 70/ السطر 7 و 18.

(3) الوسيلة: 244، شرائع الإسلام 2: 43، إرشاد الأذهان 1: 369، مجمع الفائدة و البرهان 8: 319.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 17

الجهة الثانية في جريان خيار العيب في الثمن

اشارة

بناءً علىٰ جريانه في الكلّي، و إلّا فلا بحث يخصّه، فعليه إذا ظهر العيب فيه، و كان ممّا يوجب الخيار و الأرش فرضاً، فهل قضيّة الأدلّة هو و المثمن واحد، كما استظهره جمع «1»؛ نظراً إلى الاتفاق المفروغ عنه.

و المقصود في كلامهم هو الثمن الشخصيّ و العوض المعيّن، كما أنّ المفروض أنّه من النقود؛ لما يأتي من البحث عن مسألة المعاوضة بين الأجناس.

فعلى كلّ تقدير: ربّما يقال «2» إنّ قضيّة ذات الأخبار الخاصّة جريانه فيه.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 253/ السطر 32، لاحظ حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 70/ السطر 2.

(2) لاحظ جواهر الكلام 23: 237.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 18

و فيه: مضافاً إلىٰ عدم تماميّة حجّيتها عدم كفايتها.

و من الغريب أنّ السيّد اليزديّ (رحمه اللّٰه) «1» استظهر منها لأجل الظنّ الصريح في كلامه في أنّه

و إن ليس بحجّة، إلّا أنّه يوجب الاستفادة من اللفظ!! و لا نفهم مراده، كما لا يخفىٰ.

و أمّا قضيّة حكم العقلاء، فهو مردود بدليل الوفاء بالعقد.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ الوفاء بالبيع لا دليل له إلّا بناؤهم، و هو غير بعيد جدّاً، و إن كان في الأخبار ما يؤيّدهم، فلا يثبت له الإطلاق الرادع لسيرتهم هنا.

نعم، ثبوت خيار العيب لا يلازم ثبوت الأرش، كما أنّ ثبوت الخيار- حسبما مرّ منّا متفرّع على امتناع البائع و المشتري عن التبديل و ردّ الأرش بالوجه الذي مرّ، فالملازمة غير ثابتة حتى يقال: بأنّه إذا ثبت خيار العيب فالأرش عديله.

تنبيه:

فيما إذا كان العوضان شخصيّين، كما في معاوضة الأعيان الخارجيّة؛ فهي و إن ليست بيعاً عندنا كما تحرّر «2»، و لكنّها محكومة بالأحكام العقلائيّة الثابتة للبيع، دون الشرعيّة التعبّدية، فجريان الأرش فيها محلّ إشكال.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 70/ السطر 1 4.

(2) هذه المباحث من كتاب البيع من تحريرات في الفقه مفقودة.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 19

الجهة الثالثة في مواقع اشتراط الصحّة

اشارة

فإن كان الشرط يرجع إلىٰ التأكيد، أو كان هناك خيار العيب زائداً علىٰ خيار الشرط، فلا بحث هاهنا. و أمّا إذا لم يكن في مورد بناء من العقلاء علىٰ الصحّة؛ لغلبة المعيب، أو لعدم تعلّق الأغراض العامّة الفرعيّة بالصحيح، فاشترط المشتري الصحّة، فإن كان المبيع كلّياً- بل و شخصيّاً فربّما يقال: إنّ هذه الشروط بمنزلة التقييد عرفاً؛ لرجوع الشرط إلىٰ اعتبار وصف في المبيع، بخلاف مثل اشتراط خياطة الثوب في ضمن عقد بيع الدار، و لا سيّما بعد كون الشرط من شروط النتيجة؛ لعدم تعلّق الاختيار بالشرط نفسه، فتدبّر.

و هذا بحسب النظر البدويّ غير بعيد جدّاً، فتندرج المسألة في البحث الأصليّ.

و أمّا لو فرضنا أنّه شرط، فالظاهر عدم ثبوت خيار العيب.

و دعوىٰ: أنّ دليل خيار العيب ليس الإجماع أو الأخبار، بل بناء

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 20

العقلاء يقتضي الأعمّ، و يتمسّكون هناك بخيار العيب دون الشرط، غير تامّة؛ بعد كون المفروض عدم وجود البناء الخارجيّ على الصحّة.

هذا كلّه لو فرضنا جريان خيار العيب في الكلّي، و إلّا فلا يبقىٰ محلّ للاشتراط المذكور إلّا في البيع الشخصيّ.

و أمّا توهّم «1»: أنّ في مورد تخلّف الشرط في بيع الكلّي، يكون المشتري مثلًا له خيار بالنسبة إلىٰ ردّ المصداق، دون حلّ العقد، فهو ناشئ من

توهّم: أنّ الطبيعيّ موجود بمصداقه، و هو باطل؛ فإنّ المبيع يتشخّص بنفسه، فالمبيع الكلّي ينقلب خارجيّاً بعد الإقباض، و لا قصور في وفاء البائع بالضرورة، فيكون للمشتري خيار تخلّف الشرط بالنسبة إلى العقد، كما أُشير إليه في الجهة السابقة أيضاً.

و كون المبيع بنفسه خارجيّاً بعد القبض، ليس حكم العقل فقط، بل هو حكم العقلاء حتى بلغ إلىٰ حدّ ينسب الوجود إليه بذاته، و لذلك ذكرنا في محلّه: أنّ مسألة أصالة الماهيّة مسألة عقلائيّة ارتكازيّة، بخلاف مسألة أصالة الوجود، فلا تخلط. و الخروج عن البحث إلىٰ هذا المقدار- ليتوجّه الأصحاب إلىٰ حقيقة الأمر ممّا لا بأس به.

و من اللطيف ذهاب «الجواهر» «2» في بعض فروض المسألة إلىٰ ذلك؛ نظراً إلىٰ حسن قريحته، و جَودة فهمه العرفيّ، و ارتكازه العقلائيّ.

و لعمري، إنّه من الأعاظم الذين يركن إليهم كلّ من يلحق بهم، و يليق

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 17.

(2) جواهر الكلام 24: 28 و 331.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 21

أن تفتخر بهم الإنسانيّة فضلًا عنّا.

بقي شي ء: إذا تخيّل صحّة المبيع فبان معيباً

في مفروض المسألة إذا لم يشترط المشتري الصحّة، و تخيّل الصحيح فبان معيباً، فمقتضىٰ ما تخيّله من البناءات العامّة في المعاملات لزوم الخيار؛ و مقتضى البناء الخاصّ في منطقة المعاملة مع عدم اطلاعه عليه عدم ثبوت الخيار، و ترتفع الجهالة عنده بتخيّله، فيكون البيع صحيحاً، و ما قبضه تمام المبيع.

و دعوىٰ: أنّ قضيّة الأخبار ثبوته؛ لأنّه اشترىٰ متاعاً، و فيه العَوار، و به العيب «1»، غير مسموعة؛ لأنّ مجرّد العَوار و العيب غير كافٍ، و إلّا يلزم التمسّك بالإطلاق المذكور في صورة التبرّي من العيب، فما به العيب هو البطّيخ، و ما يوجب الخيار هو عيب المبيع، و

لا يتحقّق عيب المبيع إلّا بعد البناء على الصحّة؛ فإنّ التخلّف يوجبه، و هو لا يتحقّق إلّا بعد انتظار الصحّة و السلامة؛ و لا يعقل اعتبار خيار العيب في البيع إلّا بعد وجود ذلك البناء العامّ الكلّي الثابت عند العقلاء، و عليه محاكمهم

______________________________

(1) زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: أيّما رجل اشترى شيئاً و به عيب و عوار، لم يتبرّأ إليه و لم يبيّن له، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئاً ثمّ علم بذلك العوار و بذلك الداء، أنّه يمضي عليه البيع و يردّ عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به.

الكافي 5: 207/ 3، تهذيب الأحكام 7: 60/ 257، وسائل الشيعة 18: 30، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 22

العرفيّة بالضرورة القطعيّة.

و في نفس هذه الأخبار شواهد قطعيّة علىٰ أنّ مبنىٰ خيار العيب، علىٰ أنّ المشتري لا ينتظر أن يجد مبيعه معيباً؛ و لذلك ورد فيها «فوجد كذا» «فرأى كذا» «و علم بكذا» «1» فإنّه لا معنىٰ له إلّا في تلك الصورة و ذلك البناء، فلا تغفل.

و علىٰ كلّ تقدير: لا يبعد عدم ثبوت خيار العيب؛ لأنّ عدم اطلاعه على وضع البلد و البناء الخاصّ لا يورث في حقّه شيئاً.

نعم، لو كان في البين غبن كما كثيراً ما يتّفق، فلا بأس به، و اللّٰه العالم.

______________________________

(1) كرواية جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (عليهما السّلام) في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيباً، فقال: إن كان الشي ء قائماً بعينه ردّه على صاحبه و أخذ الثمن، و إن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع

بنقصان العيب.

وسائل الشيعة 18: 30، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 3، و راجع في هذا الباب إلى الحديث 1 و 2 و 4، و: 102 104، أبواب أحكام العيوب، الباب 4، الحديث 2 و 4 و 6، و: 106، الباب 5، الحديث 5.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 23

الجهة الرابعة في مبدأ هذا الخيار

فهل هو العقد، أم يكون التقابض، أو قبض ما، أو ظهور العيب؟

فعلى مسلك القوم يكون العقد؛ ضرورة أنّ المغروس العقلائيّ و المتفاهم من الأدلّة أنّ العيب سبب و منشأ له، و ليس الظهور شرطاً، و لا جزءً، و لا تمام الموضوع، و ما في الأخبار فهو من الظهور البدويّ، و إلّا فالأمر أوضح لأهله.

و أمّا علىٰ ما سلكناه؛ من أنّ عقد البيع غير البيع و الاشتراء «1»، فالخيار يثبت في البيع، دون العقد؛ فمبدؤُه القبض، و قد مضى تفصيله في بعض البحوث.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ البيع و لو كان هو التعاوض الخارجيّ؛ حسب اللغة و العرف الأوّلى، إلّا أنّ في عصر الشرع شاع عقد البيع إلىٰ حدّ

______________________________

(1) تحريرات في الفقه، كتاب البيع 1: 9 10.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 24

اعتبر بيعاً، و أمضاه الشرع، فحينئذٍ يكون الخيار ثابتاً في العقد، و مبدأُه العقد بالضرورة؛ لما مرّ.

و ربّما يؤيّد ذلك: أنّ الأرش مع قطع النظر عن الأخبار، ثابت من الأوّل؛ لأنّه جبران الخسارة، و هي ثابتة من الأوّل، فعديله- و هو الخيار مثله. و إليه راجع مقصود الشيخ (رحمه اللّٰه)، احتمالًا «1».

و أمّا بحسب الأخبار الخاصّة، فقد مضى أنّها ظاهرة فيما لم يعمل به، فلا معنىٰ للتأييد بها علىٰ شي ء في المسألة «2».

و من الغريب أنّ الشيخ (رحمه اللّٰه) مع

إذعانه بظهور بعض الأخبار في سببيّة العيب، احتمل شرطيّة الظهور «3»!! مع أنّ الشرط في هذه المواقف لا بدّ و أن يرجع إلىٰ قيد التأثير، و يصير جزء السبب، فالاستظهار المذكور و ما في ذيله غير راجع إلىٰ محصّل، و الأمر سهلٌ.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 253/ السطر 29.

(2) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 253/ السطر 30.

(3) نفس المصدر/ السطر 31.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 25

الجهة الخامسة في اختصاص هذا الخيار بالبيع

الخيار المذكور بمعنى تخيير المشتري بين الفسخ و الأرش، مخصوص بالبيع حسب الشهرة، و حيث قد عرفت المناقشة في أصل ثبوته في البيع، ففي غيره ممنوع.

نعم، قضيّة البناء العقلائيّ ثبوت الخيار فقط إذا امتنع البائع من التبديل و الأرش، و إلّا فدليل اللزوم محكّم، و فيما إذا تعذّر الردّ عقلًا فالأرش غير واضح ثبوته؛ و سيمرّ عليك.

و أمّا إذا كانت العين باقية، و سقط خياره لجهة من الجهات، فالأرش ثابت حسب الأفهام العرفيّة.

و من هنا يطلع وجه الحكم في سائر أصناف البيع، و في سائر العقود المعاوضيّة، بل و في المهر، و أُجرة المتعة، و غير ذلك؛ كلّيّاً كانت، أو شخصيّة؛ فإنّ ثبوت الخيار قطعيّ، و عليه نقل الإجماع في مثل

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 26

الإجارة «1».

و من الغريب احتمال الأرش الواقع في كلام جمع منهم، ك «اللمعة» «2»! و الأغرب ما عن «جامع المقاصد» من تصحيحه، و نفي البعد عنه «3»، و هكذا «المسالك» «4»!! مع أنّ أخبار المسألة واضحة فيما لا يمكن الالتزام به، فالتجاوز عنها إلىٰ غير موردها ممّا لا معنىٰ له. بل إلغاء الخصوصيّة ممنوع؛ لأنّه أحياناً يشبه القياس، ضرورة أنّ البيع- لكثرة الابتلاء به يكون أحياناً مخصوصاً بالأحكام الخاصّة، دون غيره.

و

أمّا البحث من جهة الكلّية و الشخصيّة، فقد مرّ بما لا مزيد عليه.

و أمّا ما في «التذكرة» بعد قوله: «لا نعلم خلافاً» في مسألة وجدان المستأجر عيباً في العين المستأجرة أنّه بالخيار إذا كان ممّا يتفاوت به الأُجرة «5» فهو من المشكل تصديقه؛ لأنّه يرجع إلىٰ خيار الغبن، مع أنّ الضرورة قائمة علىٰ أنّ العيب موجب للخيار و لو باع بأقلّ من القيمة؛ بشرط عدم ظهوره في التبرّي و إسقاط الخيار و الأرش.

______________________________

(1) جواهر الكلام 27: 313.

(2) اللمعة الدمشقيّة، ضمن الروضة البهيّة 2: 4/ السطر 8.

(3) جامع المقاصد 7: 92.

(4) مسالك الأفهام 5: 180.

(5) تذكرة الفقهاء 2: 322/ السطر 17.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 27

الجهة السادسة في مسقطات الردّ

اشارة

و هي أُمور:

الأوّل الإسقاط

اشارة

سواء كان تصريحاً، أو ما يقوم مقامه عند العرف و العقلاء، و يسقط بينه و بين ربّه بجميع المظهرات و لو لم تكن عرفيّة، و من ذلك إخباره بالالتزام بالعقد.

هذا، و غير خفيّ: أنّ حديث الإسقاط بعد مفروغيّة كون الردّ حقّا، و إلّا فلو كان جواز الردّ حكماً فلا يسقط، و لأجله ربّما يشكل الأمر هنا؛ لأجل أنّ ظاهر كلمات القوم: أنّ خيار العيب هو التخيير بين ردّ الكلّ، أو مجموع العقد، أو ردّ بعض العقد و أخذ الأرش.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 28

و هذا ليس من الحقّ الوضعيّ الثبوتيّ القائم بالعقد، كما في خيار المجلس، و الحيوان، و أمثالهما، و لا بالعين، بل هو تخيير في المعنى الحدثيّ، كما في الواجبات التخييريّة، أو المستحبّات المخيّرة، فكيف يعتبر سقوطه؟! لأنّه يرجع إلىٰ شرط يخالف الكتاب؛ لكونه من التخيير الترخيصيّ الشرعيّ.

اللهمّ إلّا أن يقال: إباحة مراجعة المشتري إلىٰ البائع بالردّ أو الأرش، ليست من الكتاب المقصود في محلّه.

و بالجملة: لو كان حقّا فقبوله الإسقاط غير بعيد؛ لأنّه أثر عامّ له؛ و إن أمكن أن يكون أثر آخر قائماً مقامه، و كافياً لاعتبار حقّه، كالتورّث مثلًا.

فعلى كلّ: قضيّة النصّ و الفتاوىٰ عدم ثبوت المعنى الخارجيّ الاعتباريّ القائم بشي ء، إمّا العقد، أو العين؛ حسب الخلاف المعروف في مصبّ الخيار الحقّي، و قد مرّ تحقيقه فيما مضى، و ذكرنا هناك: أنّ اختصاص التورّث و الإسقاط بكون الساقط معنى وضعيّاً خارجيّاً، غير مبرهن؛ فإنّ الخيار عندنا ليس قائماً بالعين، و لا بالعقد، بل هو اعتبار بيد العاقد، و مفتاح لديه لحلّ العقد اللازم. و توصيف العقد ب «الخياريّ» مجاز، و تفصيله محرّر في محلّه.

و هذا

و لو كان معنىً خارجيّاً اعتباريّاً في سائر الخيارات، و لكن لا يلزم أن يكون خيار العيب مثله؛ لما عرفت من امتناعه، بمعنى المناقضة في الاعتبار. و مجرّد الاعتباريّة لا يكفي لتجويزه، و إلّا يلزم أن يعتبر أحد الشيئين نجساً، لا بعنوان كلّي، فإنّه خارج عن البحث في المقام، و لا يعتبر

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 29

في مثل مسألتنا، كما لا يخفىٰ.

نعم، الالتزام بالحقّين المتعيّنين ممكن، و لكن لا يلزم من الرجوع إلى الأرش سقوط الخيار، اللهمّ إلّا أن يدّعىٰ أنّ الشرع اعتبر سقوطه بعد الأرش، فيكون نفس أخذه من مسقطاته.

فعلى كلّ تقدير: يعتبر العقلاء أنّ للمشتري أن يردّ، و له أن يأخذ بالأرش، و يعتبر ثانياً: أنّ له أن يعيّن أمره في الرجوع إلى الأرش بالانصراف عن الفسخ؛ و بالالتزام بالعقد. و هذا ليس معناه الحقّ الخارجيّ، بل هو أمر آخر ينتزع من التجويز المتعلّق بالمعنى الحدثيّ؛ من غير كونه حقّا اصطلاحيّاً.

و بالجملة تحصّل: إمكان الالتزام بالعقد؛ من غير أن يسري ذلك إلى التزامه بالعيب ثبوتاً.

نعم، ربّما يكون اللفظ إثباتاً ظاهراً في ذلك، كما إذا قال: «انصرفت عن حقّي في هذه المعاملة» فإنّ إطلاقه مأخوذ به عند المرافعة، و إلّا فبينه و بين ربّه له التقاصّ إذا كان له فيه الحقّ الباقي، فتأمّل.

بقي شي ء: حكم الإعراض و الإخبار عن السقوط

قد عرفت في محلّه: أنّ الخيار اعتبار وضعيّ، و موضوعه المتعامل، و هو بمثابة الاختيار التكوينيّ، و هذا المعنى الوضعيّ الاعتباريّ الخارجيّ يسقط بالإنشاء، كما يسقط سائر الحقوق به، و هذا هو المقصود من المسقط الأوّل.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 30

و بمثابة ذلك هو السقوط الحاصل من الإعراض و الإخبارِ عن الالتزام و السقوط. و لا

يلزم كذب خبره بعد كونه حاصلًا بنصّ الإخبار، و تقدّم الإخبار على الخبر في الرتبة، لا يوجب كذبه، فلا يلزم خلل في إرادة الإخبار و الجدّ به.

و توهّم عدم كفاية الإعراض، إن كان ناشئاً عن المناقشة في كبرى المسألة، فقد تحرّر أنّه أمر عقلائيّ؛ و قد يستفاد من الأخبار المتفرّقة «1»، و لا سيّما ما ورد في الأراضي التي جلا عنها صاحبها «2».

______________________________

(1) السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال: و إذا غرقت السفينة و ما فيها، فأصابه الناس، فما قذف به البحر على ساحله فهو لأهله، و هم أحقّ به، و ما غاص عليه الناس و تركه صاحبه فهو لهم.

الكافي 5: 242/ 5، الفقيه 3: 162/ 714، وسائل الشيعة 25: 455، كتاب اللقطة، الباب 11، الحديث 1 و 2.

حريز، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: لا بأس بلقطة العصي، و الشظاظ، و الوتد، و الحبل، و العقال، و أشباهه، قال: و قال أبو جعفر (عليه السّلام): ليس لهذا طالب.

الكافي 5: 140/ 15، تهذيب الأحكام 6: 393/ 1179، وسائل الشيعة 25: 456، كتاب اللقطة، الباب 12، الحديث 1 و 3.

عبد اللّٰه بن سنان، عن ابي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: من أصاب مالًا أو بعيراً في فلاة من الأرض، قد كلّت و قامت، (و سيّبها صاحبها ممّا لم يتبعه)، فأخذها غيره، فأقام عليها، و أنفق نفقة حتّى أحياها من الكلال و من الموت، فهي له، و لا سبيل له عليها، إنّما هي مثل الشي ء المباح.

الكافي 5: 140/ 13، تهذيب الأحكام 6: 392/ 1177، وسائل الشيعة 25: 458، كتاب اللقطة، الباب 13، الحديث 2 و 3 و

4.

(2) محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول و سئل عن الأنفال فقال: كلّ قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها فهي نفل للّٰه عزّ و جلّ، نصفها يقسّم بين الناس و نصفها لرسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، فما كان لرسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فهو للإمام.

تهذيب الأحكام 4: 133/ 372، وسائل الشيعة 9: 526، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 7، و في هذا الباب أحاديث كثيرة.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 31

نعم، مجرّد الإعراض القوليّ لا يكفي؛ علىٰ إشكال فيه أيضاً.

و ربّما يتصور الإعراض العمليّ هنا بالإعراض عن العين نفسها، كما أنّه يجوز إنشاء السقوط بالجمل الإخباريّة على الأنحاء الشتّى، كالإخبار عن تصرّفه فيها خارجيّاً، أو اعتباريّاً، و إخباره عن انعدامها، و غير ذلك.

فبالجملة: إن كان منشأ المناقشة في كفاية الإعراض؛ أنّه لا يتصوّر الإعراض المفيد، و هو العمليّ، و يتصوّر غير المفيد منه؛ و هو القولي، فقد عرفت ما فيه. مع أنّ الإعراض القوليّ من الإنشاء بصورة الأخبار. اللهمّ إلّا أن يريد الإخبار واقعاً.

فعلى كلّ تقدير: هذه الأُمور كلّها مندرجة في المسقط الأوّل؛ لأنّ المقصود أعم و لو كان عنوان القوم أخصّ، و الأمر سهل.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 32

الثاني التصرّف

اشارة

و في كونه من الإسقاط بالفعل وجه، فيندرج في المسقط الأوّل؛ لأنّ من التصرّفات ما يكون قابلًا لأن يريد المالك به إنشاء سقوط خياره ثبوتاً، و منها ما لا يريد به بينه و بين ربّه، إلّا أنّ العقلاء يعتبرونه ساقطاً حسب النوع و العادة.

و بالجملة: هنا أمران:

أحدهما: السبب الذي يؤثّر في السقوط؛ بناء على السببيّة و المسبّبية

في أبواب الإنشاءات و الإيقاعات.

و ثانيهما: ما يكون موضوعاً لاعتبار سقوط الخيار؛ و إن لم يكن من الأسباب، إلّا أنّهما بحسب النتيجة واحد.

فمن الأوّل هو الإسقاط القوليّ؛ و من الثاني هو الفعليّ.

و لعلّ ما ذكرناه يجري في عقد البيع و المعاطاة؛ فإنّ الأوّل يصحّ اعتباره سبباً، و الثاني بالموضوعيّة لاعتبار الملكيّة أقرب، و إن كان القول بالموضوعيّة أولىٰ بافق التحقيق مطلقاً، إلّا أنّ العرف يساعدنا علىٰ السببيّة جدّاً.

فعلى هذا، فربّما يكون الفعل موضوعاً للسقوط فلا بحث، و لا نحتاج إلى الأدلّة الخاصّة.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 33

و أمّا فيما إذا لم يكن سبباً، و لا موضوعاً لاعتبار سقوط الخيار و انصرافه عن حقّه، فهل الشرع اعتبر هنا أمراً زائداً علىٰ ما عند العرف، أم لا؟ قولان:

فعن المشهور المدّعىٰ عليه الإجماع هو الأوّل؛ و يظهر عن جماعة منهم الثاني.

قال في «الجواهر»: «و يسقط الردّ خاصّة بإحداثه فيه حدثاً- كالعتق؛ و قطع الثوب بلا خلاف معتدّ به، بل في «المختلف» «1» و عن «شرح الإرشاد» للفخر «2» الإجماع عليه؛ سواء كان قبل العلم بالعيب، أو بعده» «3» انتهىٰ.

و عن «المبسوط»: «أنّ التصرّف قبل العلم لا يسقط الخيار» «4» انتهىٰ.

و حيث إنّ العبارات المحكيّة عنهم مختلفة، و الآراء- مضافاً إلىٰ ظهورها في الخلاف مستندة إلى الأدلّة الموجودة، فالإجماعات المحكيّة لا ترجع إلىٰ محصّل، بل و لا إجماع إلّا علىٰ ما تحرّر في محلّه «5». و إلّا فلو كان إجماع و اتفاق واقعاً علىٰ أمر مع تشتّت الأخبار،

______________________________

(1) مختلف الشيعة: 373/ السطر 38.

(2) مفتاح الكرامة 4: 626.

(3) جواهر الكلام 23: 239.

(4) جواهر الكلام 23: 239، لاحظ المبسوط 2: 127، قال: إذا اشترىٰ جارية حائلًا فولدت في ملك

المشتري عبداً مملوكاً، ثمّ وجد بالأُمّ عيباً، فإنّه يردّ الامّ.

(5) لاحظ تحريرات في الأُصول 6: 358 363.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 34

فاحتمال تخلّل الاجتهاد بعيد؛ لأنّ الفقهاء العظام في كثير من المسائل الكلّية و الجزئيّة مختلفون؛ حتّى لا يكون لواحد منهم رأي مستقرّ، فمن الاتفاق يتبيّن: أنّ المسألة ليست اجتهاديّة عندهم، بل هي من المسائل المتلقّاة خلفاً عن السلف الصالح.

و الظاهر أنّ المسألة هنا اجتهاديّة، فلنرجع إلىٰ أدلّتها:

الأدلّة الخاصّة في مسقطية التصرّف

فمنها بعض الأخبار الخاصّة: كمعتبر «1» زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «أيّما رجل اشترىٰ شيئاً و به عيب و عَوار لم يتبرّأ إليه، و لم يبيّن له، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئاً؛ ثمّ علم بذلك العَوار و بذلك الداء؛ أنّه يمضي عليه البيع، و يردّ عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به» «2».

و قضيّة إطلاقه أنّ الإحداث تمام الموضوع، و لا فرق بين صورتي العلم و الجهل، و لا بين أقسام الحوادث و الأمتعة.

نعم، الظاهر أنّ إحداثه موجب لذلك، لا مجرّد حدوث الحادثة المغيّرة للموضوع و العين، و علىٰ هذا يمكن دعوى: أنّ الأحداث المستندة إلى المالك موضوع لاعتبار العقلاء سقوطَ الخيار.

______________________________

(1) سنده في الكافي هكذا: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن موسى بن بكر، عن زرارة.

(2) الكافي 5: 207/ 3، تهذيب الأحكام 7: 60/ 257، وسائل الشيعة 18: 30، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 35

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ المفروض جهله بالعيب، و في هذه الصورة يشكل الموضوعيّة العرفيّة. و المراد من إطلاقه السابق، هو

الإطلاق من جهة علمه: بأنّ ما أحدث فيه الحدث هو المبيع، أم غيره.

و المناقشة في سندها لأجل موسى بن بكر الواقفيّ «1»، قابلة للدفع عندنا؛ لقيام الأمارات علىٰ اعتباره. و توصيف السند المذكور ب «الصحّة» غير جائز، بل و لا ب «الموثّقة» حسب الاصطلاح؛ و إن أطرحنا هذه المقاسمة بين الأخبار في محلّها.

و من الأخبار الخاصّة؛ مرسلة «2» جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما: في الرجل يشتري الثوب أو المتاع، فيجد فيه عيباً.

فقال: «إن كان الشي ء قائماً بعينه ردّه على صاحبه، و أخذ الثّمن، و إن كان الثّوب قد قطع أو خيط أو صبغ، يرجع بنقصان العيب» «3».

و المناقشة في الإرسال قابلة للدّفع؛ فإنّ كونه عند ابن درّاج من بعض الأصحاب، و كونَه ممّن يروي من أحدهما، يشهدان علىٰ أنّه من الكبار الأعاظم؛ و كثير الرواية، لأنّ هذه الأخيرة من خصوصيّات مثل ابن

______________________________

(1) ذكر الشيخ الطوسي في أصحاب الكاظم (عليه السّلام): «موسى بن بكر الواسطي، أصله كوفي، واقفي له كتاب، روىٰ عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)».

رجال الطوسي: 259.

(2) السند في الكافي هكذا: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن بعض أصحابنا.

(3) الكافي 5: 207/ 2، الفقيه 3: 136/ 592، وسائل الشيعة 18: 30، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 3.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 36

مسلم «1» كثيراً، و زرارة أحياناً «2»؛ فلا تخلط.

هذا مع أنّ حديث أصحاب الإجماع، أيضاً يورث شيئاً.

نعم، قد مرّ أنّ هذه الأخبار مورد الإعراض؛ لصراحتها في التخيير الطوليّ، و الشهرة السابقة قائمة علىٰ التخيير العَرضي، بخلاف الخبر الأوّل، فإنّه في مقام بيان زمان لزوم البيع، لا أصل التخيير بين الردّ و

الأرش، فما أُفيد في المقام حول الأخبار غير تامّ صدراً و ذيلًا.

و علىٰ البناء على الصحّة يلزم المعارضة؛ لأنّ قضيّة الأوّل أنّ الحدث المستند مسقط، و قضيّة الثاني أنّ التغيّر مسقط و لو لم يكن مستنداً إلىٰ المالك، فإن كان المراد من «الحدث» هو التغيّر فتلزم المعارضة بينهما؛ لأنّ ظاهر الأوّل أنّ التغيّر المستند مسقط، و ظاهر الثاني عدم اعتبار الاستناد في ذلك، و لا سيّما بعد قوله: «قد قطع أو خيط» علىٰ صيغة المجهول، فتكون النسبة بينهما الإطلاق و التقييد لولا ظهور الثاني في إلقاء قيديّة الاستناد، فتكون بينهما المباينة.

و إن كان المراد من «الحدث» مطلق التصرّف المجتمع مع عدم التغيّر، كما في أخبار تقبيل الجارية و لمسها «3»، فإنّ فيها عدّ ذلك من

______________________________

(1) لاحظ معجم رجال الحديث 17: 445 451.

(2) لاحظ معجم رجال الحديث 7: 454 457.

(3) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترىٰ حدثاً قبل الثلاثة الأيّام فذلك رضا منه فلا شرط، قيل له: و ما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبّل أو نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء. الحديث.

الكافي 5: 169/ 2، تهذيب الأحكام 7: 24/ 102، وسائل الشيعة 18: 13، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4، الحديث 1.

علي بن رئاب قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل اشترى جارية، لمن الخيار؟ فقال: الخيار لمن اشترى إلىٰ أن قال: قلت له: أ رأيت إن قبّلها المشتري أو لامس؟ قال: فقال: إذا قبّل أو لامس أو نظر منها إلىٰ ما يحرم على غيره فقد انقضى الشرط و لزمته.

قرب الإسناد: 78، وسائل

الشيعة 18: 13، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4، الحديث 3.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 37

الأحداث، فيلزم العموم من وجه بين الخبرين؛ ضرورة أنّ قضيّة الأوّل في صورة التصرّف سقوط الخيار، و قضيّة الثاني خلافه؛ لأنّ العين باقية.

و الذي هو التحقيق أوّلًا: أنّ المرسلة ضعيفة لا لذاتها، بل للإعراض عنها، فلا تصلح للمعارضة، فالمعتبر الأوّل يتخذ في المسألة.

و ثانياً: أنّ النسبة عموم مطلق؛ لأنّ ظهور الأوّل في الاستناد غير واضح؛ و علىٰ فرض الوضوح ذاتاً، يكون الثاني شاهداً علىٰ أنّ الاستناد ليس شرطاً، و لا قيداً؛ بل هو أحد مصاديق التغيّر، فالتغيّر تمام الموضوع، و إحداث شي ء فيه أحد أفراده، و لا سيّما بعد نسبة «الإحداث» إلىٰ «الشي ء» لا إلىٰ «الحدث»، كما في أخبار خيار الحيوان؛ فإنّ قوله: «أحدث حدثاً» «1»، يناسب التصرّفات المطلقة، بخلاف قوله (عليه السّلام)

______________________________

(1) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال: من اشترى أمة فوطأها أو قبّلها أو لمسها أو نظر منها إلى ما يحرم علىٰ غيره، فلا خيار له فيها و قد لزمته.

و كذلك إن أحدث في شي ء من الحيوان حدثاً قبل مدّة الخيار، فقد لزمه، أو إن عرض السلعة للبيع.

دعائم الإسلام 2: 45/ 110، مستدرك الوسائل، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4، الحديث 1.

محمّد بن الحسن الصفّار قال: كتبت إلى أبي محمّد (عليه السّلام) في الرجل اشترى من رجل دابّة فأحدث فيها حدثاً من أخذ الحافر أو أنعلها أو ركب ظهرها فراسخ، إله أن يردّها في الثلاثة الأيّام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها أو الركوب الذي يركبها فراسخ؟ فوقّع (عليه السّلام): إذا أحدث فيها حدثاً فقد وجب الشراء إن شاء اللّٰه.

تهذيب الأحكام

7: 75/ 320، وسائل الشيعة 18: 13، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4، الحديث 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 38

«أحدث. شيئاً»، فلا تباين بينهما، و لا ظهور للأوّل في التقييد حتى يقال: بأنّ الخبرين موجبان؛ أو متباينان؛ بل مفاد الأوّل مصداق من مفاد الثاني؛ لأنّ النسبة الحرفيّة مغفولًا عنها غالباً.

و ثالثاً: لو كان بينهما العموم من وجه، فمنشؤُه تخيّل أنّ الحدث و التصرّف قد يجتمعان؛ إمّا لأجل ما في أخبار خيار الحيوان من «إحداث الحدث» الأعمّ، أو لأجل ما فيها من تطبيق الحدث علىٰ التقبيل و نحوه.

و في كلا الوجهين نظر واضح:

فلو فرضنا تماميّة النسبة، فالأُولىٰ ربّما تقدّم علىٰ الثانية للأقوائيّة؛ ضرورة أنّ الرواية الأُولىٰ تقتضي سقوط الخيار بالتصرّف، لأنّه الحدث، و المرسلة تقتضي بقاءه، و هي دليل حيث لا دليل.

و فيه ما تحرّر: من أنّه لو ثبت اعتبارها فهي كالأُولىٰ.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 39

أو يقال: إنّ الاولىٰ عامّ بدليّ لفظيّ، فيقدّم علىٰ الثاني الثابت بمقدّمات الإطلاق؛ و ذلك لأنّ مفاد الاولىٰ أنّ المالك إذا أحدث حدثاً في المبيع فلا خيار، و مفاد الثانية أنّه إذا كانت العين باقية بعينها فله الخيار، ففيما إذا كان فيها الحدث، و كانت العين باقية بعينها، يلزم سقوط الخيار و ثبوته، إلّا أنّ الاولىٰ تثبت الخيار؛ لقوله: «أيّما» و الثانية تُثبت بالإطلاق.

و فيه أيضاً ما تحرّر في محلّه، مع أنّ كونهما من باب تعارض العموم و الإطلاق محل المناقشة، كما لا يخفىٰ.

فروع المقام
اشارة

فالمحصول ممّا قدّمناه فروع:

الأوّل: لو كان المبيع متغيّراً بتغيير المالك مباشرة أو تسبيباً، يسقط الخيار

حسب الخبرين «1»، و هو قضيّة حكم العقلاء و بنائهم.

الثاني: لو كان ما يحدث غير مغيّر للعين عرفاً، كالصبغ، و لا سيّما بالوجه الأتمّ، فإنّه أيضاً يوجب السقوط

للخبرين؛ ضرورة أنّه من إحداث الشي ء و مورد النصّ في الخبر الثاني.

الثالث: لو كان التصرّف غير مغيّر فلا يوجب السقوط؛

لعدم صدق العنوانين.

نعم، بناء علىٰ استفادة مسقطيّة مطلق التصرّف، يلزم السقوط. إلّا

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 34 و 35.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 40

أنّها في غير محلّها؛ لأنّ غاية ما يدلّ عليه خبر اشتراء الجارية، و قد مرّ في محلّه ما يتعلّق به، و لا يجوز التجاوز عنه إلىٰ سائر الأمتعة لو احتملنا الخصوصيّة. مع أنّ في أخبار اشتراء الجارية ما يعطي أنّ بالوطء يسقط «1»، فيكون النظر و التقبيل في بعض الأخبار «2» كناية عنه أحياناً، فراجع.

الرابع: في صورة العلم بالعيب، ثمّ التغيير و الإحداث، لا يبعد السقوط؛

لأجل القواعد كما مرّ، و هو المستفاد من الخبرين «3» أيضاً؛ لأنّ الأوّل و إن كان مورده الإحداث حال عدم العلم، إلّا أنّ مع العلم أولىٰ بذلك، فالتغيير المستند إليه علماً يوجب السقوط.

الخامس: لو تغيّر المبيع بتغيير الأجنبيّ أو بنفسه أو بالحادثة

______________________________

(1) محمّد بن ميسر، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: كان عليّ (عليه السّلام) لا يردّ الجارية بعيب إذا وُطئت، و لكن يرجع بقيمة العيب، و كان عليّ (عليه السّلام) يقول: معاذ اللّٰه أن أجعل لها أجراً.

الفقيه ص 3: 139/ 611، وسائل الشيعة 18: 104، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 4، الحديث 8، و أيضاً في هذا الباب الحديث 1 و 5 و 6 و 7.

عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: لا تردّ التي ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها، و له أرش العيب، و ترد الحبلى و يرد معها نصف عشر قيمتها.

الكافي 5: 214/ 3، تهذيب الأحكام 7: 62/ 267، وسائل الشيعة 18: 105 106، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 5، الحديث 3.

(2) انظر وسائل الشيعة 18: 13، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4، الحديث 1 و 3، و: 105، أبواب أحكام العيوب، الباب 5، الحديث 2.

(3) تقدّم في الصفحة 34 و 35.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 41

السماويّة، فمقتضى المرسلة «1» سقوط الخيار؛ لانطباق عنوانها عليه، و مقتضى الخبر الأوّل «2» بقاؤه؛ لعدم انطباق عنوانه عليه، بناءً علىٰ استفادة أنّ الظاهر منه انحصار السقوط بإحداثه مباشرة أو تسبيباً مثلًا؛ لأنّ أخذ القيد- و لا سيّما في الوضعيّات يوجب الحصر، فيلزم هنا مفهوم القيد، لا الشرط، و لا اللقب؛ لأنّ قوله: «فأحدث» من قيود موضوع اللزوم؛ و ليس «الفاء» في «فأحدث» جواباً لمعنى الشرط المستفاد من كلمة

«أيّ» فلا تخلط.

اللهمّ إلّا أن يقال بما مرّ البحث فيه من وجه سقوط القيد و النسبة الحرفيّة؛ بمساعدة فهم العقلاء و بنائهم في المحاكم العرفيّة.

و لعمري، إنّ في الخبر الأوّل نسبتين: نسبة الإحداث إلى المشتري، و نسبة العلم بالعَوار، فهل يحتمل دخالة علمه به بنفسه؛ بحيث لو أعلمه به غيره لا يكون ذلك كافياً؛ لانصراف علمه إلىٰ توجّهه بنفسه؟! فلا تكن من الخالطين.

بقي شي ء في مسقطيّة مطلق التصرّف

ربّما يستظهر من كلمات جمع؛ أنّ التصرّف موجب للخيار، و يستظهر

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 35.

(2) تقدّم في الصفحة 34.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 42

ثانياً أنّ المراد منه غير التغيير، و قد أطال الكلامَ شيخنا الأنصاريّ (رحمه اللّٰه) حول المسألة «1»، إلّا أنّ المتّبع هو البرهان؛ بعد ظهور استنادهم إلى الأخبار، و المحكّم هو الوجدان؛ بعد معلوميّة استنادهم إلى الآثار. مع أنّ المنسوب إلىٰ جمع منهم «2» عدم كفايته.

و أمّا احتمال لزوم كون التصرّف أو التغيير، مستنداً إلىٰ المالك، فصريح كلام جمع خلافه.

فتحصّل: أنّ نفس التصرّف غير المقرون بالرضا الآتي تفصيله، و غير المقرون بالتغيّر، ليس مسقطاً بالضرورة، و إلّا فلا يبقى الخيار.

تنبيه: حكم التغيّر بتسبيب المالك

إذا كان التغيّر بتسبيب المالك، فعلى ما ذكرناه فلا بحث.

و أمّا على القول: بأنّ القدر المتيقّن من موجب السقوط هو التغيير المستند إليه، و عند الشكّ يرجع إلى الإطلاق أو الأصل، فيشكل الأمر، و لا سيّما في بعض صور التسبيب، فلا تغفل.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 255/ السطر 2 و ما بعده.

(2) لاحظ نفس المصدر.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 43

الثالث الالتزام و الرضا بالبيع

اشارة

فإنّه أيضاً يوجب السقوط؛ حسبما يظهر من جملة العبارات، فلو كان المالك بينه و بين ربّه ملتزماً بالبيع، و بنىٰ عليه، و رضي به رضا ثانياً، لا الرضا الأوّل اللازم في أصل تحقّقه، فيلزم سقوطه، سواء كان ذلك بمظهر خارجيّ قوليّ، أو تصرّف، أو تغيّر. و انضمام التصرّف إليه لأجل كشفه، و إلّا فلا مقوّميّة له، و لا جزئيّة، و لا شرطيّة.

و لعلّه الذي يستظهر أوّلًا: من كلمات جلّهم.

و ثانياً: ممّا ورد في خيار الحيوان بأنّ «ذلك رضا منه» «1» فكأنّ أصل المسقط هو الرضا، و التصرّف من مصاديقه الادعائيّة، لالتصاق الرضا به، و اقترانه معه.

و يؤيّد كفايته لسقوط الخيار؛ حكم العرف المطلع علىٰ أنّه التزم به قلباً، و بنىٰ علىٰ أن لا يردّ المبيع إلى البائع، و لذلك حكم

______________________________

(1) علي بن رئاب، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة الأيّام فذلك رضا منه فلا شرط، قيل له: و ما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبّل أو نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء. الحديث.

الكافي 5: 169/ 2، تهذيب الأحكام 7: 24/ 102، وسائل الشيعة 18: 13، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4،

الحديث 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 44

الأصحاب كثيراً بأنّ في مواقع التصرّف المقرون بالعلم يسقط الخيار؛ لانكشاف الرضا به «1»، و قد علّل بعضهم بما في أخبار خيار الحيوان.

و الذي قد تحرر: أنّ الخيار حقّ قائم بالمالك المتعامل، لا العقد، و لا العين.

و أيضاً تحرّر: أنّ في هذه المسألة يكون المالك مخيّراً بين الردّ و الأرش، و هو أمر ينتزع منه الحقّ، لا على الاصطلاح، فلا ثبوت لهذا الخيار حتّى يسقط بالالتزام و الرضا، سواء كان مظهراً، أو غير مظهر.

نعم، ذلك الحقّ الانتزاعيّ التسامحيّ العرفيّ، يقبل السقوط بالإسقاط، و أمّا سقوطه بالالتزام، أو بالتصرّف المقرون به، أو بالالتزام المظهر بالتصرّف- بأيّ تصرّف كان فهو ينافيه إطلاق دليل التخيير؛ و أنّ له الردّ ما دامت العين باقية و لم يحدث فيه شيئاً.

اللهمّ إلّا أن يقال: سقوط الخيار الحقّي بالرضا المذكور، يوجب سقوط مثله بالأولويّة.

و بالجملة: مجرّد البناء الثبوتيّ غير كافٍ، لقصور الأدلّة. و قد مرّ ما يتعلّق بقوله (عليه السّلام): «ذلك رضا منه» فإنّ استفادة المفهوم البيّن منه- علىٰ وجهٍ يتجاوز من خيار الحيوان إلىٰ أمثال المسألة في غاية الإشكال.

و أمّا اقترانه بالمظهر، مع بنائه الواقعيّ علىٰ انصرافه عن الحقّ المذكور، فهو موجب للزوم البيع بحكم العقلاء.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّه مردود بإطلاق دليل الردّ و خيار العيب

______________________________

(1) المقنعة: 597، النهاية: 393، الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 526/ السطر 13.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 45

الثابت، فلاحظ و تأمّل.

تذنيب حول كون التلف من المسقطات
اشارة

في كلام الشيخ (رحمه اللّٰه): أنّ الثالث من المسقطات: هو التلف «1» و هذا غير معهود؛ ضرورة أنّ مع التغيّر إذا سقط الخيار، فلا تصل نوبة البحث إلى التلف الحقيقيّ بالضرورة.

نعم، كان ينبغي تعقيب

البحث عن مسقطيّة التغيير، بمسألة التلف الاعتباريّ؛ و أنّه إذا انتقل المعيب إلى الغير نقلًا لازماً أو جائزاً، فهل يسقط خياره، أم لا؟ فعلى السقوط فلا بحث.

و أمّا علىٰ عدم السقوط، فهل يجوز حلّ العقد مطلقاً، أم يكون ذلك بعد فسخ العقد الثاني و حلّه، أو انتقال المبيع إليه بالعقد الجديد بيعاً كان أو هبة؟

ثمّ البحث عن حدوث العيب عند المشتري الثاني، فإنّه بعد الانتقال إلى المشتري الأوّل، يثبت له الخيار الآخر بالنسبة إلى البيع الثاني؛ بدعوى انصراف دليل مسقطيّة حدوث العيب عن هذه الصورة.

أو البحث عن التفصيل بين نقل العين إلى الأجنبيّ، و إلى المالك الأوّل، و هو البائع مثلًا، فإذا حدث عنده العيب، فيكون لكلّ

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 255/ السطر 23.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 46

منهما خيار العيب بالنسبة إلى المتاع الواحد في البين، و هنا يتصوّر الغبن من الطرفين في المتاع الواحد.

و بالجملة: التصرّفات الاعتباريّة- و منها العتق من المسقطات، أم لا؟

فالبحث في ناحيتين، و نشير إليهما علىٰ سبيل الإجمال؛ لما مرّ من بعض البحوث حول ذلك في خيار الغبن.

الناحية الاولىٰ: حول سقوط الخيار بالتلف
اشارة

قد أشرنا إلىٰ أنّ تلف المعيب موجب لسقوطه.

و قد يشكل الأمر من ناحية أنّ الحقّ يسقط دون غيره، و لا حقّ في خيار العيب، بل المالك مخيّر بين المعنيين الحدثيّين، كالواجبات التخييريّة، فغاية ما يلزم عليه هو تعيّن الأرش عند تعذّر الردّ، و تصير النتيجة جواز الردّ إذا زال العذر و عاد إليه ثانياً، فلا يقاس ما نحن فيه بسائر الخيارات، كما صرّح به العلّامة المحشّي الأصفهانيّ (قدّس سرّه) «1».

و ليس بخفيّ أنّ تعيّن الطرف عقليّ لا شرعيّ، كسائر الموارد التي هي من قبيله، فإنّ الموسّع لا يصير مضيّقاً،

و المُخيّر لا يصير معيّناً، و المشروط لا يصير مطلقاً، و تحقيقه في الأُصول.

و فيه ما مرّ: من أنّ الأمر باختيار المكلّف في هذا المعنى التخييريّ غير الوجوبيّ، المشابه للحقّ، و مرّ أيضاً: أنّ هناك حقّا انتزاعيّاً

______________________________

(1) أي كما صرّح بعدم القياس، لاحظ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 98/ السطر 24.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 47

من كلّ واحد من الطرفين، و منشأ الانتزاع جواز الردّ و الأرش. و أمّا أنّ هناك حقّين ثابتين، و كون الردّ و الأرش من آثارهما، مع عدم إمكان الجمع بينهما ثبوتاً كما احتملناه أوّلًا، و اختاره الوالد المحقّق مدّ ظلّه «1»، فقد مرّ ما يتعلّق بضعفه، فالإسقاط ممكن.

كما أنّه يجوز دعوى: أنّ له إخراج أحد الطرفين من دائرة التخيير؛ لحكم الشرع بذلك.

و يشكل حكم سقوط الخيار بالتلف؛ من أجل أنّ استفادته من مرسلة جميل «2»، غير ممكنة بحسب المفهوم.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ مفهوم الشرط «إن لم يكن الشي ء باقياً علىٰ حاله» و هو ليس ظاهراً في فرض وجود الموضوع.

و فيه- مضافاً إلىٰ أنّ الاستناد إليها غير صحيح أنّ عدم الظهور ممنوع. و لو فرض ظهوره فيه فالموضوع المذكور في القضيّة- لأجل كونه من الأعيان الخارجيّة محفوظ الوجود في ناحية المفهوم؛ سواء كان السلب مقدّماً أو مؤخّراً، فإنّه لا يوجب الفرق كما تحرّر، و ما هو الموجب للفرق هو تقديم الحيثيّة على السلب و عدمه، فلا تخلط.

هذا مع أنّ «إحداث الشي ء فيه» يصدق إذا كان التلف بإتلاف المالك بالضرورة، و إذا لم يكن للإحداث المصدريّ خصوصيّة، فيلزم السقوط حسب فهم العرف في مطلق التلف.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 13.

(2) تقدّم في الصفحة 35، و فيه:

«إن كان الشي ء قائماً بعينه ردّه على صاحبه».

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 48

و دعوىٰ عدم إمكان استفادة ذلك بالأولويّة؛ لعدم كونها قطعيّة، لاحتمال عدم رضا الشرع بذلك رعايةً لجانب البائع في صورة وجود العين المعيبة «1»، فإنّها تورث إشكالًا عليه، بخلاف صورة التلف، غير مسموعة، لاستفادة ذلك من معتبر زرارة «2»، دون الأولويّة. مع أنّ المراجعة إلى البائع بادّعاء الأرش، مغروس في أذهان العقلاء إذا كانت العين باقية، فالشكّ فيه يشبه الوسوسة.

و ما أُفيد: «من أنّ التلف دائماً متأخّر عن التغيير، فيسقط الخيار قبله» «3» غير مقبول إطلاقه؛ لأنّ في صورة الاحتراق الدفعيّ أو انكسار الأواني، يكون التلف دفعيّاً، فتأمّل.

و أمّا القول: بأنّ بالتلف يسقط الخيار؛ إمّا لأجل أنّه قائم بالعين، أو لأجل أنّه خيار لا يمكن إعماله إلّا بالردّ المتوقّف علىٰ وجود العين «4»، فهو باطل؛ لما تحرّر من أنّ موضوع الخيار هو المتعاقد، لا العين، و لا العقد.

و لو كان هناك حقّ وضعيّ مردّد بين الردّ و الأرش، فيلزم سقوطهما حسب الموازين العقليّة. و ما ترى من حكم العقل في الواجب التخييريّ بتعيين الطرف، فهو لأجل عدم الجعل التخييريّ.

نعم، لنا أن نقول: إنّ الحقّ المذكور لأجل كونه منتزعاً من الردّ

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 31.

(2) تقدّم في الصفحة 34.

(3) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 34.

(4) لاحظ البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 31.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 49

المتوقّف على العين، يكون ساقطاً، و هذا و إن كان موضوعه أيضاً المتعامل، إلّا أنّ طرفه في سائر الخيارات هو العقد الباقي بالتلف، و هنا ردّ العين غير الباقي بتلف العين، فاغتنم.

و ما أُفيد وجهاً للسقوط: «من أنّ

في موارد التخيير إذا تعذّر طرف، يتعيّن الطرف الآخر، و لا تصل النوبة إلىٰ ما في طول الطرف المتعذّر، كما نحن فيه» «1» غير تامّ؛ لأنّ ردّ البدل من أحكام الفسخ، و الفسخ غير متعذّر؛ لبقاء العقد.

نعم، هنا وجه: و هو أنّه إذا فسخ المشتري، فلا يترتّب عليه الأثر في القيميّات؛ لأنّ الثمن الموجود عند البائع قيمة العين التالفة مع زيادة، و رجوعها إليه- حسب العادة يوازي رجوع الأرش إلى المشتري، فافهم و اغتنم.

بقي تنبيه: في انفساخ العقد بالتلف

و هو أنّ قضيّة قاعدة «التلف في زمن الخيار ممّن لا خيار له» سواء كان انفساخ العقد قبل التلف آناً ما، أو كان تعبّداً صرفاً هو سقوط البحث المذكور، و لا معنىٰ لكون الأرش على البائع، بل عهدة العين بتمامها عليه.

قلت: نعم، و لكنّ هذه القاعدة غير جارية في خيار العيب، أو مخصوصة بالخيارات الموقّتة المحدودة، كخيار الحيوان، و المجلس،

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 34 35.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 50

و التأخير، مثلًا، و لو كانت جارية فيما نحن فيه فالبحث تقديريّ.

الناحية الثانية: في التلف الحكميّ
اشارة

و فيه وجوه و احتمالات: من سقوط الخيار مطلقاً، كما هو ظاهر الأكثر «1»، و من عدم السقوط كما ربّما يقوىٰ في النظر صناعة، و من التفصيل بين النقل اللازم و الجائز «2» كما يظهر من تعليل بعضهم، أو التفصيل بين مثل الانعتاق غير القابل للرجوع، و غيره «3».

فربّما يقال: إنّ قضيّة الصناعة و لو كانت بقاءه، إلّا أنّ فيما نحن فيه يتعيّن السقوط؛ لأجل امتياز هذا الخيار عن سائر الخيارات، فإنّ موضوعه في غيره هو العقد الباقي في الاعتبار، كما مرّ في خيار الغبن تفصيله، و لا معنىٰ للالتزام ببقائه لو كان موضوعه العين المنقولة؛ لأنّ لحقّ الخيار الثابت على العين أحكاماً لا يمكن الالتزام بها بعد النقل. و كون الخيار باقياً متعلّقاً بالعين غير محكوم بتلك الأحكام، لا يناسبه ذات الخيار، كما لا يخفىٰ.

و أمّا فيما نحن فيه، فالخيار يتعلّق بالردّ المتقوّم ببقاء الملكيّة؛ لأنّ المراد من «الردّ» هو الردّ في الملكيّة، فالحقّ بعد زوال الملكيّة

______________________________

(1) لاحظ مفتاح الكرامة 4: 626/ السطر 13، و 641/ السطر 2 3.

(2) المبسوط 2: 131، جامع المقاصد 4: 342.

(3) المقنعة:

597 598، النهاية: 393 394.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 51

ساقط حسب الصناعة، بعد وضوح أنّ المقصود من «الردّ» في الأخبار هو الردّ فيها، فلا فرق بين أقسام النقل و الانعتاق.

أقول: قضيّة ما تحرّر منّا؛ أنّ خيار العيب حقّ ينتزع من إمكان الردّ، و ليس هو مثل الحقوق الأُخر؛ لأنّه بنحو الترديد، فهو طبعاً لا بدّ و أن يكون قابلًا لأن يكون طرف التخيير، كما مرّ تفصيله. فإذا كان سبب اعتباره إمكان الردّ:

فإن كان المستفاد أو المنصرف من الأدلّة إمكانَ ردّه إلىٰ ملكيّة البائع؛ من غير النظر إلىٰ خروج عن ملك المشتري ملكاً فعليّاً أو ملكاً سابقاً أو أصل الملكيّة و السلطنة، فلا وجه لسقوطه؛ ضرورة أنّ إمكان الردّ باقٍ و لو باستدعاء المشتري أن يردّ الأجنبيّ المتاع إلى البائع، فإنّ له فسخ العقد بمجرّد تمكّنه من الردّ و لو مع الواسطة؛ لعدم دليل على الاختصاص، بل قضيّة الإطلاق بقاؤه.

و إن قلنا كما هو الأقرب-: إنّ المتفاهم العرفيّ هو إمكان الردّ إلى الملكيّة من ملك المشتري و صاحب الخيار، فإذا عاد إليه- و لو بالاشتراء من الأجنبيّ أو من البائع أو بالإقالة أو التورّث و غيره يجوز فسخه؛ لبقاء خياره، لأنّ الموضوع هو التمكّن من الردّ، لا نفس الردّ الخارجيّ، أو الردّ العنوانيّ؛ حتّى يتوجّه إليه بعض الإشكالات «1»، كما

______________________________

(1) لاحظ البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 32.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 52

يظهر من العلّامة المحشّي الأصفهاني (قدّس سرّه) «1».

و لو قلنا: بأنّ المفروغ في الأخبار و الآثار- و هو ظاهر الفتاوىٰ أنّ «إحداث الحدث» أو «إحداث شي ء فيه» يشمل زوال الملكيّة، و أنّه أيّ حدث أعظم منه؟! فيسقط و لا

يعود.

و لو قلنا: بأنّ المستند هنا هو حكم العقلاء، لعدم صدق «الإحداث» المضاف إلى «الشي ء» كما هو الظاهر، فالسقوط في محلّه، إلّا أنّه يعود، كما يظهر من الفقيه اليزديّ «2»؛ لأنّ منشأ هذا الخيار و إن لم يكن قاعدة نفي الضرر، إلّا أنّ أساس جعل الخيار باعتبار الجبران للخسارة، و لا معنىٰ لتوهّم خصوصيّة الملكيّة الإضافيّة الاعتباريّة السابقة، و لذلك يثبت الخيار بعد نقل العين بالتورّث «3»، مع زوال الملكيّة قطعاً.

و توهّم: أنّ الملكيّة باقية، و طرفها يتبدّل عرفاً لا عقلًا، فاسد؛ لأنّ الظاهر من الأوّل نقل العين، و ما تركه الميّت يعتبر للوارث، فيكون ملكاً جديداً.

و من الغريب توهّم الفرق بين النقل اللازم و الجائز، أو الفرق بين الفسخ و غيره!! فإنّ هذه التوهّمات لا يعتنىٰ بها في محيط العقلاء؛ بعد عدم وجود دليل علىٰ خلاف حكمهم و بنائهم و فهمهم من الأخبار.

فالذي هو الأقرب من الصناعة عدم السقوط حتّى يقال بالعود

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 98/ السطر 37.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 71 72.

(3) لاحظ جواهر الكلام 23: 74 75.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 53

بعده؛ لعدم وجه لسقوطه مع تمكّنه من الردّ. و لو سقط فالعود يحتاج إلىٰ دليل، و قد مرّ عدم صلاحية الإطلاق و لا الاستصحاب للمرجعيّة في هذه المواقف.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ النقل و إن لم يكن من إحداث الشي ء في المبيع، و لا معنىٰ لفهم الأولويّة في هذه الصورة بعد بقاء العين علىٰ حالها، و لكنّه من مصاديق التصرّف المقرون بالرضا تعبّداً؛ و أنّ إحداث الشي ء لأجله أيضاً مسقط، و لكنّك عرفت في محلّه خلاف ذلك.

و ممّا ذكرنا يظهر: أنّ ما في «الجواهر»

نقلًا عن بعضهم من التفصيل بين العود قبل العلم بالعيب و بعده «1»، غير صحيح.

اللهمّ إلّا أن يقال: بعدم ثبوت الخيار إلّا بعد العلم، و هو خلاف صريح معتبر زرارة «2».

كما أنّ ما عن «المقنعة» و «النهاية»: من أنّ الهبة و التدبير لا يمنعان من الردّ، لأنّ له الرجوع فيهما، بخلاف العتق «3» غير تامّ؛ ضرورة أنّ المنع التكوينيّ مفيد، و هو ممنوع في العقود اللازمة أيضاً، و المنع التشريعيّ حاصل، و لكنّه غير مانع عنه.

نعم، في خصوص العتق يشكل. و لو فرض عود العبد المذكور رقّاً لأجل الأسباب الجديدة، يأتي البحث كما لا يخفىٰ.

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 23: 239، المبسوط 2: 131.

(2) تقدّم في الصفحة 34.

(3) المقنعة: 597 598، النهاية: 393 394.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 54

و أضعف من ذلك ما في كلام شيخنا العلّامة (رحمه اللّٰه): «من أنّه لو عاد الملك إلى المشتري لم يجز ردّه؛ للأصل» «1» انتهىٰ، فإنّ ردّ العين في الأخبار هو الردّ لأجل فسخ العقد اللّازم في أصل الشرع، فتكون المسألة من موارد تعارض الإطلاق و استصحاب حكم المخصّص لو شكّ في سقوط خياره بالنقل، كما هو مورد الشكّ.

نعم، لو قلنا بالسقوط فالعود يحتاج إلىٰ دليل.

بقي شي ء: حكم زوال العيب و عوده

إذا زال العيب بعد العقد، و كان الخيار ثابتاً قبل زواله، فهل يسقط الخيار، أم لا، أو يسقط و يعود بعود العيب الزائل؟ وجوه.

يظهر من الفقيه اليزديّ (قدّس سرّه) «2» في المسألة السابقة: أنّ المسألة تدور حول الضرر، و هو هنا منتفٍ، فالسقوط و الثبوت بعد العود قويّ عنده.

و يجوز دعوى: أنّ منشأ الخيار و إن لم يكن الضرر بالقياس إلى البائع في فرض، و إلى المشتري في الآخر، إلّا أنّه

يوجب الانصراف، فلو كان العيب زائلًا بعد العقد فلا خيار، و عوده يحتاج إلىٰ دليل، و يأتي أنّ العيب الحادث لا يوجب شيئاً.

أو يقال: إنّه فيما إذا كان عيب آخر، و أمّا إذا كان العائد هو العيب

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 255/ السطر 26.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 72/ السطر 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 55

الزائل فهو من إعادة المعدوم العرفيّ، أو يكشف عرفاً عن عدم الزوال، فلا وجه لسقوطه في الفرض الثاني، و يعود الخيار بعوده في الفرض الأوّل.

و لو شكّ، فإن كان في عوده فلا دليل عليه، و إن كان في سقوطه، فالمسألة من موارد مرجعيّة الاستصحاب و الإطلاق، و قد تحرّر في محلّه عدم صلاحية كليهما لشي ء، فيرجع إلى الأُصول الأُخر الجارية بالنسبة إلىٰ جواز التصرّفات.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 56

الرابع حدوث العيب عند المشتري

اشارة

و تمام الكلام حول هذه المسألة يستدعي البحث في جوانب:

الجانب الأوّل حول صور المسألة

لا شبهة في أنّ العيب السابق على العقد يوجب الخيار، و قد مرّ شطر و إشارة إلىٰ مسألة زواله بعد العقد و قبل القبض، أو بعد القبض و قبل الردّ و الأخذ بالأرش، و هكذا في مسألة عوده بعد زواله، و إنّما البحث هنا في حدوث العيب بعد العقد.

و هذا تارة: يكون المبيع معيوباً بعيب قبل العقد، و يحدث عيب آخر بعد العقد.

و أُخرى: يكون صحيحاً، فيحدث العيب بعد العقد.

و ثالثة: يحدث العيب بعد القبض.

و هذا أيضاً تارة: يكون المبيع معيوباً قبل القبض و العقد.

و أُخرى: يكون صحيحاً في الحالتين.

و ثالثة: يكون صحيحاً قبل العقد، و يحدث عيب بعد القبض.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 57

و على التقادير المذكورة تارة: يكون في زمن الخيارات المضمونة.

و أُخرى: بعدها. فهذه جملة من الصور.

و من المحتمل إمكان التفصيل بين قبض أحد العوضين، و كليهما، فيكون العيب بعد قبض أحدهما مثلًا موجباً لسقوط الخيار بالنسبة إلى العيب الحادث في الآخر و إن لم يقبض أو يقال بعدمه، و سيظهر وجهه إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

ثمّ إنّ العيب الموجود قبل العقد تارة: يختلف ماهيّة مع العيب الحادث.

و أُخرى: وجوداً.

و ثالثة: كمّية و كيفيّة، شدّة و ضعفاً، فيزداد العيب و يتّسع بعد العقد، أو بعد القبض؛ ضرورة إمكان اختلاف الحكم في هذه الصور، كما لا يخفىٰ.

ثمّ إنّ البحث في هذه المسألة تارة: يكون حول حدوث الخيار بالعيب الحادث بعد العقد؛ و أنّه هل يختصّ الخيار بصورة العيب الموجود قبله، أم لا؟

و أُخرى: في أنّه إذا حدث العيب بعد العقد، فهل يثبت به الأرش أيضاً، أم يختصّ دليل الأرش بالصورة المشار إليها،

أو يختصّ بما إذا لم يكن المبيع معيباً قبل العقد؟ وجوه و احتمالات.

و ثالثة: في أنّه هل يوجب سقوط الخيار الثابت بالعيب حين العقد، فيلزم مثلًا ثبوت الخيار به، و سقوط الخيار السابق، أم لا؟

و بالجملة: فهل بالعيب الحادث بعد العقد، يزول الخيار الثابت

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 58

حين العقد، أو مضافاً إلىٰ عدم زواله يثبت به الخيار الآخر، أم لا يوجب شيئاً؛ لا زوالًا، و لا حدوثاً؟

و هكذا بالنسبة إلى الأرش، إلّا أنّ الكلام هنا حول ثبوت الأرش بمثل هذا العيب الحادث، و أمّا سقوط الأرش الثابت بالعيب حين العقد فيأتي؛ لما مرّ من أنّ البحث في هذا المقام حول مسقطات الخيار فقط، فلا تخلط. هذا كلّه حول البحوث قبل القبض.

و أمّا بعد القبض و قبل مضيّ زمان الخيار- كخيار المجلس مثلًا، أو الحيوان، و الشرط فيأتي فيه البحوث السابقة أيضاً إن شاء اللّٰه تعالىٰ، و سيظهر التحقيق حول صور المسألة بعون اللّٰه تعالىٰ.

فما هو المفروغ عنه و لا خلاف فيه ظاهراً؛ أنّ العيب الحادث بعد القبض و مضيّ زمان الخيار لا يوجب شيئاً بالضرورة، و يوجب سقوط الخيار في صورة استناده إلى المالك قطعاً، و أمّا في غير هذه الصورة، أو في صورة اتساع العيب الموجود، ففيه كلام.

هذا ملخّص صور المسألة، و الجهات اللازم البحث فيها.

و غير خفيّ: أنّ من الصور ما إذا كان المبيع كلّياً أو الثمن، ثمّ بعد القبض حدث فيه العيب قبل أن يمضي زمان الخيار، فإنّه يأتي هنا أيضاً بعض المباحث المشار إليها.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 59

الجانب الثاني حول تعدّد الخيار ثبوتاً
اشارة

إذا كان المبيع معيوباً مثلًا حين العقد، و قلنا: إنّ الخيار يثبت بوجوده الواقعيّ، أو كان

المشتري عالماً به، ثمّ حدث عيب آخر ماهيّة و وجوداً، فربّما يشكل عقلًا حدوث الخيار الآخر، و ذلك لا من جهة أنّ السبب وحيد؛ و هو صِرْف الوجود، فإنّه تابع لاعتبار الشرع و الاستفادة من الأدلّة، بل من جهة أنّ طبيعيّ الخيار الثابت، لا يعقل أن يتكرّر بالوجود إلّا بعد ورود قيد على الطبيعة و المسبّب، كما تحرّر في مسألة تداخل الأسباب و المسبّبات، مع أنّ الضرورة قاضية بأنّ خيار العيب واحد.

و بالجملة: لا منع من تعدّد الخيار لتعدّد العناوين، كخيار المجلس، و الحيوان، فإنّهما خياران لأجل تلوّن الخيار الطبيعيّ بلون المجلس، و الحيوان، و الشرط، و هكذا، و أمّا خيار العيب فتكرّره كتكرّر خيار المجلس؛ بأن يكون للمالك خيارا مجلس، و يكون صاحب الحيوان ذا خياري حيوانٍ في البيع الواحد و الحيوان الواحد، فإنّ مع تعدّد البيع و المبيع، يتعدّد الخيار وجوداً و إن كان من نوع واحد، و أمّا إذا كان البيع واحداً فكيف يعقل ذلك؟! أقول: نعم، هذا في حدّ ذاته لولا التصرّف في ناحية المسبّب، ممتنع ثبوتاً، إلّا أنّه لو ساعد الدليل إثباتاً يمكن اعتبار التعدّد؛ لأجل

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 60

الإضافة إلى العيب، فيكون للمالك خيار عيب الشلل، و خيار عيب العمىٰ، و هكذا.

و من هنا ينقدح: أنّه لو كان المبيع فيه العيوب الكثيرة، يجوز الالتزام بالخيارات عدد العيوب؛ علىٰ حساب الإضافات المتعدّدة.

فكون السبب طبيعيّ الخيار القابل للكثرة، لا يكفي لتعدّد الوجود، لاحتياج التعدّد إلى التلوّن و التعنون الخاصّ بالضرورة، كما مرّ في بعض المباحث السابقة، خلافاً لبعض الأعلام القائلين بالكفاية.

فما يظهر من مجلس درس السيّد الوالد مدّ ظلّه من كفاية كون السبب للخيار طبيعيّ العيب لتعدّد

خيار العيب «1»، غير تامّ، بل لا بدّ من ورود القيد في المسبّب؛ حتّى يتمكّن السبب من التأثير، أو الموضوع لحكم العقلاء عليه بالتعدّد، فلا تخلط.

بقي شي ء: شبهات في المسألة

و هو أنّ هناك شبهة ثبوتيّة علىٰ موجبيّة العيب للخيار؛ في صورة كون المبيع كلّياً، إذا حدث العيب بعد القبض، و إلّا فلا معنىٰ له.

و تلك الشبهة: هي أنّ ما هو المبيع غير ما حدث فيه العيب عقلًا و عرفاً، و حيث إنّ القبض وقع على الصحيح، فلا معنىٰ لحدوث الخيار بعد العيب الحادث في هذه الصورة؛ و لو كان في زمان الخيارات الأُخر.

______________________________

(1) انظر البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 45.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 61

و فيه: ما عرفت منّا، و أنّ الطبيعيّ موجود بنفسه، و ما هو المبيع هو ما يحصل في الخارج، كما أنّ طبيعة البيع أيضاً كذلك، و إلّا فيلزم إنكار وجوب الوفاء، و الالتزام بالصحّة؛ لجريان العلّة المذكورة هنا أيضاً. و لأجل ذلك يتشخّص المبيع فيه، و لا يحقّ للبائع تبديل المبيع بعد القبض؛ لأنّه هو المبيع، لا زائد، و لا ناقص، فلا شبهة ثبوتيّة في المسألة.

نعم، يجوز أن يسلب المشتري عن نفسه «بأنّي ما اشتريت ما في الخارج» مشيراً إليه، إلّا أنّه لأجل عدم إمكان تفكيك ما في الخارج عن الوجود و الخصوصيّات التي هي ليست في المبيع، حينما يكون كلّياً، و لذلك يصحّ السلب المذكور عرفاً، بل و عقلًا، مع أنّ ما هو المبيع و هي البقرة السوداء- ليست إلّا بنفسها في الخارج، و هي المقبوضة، فتأمّل جيّداً.

ثم إنّ هناك شبهة ثبوتيّة أُخرى على القول بأنّ المجعول في خيار العيب هو الحقّ المردّد بين كونه متعلّقاً بالعقد، أو بالأرش؛ فإنّ

السبب إن كان صِرْف وجود العيب، فلا يؤثّر إلّا في أحداث الخيار الواحد أو الأرشُ الواحد، مع أنّهم لا يلتزمون به في ناحية الأرش، و يقولون بتعدّده.

و إن كان هو طبيعيّ العيب، فيلزم تعدّد الخيار أو الأرش، و هم لا يلتزمون بتعدّد الخيار تعدّدَ السبب، و لا يعقل التفكيك ثبوتاً بين الطرفين؛ لأنّ الحقّ السببي واحد مردود.

و أمّا على القول بتعدّد الحقّ، كما احتملناه أوّلا، فهو- أي التفكيك ممكن ثبوتاً، و يستظهر إثباتاً؛ لأجل فهم العقلاء ذلك من أخبار المسألة،

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 62

و بنائهم عليه.

و غير خفيّ: أنّ هذه الشبهة تتوجّه إلى القول: بأنّ خيار العيب ليس إلّا التردّد بين الردّ و أخذ الأرش، أو بين الحقّين الانتزاعيّين منهما، كما هو المختار.

و لكنها تندفع: بأنّ السبب هو طبيعيّ العيب، إلّا أنّ في ناحية الردّ لا يقبل السبب التوسعة، بخلاف ناحية الأرش، فإنّه يقبل التوسّع. و فرق بين تعدّد الخيار و توسّعه، و الضرورة قاضية بأنّ الأرش لا يتعدّد، بل يتوسّع، فكما أنّ أسباب الدين لا توجب تعدّد الدين، بل تتوسّع دائرة الدين؛ لأنّ التعدّد يحتاج إلى اعتبار قيد في ناحية السبب، كذلك فيما نحن فيه، و علىٰ هذا تكون الأدلّة أيضاً مأخوذة بظاهرها، و هو أنّ طبيعيّ العيب يؤثّر، إلّا أنّ اختلاف السبب بحسب الاقتضاء، يوجب فرقاً بين الردّ و الأرش، فاغتنم.

الجانب الثالث في مرحلة الإثبات و الاستظهار من الأدلّة الشرعيّة
اشارة

فالبحث يقع في صور:

الصورة الاولىٰ: في حدوث العيب بعد العقد و قبل القبض
اشارة

إذا حدث العيب بعد العقد و قبل القبض، فهل يوجب الخيار و الأرش؟ وجهان، بل قولان.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 63

و الذي هو المعروف المدّعىٰ عليه الإجماع ظاهراً؛ جواز الردّ به و لو كان بعد القبض في زمان إحدى الخيارات الثلاثة «1»، و حيث لا حجّية لمثله، فلا بدّ من التماس دليل.

و الذي يقتضيه الدليل الأوّلي عدم جواز الردّ؛ لأنّ العقد عندهم سبب تامّ للملكيّة، فحدوثه فيها قبل القبض، أو بعده، أو بعد الخيارات الثلاثة، علىٰ حدّ سواء، و ما هو الموجب للخيار هو وجود العيب، و اشتراط العلم في ثبوته لا ينتج لما نحن فيه شيئاً؛ لإمكان استمرار جهله إلىٰ بعد مضيّ الخيارات.

فعلى كلّ تقدير: قضيّة القاعدة المعروفة؛ عدم حدوث الخيار بالعيب الحادث بعد العقد.

و أمّا علىٰ ما سلكناه في هذا المضمار، و يؤيّده هنا الإجماع المذكور، و فهم العقلاء، فثبوت الخيار به؛ و ذلك لأنّ عقد البيع ليس بيعاً، بل هو تعاهد على البيع و المبادلة، و القبض و الإقباض- سواء كانا خارجيّين، أو اعتباريّين هو البيع حقيقة، و لا تحصل الملكيّة إلّا به، و لا ملكيّة قبل القبض؛ لا مستقرّها، و لا متزلزلها؛ و لو كان الوفاء بالمعاهدة المذكورة واجباً، كما هو كذلك في بعض البيوع التي يعتبر في صحّتها

______________________________

(1) قد ادّعى صاحب «جواهر الكلام» الإجماع و نسبه إلى غير واحد في العيب الحادث قبل القبض. أمّا بعد القبض في زمان إحدى الخيارات الثلاثة فقال: «و مثله حدوث العيب من غير جهة المشتري في الثلاثة لو كان المبيع حيواناً. و كذا كلّ خيار مختصّ بالمشتري».

جواهر الكلام 23: 241 242.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 64

القبض و الإقباض؛ فالعيب الحادث بعد العقد يوجب الخيار على القواعد.

نعم، ربّما يستظهر من الشرع ترتيب آثار الملكيّة بمجرّد العقد. و لكن في ثبوت الإطلاق لدليله إشكال، فلا منع من الالتزام بحدوث الملكيّة بالعقد في البيع في الجملة، لا مطلقاً، و تفصيله قد مضى في مطاوي بحوثنا السابقة، فلا نعيد المسألة من أصلها، لأنّها تستلزم الإطالة و إن لم تكن بلا إفادة.

و من الغريب توهّم استفادة الخيار في صورة حدوث العيب بعد العقد من قاعدة «كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه» «1»!! و أحسن ما يمكن أن يقال: هو أنّ المستنتج من هذه القاعدة؛ أنّ البائع لا يستريح من ناحية ما خرج عن ملكه، فإذا كان العيب المنتهى إلىٰ تلفه موجباً لانفساخ عقده، فالعيب غير المنتهى إلىٰ فسخه يوجب إمكان انفساخ عقده، و لا بدّ أن يكون المتمكّن من ذلك هو المشتري؛ لأنّ القاعدة ضربت عليه المسكنة و الذلّة.

و ما في كلام الفقيه اليزديّ من الإطالة «2» مضافاً إلىٰ بعده الذاتيّ غير تامّ، و لا حاجة إلىٰ نقده بعد نقله.

و الإشكال علىٰ أمثال هذه الاستخراجات من مثل المرسلة

______________________________

(1) عوالي اللآلي 3: 212/ 59، مستدرك الوسائل 13: 303، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 9، الحديث 1.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 76 77.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 65

المذكورة، غير مناسب لفقه الإماميّة الذي بناؤه علىٰ ترك القياس و الاستحسان. و لو تمّ تقريبنا للخيار فالأرش مثله، لأنّ العيب المنتهى إلىٰ ضمان العين عند التلف، يستلزم الأرش عند تلف البعض، أو الكيفيّة.

و ما ذكرناه يجري بعينه في قاعدة «التلف في زمن الخيار ممّن لا خيار له» كما لا يخفىٰ. و يحتمل

التفصيل بين تلف الجزء و الوصف فيما نحن فيه؛ لأنّ الجزء مبيع بخلاف الوصف، فتأمّل.

تكملة: دلالة مرسلة جميل علىٰ حكم العيب الحادث قبل القبض

قد يستدلّ بمرسلة جميل «1» لإحداث العيب الحادث بعد العقد و قبل القبض؛ و ذلك لأنّ قضيّة إطلاق السؤال عدم الفرق بين كون الاشتراء واقعاً على الثوب أو المتاع، أو كون الاشتراء واقعاً على الصحيح، و لكن حدث العيب بعد الاشتراء و قبل القبض. و توهّم تعارف القبض، في غير محلّه.

و علىٰ هذا، يتوجّه الجواب إلىٰ هذا الإطلاق، و يستنتج معنىٰ قوله: «إن كان الشي ء قائماً بعينه ردّه علىٰ صاحبه، و أخذ الثمن» بعد مفروغيّة أنّ المراد من «قيام العين» هو القيام على العين مع قطع النظر عن العيب الموجود فيها حال العقد، و يكون حال قبل القبض أيضاً مثله؛ ضرورة أنّ العين المعيبة حال العقد، ليست قائمة علىٰ عينها الطبيعيّة الأصلية،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 35.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 66

و لكنّها ربّما تكون باقية علىٰ عينها المعقود عليها. فكما إذا كانت باقية علىٰ تلك الحالة المعقود عليها فله الردّ، فكذلك إذا كانت باقية علىٰ حالها المقبوضة فله الردّ، فالعيب الحادث قبل القبض لا يوجب سقوط الخيار، بل يوجب ثبوته إن لم يكن ثابتاً بالعيب حين العقد.

أقول:- مضافاً إلىٰ ما عرفت من ضعف المرسلة؛ لظهورها في خلاف ما عليه المشهور. و توهّم اختلاف طبقات الظهور و مراتبه؛ بأن يكون ظهورها في التخيير الطوليّ معرضاً عنه، دون ظهورها في أصل التخيير، فيؤخذ بها، من التوهّمات الباطلة أنّ المتعارف في المعاملات و إن لم تكن معاطاتيّة، و لكنّه متعارف جدّاً في تلك الأمصار و الأعصار، و لا سيّما في مثل الثوب أو المتاع المعطوف عليه، و البيع العقديّ بحكم النادر

جدّاً، فالسؤال منصرف إلى الاشتراء المعاطاتيّ.

و قوله: «فيجد فيه عيباً» أيضاً يشهد علىٰ أنّ وجدان العيب، كان بلا فصل بعد الاشتراء، لا بعد القبض كما لا يخفىٰ.

و هكذا قوله: «إن كان الشي ء قائماً بعينه» فإنّه ظاهر في ملاحظة نسبته إلىٰ حال الاشتراء، فلو حدث عيب بعد الاشتراء العقديّ، فلا يكون الشي ء قائماً علىٰ عينه حال الاشتراء.

فلعمري، إنّ استنتاج الخيار مستنداً إليها، غير جائز جدّاً، و هذا أسوأ حالًا من تقريبنا حول القاعدتين ممّا نحن فيه.

هذا مع أنّ قوله: «إن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ» ملحوظ بالقياس إلىٰ ما بعد الاشتراء، لا إلىٰ ما بعد القبض، فيعلم منه أيضاً: أنّ الاشتراء كان بالمعاطاة و القبض، و التأمّل في ذلك من التخيّل البارد،

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 67

فلا تخلط.

فالحقّ ما ذكرناه، و أنّ الإجماع على الخيار و الأرش للعيب الحادث بعد العقد، دليل علىٰ ما أبدعناه في أصل المعاملات «1»، و أنّ عقد البيع من الإضافة المعنويّة؛ أي العقد على البيع و على المبادلة، و مع انتفاء المبادلة خارجاً لا ملكية أصلًا.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ العيب الحادث بعد العقد إن كان مسبوقاً بالعيب قبل العقد، أو لم يكن، يكون المؤثّر في الخيار هو هذا العيب؛ لأنّ العقد على البيع لا يوجب شيئاً- كما أشرنا إليه في مبدأ هذا الخيار، فلا يوجب هذا العيب الحادث بعد العقد سقوط الخيار، لعدم ثبوته، و يوجب هذا العيب ثبوت الخيار و الأرش على الوجه المحرّر في أصل المسألة.

و لو قلنا بثبوت الخيار بالعيب الموجود حال العقد، كما هو المعروف عنهم، فهذا العيب لا يؤثّر في ناحية الخيار؛ لعدم قابليّته للتوسّع، بخلاف الأرش، فإنّه يقبل التوسعة؛ لأنّ

ما به التفاوت يكون دائراً بين الأقلّ و الأكثر، لا المتباينين. و هذا هو حكم العرف و العقلاء في المقام، و في الأشباه و النظائر.

فتحصّل إلىٰ هنا المسائل الثلاث: عدم ثبوت الخيار و الأرش بالعيب حين العقد. و لو ثبت فلا يتكرّر الخيار بطروّ العيب بعد العقد و قبل القبض، و لا يتوسّع الأرش. و يثبت الخيار و الأرش بالعيب الحادث

______________________________

(1) تحريرات في الفقه، كتاب البيع 1: 11 و 27، و لاحظ تحريرات في الاصول 1: 124.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 68

بعد العقد و قبل القبض. هذا كلّه حكم الصورة الأُولىٰ.

بقي شي ء: في بقاء الخيار السابق بعد حدوث الخيار بعد العقد

و هو أنّه علىٰ تقدير ثبوت الخيار بعد العقد؛ زائداً على الخيار الثابت بالعيب حين العقد، فهل هو يوجب سقوط الخيار الأوّل قهراً، أم يبقىٰ له الخياران، كما له الخيارات لعلل شتّىٰ؟

و أمّا توهّم التفصيل بين مستند الخيار الثاني؛ بأن يكون موجباً للإسقاط إذا كان الاستناد إلىٰ إطلاق مرسلة جميل «1»؛ و ذلك لأنّ إثبات الخيارين عَرْضاً بدليل واحد لسبب واحد- و هو العيب بعيد، فإذا ثبت بالإطلاق خيار قبل القبض، فلازمه سقوط ذلك الخيار بمثله، و أمّا إذا كان المستند قاعدة «كلّ مبيع.» أو غيرها، فلا يوجب الثاني سقوط الأوّل.

ففيه منع واضح؛ ضرورة أنّ الاستبعاد المذكور، يرتفع بإنكار صلاحية المرسلة لإحداث الخيار الثاني. هذا مع أنّ اختلاف الدليل لا يوجب رفع الاستبعاد، بعد كون السبب الوحيد هو العيب؛ و أنّ تلف البعض- بما أنّه عيب موجب للخيار، كتلف الكيفيّة؛ فإنّ المقصود من التمسّك بالقاعدتين، إثبات خيار العيب بعنوانه، لا خيار تلف الكم، أو الكيف.

و أمّا دعوى الامتناع الثبوتيّ، كما عن «حاشية العلّامة الخراسانيّ (رحمه اللّٰه)»: بأنّ سقوط الخيار الأوّل بالخيار

الثاني، غير معقول؛

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 35.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 69

ضرورة أنّ سقوطه يستند إلى العيب الحادث، و لا يعقل أن يكون العيب موجباً للحدوث و السقوط «1».

ففيه: أنّ طبيعيّ العيب لا يوجب شيئاً؛ لا الحدوث، و لا السقوط، و ما هو الموجب للحدوث هو العيب حين العقد، و العيب الحادث بعد العقد. و لو كان طبيعيّ العيب موجباً لحدوثه، لكان العقد على الصحيح أيضاً موجباً له؛ إذا كان قبل العقد معيوباً، ثمّ صار صحيحاً، و هكذا العيب بعد مضيّ عصر الخيارات الثلاثة.

و الذي هو الحقّ: أن الالتزام بتعدّد الخيار هنا ممكن ثبوتاً، إلّا أنّه لا بدّ من تلوّن الخيار بلون السبب حتّى يتعدّد، فيكون خيار عيبٍ حال العقد، و خيار عيب بعد العقد و هكذا؛ لامتناع بقاء المسبب و الطبيعيّ علىٰ حاله مع تعدده، كما نشاهد أنّ سائر الخيارات أيضاً تعدّدت بالعناوين المتخذة من الأسباب المنتهية إليها، أو الموضوعات التي اعتبرت موضوعاً لها؛ على الاختلاف في باب السببيّة و الموضوعيّة في أمثال هذه الأُمور الاعتباريّة. و علىٰ هذا لا وجه لسقوط الخيار الأوّل بالخيار الثاني بالضرورة.

فتحصّل: علىٰ ما أبدعناه في باب العقود أنّ المدار على العيب قبل القبض، و لا حكم للعيب حين العقد، فلو كان حين العقد المبيع معيوباً، فصار صحيحاً قبل القبض، فلا خيار، كما أشرنا إليه مراراً، و لا أرش.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 1، ص: 69

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 217.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 70

و أخبار خيار العيب «1» هنا كلّها ناظرة إلى

البيوع المعاطاتيّة التي تحصل بالقبض، أو منصرفة إليها، فلاحظ و تدبّرها. و مع ذلك كلّه لا يترك الاحتياط بالتصالح في موارده.

الصورة الثانية: حكم حدوث العيب في أيّام الخيار المضمون على البائع

لو حدث العيب في أيّام الخيار المضمون على البائع، فهل هو أيضاً يوجب الخيار، أم لا؟

و البحث في هذه الصورة حول ثبوت الخيار فيها قبل القبض، و يجري فيها ما جرىٰ في الصورة الثانية من البحوث؛ و هو ثبوت الخيار.

و علىٰ تقديره، فهل يوجب سقوط الخيار لو كان ثابتاً بالعيب حين العقد، و أنّه هل يثبت الأرش هنا، و علىٰ تقدير ثبوته، يوجب سقوط الأرش السابق؟

و قد مرّ تمام الكلام حوله، و حول المناقشات الثبوتيّة و الإشكالات العقليّة، و اندفاعها بالمرّة، كما ظهر أنّ الوجه الوحيد لثبوته؛ هو أنّ حقيقة البيع هي المبادلة المعاطاتيّة، و الملكيّة تكون بعد التبادل الذي هو بمنزلة القبض، و أنّ العقود ليست إلّا عهوداً ربّما يجب الوفاء بها، و ذهاب المشهور هنا و في المسألة السابقة إلى

______________________________

(1) وسائل الشيعة 18: 29 31، كتاب التجارة، الباب 16، و: 97 و 111، أبواب أحكام العيوب، الباب 1 و 8.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 71

القول بالخيار، يشهد علىٰ ما ادعيناه.

و ما ذكرناه من ثبوت الخيار، لا يختصّ بأيّام الخيار المضمون على البائع، كخيار الحيوان، و الشرط، بل و المجلس؛ لأنّه علىٰ طبق القاعدة، فالعيب الحادث في عصر كلّ خيار قبل القبض، يوجب خيار العيب.

نعم، إذا كان العيب حين العقد موجباً للخيار، فلا دليل علىٰ تعدّده إثباتاً؛ و إن أمكن ثبوتاً كما مرّ.

و لكنّك أحطت خبراً: بأنّ المناط في حدوث الخيار حدوث العيب قبل القبض، سواء كان في زمان الخيار أو بعده، فعليه لا يثبت الخيار الثاني علىٰ تقدير ثبوته

بالعيب حين العقد، حتّى يقال بسقوط الخيار الثابت بالعيب الموجود حين العقد. و لو كان دليل حاكماً على الخيار الثاني، فلا وجه لسقوط الأوّل به، كما عرفت.

فبالجملة تحصّل: أنّ المدار على العيب الحادث قبل القبض؛ سواء كان البيع واقعاً على المعيب، أو الصحيح، و هذا هو معقد الشهرة و الإجماع «1» المقتضي للأرش في عَرْض خيار العيب، و إطالة الكلام زائداً عليه تكرار مملّ، كما لا يخفىٰ.

نعم، التمسّك بقاعدة «التلف في زمن الخيار.» على التقريب المذكور هنا، أقلّ محذوراً؛ لأنّ العيب و زوال وصف الصحّة، من التلف عرفاً، و لا يكون موضوع هذه القاعدة المبيع حتّى يقال: بأنّ الوصف ليس

______________________________

(1) انظر مفتاح الكرامة 4: 329 و 628، و جواهر الكلام 23: 241 242.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 72

من المبيع. و لكن عرفت ما في أصل التمسّك، و يأتي إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

الصورة الثالثة: في حدوث العيب بعد القبض في زمان سائر الخيارات

إذا حدث العيب في زمان الخيارات الأُخر، كخيار المجلس، و الحيوان، و الشرط مثلًا، و كان بعد القبض، فقضيّة ما تحرر منّا أنّ هذا العيب قد حدث في ملك المشتري، و لا أثر له عند العرف و العقلاء بالضرورة.

و أمّا بحسب الموازين الشرعيّة، فالمنسوب إلى المشهور بل الظاهر أنّه لم يسند الخلاف فيه إلّا إلى المحقّق (قدّس سرّه) «1» هو الثبوت.

و غاية ما يمكن أن يلتمس له- مضافاً إلىٰ أنّ إطلاق قاعدة «التلف في زمن الخيار.» يقتضي بالتقريب المذكور ذلك أنّ قضيّة طائفة من الأخبار هو الخيار، و هذه الأخبار هي في الحقيقة سند تلك القاعدة:

فمنها: و هو الخبر الوحيد المعتبر سنداً، معتبر ابن سِنان- يعني عبد اللّٰه قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يشتري الدابّة أو

العبد، و يشترط إلىٰ يوم أو يومين، فيموت العبد و الدابّة، أو يحدث فيه حدث، علىٰ من ضمان ذلك؟

فقال (عليه السّلام): «على البائع حتّى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام، و يصير المبيع

______________________________

(1) لاحظ الدروس الشرعيّة 3: 289، مفتاح الكرامة 4: 627، جواهر الكلام 23: 242.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 73

للمشتري» «1».

و روى الصدوق مرسلًا نحوه، إلّا أنّه قال: «لا ضمان على المبتاع حتّى ينقضي الشرط، و يصير المبيع له» «2».

و في رواية الشيخ: «و يصير المبيع للمشتري؛ شرط البائع، أو لم يشترطه» «3».

و بمضمون هذا الخبر أخبار أُخر في الباب الخامس من أبواب الخيارات «4».

و وجه ذلك: هو أنّ كون الضمان على البائع ضمان المعاملة، لا يمكن إلّا بانفساخ البيع في صورة التلف، و حيث إنّ في صورة حدوث الحدث لا ينفسخ البيع، و يكون الضمان مع ذلك عليه، فلا بدّ من حدوث الخيار.

و أمّا الاحتمالات الأُخر «5» كاحتمال كون الضمان ضمان اليد، أو كون الضمان عليه تعبّداً من غير انفساخ قهراً، أو غير ذلك فكلّها بعيدة عن هذه الروايات.

فبالجملة: في هذه الصورة- و هي حدوث العيب بعد القبض في

______________________________

(1) الكافي 5: 169/ 3، وسائل الشيعة 18: 14، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 5، الحديث 2.

(2) الفقيه 3: 126/ 551.

(3) تهذيب الأحكام 7: 24/ 103.

(4) وسائل الشيعة 18: 14 15، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 5.

(5) لاحظ البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 49 50.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 74

عصر الخيار المضمون لا بدّ من الالتزام بأنّ الخسارة و حدوث الحدث على البائع، و هذا هو الأرش الملازم للخيار.

و توهّم: أنّه لا أثر له، في غير محلّه؛ لظهور ثمرته في

السقوط.

أقول: الذي يظهر لي عاجلًا؛ أنّ حديث انفساخ العقد قهراً، ممّا لا يمكن الارتضاء به، و مسألة الملكيّة الآنيّة من المسائل العرفانيّة.

و مقتضى هذه الأخبار أوّلًا في صورة التلف، ليس إلّا الضمان إذا فسخ المشتري؛ لأنّ حقيقة الضمان عند الإطلاق ليست إلّا ذلك.

و أمّا في صورة حدوث الحدث، فهو أيضاً لا يوجب خياراً جديداً فيما نحن فيه؛ لأنّ ضمان الحادث على البائع إذا فسخه، و لا شبهة في جواز الفسخ لصاحب الحيوان و الشرط.

و من هنا يظهر: أنّ مفاد قاعدة «التلف في زمن الخيار.» أنّه ليس إلّا تمكين من له الخيار علىٰ جبران الخسارة بحلّ العقد، و كفاية ردّ ما يبقىٰ من التالف، أو عدم ردّ شي ء إليه، و يستردّ ما أقبضه البائع مثلًا من الثمن. و ربّما إليه يرجع ما نسب إلى المحقّق «1» الحقيق بالتصديق.

فاستفادة الخيار الجديد للعيب أوّلًا؛ لإسرائه إلىٰ سائر الأمتعة، مضافاً إلىٰ ممنوعيّتها بدواً، تشبه القياس جدّاً.

و ممّا يؤيّد ما أبدعناه مرسلة جميل «2»، و معتبر زرارة «3»، السابقتين

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 72.

(2) تقدّم في الصفحة 35.

(3) تقدّم في الصفحة 34.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 75

الناطقتين بسقوط الخيار بحدوث الحادث و تغيّر العين، فكيف يمكن الالتزام بأنّ هذا العيب يوجب الخيار، و بسقوطه يوجب خيار العيب الجديد؛ سواء كان المبيع صحيحاً، أو معيباً، و يسقط الخيار؟! فإنّه و لو أمكن للاختلاف الشخصيّ بين الثابت و الساقط كما مرّ، إلّا أنّه بعيد عن أفهام العرف، فعلى هذا يسقط سائر البحوث الأُخر أيضاً في هذه الصورة.

نعم، يمكن- لو كان دليل علىٰ ثبوت خيار العيب بالعيب الحادث في زمان القبض و الخيار أن يقال: إنّ حدوث الحادث يوجب خيار العيب،

و إحداث الحدث كما في معتبر زرارة يوجب السقوط، فلا تهافت بين الخبرين. و مرسلة جميل أمّا محمولة علىٰ معتبر زرارة، أو مطروحة، كما هو الأقوىٰ عندنا؛ لما مرّ.

أو يقال: بأنّ حدوث الحدث و العيب في مثل الجارية و الحيوان و الشرط، يوجب الخيار، دون سائر الأمتعة. و لكنّه بعيد؛ لأنّ المبيع المذكور خياريّ، و في سائر الأمتعة لا خيار، و إثباته فيها أولىٰ.

و علىٰ كلّ تقديرٍ: لا خيار عيب بالعيب الحادث بعد القبض في عصر الخيارات الثلاثة، و لا في غيرها.

ثمّ إنّ مقتضىٰ ظاهر تلك الأخبار؛ كون ضمان العين على البائع، و خسارته عليه؛ في الزمان المحدود شرطاً، أو شرعاً، و لازم ذلك تعيّن الجبران و إعطاء الأرش، من غير كون العقد خياريّاً.

نعم، في صورة التلف يمكن توهّم الانفساخ؛ بتوهّم تقوّم العقد بالعين، فالقول بالخيار الحقّي، بل و الجواز الحكميّ، مستنداً إلىٰ هذه

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 76

الروايات، غير صواب أصلًا. و ما ذكره الفقيه اليزديّ (رحمه اللّٰه) من الإطالة «1»؛ بتوهّم انتهاء الأمر إلى الاستفادة و غيره، غير راجع إلىٰ محصّل.

و بناء علىٰ هذا، لا تصل نوبة البحث بعد ذلك إلىٰ حديث الأرش في عَرْض الخيار، و إلى سقوط الخيار الثابت بالعيب حين العقد، و إلى سقوط الأرش بالخيار و الأرش الحادث بعد القبض، فإنّه كلّه ساقط بالمرّة. مع ما عرفت من البحوث الثبوتيّة و الإثباتيّة حولها في الصورة الأُولىٰ.

الصورة الرابعة: في حدوث العيب بعد القبض و الخيارات
اشارة

لو حدث العيب بعد القبض، و مضيّ الخيارات المحدودة شرطاً، أو شرعاً، زمانيّاً، و غير زمانيّ، فالقاعدة و الشهرة متطابقتان علىٰ عدم حدوث الخيار. و ما نسب أحياناً إلى الاحتمال، يوجّه: بأنّ المقصود منه صورة حدوثه بعد مضيّ الخيار، و

حصول القبض آناً ما، فإنّه يلحق بما قبل الحدّ، و فيه ما لا يخفىٰ.

حول سقوط خيار العيب بالعيب الحادث

و أمّا سقوط الخيار الثابت بالعيب قبل القبض و لزوم البيع عليه، ففيه نظران:

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 76/ السطر 11 و ما بعده.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 77

النظر الأوّل: من أنّ قضيّة مفهوم معتبر ابن سِنان «1» و سائر الأخبار المشتملة على الغاية «2»؛ هو سقوط الخيار؛ بمعنى عدم ثبوته بعد مضيّ عصر الشرط الشرعيّ، أو العرفيّ، فلا خيار بعد مضيّ ثلاثة أيّام، و قضيّة الإطلاق إنكاره؛ و لو كان قبل القبض.

و لكن عرفت: أنّ المنصرف من هذه الأخبار هو القبض. لمتعارف المعاملات المعاطاتيّة، و ظهور الأخبار في ذلك، فراجع.

فبالجملة: لٰا يسقط خيار العيب الثابت بتلك الأخبار في زمان الخيارات المضمونة بالحدث و العيب بعد القبض، و بعد مضيّ الزمان المحدود شرطاً أو شرعاً، بل ينتهي أمد الخيار.

و فيه: ما عرفت من قصور هذه الأخبار عن إثبات الخيار، حتّى تدلّ بالمفهوم علىٰ انتهاء أمده بالعيب المذكور.

و من أنّ مقتضىٰ مرسلة جميل «3»؛ أنّ المناط في ناحية الردّ و الفسخ علىٰ بقاء العين الواقع عليها المبادلة، و في ناحية تعيّن الأرش و عدم جواز الردّ علىٰ عدم بقاء العين علىٰ تلك الحالة التي وقع عليها التبادل المعامليّ، و أنّ مثل التقطيع و الصبغ و الخياطة، من موارد عدم بقاء العين المذكورة في متن الخبر.

فالمناط في ناحية سقوط الردّ علىٰ ذلك؛ حسب المفهوم

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 72 73.

(2) وسائل الشيعة 18: 14 15، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 5.

(3) تقدّم في الصفحة 35.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 78

المستفاد من المرسلة، فالبحث عن حدّ العيب و مصاديق

المعيوب و أمثال ذلك، غير تامّ؛ لعدم وجود «العيب» في دليل هذه المسألة كما أفاده الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «1» فعليه فحدوث العيب بعد القبض و المضيّ، يوجب السقوط.

و فيه: ما عرفت من قصور هذه المرسلة اعتباراً. مع أنّ استفادة المفهوم منها محلّ تأمّل، كما مرّ «2».

اللهمّ إلّا أن يقال: لا حاجة إليها، بل يكفي لانتفاء الخيار عدم صدق بقاء العين بعينها، فإنّه يرتفع الخيار و إن لم يكن يسقط به، فلا تخلط.

هذا مع أنّه لا يعقل وجود المفهوم هنا الذي يكون مستنداً لسقوط الخيار بالتلف و التغيّر؛ للزوم اشتمال القضيّة الواحدة على القضيّتين: التامّة، و الناقصة، و هذا محال كما لا يخفىٰ.

و من أنّ مقتضىٰ معتبر زرارة «3»؛ أنّ حدوث الحدث و الشي ء يوجب السقوط، و هو أعمّ من كونه عيباً لغويّاً أو عرفيّاً و اصطلاحيّاً، حسّياً و معنويّاً، اعتباريّاً و حقيقيّاً، بل المناط علىٰ حدوث شي ء فيه و إن لم يكن عيباً، و لا مغيّراً للعين.

نعم، حدوث الأوصاف الكماليّة و ارتفاعات القيم السوقيّة، خارجة إمّا انصرافاً، أو لأنّها أمر أجنبيّ عن العين، كما لا يخفىٰ و تأمّل.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 51.

(2) تقدّم في الصفحة 47 48.

(3) تقدّم في الصفحة 34.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 79

و فيه: أنّ استفادة كفاية الحدوث غير المستند إلى المشتري و المالك، مشكل بعد سقوط المرسلة التي هي القرينة على الأعمّ. و لو فرضنا ذلك كما قوّيناه في السالف، و لكنّه يحتمل أن يكون النظر في هذه الرواية إلىٰ أنّ الإحداث من صغريات الرضا بالبيع، الذي هو مناط اللزوم، و الحدوث لا يدلّ على الرضا.

و دعوىٰ: أنّه لا معنىٰ لكونه من صغرياته؛ لأنّ المفروض

جهالة المشتري حين الإحداث، غير كافية؛ لقوّة احتمال كون ذلك منها تعبّداً صِرْفاً، كما في خيار الحيوان، فلا يمكن حينئذٍ استفادة كون حدوث الشي ء كافياً للسقوط فيما نحن فيه. هذا كلّه حول النظر الأوّل «1».

النظر الثاني: و أمّا النظر الثاني، فهو عدم سقوط الخيار الثابت قبل القبض، أو حين القبض، و بعد مضيّ الخيارات الزمانيّة و المحدودة؛ و ذلك لقصور الأدلّة عن مسقطيّة حدوث الشي ء و تغيّره، و يكفي له ذهاب مثل «المقنعة» «2» إلىٰ ذلك على ما يستظهر منه، و هو مقتضى الأصل بعد ثبوت الإطلاق لدليله، أو هو مقتضى الاستصحاب؛ بناءً علىٰ جريانه.

تكميل و تحصيل: حول ما يقال في المقام

ما أشرنا إليه هي الجهات التي يمكن أن يتشبّث بها لكون العيب

______________________________

(1) و غير خفيّ: أنّ الصبغ من التغيير إلى الكمال نوعاً و عادة، فلو كان كافياً في السقوط، فلا فرق بين أقسام التغييرات. منه (قدّس سرّه) ج.

(2) المقنعة: 597.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 80

و التغيّر الحادث بعد القبض و المضيّ، موجباً لسقوط خيار العيب الثابت سابقاً.

و أمّا ما في «مفتاح الكرامة»: من أنّ العيب الحادث مضمون على المشتري، و هو بمنزلة الأحداث في المبيع «1» فهو غير جائز علىٰ مثله؛ لأنّ التنزيل يحتاج إلىٰ دليل.

و ما عن «التذكرة» من تعليله للمقام: «بأنّه لمّا قبضه دخل في ضمانه.» إلىٰ آخر ما في «حاشية العلّامة الأصفهانيّ (قدّس سرّه)» «2» فهو غير موجود ظاهراً فيها، فراجع «3».

نعم، لو كان فهو أيضاً مثل ما مرّ؛ لأنّه لو كان أمثال هذه التعاليل غير عليلة، للزم جريانها في خيار الغبن و مثله.

و يشبه الكلامين ما في «الجواهر»: من اقتضاء الردّ عدم تعيّب المبيع، و جبره بالأرش لا يصيّره ردّاً حقيقة «4» انتهىٰ،

فإنّ الضرورة قاضية بتعيّن ردّ المبيع المغبون فيه و لو حدث فيه شي ء أو تعيّب بعيب. نعم، عليه جبرانه.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة 4: 627.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 106/ السطر 30.

(3) تذكرة الفقهاء 1: 530/ السطر 11: «لأنّه لمّا قبضه دخل في ضمانه، فالعيب الحادث يقتضي إتلاف جزء من المبيع فيكون من ضمان المشتري، فيسقط ردّه للنقص الحاصل في يده، فإنّه ليس تحمّل البائع به للعيب السابق أولى من تحمّل المشتري به للعيب الحادث».

(4) جواهر الكلام 23: 241.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 81

و دعوىٰ: أنّ عنوان «الردّ» مأخوذ في أخبار المسألة، غير مسموعة؛ لأنّ المرسلة «1» غير كافية، و المعتبرة «2» مشتملة علىٰ لزوم البيع أوّلًا، ثمّ الردّ، فيكون الردّ لأجل الحقّ الثابت للمشتري. هذا مع أنّ «الردّ» يصدق في صورة التعيّب؛ لعدم الإخلال بصدق العنوان بالتعيّب بالضرورة، و إلّا يلزم أن يكون البيع على المعيب باطلًا من رأسه.

و أضعف من الجميع توهّم: أنّ مبنىٰ خيار العيب قاعدة «لا ضرر.» و إجبار البائع علىٰ قبول المعيب بالعيب الحادث من الضرر، فيتهافت الضرران، فيرجع إلى الأصل و القاعدة؛ و هو إطلاق دليل اللزوم، لا استصحاب الخيار «3».

و قريب منه أن يقال: إنّ مبنى الخيار هو النصّ المشرَّف على القاعدة، و عند تزاحم الضررين لا يبقىٰ لتشرّفه موضوع، فيرجع إلى الإطلاق الناطق باللزوم «4».

و غير خفيّ ما في أصل التقريب و فرعه، و ما في التزاحم الضرريّ، و لا سيّما حديث مرجعية الإطلاق، لا الاستصحاب كما مرّ.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 35.

(2) تقدّم في الصفحة 34.

(3) لاحظ حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 56/ السطر 5.

(4) لاحظ حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 88/ السطر 32.

الخيارات (للسيد مصطفى

الخميني)، ج 1، ص: 82

تنبيه:

بناءً علىٰ ما قوّيناه إلىٰ هنا، إنّ سقوط خيار العيب بحدوث الشي ء و لو كان مغيّراً، غير ثابت حسب الصناعة.

نعم، بعد الاتفاق، و نسبة الشذوذ في كلام الشيخ «1» إلىٰ قول المفيد (رحمه اللّٰه) «2» و بعد إمكان استفادة السقوط من أخبار وطء الجارية، المتضمّنة طرّاً لسقوط حقّ الردّ و تعيّن الأرش «3» بإلغاء الخصوصيّة؛ و أنّه من الحدث، و بعد مراعاة حال معتبر زرارة «4» فيما نحن فيه، و بعد كون التقبيل و النظرة المخصوصة من الإحداث في سقوط الخيار، كما في بعض الأخبار السالفة «5»، و بعد احتمال كون مرسلة جميل «6» مورد العمل، و أن يكون مستند المشهور في الذهاب إلى التخيير العرضيّ كاشفاً عن قرينةٍ غير منافية للأخذ بها، و بعد اللتيا و التي، يمكن القول بالسقوط. و لكنّه بمعزل عن التحقيق الحقيق بالتصديق.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 258/ السطر 14.

(2) المقنعة: 597.

(3) وسائل الشيعة 18: 102 104، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 4.

(4) تقدّم في الصفحة 34.

(5) تقدّم في الصفحة 36 38.

(6) تقدّم في الصفحة 35.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 83

الفرع الأوّل في عود خيار العيب بزوال العيب الحادث
اشارة

بناءً على السقوط بالعيب الحادث أو بالتغيّر، فهل يعود الخيار بزواله مطلقاً، أو لا يعود مطلقاً، أو يفصّل بين العود الفوريّ و غيره؟

أو بين العود المسمّى ب «إعادة المعدوم» عرفاً و غيره، فلو نسي الكتابة ثمّ عادت، يعود؛ لأنّه من الإعادة العرفيّة- بل لا يكون النسيان إلّا غطاءً علىٰ ما في الخزانة، فلا عود واقعاً، بل هو من الخفاء و الظهور و أمّا لو تغيّر لونه من الأسود إلى الأبيض فرجع إليه، فلا يعود؟ وجوه:

فمن الفقيه اليزديّ يستظهر العود مطلقاً؛ نظراً إلىٰ أنّ المستفاد من الأدلّة هي

المانعيّة و الاقتضاء، فالعيب مقتضٍ، و الحدث مانع، فإذا زال الحدث و التغيّر، يؤثّر المقتضي «1».

و فيه:- مضافاً إلىٰ عدم ظهور الأخبار في ذلك، و عدم إمكان المانعيّة الواقعيّة، بل هو يرجع إلىٰ حدّ الاقتضاء أنّ لازمه جواز العود و لو كان التغيّر مستنداً إلى المالك و كان العود بعد سنين عديدة، و هو غير ملتزم به أصلًا.

و ربّما يقال: إنّ الخيار لا يسقط بالعيب الزائل؛ لظهور الأخبار في بقائه، أو هو المنصرف منها، و هذا هو قريب جدّاً؛ فإنّ القدر المتيقّن من

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 79/ السطر 28.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 84

الرواية هو الحدث و التغيّر الباقي.

نعم، يتوجّه إليه: أنّ حدّ البقاء غير معلوم، و تحديده إلىٰ أخذ الأرش بلا وجه.

نعم دعوى: أنّ العود الفوريّ مورد انصراف الروايتين، مسموعة كما لا يخفى، و أمّا إذا لم يعد فوراً، و لكن لم يراجع إلى الأرش في زمان يعتدّ به، ثمّ عادت الصحّة، فالعود ممنوع؛ لاحتياجه إلىٰ دليل.

و استظهر الوالد المحقّق مدّ ظلّه سقوطه مطلقاً «1»؛ من غير أن تصل النوبة إلى الشكّ، حتّى يرجع إلىٰ استصحاب اللزوم و غيره؛ و ذلك لإطلاق قوله (عليه السّلام): «فأحدث فيه شيئاً» «2» الظاهر في أنّه تمام السبب و تمام الدخيل في السقوط، و قضيّة مفهوم رواية جميل «3» بقاء اللزوم؛ لأنّ المستفاد منها أنّ الخيار ثابت في العقد بالعيب، و أنّه السبب الوحيد. و أمّا بقاء العين قائمةً بعينها و عدمه، فهو في حكم الغاية لهذا الخيار، كما هو كذلك في خيار المجلس بالنسبة إلىٰ الاجتماع و الافتراق، و إذا حصلت الغاية و هو التغيّر لا معنى لعود الخيار؛ لأنّه شخصيّ خارجيّ

و لو كان الحديث قانوناً كلّياً، إلّا أنّه بعد الانطباق يكون الحدّ المذكور تحديداً للخيار الشخصيّ، كما هو كذلك في خيار المجلس.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 52 53.

(2) تقدّم في الصفحة 34.

(3) تقدّم في الصفحة 35.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 85

و دعوىٰ «1»: أنّ الموضوع هناك هو «البيّعان» «2» لا البيّعان غير المتفرّقين، بخلاف ما نحن فيه، فإنّ الموضوع هو العين القائمة بعينها، و غير القائمة بعينها، و الحكم يدور مدار موضوعه غير مسموعة؛ لأنّ الأمر بالردّ و لفظة «الردّ» في هذه الأخبار، كناية عن الخيار الحقّي الثابت؛ و أنّ الردّ من الفسخ العمليّ، فلا يكون الفسخ العمليّ إلّا هدماً للخيار الثابت قبله بالعيب، و ما هو شرط الهدم هو بقاء العين قائمة بعينها، و الشرط راجع إلىٰ تعيين حدّ الردّ النافذ الفاسخ، لا إلىٰ موضوع الخيار، و علىٰ هذا يكون المفهوم نفي الخيار، فلا تصل النوبة إلىٰ الاستصحاب.

و فيه: مضافاً إلىٰ ما مرّ، من عدم إمكان الالتزام بشمول الروايات للعائد الفوريّ، فإطلاق كلامه ممنوع.

و مضافاً إلىٰ ما عرفت من عدم تماميّة المرسلة استناداً، لظهورها في التخيير الطوليّ، و هو معرض عنه، و من الغريب دعواه مدّ ظلّه انجبار ضعفها و هو الإرسال هنا «3»، مع صراحته في إعراضهم عنها في

______________________________

(1) ليست هذه الدعوى و جوابها في كتاب البيع للإمام الخميني (قدّس سرّه)، فلعلّ المصنّف (قدّس سرّه) نقلها عن مجلس بحثه، أم أوردها تتميماً للبيان.

(2) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): البيعان بالخيار حتّى يفترقا.

الكافي 5: 170/ 5، وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث

1، و مثلها الحديث 2 و 3.

(3) لم نعثر على كلامه.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 86

أصل مسألة سندية الأخبار لخيار العيب «1»!! و قد عرفت: أنّ المرسلة ظاهرة في الطوليّة المعرض عنها ظاهراً، و المعتبرة ظاهرة في أنّها في مقام بيان الأمر الآخر، فلا شبهة إعراضهم في ناحيتها.

أنّ المفهوم غير ممكن الالتزام به؛ لتعرّض الرواية للمفهوم، و هو لا يبعد أن يكون من مفهوم القيد، و هو غير حجّة؛ لأنّ قوله: «إن كان الشي ء قائماً بعينه» يكون مفهومه «إن كان الشي ء غير قائم بعينه» فيكون من الوصف غير المعتمد و لا دليل علىٰ أنّه (عليه السّلام) أخذ بمفهوم الشرط، مع أنّه من السلب المجتمع مع انتفاء الموضوع، كما مرّ.

و أنّ معتبر زرارة «2» قد عرفت احتمال كون النسبة إلىٰ المالك دخيلةً، و لا بأس بالالتزام به هنا، فلو عاد بعد الإحداث فلا يعود الخيار، و تصير النتيجة تفصيلًا آخر: و هو أنّ عود الزائل إن كان بعد إحداثه شيئاً، فلا يعود معه الخيار، و أمّا إذا كان بدونه فلا يسقط الخيار، كما عرفت منّا. فالأمر دائر بين بقاء الخيار في صورة حدوث الشي ء و لو كان بإحداث الأجنبيّ، و بين عدم عوده بعد سقوطه إذا كان بإحداثه و لو كان آناً ما، فتأمّل.

ثمّ إنّ حكم العقلاء في صورة العود؛ بقاء خيار العيب، و لزوم الجبران بالنسبة إلىٰ الحادث إذا كان نقصاً. و الالتزام بأنّ الشرع تصدّى للتعبّد الزائد، أيضاً غير سليم. نعم بالنسبة إلىٰ الإحداث فغير بعيد، فليتدبّر جيّداً.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 9.

(2) تقدّم في الصفحة 34.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 87

بقي شي ء: عدم تبدّل خيار العيب بحدوث العيب و زواله

إنّ المجعول فيما نحن فيه هو

المعنى التخييريّ بين الخيار و أخذ الأرش بالجعل الوحدانيّ، و الأخبار التي بين أيدينا تصدّت لصورة تعذّر الردّ علىٰ الوجه المعتبر، فتعيّن الأرش قهراً، و هذا لا يوجب سقوط المعنى التخييريّ، و لا انقلاب الحكم التخييريّ إلىٰ التعيينيّ.

و علىٰ هذا، لا وجه لسقوط هذا المعنىٰ بالحدث و الإحداث، فيشبه الواجب التخييريّ إذا عاد إمكان الامتثال بالنسبة إلىٰ الطرف المعذور التعذّر، و قد مرّ أنّ خيار العيب يختصّ بخصوصيّة خاصّة، لأجل هذا التخيير. و دعوى امتناعه مرّت مع جوابها، كما مرّ أنّه حقّ ينتزع من التخيير بين المعنيين الحدثيّين.

فبالجملة: دليل الخيار هو الإجماع و الشهرة، لا الأخبار، و قضيّتها ليس إلّا تعيّن الأرش عند تعذّر الردّ و بيان موقف الرد، و ليس «الردّ» كناية عن جعل الخيار، بل الخيار أمر مفروغ عنه فيما بين السائل و المجيب، فالإحداث يوجب تعيّن الأرش و تعذّر الردّ شرعاً، فلو عاد الحدث فلا منع من فسخ العقد، و من انتزاع الخيار الحقّي الجديد؛ لأنّ منشأه هذا المعنى التخييريّ الباقي قبل حلّ المشكلة بالردّ أو الأرش. و لعلّ نظر الفقيه اليزديّ «1» و العلّامة الخراساني «2» إلىٰ ما ذكرناه.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 79/ السطر 29.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 218 219.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 88

و بناءً عليه، لا يتمّ ما في «التذكرة» «1» و لا ما عن «التحرير» «2» و المسألة تحتاج إلىٰ التدبّر.

الفرع الثاني هل يجوز فسخ العقد برضا البائع بعد سقوط الردّ؟

في صورة طروّ العيب الجديد في يد المشتري، و تعيّن الأخذ بالأرش بمقتضى الخبرين، إذا رضي البائع بالمردود و قبل من المشتري أن يردّ إليه المتاع الذي فيه العيب المذكور، فهل يجوز الردّ بعنوان الفسخ فيكون فسخاً عمليّاً، كما إذا لم يتعذّر

عليه الردّ، أم يكون هو من حلّ العقد برضا الطرفين؛ و هي الإقالة علىٰ الناقص، فيردّ إليه الثمن؟

و غير خفيّ: أنّه في صورة المجّانية لا أثر للبحث، إلّا من جهة قصد إعمال الفسخ و الخيار و التشريع.

نعم، في صورة موافقة البائع علىٰ أخذ قيمة النقصان الحادث، فيختلف بناءً على القول: بأنّ لصاحب الخيار الفسخ من الأوّل أو من أيّ زمان شاء، أو القول: بأنّ الفسخ يؤثّر في الحلّ من الأوّل، بخلاف الإقالة فإنّها من الحين؛ فإنّ قيمة النقصان تختلف.

و ما في كلام الشيخ الأعظم (قدّس سرّه): من أنّ رجوع المشتري إلىٰ

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 530/ السطر 28.

(2) انظر تحرير الأحكام 1: 184/ السطر 5.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 89

المعيب و أخذ الأرش، رجوع بمقتضىٰ ضمان المعاوضة، و رجوعَ البائع إلىٰ المشتري في هذه الصورة بأخذ النقصان، من ضمان اليد «1»، غير تامّ؛ لأنّ النقص وقع في ملك المشتري، فكيف يكون مضموناً علىٰ البائع؟! و البقاء تحت يده ناقصاً لا يكفي لضمان اليد؛ حتّى يقال: إنّه بعد الحلّ يضمن. مع أنّه بالردّ ينفسخ، فلا يبقىٰ تحت يده حتّى يضمن. فعلى ما تحرّر، يتصوّر الأثر في الفرع المذكور.

ثمّ بعد ذلك، فإن قلنا بسقوط الخيار بمجرّد طروّ العيب حسب الإطلاق الثابت، و عدم انصرافه إلىٰ صورة عدم تعقّبه برضا البائع بالمعيب، كما هو الظاهر عند القائل بسقوطه فلا يبقىٰ محلّ لهذا الفرع، و إلّا كما عرفت منّا: من بقاء الخيار و المعنى التخييريّ و لو بإحداث العيب، كما هو الوجه الأخير الذي قرّبناه، فله محلّ.

و ما هو الحقّ: أنّ مرسلة جميل «2» لا أساس لها؛ حتّى نخوض في مفهوم القضيّة الشرطيّة، و قد مرّ مراراً

ما فيه و ما فيها، و أمّا معتبر زرارة «3» فهو ليس دليل الخيار، بل دليله الإجماع و الشهرة علىٰ إشكال فيهما مرّ، فعلى هذا يبقى المعنى التخييريّ ما دام لم يأخذ بالأرش، و يبقى الخيار الحقّي المنتزع من التخيير بين الردّ و الأرش على الوجه السابق.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 258/ السطر 19.

(2) تقدّم في الصفحة 35.

(3) تقدّم في الصفحة 34.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 90

نعم، الشرع لم يلزم البائع بقبول العين في صورة حدوث النقصان، أو لم يشرّع للمشتري ردّ الناقص بفسخ العقد، فلا يكون نافذاً، فإن قلنا بالأوّل فله الفسخ، و إن قلنا بالثاني فلا فسخ.

و ما هو الظاهر من معتبر زرارة الذي هو الدليل الوحيد في هذه المسألة هو الثاني.

و ما هو المساعد عليه الذوق و الفهم العقلائيّ من الجهات الخارجة، هو الأوّل؛ لأنّ ملاحظة الضرر المندفع بإقدام البائع نفسه، و ملاحظةَ ممنوعيّة الردّ و الفسخ الملحوظ فيه حال البائع، ربّما لا تكون سبباً لصرف الظاهر من المعتبر.

و غير خفيّ: أنّه إذا كان على الإطلاق، ممنوعاً عن الفسخ لمحذوريّة الردّ، فلا خيار فسخ له؛ لما لا أثر في اعتباره؛ لأنّ المفروض طروّ النقصان غير العائد إلى الآخر، فعندئذٍ يكون القول بعدم ثبوت الخيار بمعنى سقوطه بقاءً قويّاً في هذه الصورة.

نعم، لو كان النقص عائداً إلى الكمال، فالكلام فيه ما مرّ في العيب العائد إلى الصحّة.

و ممّا ذكرنا يظهر وجه ضعف الجهات المذكورة في المسألة دليلًا، و فرعاً، و اللّٰه هو الموفّق المؤيّد.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 91

الفرع الثالث في سقوط الخيار لو اتسع العيب في يد المشتري

لو اتسع العيب القديم في يد المشتري، فهل يسقط به الخيار الثابت؛ من جهة عدم بقاء العين، أو لا يسقط؛ لأنّ

منشأه العيب السابق، أو يفصّل بين السعة الخارجة عن المتعارف فيسقط، و بين السعة القليلة فلا يسقط، بعد سقوطه قطعاً إذا كان اتساع العيب بإحداثه، و مستنداً إلىٰ المالك؛ مشترياً كان أو بائعاً؛ نظراً إلىٰ إطلاق معتبر زرارة «1»؟

و يحتمل عدم السقوط مطلقاً؛ لأنّ المناط معتبر زرارة، و فيه «حدوث الشي ء» و هو ظاهر في مسبوقيته بالعدم المطلق.

و فيه: أنّ إحداث الشي ء مثله، مع أنّه بلا إشكال يوجب السقوط. و حيث إنّ أصل ثبوت خيار الفسخ بحكم العقلاء ممضى، ففي مثل المسألة لا يسقط الخيار بالاتساع و لو بلغ ما بلغ.

نعم، يتوجّه إشكال: و هو أنّه لو كان في أمثال هذه الموارد أدلّة خيار العيب- بمعنى التخيير بين الردّ و الأرش قاصرة؛ لكونها إمّا الإجماع، أو هذه الأخبار، و الكلّ قاصر، فيلزم القول: بأنّه خيار متعلّق بالعقد، و لا عديل له عَرْضاً، و يكون بحكم خيار الغبن، و الالتزام بذلك أكثر

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 34.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 92

إشكالًا.

و الدفع يمكن بدعوىٰ: أنّ الشهرة و الإجماع دليل علىٰ أنّ في كلّ مورد يثبت خيار العيب، فيعدله الأرش؛ و إن كان قاصراً عن إثبات الخيار في مثل المقام و أشباهه الآتية إن شاء اللّٰه تعالىٰ، و لكنّها غير واضح سبيلها.

الجانب الرابع في ثبوت الردّ إذا تعدّد المبيع
اشارة

قد تحرّر ثبوت خيار العيب في الجملة بالنسبة إلىٰ ما إذا كان المبيع وحدانيّاً واقعاً، و كان البائع و المشتري واحداً أيضاً، و يظهر عن «التذكرة» «1» و «الدروس» «2» جواز الردّ بخيار العيب فيما إذا تعدّد المبيع.

و إنّما الإشكال في جواز التبعيض بردّ خصوص المعيب مع التعدّد، دون الصحيح، فينفسخ العقد بالنسبة. مع أنّ ثبوت خيار العيب في هذه الصورة أيضاً

محلّ التأمّل و الإشكال.

و حيث إنّ تمام البحث في المقام يستدعي جهات من الكلام في ناحية تعدّد المبيع و الثمن، و في ناحية تعدّد البائع مع وحدتهما، و في

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 536/ السطر 5.

(2) لاحظ الدروس الشرعيّة 3: 284.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 93

ناحية تعدّد المشتري، فلا بأس بالإشارة الإجماليّة إلىٰ بعض الأُمور الدخيلة في المسألة، و إلى تلك النواحي:

الأمر الأوّل في صور المسألة

توجد أحياناً صورٌ لا تكون مورد النقض و الإبهام، و يثبت فيها الخيار، و يجوز فيها الردّ:

مثل ما إذا كان بيع الدار بالإنشاءات المتعدّدة غير المرتبطة، كما إذا باع ثلث داره المعيّن، ثمّ باع الثلث المعيّن الآخر، و هكذا، ثمّ تبيّن أنّها معيوبة، فإنّ له ردّ الثلث المعيب فقط، و لا يلزم منه خيار تبعّض الصفقة؛ لأنّ مصبّه المبيع الواحد المتبعّض، دون ذلك؛ لا بالنسبة إلىٰ البائع بالضرورة، و لا بالنسبة إلىٰ المشتري؛ لأنّه أقدم عليه، و لا دليل على الخيار المذكور علىٰ وجهٍ يحتمل شموله للمسألة؛ و لو كان ذلك يستلزم نقيصة، لأنّه من قبيل النقيصة لسوء الجار.

و مثل ما إذا كان البيع الواحد الإنشائيّ، بمنزلة البيوع الكثيرة عرفاً غير المرتبطة بعضها بالبعض، سواء كان الإنشاء بنحو العموم الاستغراقيّ، كما إذا قال: «بعت كلّ واحدة من هذه العرصات بكذا» أو بنحو الإطلاق المنحلّ إلىٰ الكثير عرفاً، فإنّ جواز الردّ قطعيّ إذا كانت إحدى العرصات معيبة، و لا يكون في ذلك مناقشة في ثبوت الخيار؛ لتماميّة المقتضي، و شمول أدلّته له، و عدم لزوم إشكال في إعماله؛ لعدم تبعّض

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 94

الصفقة في هذه الصورة أيضاً، كما مرّ منّا.

نعم، ربما يشكل: بأنّ الإنشاء الواحد لا ينحلّ

إلّا حكماً، فيكون البيع الكثير مورد اعتبار الوحدة الاعتباريّة، و لذلك إذا قيل: «كلّ نار باردة» لا يكذب كلامه بتعدّد النيران، و عند ذلك يشكل جريان الخيار. و علىٰ فرض جريانه يلزم إشكال الإعمال و الفسخ، و لكنّه غير مساعد عليه العرف و العقلاء. و الانحلال الحكميّ قطعيّ في الإنشائيّات، دون الإخباريّات، فلا تخلط.

فما هو المهمّ؛ هي صورة كون المبيع واحداً شخصيّاً، فبان بعض منه معيباً، فإنّ ثبوت الخيار قطعيّ و لكنّ جواز ردّ البعض المعيب بإلزام البائع علىٰ قبول خصوص الطرف الشرقيّ من الدار مورد الإشكال؛ و إن كان الظاهر منهم ممنوعيّته القطعيّة.

أو صورة بيع بعض الدار مشاعاً، ثمّ تبيّن أنّها معيوبة في بعض منها.

أو صورة تعدّد المبيع، كصاع من الصبرة، أو بيع أثاث البيت المرتبط بعضه بالبعض، أو بيع مقدار من البطّيخ و الرقّي، فبان عيب قسم منها.

نعم، فيما إذا تعدّد المبيع عقلًا و عرفاً، و كان واحداً بالوحدة الفرضيّة النوعيّة و الاعتباريّة الدائميّة عادة كمصراعي الباب، و نعلي الأصحاب لا يكون إشكال أيضاً في أصل الثبوت، و في عدم جواز التفكيك في مقام الردّ؛ و تراضي الطرفين ربّما يرجع إلىٰ الإقالة و العقد الجديد.

نعم، فيما إذا تراضيا علىٰ ردّ المصراع الواحد، فأراد المشتري بعد

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 95

التراضي على التبديل بالنسبة إلىٰ المصراع المعيب، أن يردّ المصراع الآخر، فربّما يشكل؛ لإمكان الالتزام بلزوم البيع بالنسبة إلىٰ المصراع الصحيح، بناء علىٰ ما سيأتي من إمكان القول باللزوم بالنسبة، و هكذا الفسخ بالنسبة، فليتدبّر جيّداً.

الأمر الثاني في تحرير ما هو معنى المسألة
اشارة

فربّما يقال «1»: بامتناع التفكيك بالفسخ في بعض المبيع دون بعض؛ و ذلك لأنّ المبيع إذا كان متعدّداً بحيث ينحلّ العقد الواحد إلىٰ العقود الكثيرة

فهو ليس من التفكيك، بل يرجع إلىٰ حلّ عقد و الأخذ بالعقد الآخر، كما في بعض الأمثلة السابقة.

و إن كان المبيع واحداً، و البيع واحداً، فهو معنى بسيط في الاعتبار، لا يتحمّل التجزّي، فلا يمكن الردّ إلّا بالنسبة إلىٰ المجموع.

و إذا شكّ في الانحلال، فلازمه الشكّ في الانفساخ بالردّ، و قضيّة الأصل و القاعدة خلافه.

و أمّا توهّم: أنّ الردّ أجنبي عن العقد، بل هو إمّا حكم تعبّدي شرعيّ، أو كناية عن المعاملة الجديدة بالثمن المعيّن في العقد الأوّل، فلا يلزم التفكيك في البيع البسيط، فهو واضح البطلان عرفاً و فتوى إجماعاً. مع

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 57.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 96

لزوم سقوط رضا البائع في هذا الجديد من العقد، فيكون رغم أنفه.

فبالجملة: أمر خيار العيب بين الثبوت و عدم جواز التفكيك، و بين اللاثبوت، و لا ثالث: و هو الثبوت و جواز التفكيك. و حديث الارتضاء بالتفكيك من الجانبين، ليس من الأخذ بخيار العيب من جانب المالك.

أقول نقضاً: لا شبهة في جواز شرط الخيار؛ بالنسبة إلىٰ العقد الواقع على الواحد الشخصيّ بردّ بعضه، و هكذا لا شبهة في إمكان تجويز الإقالة بالنسبة إلىٰ البعض، و هكذا يجوز الالتزام بخيار الحيوان إذا كان المبيع، واحداً اعتباريّاً متشكّلًا من الحيوان و شي ء آخر؛ نظراً إلىٰ إطلاق أدلّة خيار الحيوان، و إنكار كلّ ذلك نظراً إلىٰ الامتناع المزبور بعيد عن البناءات العرفيّة و فهم العقلاء و ارتكازاتهم، فيعلم من ذلك أنّ الأمر ليس كما حرّر.

و توهّم الانحلال و لا سيّما في بعض الصور، غير جائز و إن كان ليس معناه ما ذكره بعضهم: «من انحلاله إلىٰ الكثير حسب الأجزاء الخارجيّة» حتّى يقال

بلزوم الانحلال إلىٰ آلاف العقود في بيع البيت، بل معناه هو الانحلال حسب الحاجة و الغرض العقلائيّ، فلا ينحلّ العقد الواقع علىٰ الدار بحسب أجزاء الدار إلّا حين إرادة فسخ الثلث، فينحلّ إلىٰ العقدين، و ينفسخ الواقع على الثلث، دون الآخر، و هكذا.

و لكن الالتزام بأصل الانحلال المزبور، غير لازم؛ و ذلك لأجل أنّ الأحكام العقليّة في الأُمور الاعتباريّة، تنقلب إلىٰ اعتبار تلك الأحكام فيها، و ذلك مثل الشدّة و الضعف، فإنّ ذلك يصحّ فيها عندنا، خلافاً لصريح

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 97

جمع منهم، و فيهم الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «1» و العلّامة الأصفهانيّ (رحمه اللّٰه) «2» و لكنّه اعتبار الشدّة و الضعف، لا واقعهما التكوينيّ.

و مثل التجزئة و التحليل، فإنّها أيضاً تجري في البسائط الاعتباريّة، لأنّه من اعتبار التجزئة، دون واقعها و هي التجزئة الفكّية، بل هي الوهميّة من القسمة، و هي موضوع الأثر العرفيّ و الشرعيّ، فكما أنّ أصل العقد اعتبار، و أصل بقائه اعتبار، و أصل حلّه في الكلّ اعتبار، حلّه بالنسبة أيضاً اعتبار.

و إلى هذا يرجع ما أفاده الوالد المحقّق «3» مدّ ظلّه هنا: من أنّ العقد الواحد كما يمكن أن يكون لازماً بالنسبة، و جائزاً بالنسبة، صحيحاً بالنسبة، و فاسداً بالنسبة، كذلك يجوز أن يكون خياريّاً بالنسبة، و لازماً بالنسبة، و منحلا بالنسبة، و باقياً بالنسبة، فإنّ بالنسبة تنحلّ العُقد العقليّة، كالفوقيّة و التحتيّة النسبيّتين.

و لو كان المقصود هو الحلّ بالنسبة، فهو غير صحيح؛ لأنّ في مثل الفوقيّة و التحتيّة، تمام ما يكون فوقاً بالنسبة تحت بالنسبة، و في مثل الصحّة و الفساد يكون حكم العقلاء مختلفاً في مورد البيع علىٰ ما يملك و ما لا يملك،

و يكون الموضوع واحداً فيهما، و هكذا في ناحية اللزوم و الجواز. و أمّا فيما نحن فيه فلا معنىٰ للحلّ بالنسبة؛ لأنّ الحلّ مقتضاه

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 1: 99 100 و 456.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 32/ السطر 20.

(3) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 58.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 98

انفساخ العقد، و هو مساوق لانعدامه، و هذا يرجع إلىٰ التجزئة، إلّا أنّها على ما عرفت غير ممنوعة.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ معنى «الحلّ» ليس حلّا لمعنى موجود، بل الحلّ حكم عقلائيّ، يرجع إلىٰ انتفاء موضوعيّة العقد و المبادلة عن الحكم بالملكيّة الثابتة، مثلًا إذا وقع العقد يحكم بثبوت الملكيّة للمشتري، و إذا فسخ بعضه لا يكون العقد بقاءً، موضوعاً للحكم ببقاء الملكيّة؛ ضرورة أنّ الملكيّة الثابتة للمشتري بالنسبة إلىٰ الدار، حكم عقلائيّ باقٍ على الموضوع الذي وجد، فإذا طرأه الفسخ بالنسبة يخرج عن تلك الموضوعيّة، كما كان لا يدخل فيها فيما إذا وقع من الأوّل على ما يملك و ما لا يملك من الدار المبتاعة.

و كلّ ما نشير إليه من الدقائق في الاعتباريّات، تشريح للمرتكزات العرفيّة و المغروسات العقلائيّة، فلا يذهب عليك أنّ أمثال هذه المداقّات غير خارجة عن الفقه الإسلاميّ و المتعارف، اللازم رعايتها في استنباط الأحكام الشرعيّة.

تنبيه: حول تجزئة العقد

بناءً علىٰ ما ذكرناه تبيّن: أنّ قضيّة القواعد جواز التفكيك و لو كان المبيع واحداً شخصيّاً، من غير الحاجة إلىٰ تكثير العقد الواحد إلىٰ العقود الكثيرة و انحلاله إليها، و لا إلىٰ القول بالحلّ بالنسبة.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 99

و ممّا يشهد على التجزّي عرفاً: أنّ في بيع الكثير و الوفاء ببعضه يقال: «إنّه وفىٰ ببعض عقده،

دون البعض» و هو دليل التجزئة.

و إن شئت قلت: تجزّي البسيط إلىٰ الجزءين المقوّمين غير معقول، و أمّا التجزّي باعتبار الموضوع فهو واقع، و مَثَل العقد و المبادلة المعاطاتيّة مَثَل البياض المنبسط على الجسم، القابل للتجزية باعتبار تقسيم موضوعه، و كما يكون بعض البياض بياضاً بحسب الطبيعة، فبعض العقد عقداً أيضاً.

و ممّا ذكرنا يظهر حكم بيع الحيوان منضمّاً إلىٰ غير الحيوان، و لو كان وجه الخيار حديث النسبيّة للزم إنكاره؛ لاحتمال اختصاص أدلّة خيار الحيوان بالعقد الواقع علىٰ الحيوان، دون العقد بالنسبة إلىٰ الحيوان، فإنّه اعتبار آخر، بخلاف ما ذكرناه من حيث التجزئة، فإنّ في الصورة المذكورة يكون العقد واقعاً على الحيوان و غير الحيوان، و «صاحب الحيوان بالخيار» «1» يشمل المفروض، فاغتنم.

______________________________

(1) قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): البيّعان بالخيار حتّى يفترقا و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام.

الكافي 5: 170/ 5، وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 100

الأمر الثالث مقتضى الأدلّة إثباتاً
اشارة

بعد ما ظهر مقتضى القاعدة في المسألة، فلا بأس بالخوض فيما هو قضيّة الأدلّة إثباتاً.

و ما يمكن أن يكون وجهاً لمنع جريان الخيار فيما نحن فيه، أو منع التبعيض في التنفيذ، أو علىٰ تقدير جريانه يوجب سقوطه، أُمور:

الأوّل: قصور دليل خيار العيب

لأنّه الإجماع، و لا إطلاق لمعقده.

و أمّا معتبر زرارة «1»، فهو في موقف آخر كما تحرّر، و أمّا خبر جميل «2» فقد عرفت عدم صلاحيته.

و أمّا التمسّك ببناء العقلاء، فهو في محلّه، إلّا أنّه لا يفي بما هو مرام المشهور من التخيير بين الردّ و الأرش، و تمسّك السيّد الوالد المحقّق به «3»، في غير محلّه، و قد مرّت الإشارة إليه.

و دعوىٰ الإجماع علىٰ أنّه في كلّ مورد يثبت خيار العيب و جواز

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 34.

(2) تقدّم في الصفحة 35.

(3) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 61.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 101

الفسخ، فالأرش عديله، غير واضحة.

و قد أشرنا فيما سلف إلىٰ أنّ ما أفتىٰ به الإماميّة من التخيير بين الردّ و الأرش، و لو كان معقولًا ثبوتاً، و لكنّه غير عقلائيّ؛ لعدم جواز إجبار البائع علىٰ الأرش، كما صرّح به القوم «1»، و حيث إنّ الشهرة معلّلة؛ لاحتمال استنادهم إلىٰ تلك الأخبار لوجود بعض القرائن، فأصل الحكم غير واضح الدليل.

و لو سلّم فالمستند ينحصر في غير الأخبار، و احتمال إلغاء الخصوصيّة، و جواز ردّ المجموع فيما كان المبيع واحداً اعتباريّاً قويّ. و أمّا ردّ بعضه دون البعض فلا وجه له، فيصحّ ما هو المدّعىٰ عليه الشهرة، بل و الإجماع؛ و هو أنّ أمر الواحد الطبيعيّ و الاعتباريّ واحد في الحكم، و هو عدم جواز التبعيض في الردّ.

الثاني: دلالة خبر جميل

بناءً على اعتبار خبر جميل «2»، فالسؤال يشمل الواحد الاعتباريّ؛ لأنّه لو كانت الثياب كثيرة، يصدق على المجموع «الثوب» صدقاً عرفيّاً، و عقلياً.

و توهّم عدم صدقه عقلًا، من الخلط بين مفهومي مثل «الثوب» و «الماء» و بين مثل «الإنسان»؛ ضرورة أنّ «الثوب» يصدق على

البعض

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 69/ السطر 16، المبسوط 2: 131 132.

(2) تقدّم في الصفحة 35.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 102

و الكلّ علىٰ نهج واحد.

و مثله الجواب، و لا سيّما قوله: «و إن كان الشي ء قائماً بعينه» من غير تنكير، مع عموم مفهوم «الشي ء».

و أمّا قوله: «قطع، أو خيط، أو صبغ» فيشمل قطع البعض و خياطةَ البعض في الواحد الطبيعيّ؛ ضرورة عدم الحاجة إلىٰ قطع كلّ جزء جزء منه، أو صبغ كلّه، ففي الواحد الاعتباريّ كذلك، فيثبت أصل الخيار، كما يثبت عدم جواز التفكيك.

و ما في كلام الشيخ (رحمه اللّٰه): «من ظهوره في أنّ كلّ شي ء معيب يردّ» «1» فهو في محلّه، إلّا أنّ «الشي ء المعيب» يصدق على الواحدين: الطبيعيّ، و الاعتباريّ.

نعم، يجوز دعوى انصراف السؤال و الجواب إلىٰ الواحد الطبيعيّ، فيكون هذا الوجه أيضاً قاصراً عن شمول أصل الخيار فيما نحن فيه.

و أمّا توهّم دلالته علىٰ جواز التفكيك بعد جريان الخيار، فهو واضح البطلان؛ لأنّ كلمة «الشي ء» كناية عمّا أُريد من «الثوب و المتاع» في السؤال، و لا سيّما بعد كونهما معرّفين بالألف و اللام، الموجب لحصر المتأخّر في المتقدّم، فإن كان السؤال أعمّ فهو تابعة فيه، و إلّا فيكون مخصوصاً بالوحدة الطبيعيّة، مع ظهور قوله: «إن كان الشي ء» في الشي ء المشتري بالفتح.

اللهمّ إلّا أن يقال: بعض الشي ء المشتري شي ء مشترى بالضرورة،

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 259/ السطر 6.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 103

و لا حاجة إلىٰ انحلال العقد إلىٰ الكثير في الواحد الطبيعيّ و غيره، و لا يصحّ ما قد يقال: «من أنّه بعض المشترىٰ، و هو ليس بمشتري» فإنّه خلاف التحقيق؛ فإنّ الواحد الطبيعيّ و التأليفيّ و

الاعتباريّ، يصدق على قسم منه إذا لم يلحظ في قبال الكلّ، كما يشار إلىٰ بعض البيت في حمل مفهوم «البيت» على البيت، و إلى بعض الإنسان في حمله، و هكذا.

و مقتضى ذلك جريان التفكيك حتّى في بعض الواحد الطبيعيّ و التأليفيّ، و في مثل مصراعي الباب و النعلين، و يتعيّن التفكيك عندئذٍ؛ لأنّ قضيّة الخبر ردّ المشترى المعيب، دون القسم الصحيح، و حيث ترى فساد هذا الوجه يتبيّن فساد الكلّ، فتأمّل تعرف.

الثالث: دلالة معتبر زرارة على سقوط الخيار

بناءً علىٰ جريان الخيار في مطلق الوحدات الطبيعيّة و التأليفيّة و الاعتباريّة بأقسامها الثلاثة لبعض الأُمور المشار إليها؛ من إلغاء الخصوصيّة، أو شمول الدليل يكون مقتضىٰ معتبر زرارة «1»، سقوطه بإعمال خيار العيب في البعض، و ما يلزم من تنفيذه سقوطه لا يكون ثابتاً من الأوّل؛ إمّا لانصراف دليل الإثبات، أو لكونه من اللغو.

و بعبارة اخرىٰ: علىٰ تقدير ثبوت الخيار فيما يكون البيع متكثّراً خارجاً، فلا بدّ من الالتزام بمقالة المشهور؛ و هو الصبر على المجموع و الأرش، أو ردّ المجموع، و لا ثالث؛ لأنّ من إعمال الخيار بالنسبة إلى

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 34.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 104

الجزء المعيب، يلزم اندراجه في معتبر زرارة، الحاكم بأنّ إحداث الشي ء فيه موجب لتعيّن الأرش، و التفكيك و التجزئة المذكورة من الإحداث بالضرورة، سواء كان تفكيكاً خارجيّا، كردّ قسم من الصبْرة، أو اعتباريّاً وهميّاً، كردّ الجزء المشاع المعيب مثلًا.

فعلى كلّ تقدير: يلزم سقوط الخيار بمجرّد ردّ البعض تعبّداً، فكونه مخيّراً بين ردّ المجموع أو البعض بلا وجه؛ لأنّ الرواية منصرفة طبعاً عن إثبات هذا التخيير المتعقّب بعدم إمكان تنفيذ الخيار.

و هكذا لو قلنا بعدم ثبوت الخيار لردّ المجموع؛ و أنّ البيع لازم

بالنسبة إلى الجزء الصحيح، و خياريّ بالنسبة إلى الجزء المعيب.

و أنت خبير بما فيه؛ ضرورة أنّ ما هو الموجب للسقوط هو الحدث في ملك المشتري، بل الحدث بعد ما قبضه، كما في الرواية، و هذا الانفكاك و لو كان حدثاً و إحداثاً عرفاً، و لكنّه بعد إعمال الخيار و تنفيذه.

و بالجملة: ردّ البعض المتعقّب بالتبعيض الصادق عليه «الإحداث» لو كان موجباً لعدم ثبوت الخيار بالنسبة إلى المجموع؛ لأجل ما ذكر، للزم منه عدم ثبوت الخيار بالنسبة إلى العيب في بيع ما يملك و ما لا يملك، إذا كان ما يملك معيباً؛ لأنّ ردّ ما لا يملك يوجب السقوط، لأنّه من الردّ المتعقّب للتبعيض، فما في كلام الشيخ الأعظم «1» مجرّد احتمال، و لا يكون مورد التصديق.

هذا، و لا سيّما على القول: بأنّ الإحداث موجب لسقوط الخيار؛

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 258/ السطر 27.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 105

لأجل كونه من الرضا بالبيع تعبّداً و لو كان حال الجهل بالعيب، كما هو المفروض في الرواية، فإنّه يعتبر مسقطاً إذا كان في ملكه.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ تنفيذ الخيار من الإيقاعات، فبمجرّد إعماله يحصل التفكيك، و هو من الحدث.

و فيه: أنّ إعمال الخيار بالنسبة إلى المجموع كذلك، فيلزم الحدث، و هو النقل الاعتباريّ الحاصل من الفسخ، كالنقل الحاصل من الإقالة، فتأمّل.

و بالجملة: الخبر منصرف قطعاً عن أمثال هذا الحدث، كما أنّ إحداث التفكيك ليس من التصرّف الموجب لسقوط خيار الحيوان في بيع الحيوان المنضمّ إلىٰ غير الحيوان.

و من الغريب ما في كلامه (رحمه اللّٰه): «من أنّ ردّ المبيع بعد الصبغ ممنوع في النصّ؛ لأجل الشركة الحاصلة بالردّ» «1»!! فإنّ في كونه من الشركة إشكالًا، بل منعاً

عند جمع «2». مع أنّه من التخريص؛ ضرورة أنّ الرواية اعتبرت التغيّر و الإحداث الموجبين لسقوط الردّ. هذا مع أنّ في المجموع الاعتباريّ، لا تحصل الشركة في ردّ المعيب المعيّن.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 258/ السطر 30.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 220، حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 56/ السطر 42.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 106

الرابع: مقتضى رعاية حال المشتري دون البائع

قد تبيّن في أثناء البحث و طيّ الوجوه: أنّ في المسألة احتمالات:

احتمال لزوم البيع مطلقاً.

و احتمال خياريّة البيع مطلقاً؛ لجواز ردّ المجموع و البعض دفعة و تدريجاً.

و احتمال جوازه مطلقاً دفعة، لا تدريجاً، فإن ردّ الجزء المعيب فيلزم بالنسبة إلى الصحيح بعد ذلك.

و احتمال كون البيع لازماً بالنسبة إلى الجزء الصحيح، و خياريّاً بالنسبة إلى المعيب.

و أمّا سقوط خيار العيب بإقالة العقد بالنسبة إلى الجزء الصحيح، فهو بحث آخر أجنبيّ عمّا نحن فيه.

و الذي هو الوجه لعدم جواز الخيار بالنسبة إلى البعض، و ممنوعيّة التفكيك- كما هو مقالة المشهور «1»، و هو المقصود بالبحث هنا-: هو أنّ من التفكيك يلزم أن يكون البائع بالخيار بالنسبة إلى الجزء الصحيح؛ إمّا لأجل قاعدة نفي الضرر، أو لأجل تبعّض الصفقة؛ بناءً على كونه بعنوانه موضوع حكم العقلاء و الشرع بالخيار.

فإذا كان هو بالخيار لأجل هذا النقص و الضرر، فثبوت خيار العيب بالنسبة إلى البعض ممنوع بمقتضى هذه الأخبار؛ لأنّها منصرفة

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 258/ السطر 25.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 107

إلى مراعاة حال المشتري دون البائع إلّا بعد حدوث الحدث و التغيّر، و أمّا قبله فروعي فيها جانب المشتري، فمنه يلزم إنكار تجويز التبعيض، فيكون المورد إمّا مندرجاً فيها فيثبت الخيار بالنسبة إلى المجموع، أو غير مندرج فيها

فيلزم اللزوم حسب الأصل، فيسقط القول بالتفكيك على التقديرين.

أقول: قد أشرنا آنفاً أنّ من الاحتمالات كون المشتري بالخيار حتّى بعد ردّ المعيب، فلا يلزم خلاف رعايته؛ و ذلك لأجل أنّه في هذا العقد الواحد القابل للتجزّي حسبما مرّ بالخيار، و هو أيضاً واحد يقبل التجزّي باعتبار ما يضاف إليه؛ و هو العقد، فإذا كان قادراً على حلّ العقد بالنسبة إلى الجزء المعيب، فهو قادر علىٰ حلّ العقد بالنسبة إلى الجزء الصحيح، بل له حلّه حتّى قبل حلّ الجزء المعيب، و له الارتضاء بالمعيب و ردّ الصحيح للأغراض الأُخر؛ لأنّ له خيار حلّ العقد لأجل العيب، لا خيار حلّ عقد المعيب، كما قد يتوهّم.

ثمّ في أنّ صورة كون العقد لازماً عليه بالنسبة إلى الصحيح من الابتداء أو بعد ردّ المعيب، تكون الرعاية نكتةً و حكمةً في جانب المشتري، لا علّةً، مع أنّه بالاختيار أنفذ خياره بالنسبة إلى البعض، و مع التوجّه إلى تمكين البائع على العقد بالنسبة إلى الصحيح، لا يلزم خلاف رعايته، بل هو أقدم على خلاف مصلحته مثلًا.

هذا، و في كون البائع بالخيار إشكال: من جهة أنّ دليله إن كان القاعدة، فقد مرّ في خيار الغبن ما يتعلّق به، و لا سيّما أنّ خيار العيب إن كان ناشئاً من القاعدة، فجريان القاعدة ممنوع؛ لأنّ سدّ باب الضرر على

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 108

المشتري بفتح باب الضرر عليه- لأجل سدّ بابه على البائع غير جائز حسب الفهم الابتدائيّ من القاعدة، فاغتنم.

و إن كان دليله حديث تبعّض الصفقة، فالظاهر أنّ خيار تبعّض الصفقة مخصوص بالمشتري في تبعّضها، و بالبائع في تبعّض الثمن. و أمّا خيار التبعّض بالنسبة إلى البائع فيما نحن فيه مثلًا

فممنوع؛ لعدم أخذ العنوان المذكور في الدليل. و لو كان فيه أو كان معقد إجماع، فالمقصود ذلك، و هو القدر المتيقّن، و الفسخ و الردّ ليس عقداً جديداً؛ حتّى يصير البائع مشترياً بالنسبة إلى المجموعة المشتراة، فلا تغفل.

الخامس: مقتضى وحدة الخيار
اشارة

تبعيض العقد و تجزئته في الصور المشار إليها ممكن، و تبعيض الخيار لأجل كونه قائماً بالعاقد، أيضاً ممكن، كما أُشير إليه، إلّا أنّ دليل خيار العيب ظاهر في أنّ المشتري له الخيار الواحد متعلّقاً بالمجموع بردّه، أو الأرش.

و الالتزام بالتفكيك معناه تصدّي الدليل الواحد لجعل خيارين؛ أحدهما: متعلّق بالمجموع، و الآخر: بالبعض، أو الالتزام بانبساطه على المجموع، كانبساط البياض على الجسم، فينقسم بانقسامه؛ حسب المقتضيات العقلائيّة و الأغراض العرفيّة. و في كلا الفرضين إشكال و منع؛ لأنّ الأوّل مضافاً إلى امتناعه ثبوتاً خلاف ظاهر الدليل إثباتاً كما مرّ، و الثاني خلاف صريح جمع منهم في أنّ خيار العيب هو التخيير بين

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 109

الردّ و الأرش، و لا يكون متعلّقاً بالعقد، كسائر الخيارات، و لا يعقل انبساطه على العقد، و لا على العقد بردّ العين كما في كلام الفقيه اليزدي «1»؛ لأنّ المردّد بين الأمرين لا واقعيّة له، حتّى يعتبر في الخارج منبسطاً علىٰ شي ء، فلا تخلط.

أقول أوّلًا: قد تحرّر منّا مراراً أنّ متعلّق الخيار هو البيّع و المتعامل، دون العقد و البيع، كما هو صريح أدلّة خيار المجلس «2» و الحيوان «3»، فموضوعه العاقد.

نعم، يضاف إلى العقد لأجل أنّه بدونه، لا معنىٰ لاعتبار الخيار له، و قد مضى أنّ الخيار المتعلّق بالعين ينعدم بتلف العين، و الخيار المتعلّق بالعقد المتعلّق بالعين مثله.

نعم، العاقد يشير إلى العقد الواقع في عمود الزمان و

يفسخه، و يكون الفسخ حسب القاعدة من الابتداء، إلّا أنّه يمكن في وجهٍ الفسخ من الحين بالدليل.

و ثانياً: دليل الخيار يتعرّض لإثباته من غير النظر إلى مرحلة تنفيذه، فإنّه أمر آخر؛ لعدم الملازمة بينه و بين التنفيذ، فإذا كان العقد الواقع على المجموع الوحدانيّ واحداً اعتبارياً قابلًا للتجزّي الاعتباريّ، يكون أمر هذا العقد بيد ذي الخيار، فإن أراد إعدامه فيعدمه بالمرّة، و إن

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 67/ السطر 11، و: 80/ السطر 7.

(2) وسائل الشيعة 18: 5 7، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1.

(3) وسائل الشيعة 18: 10 12، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 3.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 110

أراد إعدام قسم منه فكذلك، كما في الإقالة بناءً على جوازها. هذا تمام الكلام حول صور بيع الواحد الطبيعيّ و التأليفيّ و الاعتباريّ.

و قضيّة ما سلف إمكان التفكيك في البيع الشخصيّ الواحد، فضلًا عن غيره، و مقتضى كون الخيار بمعنى التخيير بين الردّ و الأرش فيما نحن فيه، الاختصار بردّ الكلّ، أو الرضا به و الأرش، دون التفكيك.

نعم، يمكن دعوى جواز إلزام البائع بقبول المعيب؛ إذا لم يتمكّن من تبديل المعيب إلى الصحيح، و لكنّه بمعزل عن التحقيق؛ لعدم دليل علىٰ أنّه حكم عقلائيّ ممضى؛ بعد قوّة احتمال ردع الشرع حكمهم بالشهرة و الإجماع و الأخبار في أصل خيار العيب مستقلا، فالقول بخيار العيب من غير كون الأرش عديله، يحتاج إلىٰ دليل، و الأدلّة الأوّلية ناهضة علىٰ خلافه؛ فإنّ اللزوم هو الأصل.

بقي شي ء:

إذا رضي البائع بردّ البعض المعيب، ففي جواز فسخ العقد بالنسبة، إشكال مضى وجهه، و في جواز الإقالة بالنسبة إشكال؛ لاحتمال اختصاصها بالمجموع.

نعم، أصل التبديل و التعويض المستقلّ، غير

ممنوع.

و لو رضي المشتري بردّ الصحيح دون المعيب حين غفلته عن العيب، و قلنا بجواز الإقالة بالنسبة إلى البعض، فهل يجوز له الفسخ بعد الالتفات إلى العيب؛ بتوهّم أنّ بعد فسخ العقد بالنسبة إلى الجزء

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 111

الصحيح، يكون المبيع واحداً، ففيه الخيار مع الأرش؛ لصدق العناوين عليه، و هو مقتضىٰ حكم العرف، و مقتضى مناسبات الحكم و الموضوع؟

و حيث إنّ المسألة غير معنونة عند الأصحاب (رحمهم اللّٰه) يشكل عليّ إظهار النظر القطعيّ و اللّٰه هو الموفّق المؤيّد.

تفريع: حكم تعدّد المبيع و الثمن في البيع الواحد

لو تعدّد المبيع و الثمن في البيع الواحد، فبان أحدهما معيباً دون الآخر، ففي جريان الخيار رأساً، و على تقديره ففي جواز التفكيك بردّ المعيب، و في سائر الاحتمالات كلّها، تشترك مع ما سبق، إلّا أنّ الانحلال في بعض الصور في هذا الفرع أظهر، فيكون العقد لازماً بالقياس إلىٰ الصحيح، و خياريّاً بالقياس إلىٰ المعيب، من غير توهّم الخيار الآخر الناشئ من التبعّض.

الجانب الخامس في ثبوت الرّد مع تعدّد المشتري
اشارة

ربّما يكون المبيع واحداً طبيعيّاً و يتعدّد المشتري، مع كون العقد واحداً أيضاً، ففي جريان خيار العيب رأساً إشكال.

و علىٰ تقدير جريانه ففي المسألة أقوال؛ فعن المشهور عدم جواز

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 112

انفراد أحدهم في الفسخ حتّى بالنسبة إلىٰ حصّته «1»، و عن جمع- كالشيخ «2» و الإسكافيّ «3» و القاضي «4» و الحلّي «5» جوازه.

و ربما يظهر عن بعضهم التفصيل بين صورتي علم البائع بتعدّد المشتري و جهله، فيجوز في الأوّل، دون الثاني «6».

كما ربّما يظهر: أنّه في صورة علمه بالتعدّد لا خلاف في جواز التفريق، و إنّما الخلاف في صورة وحدة القابل «7»؛ سواء كان وكيلًا عن المالكين، أو كان أصيلًا و وكيلًا، أو كان فضولًا عنهما فأجازاه دفعة أو تدريجاً، فربّما يختلف الحكم بين صورتي التدريج و الدفع، فلو كانت الإجازة دفعيّة فلا يجوز، و إلّا فيجوز.

و لو أجاز أحدهما عن نفسه و عن الآخر فضولًا، ففي كونه بحكم الدفعيّ أو التدريجيّ، إشكال ظاهر.

و ربّما يجوز التفصيل بين صورتي كون المشتري وكيلًا نافذاً على الإطلاق عن المالكين فلا يجوز؛ لأنّه يرجع إلىٰ وحدة المشتري و لو كان المالك متعدّداً، و بين كونه المالكين، فقبلا تدريجاً أو دفعةً، أو كان

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 19: 90، مفتاح

الكرامة 4: 630/ السطر 11، جواهر الكلام 23: 249.

(2) المبسوط 2: 351، الخلاف 3: 333، المسألة 10.

(3) مختلف الشيعة: 374/ السطر 27.

(4) لاحظ نفس المصدر، و لم نعثر على كلام القاضي ابن البرّاج انظر المهذّب 1: 393.

(5) السرائر 2: 345 346.

(6) تحرير الأحكام 1: 274/ السطر 10 11، جامع المقاصد 4: 334، الحدائق الناضرة 19: 90.

(7) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 259/ السطر 20.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 113

الأجنبيّ وكيلًا عنهما في مجرّد الصيغة، فإنّه ملحق بالقبول الصادر عنهما دفعة.

و هنا احتمال آخر: و هو التفصيل بين صورتي كون الحصّتين معيوبتين، أو كانت حصّة أحد الشريكين معيوبة، ففي الأُولىٰ يجوز أخذ أحدهما بالأرش و الآخر بالفسخ، دون الثانية، كما لا يخفى.

بحث و تحصيل: مقتضى الأخبار و الإجماع

ظاهر أدلّة خيار العيب «1» بعد كونه شرعيّاً لأنّ معناه التخيير بين الفسخ و الأرش اختصاص المشتري بالواحد، دون الشريكين و الأكثر. بل قد مرّ: أنّ أخبار المسألة ناظرة إلىٰ الجهة الأُخرىٰ غير جعل الخيار، أو إمضاء ما عند العقلاء؛ بضميمة التعبّد بالأرش، و معقد الإجماع قدره المتيقّن غير هذه الصور، فجريان خيار العيب هنا محلّ تأمّل.

نعم، خيار العيب العقلائيّ غير المقرون بالأرش، ثابت فيما نحن فيه. اللهمّ إلّا أن يحتمل مردوعيّة بنائهم؛ لأجل الإجماع و الشهرة الناهضة على التخيير العَرْضيّ، فيكون خيار العيب محضاً بلا انضمام الأرش غير ثابت، كما أشرنا إليه في البحوث السابقة.

نعم، لا يبعد وجود الإجماع الخاصّ و الشهرة في خصوص المسألة أيضاً، كما عرفت؛ لأنّ الظاهر منهم مفروغيّة جريانه فيما نحن فيه عندهم،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 18: 97 111، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 1 8، و: 29 31، أبواب الخيار، الباب 16.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص:

114

و عند ذلك لا يتوجّه إلىٰ هذه المسألة إشكال خاصّ غير الإشكال في أصل خيار العيب الشرعيّ، دون العرفيّ، فإنّه ثابت؛ لأنّه القدر المتيقّن من الإجماع و الأخبار، فلا تخلط.

تنقيح و توضيح: حكم تعدّد المشتري

لا شبهة في جواز التفكيك و التشقيص فيما إذا كان المشتري متعدّدين مالكين قابلين تدريجاً، و البائع عالماً ملتفتاً، و كان المبيع حصّة مفروزة من الدار، و لا سيّما إذا كان عالماً بعيب حصّة أحدهما، أو كليهما، و قد مرّ وجه توهّم خيار البائع بعد التبعيض فيما سلف مع جوابه بما لا مزيد عليه.

بل و لو كانا قابلين دفعة؛ فإنّ القبول المتعدّد يستتبع انحلال العقد قهراً في هذه الصورة، و إلّا يلزم الخلف؛ لأنّ نظر البائع إلىٰ استقلال البيع بالنسبة إلىٰ كلّ منهما، فلو كان قبولهما معاً شرطاً يكون خلفاً، و لذلك لو قبل أحدهما دون الآخر، يقع البيع صحيحاً بالقياس إلىٰ القابل، دون الممتنع، فالإيجاب لا بدّ و أن يصير كثيراً حكماً، لا واقعاً.

نعم، فيما إذا قال: «بعتكما هذه الدار» و قبل أحدهما و لم يقبل الآخر، يحتمل وقوع البيع بالنسبة إلىٰ الكلّ بحسب الإنشاء، و تكفي الإجازة اللاحقة، و قد مرّ كيفيّة جريان العقد الفضوليّ في بيع المالك ماله؛ و إن لم يكن فضوليّاً لغة.

بل و لو لم يكن البائع عالماً بالعيب بعد كون الطرف متعدّداً؛ لأنّ

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 115

المفروض قبول كلّ منهما لنفسه حصّةً معيّنة من الدار، فيتعدّد البيع، كما يتعدّد سائر أحكامه؛ من خيار المجلس، و القبض، فإنّ قبض أحدهما حصّته، لا يكفي عن الآخر و الوفاء.

فالإنشاء الواحد و لو كان واحداً حقيقة، كما في إنشاء إكرام العلماء، إلّا أنّه ينحلّ عرفاً و حكماً إلىٰ

الكثير، و لا يرتبط أحدهما بالآخر في الأحكام.

فما يظهر من «التحرير» «1» أحياناً، و من بعضهم من التفصيل بين صورتي العلم و الجهل «2»؛ نظراً إلىٰ أنّ في صورة العلم ينشأ إنشاءان، غير تامّ؛ لأنّه علىٰ كلّ تقدير الإنشاء واحد، و علىٰ كلّ فرض يتكثّر حكماً.

بل و لو كان المبيع الحصّة المشتركة و النصف المشاع، و كان الكلّ معيباً، أو كان النصف المشاع معيباً، كما إذا كان مورد الدعوىٰ؛ بناءً علىٰ كونه من المعيب الموجب للخيار، كما هو غير بعيد في الجملة؛ ضرورة أنّ الإشاعة لا توجب وحدة البيع؛ بعد كون المشتري غير مالك بالقبول إلّا النصف، و لا سيّما إذا كان نصف أحدهما أقلّ قيمة من النصف الآخر، فإنّه يوجب الظهور القويّ في الانحلال الحكميّ قطعاً.

و ممّا يشهد علىٰ ذلك؛ جواز استقالة البائع عقد أحدهما دون الآخر، و أنّ البائع يجد لنفسه أن يراجع أحدهما دون الآخر عند الحاجة، فهو دليل علىٰ قابليّته التجزئة، أو الانحلال الحكميّ، فإنّ الانحلال الحكميّ

______________________________

(1) تحرير الأحكام 1: 274/ السطر 10 11.

(2) جامع المقاصد 4: 334، الحدائق الناضرة 19: 90.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 116

لو لم يكن صحيحاً لما أنّ معنى الحكميّ هو المجاز، لا الحقيقة فالتجزية كما مرّ في البحوث السابقة صحيحة، و لا مجاز.

فيما إذا اشترى الوكيل عن المتعدّد أو اشترى الوليان

نعم، فيما إذا كان القابل يقبل عن المالكين الموكّلين في الوكالة علىٰ الإطلاق، أو الوليّين، فربّما يشكل أصل جريان خيار العيب؛ لاحتمال اختصاصه بالقابل المشتري المالك، و الوكيل و الولىّ مشتريان ليسا بمالكين، و الموكّل مالك لما يشتري، أو يكون الخيار لكل واحد منهما، أو للمجموع؛ على الخلاف المذكور في خيار المجلس «1» بل و خيار الغبن، بعد انصراف خبر

جميل «2» عنه، و عدم كون معتبر زرارة «3» في مقام بيان خيار العيب جعلًا و وضعاً.

و الحقّ: أنّ في مفروض المسألة لا يثبت الخيار للمالك، و ليس له التصرّف إلّا في حدود وكالة وكيله بالعزل، و عندئذٍ لا يثبت له خيار العيب التعبّدي، و قد مرّ وجه الإشكال في ثبوت خيار العيب العقلائيّ.

و ربّما يكون اشتراء الوكيل المتاع المعيب باطلًا، و يقع فضوليّاً، لأنّ المنصرف من حدّ الوكالة هو التوكيل في اشتراء الصحيح، ففيما إذا

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 216 217.

(2) تقدّم في الصفحة 35.

(3) تقدّم في الصفحة 34.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 117

اشترى المعيب، يصير خائناً ساقطاً عن الوكالة، إلّا إذا كان وكيلًا على الإطلاق من هذه الجهة أيضاً.

بقي شي ء: فيما إذا كان المشتري واحداً اعتباراً

إذا اشترى الشريكان متاعاً واحداً؛ علىٰ وجهٍ كانا واحداً اعتباراً، و كان قبولهما قبولًا واحداً، فالحكم في هذه الصورة كحكم الخيار المورَّث على القول بأنّ الوارث مجموع الورثة؛ بحيث لا تنفيذ إلّا تنفيذهم جمعاً، و يكون الانحلال ممنوعاً في هذه الصورة، و تصير من قبيل الوحدة الاعتباريّة التي مرّت في ناحية المبيع المتعدّد.

و بالجملة: يكون الخيار واحداً في هذه الصورة، و لا يكون واحداً في سائر الصور؛ لأنّ موضوع الخيار إن كان العين فهي واحدة، و لكنّه خلاف التحقيق.

و إن كان العقد فهو متعدّد، و هو ممتنع؛ لامتناع اعتبار الواحد الاعتباري على الكثير بما هو كثير؛ للزوم الخلف.

و أمّا موضوع الخيار علىٰ ما هو الحقّ، فهو المتعامل حتّى في خيار العيب، و ما يقال: «من أنّ في خيار العيب موضوعه العقد بردّ العين» «1» كما مرّ «2»، غير تامّ في نفسه، و غير ممكن هنا مع وحدة الخيار، فإذا كان الخيار واحداً

مع تعدّد المتعامل، يلزم اعتبار الوحدة بينهما، و هو خلف؛

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 80/ السطر 7.

(2) تقدّم في الصفحة 108 109.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 118

لأنّ المفروض استقلال كلٍّ في الاشتراء، فلا يعقل وحدة الخيار.

نعم، اعتبار الخيار للمتعامل القابل للانطباق ممكن، إلّا أنّه خلاف ما هو مقتضى الخيار بعد تحقّقه خارجاً. مثلًا خيار المجلس ثابت للبيع، و لكنّه عنوان الخيار، و أمّا الشخصيّ الاعتباريّ فهو ثابت لزيد، و هكذا فيما نحن فيه.

فما في كلام الشيخ «1» و غيره غير صحيح ثبوتاً، فلا تصل النوبة إلىٰ الاستظهار من الدليل و الفتوىٰ إثباتاً.

و أمّا في الخيار المورّث، فهو موقوف على اعتبار الوحدة الجمعيّة، و هي هنا لو كانت فالأمر كذلك، و لكنّ المفروض خلافه؛ ضرورة تعدّد المعاملة، و على الاعتراف به لا يعقل وحدة الاشتراء و المشتري، فلا تخلط.

و من هنا يظهر ما في كلام العلّامة المحشّي الأصفهانيّ: من تخيّل أنّ المانع عن التبعيض إمّا وحدة العقد، أو وحدة الخيار «2»، و قد عرفت: أنّ وحدة الخيار ليست في عَرْض المانع الأوّل، و إذا زال المانع الأوّل فلا يمكن مانعيّة الثاني.

و من الغريب توهّم: أنّ التشقيص حدث يوجب السقوط!! فإنّ الحدث على المتاع في اشتراء زيد، يوجب سقوط خياره، لا سقوط خيار الأجنبيّ، فإنّ مع تعدّد العقد لأحدث في حصّة زيد بردّ عمرو حصّته.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 259/ السطر 25.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 109/ السطر 36.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 119

الجانب السادس في ثبوت الردّ مع تعدّد البائع

إذا تعدّد البائع دون العين و المشتري، فالبحوث و الصور و الفروع واحدة، و قد مرّ أنّ ما هو المقتضي لجريان الخيار في أصل البيع، محلّ المناقشة، و

إذا جرىٰ فلا وجه للإشكال من ناحية قصور المقتضي لخيار المشتري بالنسبة إلىٰ عقده، و لا الإشكال من ناحية وجود المانع من الجهات السابقة.

و لو كان ضرر البائع في الصورة السابقة، موجباً لمنع خيار المشتري فرضاً، لكان ضرر المشتري و جبره على الشركة بردّ النصف المشاع المعيب إلىٰ أحد البائعين، موجباً لخياره بالنسبة إلىٰ النصف الصحيح. بل هذا هنا أولىٰ؛ لأنّه من تبعّض الصفقة، فتأمّل.

و ممّا ذكرناه يظهر حكم اشتراء الكثير من الكثير المالَ الكثير، فتدبّر كثيراً.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 121

الجهة السابعة في مسقطات الأرش و في مواقف لا يثبت فيها الأرش

الأوّل و الثاني شرط السقوط و الإسقاط من قبل البائع

و قد مرّ ما يتعلّق بالإشكال في جوازه، و كفاية الثاني إذا تخلّف و لم يسقط عصياناً.

و من الأوّل شرط عدم الثبوت، و قد مرّ أنّ الأقرب عدم نفوذه؛ لاختلافه اعتباراً مع الأوّل في مخالفته للكتاب بخلافه؛ و إن كانت النتيجة واحدة، ف «إنّما يحلّل الكلام و يحرّم الكلام» «1».

______________________________

(1) خالد بن الحجّاج قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) الرجل يجي ء فيقول: اشتر هذا الثوب، و أربحك كذا و كذا، قال: أ ليس إن شاء ترك، و إن شاء أخذ؟ قلت: بلىٰ، قال: لا بأس به إنّما يحلّ الكلام، و يحرّم الكلام.

الكافي 5: 201/ 6، تهذيب الأحكام 7: 50/ 216، وسائل الشيعة 18: 50، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 8، الحديث 4.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 122

و غير خفيّ: أنّه في صورة اشتراط البائع إسقاط حقّ الأرش علىٰ تقدير ظهور العيب و قبول المشتري، ربّما يكون نفس قبوله من الرضا بسقوط الحقّ، الكافي لعدم جواز رجوعه إليه وضعاً، و لو لم يرجع إليه، فالأمر بالوفاء بالشرط «1» لا يقتضي النهي عن الرجوع إلىٰ حقّ الأرش؛ بحيث يصير

كاشفاً عن عدم الحقّ، لو لم يكن علىٰ تقدير الاقتضاء مؤكّداً لحقّه، كما لا يخفى.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ النهي عن الأُمور الوضعيّة سواء كانت كالمعاملات، أو كانت من قبيل ما نحن فيه، المتوقّف اعتبارها علىٰ رضا الشرع و إمضائه لا يجتمع مع إرادة الإمضاء و الرضا، و لأجل هذه النكتة يكون النهي عن المعاملة موجباً لفساد المعاملة الراجع إلىٰ قصور المقتضي، لا إلىٰ وجود المانع حتّى يقال: «هو يؤكّد المقتضي» كما

______________________________

(1) عن العبد الصالح (عليه السّلام) قال: قلت له: إنّ رجلًا من مواليك تزوّج امرأة ثمّ طلّقها فبانت منه فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلّا أن يجعل للّٰه عليه أن لا يطلّقها و لا يتزوّج عليها، فأعطاها ذلك، ثمّ بدا له في التزويج بعد ذلك، فكيف يصنع؟ فقال: بئس ما صنع، و ما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل و النهار، قل له: فليف للمرأة بشرطها، فإنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال: المؤمنون عند شروطهم.

الكافي 5: 404/ 8، تهذيب الأحكام 7: 371/ 1053، وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 123

قال به بعض العامّة «1»، و اختاره بعض أصحابنا «2»، و التفصيل في محلّه «3».

الثالث ما لو اشترى ربويّاً بجنسه

اشارة

من المواضع التي اشتهر فيها عدم ثبوت الأرش، و يتعيّن فيها الفسخ؛ ما لو اشترىٰ ربويّاً بجنسه، فظهر عيب في أحدهما، فلا أرش حذراً من الربا «4»؛ ضرورة أنّ الأخذ بالأرش معناه الأخذ بالزيادة، لأنّ الصحيح و المعيب إذا كانا من جنس واحد، فلا بدّ و أن يكونا مِثلًا بمثل. و هذا من غير فرق بين كون الزيادة عينيّة، أو حكميّة،

من جنس العوضين، أو من غير جنسهما، شرط المشتري تلك الزيادة عند ظهور العيب، أو لم يشترط.

نعم، في الفرض الأوّل يكون باطلًا ثبوتاً و إثباتاً، و في الفرض الثاني يكون باطلًا ثبوتاً، و يظهر إثباتاً بعد ظهور العيب؛ ضرورة أنّ المعاملات الربوية حسبما هو المعروف باطلة و محرّمة «5».

و القول: بأنّ الزيادة أو الشرط حرام، دون أصل المعاملة، غير

______________________________

(1) لاحظ مطارح الأنظار: 166/ السطر 15.

(2) هو قول فخر المحقّقين في نهاية المأمول، لاحظ مطارح الأنظار: 166/ السطر 16.

(3) تحريرات في الأُصول 4: 361.

(4) الدروس الشرعيّة 3: 288، لاحظ جواهر الكلام 23: 244/ السطر 16، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 259/ السطر 33.

(5) لاحظ جواهر الكلام 23: 332.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 124

موافق لظاهر الأدلّة بدواً؛ و لو كان الشرط الفاسد غير مفسد في غير المقام، كما لا يخفى.

نعم، بناءً على القول: بأنّ الخيار بعد ظهور العيب مثلًا، فلا يكون العقد باطلًا عند عدم الشرط ثبوتاً و إثباتاً، و لكنّه يصير باطلًا بأخذ الأرش، أو يكشف بطلانه من الأوّل لو أخذ بالأرش.

أقول: هنا جهات من البحث نشير إليها علىٰ سبيل الإجمال:

الاولىٰ في جريان خيار العيب الشرعي

في جريان خيار العيب الشرعيّ و هو التخيير العَرْضيّ بين الفسخ و الردّ، و بين الإمضاء و الأرش إشكال هنا؛ و ذلك لأنّه علىٰ خلاف الأصل، و أخبار المسألة بين ما هي ظاهرة في الاشتراء بالكلّي من الأثمان المتعارفة «1»، و بين ما لا تكون في مقام جعل خيار العيب، كمعتبر زرارة «2»،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 18: 29، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 1.

(2) زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: أيّما رجل اشترى شيئاً و به عيب و عوار لم يتبرّأ إليه

و لم يبيّن له، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئاً ثمّ علم بذلك العوار و بذلك الداء، أنّه يمضي عليه البيع و يردّ عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن له.

الكافي 5: 207/ 3، تهذيب الأحكام 7: 60/ 257، وسائل الشيعة 18: 30، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 125

و بين ما لا يجوز الركون إليها، كخبر جميل «1»، فيسقط البحث من البدو، و يكون في المثل بالمثل خيار الفسخ فقط، دون الأرش؛ لجهة قصور المقتضي، لا لوجود الربا المانع، أو لمعارضة أخبار المسألة مع أخبار الربا، و قد مرّ منّا في أوّل البحث الإشكال في جريانه في المعاوضة.

نعم، إذا كانت المعاوضة كلّية كبيع السلم، فلا يبعد أن يكون هو من البيع، دون المعاوضة، فيجري فيه خيار العيب الشرعيّ، كما لو باع الحنطة الموجودة بالأكثر في المستقبل، فإنّه يعدّ بيعاً لا معاوضة، و تحقيق المسألة من هذه الجهة في مقام آخر.

فلا يسقط البحث بناءً علىٰ هذا في مثل هذه الصورة؛ لجريان الربا فيها أيضاً بالضرورة، و إن كان فيها إشكال؛ لأجل أنّهم يقولون بالبطلان في ناحية الزيادة الحكميّة «2»، و مقتضاه هي الصحّة إذا كانت المماثلة حاصلة بالمساواة الحكميّة؛ ضرورة أنّ للزمان قسطاً من الثمن، فلو باع عشرة أمنان حنطة باثني عشر في المستقبل، تكون تلك العشرة النقديّة مساويةً مع الاثني عشر حكماً، و إلّا فلا يقدم العقلاء عليه.

نعم، المثل من الحنطة نقداً بالمثلين من الشعير نقداً، من الربا

______________________________

(1) جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (عليهما السّلام) في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيباً فقال: إن

كان الشي ء قائماً بعينه ردّه على صاحبه و أخذ الثمن، و إن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب.

الكافي 5: 207/ 2، الفقيه 7: 60/ 258، تهذيب الأحكام 7: 60/ 258، وسائل الشيعة 18: 30، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 3.

(2) جواهر الكلام 23: 334 و 340.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 126

شرعاً، لا عرفاً، و هو القدر المسلّم من أخبار المثل بالمثل، و المسألة تحتاج إلىٰ مزيد تأمّل في مسائل الربا و أخباره، و سيأتي إن شاء اللّٰه تعالىٰ في محلّه.

هذا، و غير خفيّ: أنّه مع ذلك كلّه في جريان خيار العيب الشرعيّ في المبادلة بين الأمتعة و منها الأجناس الربويّة إشكال، و لعلّ المتعارف في هذه الصورة بين العقلاء الردّ و الرضا بشي ء جبراناً للنقص. و أمّا الإلزام بالجبران فهو ليس حكماً عرفيّاً قطعاً، إلّا أنّه يكفي لعدم سقوط البحث أيضاً؛ لأنّ الرضا بالزيادة موجب لجريان بحث الربا.

الثانية في شمول أخبار الربا للمقام
اشارة

لا شبهة في شمول دليل خيار العيب لما نحن فيه عند الأصحاب (رحمهم اللّٰه) و أنّه لو لا حديث الربا لكان هنا مجرى التخيير بين الردّ و الأرش، كسائر المقامات، و إنّما البحث في أنّه مندرج في أخبار الربا، أم لا؟

أو يفصّل بين صورتي الاشتراط و عدمه؛ بتوهّم أنّه إذا اشترط الأرش يكون من اشتراط الزيادة، بعد اعترافهم بأنّ الصحيح و المعيب من المثل بالمثل، و عليه دعوى الإجماع من «الجواهر» «1» و هو الظاهر من «الشرائع» حيث قال: «و يستوي في وجوب التماثل المصوغ و المكسور

______________________________

(1) جواهر الكلام 24: 13.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 127

و الجيّد من الجوهر و رديئه» «1» انتهىٰ.

و فيه: أنّ

شرط الزيادة غير الشرط فيما نحن فيه، فإنّه شرط معلّق علىٰ ظهور العيب، و يشبه ما إذا باع منّاً بمنّ، و اشترط عليه إن جاءه زيد أكرمه، فكونه من شرط الزيادة غير معلوم، بل هو حين الشرط ليس من الزيادة إلّا إذا كان مجي ء زيد معلوماً عندهم، و علىٰ هذا يصير من الربا؛ بناءً علىٰ كفاية الزيادة الحكميّة في الربويّة.

و الذي هو الحقّ: أنّ ما نحن فيه لا يخرج عن أخبار الربا؛ لأجل دعوى أنّها ظاهرة في صورة جعل المتعاملين، كما ادّعاه الفقيه اليزديّ (قدّس سرّه) «2» لأنّ إلزام الشرع بالجبران ليس إلّا لاغتراس المساواة عرفاً، و لذلك احتملنا رجوع خيار العيب إلىٰ خيار الغبن؛ ضرورة أنّ المعيب بحسب المتعارف أقلّ قيمة من الصحيح، و لذلك قلنا: لو أقدم البائع علىٰ جبران الأرش، لا يثبت الخيار عندنا و إن قال به الأصحاب (رحمهم اللّٰه) «3».

نعم، ما هو الموجب لخروجه عنها عدم كون الأرش متعيّناً على المشتري؛ فإنّ جواز فسخ العقد يورث كونه بالخيار بينهما، فإذا أخذ بالأرش لا يصير الأرش إلّا جبراناً لما نقص في المعاملة، و لا يندرج في المعاملة؛ سواء قلنا هو جبران بتعبّد من الشرع محضاً، أو بتغريم من

______________________________

(1) شرائع الإسلام 2: 42.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 85/ السطر 8 9.

(3) تذكرة الفقهاء 1: 529 530.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 128

العرف أيضاً الممضى شرعاً.

و بالجملة: هو أمر خارج عن المبادلة الإنشائيّة بالضرورة، و إلّا يلزم البيع و الأرش، و خارج عن المبادلة بالحمل الشائع بعد الأخذ؛ لعدم إمكان اندراجه فيها، لأنّها تابعة الإنشاء بالضرورة، و ربّما لا يجب عليه لو اتفق فسخ البيع المذكور بعد الأرش، أن يردّ

عين ما أخذه أرشاً، فلا تغفل.

و هذا من غير فرق بين كونه علىٰ ذمّة البائع من الأوّل، أو بعد المطالبة.

فإنّ هذه البحوث أجنبيّة عمّا هو التحقيق في المقام، فما عن «الروضة» من الاحتمالين «1»، بعيد عن ساحته المقدّسة.

كما أنّ ما أفاده السيّد (رحمه اللّٰه): من اشتغال الذمّة به عند الاختيار «2»، في غير محلّه؛ لأنّه إن أراد من «الاختيار» هو الاختيار الخارجيّ، فلا معنىٰ لاشتغال الذمّة بعده أو فيه، و إن أراد آناً ما قبله فهو ممنوع؛ لجواز عوده إلىٰ الفسخ، و إن أراد آناً ما قبله في صورة وقوع الأخذ بالأرش، فهو بلا دليل.

و قد مرّ كيفيّة تعلّق حقّ المشتري بالعقد و الأرش بما لا مزيد عليه، و أنّه ليس معنى وضعيّاً أصيلًا بل هو معنى وضعيّ منتزع من الترخيص المردّد بين الردّ و الأرش، و يكون هناك حقّان معيّنان منتزعان.

______________________________

(1) لاحظ حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 85/ السطر 14.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 85/ السطر 14 و 24.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 129

بقي شي ء: في إمكان إلحاق شي ء إلى المبيع

قد اشتهر بين أبناء التحصيل أنّ من الصلاة قول المصلّي: «و رحمة اللّٰه و بركاته» إذا أتى به، و إن لم يأتِ به بحسب الواقع فليست الصلاة باطلة بدونه «1»، و هكذا في سائر المستحبّات، و هذا لا يتصوّر إلّا بإمكان اندراج شي ء في الطبيعة الموجودة، و يعدّ من لواحق المصاديق.

و فيما نحن فيه، إذا أخذ بالأرش يصير هو من المبيع، فيكون خارجاً عن المثل بالمثل قهراً، فيشمله أخبار الربا.

و فيه: أنّه و لو كان كذلك، إلّا أنّه خارج عن تلك الأخبار؛ لجواز أخذ المتعاملين بحسب الخارج شيئاً و لو لم يكن عيب في البين، فإنّ تلك

الزيادة تدخل في العوضين قهراً، و لا توجب البطلان قطعاً.

إيقاظ: فيما إذا اشترط سقوط حقّ الفسخ

سيمرّ أنّ من المواضع التي لا يثبت فيها الأرش، مورد اشتراط سقوط حقّ الفسخ؛ لكونه موجباً لتعيّن الأرش المنتهي إلى الربا في بعض الموارد، فبناءً علىٰ هذا لو كان وجه عدم شمول أدلّة الربا لما نحن فيه، عدمَ تعيين الأرش حين العقد «2»، للزم الربا في هذه الصورة، و لازمه

______________________________

(1) لاحظ مستمسك العروة الوثقى 6: 469 470.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 85/ السطر 8 9.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 130

شمول أدلّته.

و فيه: أنّه سيأتي أنّ إسقاط حقّ الفسخ لا يوجب تعيين الأرش، فعلى هذا ما هو الوجه لعدم كون المسألة من صغريات باب الربا و من موارد الزيادة على المثل بالمثل؛ هو عدم تعيّن الأرش، فعلى هذا يكون المشتري مستحقّاً له، و لا يفسد البيع لو أخذ به.

الثالثة حول إبطال العقد بأخذ الأرش

إن قلنا بحرمة الزيادة التكليفيّة من غير سرايتها إلىٰ أصل البيع كما هو أحد الأقوال في المسألة «1»، و في خاطري أنّه مختار الفقيه اليزديّ في «ملحقات العروة» «2» فلا بحث، و إن قلنا بالبطلان في صورة الأخذ بالزيادة، فيمكن دعوى: أنّه كما يجوز له فسخ العقد على المعيب، يجوز له إبطاله من هذه الطريقة.

و دعوىٰ: أنّه حرام تكليفاً، مسموعة في غير ما إذا كان من نيّته إرجاع الزيادة إلىٰ البائع بعد البطلان، بل لو كان البائع لا يردّ العوض إلىٰ المشتري بعد الفسخ، فربّما يجوز له هذا الاحتيال، و لكن مع ذلك كلّه لا يترك الاحتياط.

______________________________

(1) لاحظ جواهر الكلام 23: 334.

(2) لاحظ ملحقات العروة الوثقى 2: 6 و 8.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 131

و يحتمل عدم بطلان البيع إلّا في صورة يقع الأخذ بالزيادة محرّماً؛ بناءً على القول بحرمتها، و

خلافاً للتحقيق الذي عرفت آنفاً.

الرابعة التعارض بين أدلّة الربا و الأرش

لو فرضنا شمول أدلّة الربا لما نحن فيه؛ إمّا لأجل ما أفاده الشيخ (رحمه اللّٰه): من عدم الفرق بين سببيّة العقد على المتجانسين للزيادة في طرف بلا واسطة، أو بواسطة سببيّته لاستحقاق الأرش الذي هو زيادة على المتجانسين «1».

أو لأجل ما أفاده العلّامة الخراسانيّ (رحمه اللّٰه): من عدم الفرق بين انعقاد العقد على المتفاضلين، و بين استقراره علىٰ ذلك «2».

أو لأجل ما في كلام الفقيه اليزديّ: من عدم الفرق بين كون الخيار بجعل المتعاقدين، أو بحكم الشرع «3».

أو لأجل عدم الفرق بين ردّ بعض الثمن، أو ما يساويه في الماليّة، فإنّه على الأوّل يختلفان في المقدار و الحجم، و يخرجان عن المثل بالمثل.

أو لأجل أنّ المماثلة من ناحية التزام البائع حسب أصالة

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260/ السطر 5.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 222.

(3) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 85/ السطر 9.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 132

السلامة لا يوجب الخروج عن الربا أو الأكل المحرّم، فلا فرق بين كون الزيادة بالشرط، أو بالجزئيّة.

أو لأجل إلحاق ما نحن فيه بسائر الموارد في هذا الحكم؛ بعد اجتماع الجهات الموجبة للربا فيه، كما هو المعلوم.

أو لأجل عدم الفرق بين كون الأرش جزء البيع في مرحلة الإنشاء، أو جزءه اللاحق بمصداق المبيع بحكم العرف، أو كونه بحكم الجزء من ابتداء العقد شرعاً، أو من حين المطالبة، فإنّ بالكلّ يخرج عن المثل بالمثل بحسب الواقع.

و بالجملة: لو فرضنا أنّ المسألة من صغريات الربا، يلزم التعارض بين إطلاقات الربا، و أخبار المسألة و دليلها.

و المناقشة هنا في دليله «1» غير وجيهة بعد فرض المعارضة، كما أنّ فرض سقوط الردّ غير صحيح؛ لأنّ الكلام في

موارد يسقط فيها الأرش خاصّة، فلا بدّ من كون المفروض ثبوت حقّ الردّ.

و عند ذلك قضيّة المعارضة بينهما بالعموم من وجه بعد إمكان الجمع العقلائيّ باختيار الردّ معلومة؛ ضرورة أنّ كون الربا محرّماً، و كونَ المشتري مخيّراً بين ما لا يستلزم الربا و ما يستلزمه، يقتضي تعيّن الأخذ بالطرف الأوّل علىٰ جميع المسالك في التخيير و فيما نحن فيه، و هذا الجمع تامّ في مثل العامّين من وجه؛ لأنّ التعارض بينهما بالعرض.

و أمّا على القول بعدم تماميّة ذلك الجمع العقلائيّ فالحقّ: أنّ

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 65.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 133

الأدلّة العلاجيّة لا تشمل المتعارضين بالعرض، و منهما العامّان من وجه، فيرجع إلىٰ مقتضىٰ مرجّحات باب التزاحم بعد مساواة الأدلّة من حيث السند فرضاً، و لا شبهة في أنّ الفرار من الربا متعيّن.

و لو نظرنا إلىٰ سندهما فما ثبت بالكتاب «1» أقوى، إلّا أنّ حرمة الربا و لزوم الوفاء بعدم جواز العقد، كليهما من الثابت به «2» على المعروف، و لكنّه خلاف التحقيق عندنا.

فعلى كلّ تقدير يكون سقوط حقّ الأرش أقرب من أُفق التحقيق؛ بناءً علىٰ كون المسألة من صغريات تلك المسألة، و إلّا فقد عرفت تمام البحث حولها.

و لو فرضنا تعارض الأدلّة، و عدم التمكّن من الجمع، و لا من الترجيح، فتصل النوبة إلىٰ الشكّ، و هو كافٍ لعدم ثبوت حقّ الأرش؛ من غير الحاجة إلىٰ استصحاب عدم استحقاق الأرش حتّى يناقش فيه، فما أفاده العلّامة الإيروانيّ (رحمه اللّٰه) هنا «3» و إن كان من وجه قريباً من طريق المسألة و طيّها، و لكنّه مشتمل علىٰ جهات من الضعف، و قد أُشير في مطاوي كلماتنا إلىٰ تلك الجهات،

فتدبّر.

______________________________

(1) أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا، البقرة (2): 275.

(2) يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، المائدة (5): 1.

(3) حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 58/ السطر 12.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 134

الرابع اشتراط سقوط حقّ الفسخ في العوضين الربويّين

إذا شرط على المشتري سقوط حقّ الفسخ، فيسقط حقّ الأرش أيضاً فيما إذا كان العوضان ربويّين، و قلنا في المسألة السابقة بسقوط حقّ الأرش في هذه الصورة؛ فإنّ من شرط سقوط حقّ الفسخ الذي هو أحد طرفي التخيير، لا بدّ و أن يتعيّن الثاني في غير ما نحن فيه، و فيما نحن فيه أيضاً يسقط أو لا يثبت؛ للزوم الربا، فمن الشرط المذكور يلزم سقوط حقّ الأرش.

أقول: الحقّ الذي يسقط أو لا يثبت بسدّ مقتضيه بالشرط؛ هو الحقّ بالحمل الشائع، لا المفهوم منه، و قد أشرنا فيما مضى إلىٰ أنّ قوله (عليه السّلام): «البيّعان بالخيار» «1» ليس متكفّلًا للحقّ بالحمل الشائع لعنوان «البائع».

نعم، إذا تحقّق البيع خارجاً، فقضيّة الرواية ثبوت الحقّ بالحمل الشائع له، و إلّا فهو خيار مفهوميّ و حقّ عنوانيّ، و لذلك يصحّ بالقياس إلىٰ الحقّ العنوانيّ أن يقال في موارد بيع المثل بالمثل: إذا كان أحدهما معيباً

______________________________

(1) فضيل، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال: قلت له: ما الشرط في غير الحيوان؟ قال: البيّعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما.

الكافي 5: 170/ 6، تهذيب الأحكام 7: 206/ 85، وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 3.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 135

يسقط حقّ الأرش؛ باعتبار الحقّ العنوانيّ الكلّي، و إلّا فلا معنىٰ لسقوطه. بل في هذه الموارد لا يثبت الحقّ و الأرش، كما هو الواضح.

فعلى

هذا، إن كان خيار العيب من قبيل سائر الخيارات، فالأمر كما أشرنا إليه؛ ضرورة أنّ المشتري له حقان؛ أحدهما: حقّ الفسخ، و الثاني: حقّ الأرش، و لا تخيير في الذات، بل تخييره في استيفائهما، و لا يجوز له الجمع، أو لا يمكن الجمع كما مرّ، فإذا أسقط حقّ الفسخ فلازمه على القول المذكور سقوط الحقّ الآخر؛ للزوم المحرّم و هو الزيادة الربويّة.

و إن كان أيضاً حقّا متعلّقاً بالعقد بردّ العين، فالأمر كذلك و هكذا؛ لأنّ الجزئيّ الخارجيّ لا يعقل تردّده.

و أمّا إذا كان المجعول بالذات معنى حدثيّا؛ و هو التخيير بين ردّ العين و أخذ الأرش، كما هو ظاهر الفتاوىٰ و الأخبار على الوجه المحرّر عندنا، حتّى لا يكون معنى تكليفيّاً، و تخييراً كسائر التكاليف التخييريّة حتّى لا يقبل الإسقاط، فلا يلزم من شرط سقوط حقّ الفسخ شي ء؛ و ذلك لأنّ ما هو المجعول الأوّليّ هو المعنى الحدثيّ؛ و هو ردّ العين، أو الأخذ بالأرش، و المنتزع عنه معنى وضعيّ حقّي تابع له، فيكون منشأ الانتزاع كسائر التكاليف التخييريّة التي فرغنا في الأُصول عن تصويرها بما لا مزيد عليه؛ من غير رجوعها إلىٰ الواجب المعلّق، أو المشروط، أو التعيينيّ.

و قد تحرّر أيضاً فيه: أنّ الواجبات الإلهيّة لا تنقلب عمّا تكون عليه، مثلًا الواجب التخييريّ لا ينقلب تعيينيّاً، و المشروط مطلقاً، و الموسّع

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 136

مضيّقاً؛ عند تعذّر سائر المصاديق، و عند وجود الشرط، بل كلّ في جميع الحالات باقٍ علىٰ ما هو المجعول بالذات، فلو تعذّرت إحدى الخصالات، لا يكون التخيير شرعيّاً أيضاً إلّا في الثلاث مثلًا، و لو تعذّر عليه طرفاها لا يتعيّن إلّا عقلًا في الثالث «1».

فعليه فيما

نحن فيه بسقوط حقّ الفسخ، لا يصير الترخيص التخييريّ الشرعيّ تعيينيّاً؛ لأنّه حقّ ينتزع من الترخيص التخييريّ المجعول بالذات، و لا يكون إلّا معنى انتزاعيّاً و حقّاً تسامحيّاً، و إذا كان المشتري مخيّراً بين الردّ و الأرش، يعتبر له حقّ الفسخ و حقّ الأرش في الرتبة المتأخّرة، و بذلك يرتفع غائلة المشكلة العقليّة، و يراعى فيه حقّية خيار العيب في الجملة، و قابليّته للسقوط؛ بمعنى عدم كون شرط عدم الفسخ شرطاً خلاف الكتاب؛ لأنّ المكتوب معنى تخييريّ و لو كان ترخيصيّاً، و لكنّ الشرط المذكور يمنع عن انتزاع ذلك الحقّ الانتزاعيّ العرفيّ، و هو كافٍ فيما نحن فيه؛ بعد قيام الضرورة علىٰ جواز الشرط المذكور. و كان ينبغي البحث حول أنّ شرط سقوط حقّ الفسخ، نافذ أم لا من هذه الجهة فيما سبق.

و على كلّ تقدير: تحرّر جوازه هنا أوّلًا، و عدم لزوم سقوط الطرف الآخر بالشرط المذكور ثانياً في موارد بيع المثل بالمثل، فتأمّل جيّداً.

______________________________

(1) لاحظ تحريرات في الأُصول 4: 5 16 و 26 28.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 137

الخامس في العيب الذي لم يوجب نقصاً في القيمة

اشارة

من الموارد التي لا يكون فيها الأرش ثابتاً؛ ما لم يوجب العيب نقصاً في القيمة، فإنّه لا يتصوّر هنا أرش حتّى يحكم بثبوته، و من ذلك الخصاء في العبيد، و ما يشبه ذلك.

أقول: ربّما يخطر بالبال أن يقال: العيب ليس ما يعاب الشي ء عليه؛ لأنّ انتفاء الصفات الكماليّة يوجبه، و لا ما يخالف الخلقة الأصليّة و الخارج عنها؛ لإمكان اختلاف الأقطار و الأزمنة من هذه الجهة، فلا يكون الخارج عنها عيباً فيها كما ترى، بل الظاهر ملاحظة الشي ء في محيط المعاملات قطراً، و مصراً، و عصراً، فيكون الشي ء معيباً في هذا القطر

فقط، و التفصيل في محلّه.

و على هذا، كيف يتصوّر أن يكون في المتاع عيب يوجب خيار العيب، و لا يوجب الأرش؟! ضرورة أنّ ما لا يوجب الأرش كما في المثال ليس عيباً في محيط المعاملة؛ لو لم يكن جهة كمال و صفة ممدوحة في حيطة التجارة، و لا دليل تعبّداً على الالتزام بأنّ «العيب» تفسيره كذا، حتّى يلزم منه التعبّد بأنّ خصاء العبيد عيب بما هو هو؛ فيوجب الخيار، و لا يوجب الأرش؛ لأنّه لا يزيد بفقده الماليّة، و لا بنقصانه تنقص. بل و لو كان الأمر كما توهّم فلمنع إيجابه الخيار وجه واضح.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 138

فما هو الموجب للخيار يلازم إيجاب الأرش، إلّا أنّه فرق بين إيجابه الأرش عند الشرع، فإنّه في عَرْض الخيار، و عند العرف، فإنّه ليس في عَرْضه، كما تحرّر.

بحث و تحصيل في رجوع خيار العيب إلىٰ خيار الغبن

يخطر بالبال ثانياً رجوع خيار العيب إلىٰ خيار الغبن؛ لأنّ قيمة المعيب أقلّ، مع أنّ البائع أخذ الأكثر.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ في خيار الغبن يعتبر الزيادة الفاحشة.

و فيه: أنّ العيب الموجب لنقصان القيمة بالحدّ القليل، غير واضح إيجابه الأرش.

أو يقال: ربّما يبيع البائع ما يبلغ قيمته الألف بالمائة، فإنّه إذا تبيّن عيبه يثبت الخيار، و لا غبن.

و فيه: أنّ في هذه المعاملة الشخصيّة، ربّما يكون البناء على التبرّي عرفاً؛ و لا يرجع المشتري إليه إذا كان تبلغ قيمة متاعه الخمسمائة بالضرورة، و هذا يشهد علىٰ ما ذكرناه أوّلًا: و هو أنّ العيب بما هو عيب لا يوجب الخيار.

نعم، إذا تبيّن أنّه معيب، و لم يكن عرفاً شاهد على التبرّي، و كان العيب موجباً لنقصان القيمة إلىٰ الخمسين في المثال المزبور، فيثبت الخيار و الأرش، فيكون ما

هو الموجب لخيار العيب في الحقيقة هو

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 139

نقصان قيمة المعيب عن الصحيح.

نعم، خيار الغبن يعتبر بالنسبة إلىٰ الأعمّ من هذا الاختلاف؛ لأنّه يسري في الاختلاف الحاصل من القيم السوقيّة، و غير ذلك أحياناً. و ممّا يشهد علىٰ أنّ العيب الموجب للخيار يساوي العيب الموجب للأرش؛ ظهور الأخبار في مقابلة الردّ و الأرش علىٰ نهج التلازم بينهما، و ليس فيها شي ء يشعر بذلك؛ و أنّه يمكن ثبوت خيار العيب بلا أرش.

بقي شي ء: في التفات العقلاء إلى العيب دون الغبن

و هو أنّ في موارد عيب المبيع يردّونه العقلاء لأجله؛ من غير التوجّه و الالتفات إلى الغبن، و هذا الاغتراس متّبع، دون ذاك المرجع.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ الارتكاز المختفي متّبع، دون ما هو المتبادر؛ فإنّ ما هو المنشأ الأصليّ هو الغبن.

نعم، الغبن الحاصل من العيب له الأحكام الخاصّة، كالأرش و غير ذلك، و لأجله اختصّ بالعنوان الخاصّ، و بالبحوث علىٰ حِدة، و لا ضير في ذلك، كما لا يخفىٰ.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 141

الجهة الثامنة في المواقف التي ذكروا فيها عدم ثبوت الخيار و الأرش معاً

اشارة

و ما في كلامهم من ذكر الأُمور التي يسقط بها الخيار و الأرش لا يخلو من تسامح، و سيظهر بعض المسامحات الأُخر، و الأمر سهل.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 142

الأوّل العلم بالعيب حين العقد «1»

اشارة

إذا كان كلّ من المتعاملين عالماً بالعيب حين العقد، فلا يكون العيب المذكور صالحاً لسببيّة الخيار، و لا الأرش؛ اتفاقاً عند الأصحاب «2»، و هو الحكم المفروغ عنه لدى العقلاء؛ و ذلك لأجل قصور الأدلّة المثبتة لخيار العيب و لو كانت قاعدة «لا ضرر.» «3».

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ المرسلة «4» ذات إطلاق؛ لأنّ قوله: «فيجد فيه عيباً» لا يضرّ بالقاعدة الكلّية المستأنفة الظاهرة في أنّها غير ناظرة إلىٰ وجدانه و عدم وجدانه، و لو لا ضعفها كان للاتكال عليها من هذه الجهة وجه، كما لا يخفى على العارف بأساليب العربيّة، فأخذ القيد في السؤال و لا سيّما مثله لا يضرّ بالإطلاق، و خصوصاً مثله.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 1، ص: 142

و يؤيّد ذلك: أنّ في صورة العلم بالعيب ربّما يقدمون على اشتراء

______________________________

(1) لاحظ مفتاح الكرامة 4: 625، جواهر الكلام 23: 238، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260/ السطر 15.

(2) رياض المسائل 1: 538/ السطر 7، جواهر الكلام 23: 238، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260/ السطر 16.

(3) قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): لا ضرر و لا ضرار.

الكافي 5: 292/ 2، وسائل الشيعة 18: 32، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 17، الحديث 3 و أيضاً الحديث 4 و 5.

(4) تقدّم في الصفحة 125.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 143

المعيب؛

للتدبّر في الأمر، و لئلّا يفوتهم المتاع، فيكون مثل جعل خيار الشرط، فلا يشهد العلم بالعيب على الالتزام بالمعيب على كلّ تقدير. مع أنّه لا يدلّ علىٰ سقوط الأرش بالضرورة.

نعم، جواز إجبار البائع على الجبران، علىٰ خلاف القاعدة، فيقتصر على القدر المتيقّن، و أمّا حقّ فسخ العقد فلا دليل علىٰ سقوطه، أو عدم حدوثه.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ حكم العقلاء بخيار العيب مردوع؛ لتصرف الشرع فيه في الجملة، فلا شاهد علىٰ رضا الشارع بما يحكمون به هنا. مع أنّ الاتفاق محكيّ علىٰ خلافه، فليتأمّل.

و في كلام الشيخ الأنصاري (قدّس سرّه) «1»: «و قد يستدلّ لعدم ثبوت الخيار و الأرش بمفهوم صحيحة زرارة المتقدّمة «2»» «3» ضرورة أنّ صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) يصرّ علىٰ ذلك؛ نظراً إلىٰ أنّ القيد الوارد في كلام الإمام (عليه السّلام) «4» لا بدّ و أن يكون دخيلًا في الحكم المذكور في الصحيحة؛ و هو لزوم العقد، و لزوم الأرش، و بانتفاء القيد المذكور و هو العلم المتأخّر عن الأحداث الذي يجتمع مع كونه عالماً بالعيب قبل الإحداث و حين العقد ينتفي اللزومان معاً، أو أحد اللزومين.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260/ السطر 16.

(2) تقدّم في الصفحة 124.

(3) مفتاح الكرامة 4: 625، جواهر الكلام 23: 238.

(4) و هو قوله (عليه السّلام): أيّما رجل اشترى شيئاً و به عيب و عوار لم يتبرّأ إليه و لم يبيّن له، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئاً ثمّ علم بذلك العوار و بذلك الداء.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 144

و حيث لا يمكن الالتزام بجواز العقد مع العلم بالعيب حين العقد، و بلزومه بعد ذلك، فلا بدّ و أن يكون القيد دخيلًا في لزوم الأرش، فإذا

انتفىٰ ينتفي اللزوم الثاني فقط، فيكون العلم بالعيب حين العقد موجباً لسقوطهما.

و توهّم: أنّ القيد المذكور توجّه إلىٰ حال الإحداث؛ لاختلاف الحكم في صورة الجهل و العلم هنا «1»، في غير محلّه؛ لذهاب المشهور إلىٰ أنّ التغيّر و الإحداث يوجب السقوط، و لا يسقط به الأرش «2»، فلا يفترق الحكم بالعلم و الجهل.

فعليه يكون القيد متوجّهاً إلىٰ أصل الاشتراء؛ و أنّه اشترىٰ ثمّ علم بذلك العَوار، فإذا اشترىٰ و كان عالماً به، فلا أرش بعد قطعيّة لزوم العقد حينئذٍ بالضرورة.

هذا مع أنّ قوله (عليه السّلام): «ثمّ علم بذلك العَوار» و لو كان راجعاً إلىٰ العلم و الجهل بالإحداث، فيكفينا قوله (عليه السّلام): «و لم يبيّن له» أي لم يظهر و لم يعلم المشتري بالعيب، فعليه يثبت المطلوب، فاغتنم.

و حيث إنّ الصحيحة «3» في موقف التحديد، و كأنّها في موقف بيان إثبات الأرش من جهة الجهل، لا يبعد ثبوت المفهوم لها في الأحكام الوضعيّة، فتأمّل.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 111/ السطر 15.

(2) جواهر الكلام 23: 239.

(3) تقدّم في الصفحة 124.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 145

بقي بحث و تحقيق: في اشتراط خيار العيب مع العلم به

اختلف صاحب «الجواهر» و الشيخ (قدّس سرّهم) في جواز شرط خيار العيب في صورة العلم بالعيب، بعد القول بسقوطه؛ فذهب الأوّل إلىٰ الصحّة و نفوذه «1»، و الثاني إلىٰ الفساد و الإفساد «2»، و ثالث اختار الفساد دون الإفساد «3».

و ربّما يقال بامتناع الشرط المذكور «4»؛ لأنّ ظاهرهم اشتراط خيار العيب، فلو كان المتاع صحيحاً لا يعقل شرط خيار العيب، و كذلك لو كان المتاع معيباً ساقطاً خيار عيبه، لا يعقل شرط خيار العيب؛ لسقوط السبب و انعدامه، كما في المثال.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ سببيّة العيب للخيار

بمعنى الاقتضاء باقية و لا تسقط، و ما هو الجزء الأخير إمّا الجهل، أو يكون العلم مانعاً عن التأثير، ففرق بين ما نحن فيه و المثال، فإذا كان الاقتضاء موجوداً يجوز أن ينوب مناب الجزء الأخير، إطلاق أدلّة الشرط، فيكون شرط الخيار بعد وجود العيب، كافياً لثبوته شرعاً و لو لم يكن الجزء الأخير و هي

______________________________

(1) جواهر الكلام 23: 238.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260/ السطر 17.

(3) حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 58/ السطر 24، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 111 112.

(4) لاحظ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 111/ السطر 25.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 146

الجهالة موجودة؛ لأنّها بمنزلة الشرط، فيحتمل الاستنابة، و هكذا وجود المانع، فلا امتناع عقلًا.

نعم، إنّما الكلام في جوازه شرعاً؛ لأنّه شرط مخالف للكتاب، ضرورة أنّ الأدلّة الخاصّة ظاهرة إمّا في شرطيّة الجهالة، أو مانعيّة العلم، فالشرطيّة و المانعيّة من القيود الشرعيّة الدخيلة، و لا يمكن سلبها بأدلّة الشرط.

نعم، لو لم يكن المراد من «شرط خيار العيب» هو الخيار المسبّب عن المعيب، فيكون له الأحكام الخاصّة. بل و كان المراد نتيجة خيار العيب و هو الفسخ و الأرش عَرْضاً، أو طولًا؛ من غير النظر إلىٰ التدخّل في حدود سلطان المولى فلا ضير.

و من الغريب دعوى: أنّ شرط خيار العيب الخاصّ، كشرط سقوط خيار المجلس «1»، فكما أنّه يمنع عن التأثير و نافذ، كذلك الأمر هنا؛ فإنّ الشرط يرفع المانعيّة عن التنفيذ و المنع، فيؤثّر المقتضي أثره! فإنّها غير مسموعة؛ بداهة أنّ المانعيّة و الشرطيّة شرعيّتان اعتباريّتان جعليّتان، بخلاف إسقاط الحقّ الذي يقتضي ذات الحقّ جواز إسقاطه بالشرط أو نفسه.

نعم، قضيّة ما تحرّر منّا و يأتي إن شاء اللّٰه بتفصيل؛

أنّ الشرط المخالف للكتاب هو الشرط المخالف للأحكام التأسيسيّة السماويّة احتمالًا، لا الإمضائيّة، و حيث إنّ خيار العيب من الخيارات

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 222.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 147

العقلائيّة، فلا يكون العلم مانعاً شرعيّاً، و لا الجهل شرطاً سماويّاً، بل ذلك من الأحكام الإمضائيّة العقلائيّة بالنسبة إلىٰ حق الفسخ.

نعم، في كونه من الشروط العقلائيّة إشكال؛ لما لا يترتّب عليه أثر إلّا الفسخ، فإذا أمكن شرط حقّ الفسخ فالتقييد بخيار العيب من العبث.

و علىٰ كلّ تقدير: بناءً علىٰ ما محّصناه لا يصير العقد باطلًا؛ بعد مفروغيّة عدم تقييد العقد بمثله، أو أنّه لا يكون إفساد الشرط الفاسد لأجل التقييد المنحلّ إلىٰ تعدّد الطلب الكاشف عن تعدّد الإنشاء عرفاً، و التفصيل في محلّه إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

بقي شي ء: مقتضى قاعدة «لا ضرر»

ربّما يقال: لو كان مستند الخيار قاعدة «لا ضرر.» فهي تقتضي هنا حتّى في صورة العلم بالعيب حقَّ الفسخ و جواز العقد؛ لأنّ منشأ عدم اقتضائها في صورة الإقدام على الضرر، انصرافها عنهما.

و أمّا توهّم كونها قاعدة امتنانيّة، فهو فاسد.

و بالجملة: مع الشرط لا وجه للانصراف؛ لأنّه بالشرط يخرج عن الإقدام على الضرر بالضرورة، فالشرط يرجع إلىٰ تأكيد مقتضى الخيار؛ و هي القاعدة، لا إلىٰ إحداث الخيار المستند إلىٰ العيب تأسيساً «1».

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 111/ السطر 30.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 148

و فيه: مضافاً إلىٰ أنّه خلاف ظاهر الشرط فإنّه تارة: يشترط جبران الخسارة و الاستيلاء علىٰ العقد، فيكون ذلك من تأكيد مقتضى الخيار، أو نفس الخيار، و أُخرى: يشترط أن يكون له خيار العيب بالشرط، فإنّه يخرج عنه كما لا يخفى.

و مضافاً إلىٰ قصور القاعدة عن إثبات الحقّ، إلّا علىٰ

بيان بديع بعيد عن الأنظار العرفيّة سابق ذكره.

أنّ حكم العقلاء بعدم الخيار، و ذهابَ المشهور إلىٰ سقوطه هنا، دليل علىٰ عدم وجود خيار العيب في صورة العلم، فالتمسّك بها لتأسيس خيار العيب بها، من قبيل التمسّك بأدلّة الشرط، و لا يصحّ الاستناد المذكور؛ لأنّ ذات الحكم بالسقوط في صورة العلم ضرريٌّ، و لا تشمل القاعدة تلك الأحكام الضرريّة الذاتيّة، فلا تخلط.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 149

الثاني التبرّي من العيوب لو كانت موجودة «1»

اشارة

بأن يبيع المتاع علىٰ ما هو عليه حالًا من الأحوال؛ سواء كانت صحيحة، أم فاسدة.

و قد اعترف الكل إلّا من شذّ بسقوط الخيار؛ بمعنى عدم الثبوت، و عدم تحقّق حقّ الأرش «2»، و حكي عن الإسكافيّ رائحة الخلاف في صورة التبرّي إجمالًا «3».

و على كلّ تقدير: لا بدّ من البحث هنا في جهات:

الجهة الاولىٰ في صحّة البيع مع التبرّي من العيوب

ربّما يشكل صحّة المعاملة في صورة التبرّي؛ لأنّ وجه صحّة المعاملات أصالة السلامة العقلائيّة، التي من الركون عليها يرتفع الغرر المنهيّ فيها، فإذا كانت أصالة السلامة غير جارية كما هو

______________________________

(1) جواهر الكلام 23: 237، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260/ السطر 18.

(2) لاحظ مفتاح الكرامة 4: 624.

(3) مختلف الشيعة: 371/ السطر 17.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 150

صريح بعضهم في هذه الصورة؛ لقيام القرينة فلا رافع للغرر «1».

و ما في كلام الشيخ الأنصاريّ (قدّس سرّه): من إمكان جريانها، حيث قال به في ذيل المسألة عند تعرّضه لتوضيح الفرق بين التبرّي من العيوب، و بين الصفات المشترطة في العين الغائبة «2»، غير ناجح؛ ضرورة أنّ كلام البائع يصلح للقرينة علىٰ عدم تماميّة الإطلاق المنصرف إلىٰ السلامة، و قد تحرّر مراراً أنّ الإطلاق المستند إليه في هذه الأبواب، من قبيل الإطلاق في أبواب الأوامر و النواهي، لا من قبيل الإطلاق في باب المطلق و المقيّد، فإنّ هذا الإطلاق نتيجته التضيق و التقييد، بخلاف ذاك، و تفصيله محرّر في القواعد الأُصوليّة، فلا ينبغي الخلط كما يظهر من بعضهم.

و أمّا توهّم ارتضاء المشتري بما هو الموجود؛ و أنّ البيع يقع علىٰ ما هو الميزان العقلائيّ في المعاملات على الأمتعة المعيبة «3»، فهو غير جائز بعد إذعانهم باشتراط المعلوميّة شرعاً؛ من غير رعاية الأغراض و المقاصد، و

إلّا فقلّما يتّفق بطلان معاملة لأجل الجهالة و الغرر. فعلى هذا لا بدّ من رفع الغرر و الجهالة، دون مجرّد الخطر و الجزاف و لو لم يكن المشتري في صورة التخلّف مغبوناً، بل و لو كان البائع مغبوناً.

و من الغريب توهّم: أنّ الأوصاف خارجة عن البيع و المبادلة

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260/ السطر 26.

(2) لاحظ نفس المصدر/ السطر 27.

(3) لاحظ جواهر الكلام 23: 237.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 151

حقيقة، فلا يعتبر معلوميّتها!! فإنّه و لو كان حسناً صناعة، و لكنّه غير مرضيّ فقاهة، و قد اعتبروا العلم بها كما في الكمّيات المقداريّة «1».

و الذي هو الحقّ: أنّ اعتبار المعلوميّة ممنوع إلّا في الجملة، و قد مرّ في مطاوي بحوثنا السابقة: أنّ الشواهد كثيرة علىٰ ذلك؛ و منها مسألتنا هذه. و الالتزام بالتخصيص و التقييد و لو كان ممكناً في نفسه، إلّا أنّ من كثرة الموارد المستثناة بعد عدم وجود دليل واضح علىٰ إطلاق الشرط المذكور يتبيّن عدم الشرطيّة إلّا في الجملة.

و ما قد يتوهّم: من أنّ التبرّي شاهد علىٰ عدم التزام البائع بالصحّة و السلامة، و هو لا ينافي الصحّة ثبوتاً فتجري أصالة السلامة إثباتاً؛ لأنّه أصل منقّح لحال الشكّ «2»، خالٍ من التحصيل؛ لما تحرّر منّا من أنّ جميع الأمارات و الأُصول العقلائيّة في موارد الشكّ المستند إلىٰ منشأ عقلائيّ، غير جارية؛ لعدم تعبّد من الشرع في مورد تلك الأُصول و الأمارات؛ حتّى يؤخذ بإطلاقها.

نعم، لو فرضنا وجود الإطلاق القابل للاعتماد غير المحمول علىٰ الإرشاد إلىٰ الطريقة المألوفة الخارجيّة، فللقول المذكور وجه كما لا يخفى.

______________________________

(1) لاحظ جواهر الكلام 22: 417 و 430.

(2) لاحظ البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 73.

الخيارات

(للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 152

الجهة الثانية في عدم الثمرة للتبرّي
رجوع التبرّي إلى العلم بالعيب

ربّما يشكل أن يكون التبرّي من العيوب، مسقطاً وراء المسقط السابق؛ لأنّ بالتبرّي و إن لم يحصل العلم للمشتري بالعيوب، و لكنّه في حكم العلم نفس تردّده في الصحّة و إقدامه على البيع علىٰ كلّ تقدير، فما هو الموجب لسقوط حقّه؛ إقدامه في صورة الشكّ المستند إلىٰ المنشإ الصحيح العقلائيّ، و ليس عنوان «التبرّي» بما هو هو مانعاً عن حدوث الحقّ، أو موجباً لسقوطه.

و ما في عناوين الفقهاء (رحمهم اللّٰه) أو في بعض الأخبار، محمول علىٰ لازمه؛ لأنّ التبرّي سبب لحصول التردّد المنتهى إلىٰ إقدامه على البيع علىٰ كلّ تقدير، فيكون راضياً بما يدخل في كيسه إزاء ما يخرج عنه.

و فيه: أنّه لو كان الإقدام المقرون بالتردّد فيما نحن فيه، موجباً لسقوط الحقّ، أو مانعاً عن حدوثه، لما كان وجه لشرط الخيار؛ لأنّ منشأ الشرط احتمال احتياج البيع إلىٰ التدبّر الزائد على المتعارف؛ كي يكون تجارة رائجة، فالإقدام لا يشهد حتّى علىٰ رضاه بالمعيب، فيكون الخيار ساقطاً، فضلًا عن الأرش.

نعم، يكشف عن رضاه و طيبه بأصل البيع المعتبر في صحّته.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 153

و لأجل ذلك ذكرنا في البحث السابق: أنّ سقوط الخيار و حقّ الأرش في صورة العلم بالعيب، ممنوع «1» حسب النظر الدقيق، و لو لا قصور الأدلّة عن إثبات التخيير بين الفسخ و الأرش، لكان القول بعدم سقوطهما قويّاً جدّاً، فكيف بصورة التردّد؟! و لو كان الإقدام المقرون بالعلم موجباً لسقوطهما، فهو و الإقدام المقرون بالتردّد علىٰ حدّ سواء، فلا تخلط.

رجوع التبرّي إلى اشتراط عدم الخيار

و ربّما يشكل ثانياً كون التبرّي مسقطاً علىٰ حِدة؛ لرجوعه إلىٰ اشتراط عدم الخيار، و أنّ البائع المتبرّي يعتبر في طيّ العقد عدم خيار المشتري، فيرجع في الحقيقة

التبرّي من العيوب إلىٰ ذلك.

و يؤيّد ذلك ما لو اشترط صريحاً عدم الخيار، فإنّه لا معنى له إلّا في صورة عدم التزامه بما هو المتعارف، و عليه بناء الأُمم و الأقوام؛ فإنّ إفادة ذلك كما يمكن بإبراز التبرّي، كذلك يمكن باشتراط عدم الخيار، و هذا يجتمع مع كونه جاهلًا بالعيب، و عالماً، فإنّه يريد قطع يد المشتري عن هدم العقد و حلّ القرار.

و لو قيل: اشتراط عدم ثبوت الحقّين خلاف الكتاب، بخلاف التبرّي من العيوب «2»، فإنّ معنى الشرط هو المنع عن تأثير السبب

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 142 143.

(2) كما في معتبرة زرارة المتقدّمة في الصفحة 124.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 154

الموضوع عند الشرع لحدوث حقّ الفسخ و الأرش، و هذا باطل، بخلاف التبرّي منها، فإنّ معناه عدم التزامه بالجبران؛ و عدم استيفائه من حقّه الراجع إلىٰ سقوطه.

قلنا: قد مرّ منّا أنّ اشتراط عدم المسبّب مع وجود السبب كاشتراط عدم خيار المجلس مع وجود مجلس البيع غير جائز إذا لم يرجع إلىٰ شرط السقوط بشرط النتيجة، و هكذا التبرّي من العيوب، فإنّه لا يرجع إلّا إلىٰ شرط السقوط.

في أنّ التبرّي إسقاط لما لم يجب

و أمّا توهّم ممنوعيّة هذا الشرط؛ لأنّه يشبه إسقاط ما لم يجب، و هو ممنوع عقلًا و شرعاً، فهو باطل؛ لأنّ ما هو الممنوع عقلًا هو الشرط المنجّز؛ بمعنى التأثير في سقوط الحقّ فعلًا، لا المانع عن التأثير المقتضي عقلًا و اعتباراً، و ما هو الممنوع شرعاً كما مرّ غير هذه المواقف التي تكون الأسباب متهيّئة قريبة من الموضوعيّة لحكم العقلاء و الشرع، و للتأثير في آثارها اعتباراً، كما مرّ تفصيله في خيار المجلس.

و فرق بين شرط عدم ثبوت الخيار الذي هو حكم إلهيّ

مثلًا في موضوعه، و بين سقوط حقّه في بيعه؛ و إن كان هو أيضاً في الحقيقة منعاً عن ثبوته، إلّا أنّه منع عن ثبوت حقّه. و هذا هو مقتضىٰ طبيعيّ الحقّ؛ بأن يكون ذو الحقّ بالخيار في حدوده بعد وجوده و قبله، فلا تغفل.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 155

و المناقشة في أنّه قبل وجوده لا طبيعيّ، فلا اقتضاء، صحيحة عقليّة، لا عرفيّة اعتباريّة، فتأمّل.

فبالجملة: التبرّي من العيوب لا بدّ أن يرجع إلىٰ ذلك، فلو أشكل أمر الشرط فيشكل أمره، و لو صحّ ذاك صحّ هذا، كما في الخبر.

أقول: الملازمة ممنوعة؛ لعدم رجوع التبرّي من العيوب إلىٰ الشرط المذكور، بل حقيقة التبرّي من العيب هو إعلام عدم ضمانه بالنسبة إلىٰ الغرامة، و عدم تعهّده، و إعلام لعدم قبوله المردود، و أصل المتاع المعيب، فإنّ في خيار العيب يجب عليه إمّا قبول المردود، أو جبران النقص و العيب إذا رجع إليه المشتري، و الاختيار بيده في تعيين ما شاء.

و لا معنىٰ لأن يعتبر البائع على المشتري شيئاً في صورة نسبة التبرّي إلىٰ نفسه؛ و أنّه بري ء منها؛ أي فارغ البال و الذمة بالنسبة إلىٰ الحكم العقلائي الممضى؛ و هو قبول المردود، و بالنسبة إلىٰ الحكم الشرعيّ؛ و هو جبر العيب و النقص.

فالإشكال بأنّ هذا التبرّي يرجع في الحقيقة إلىٰ اشتراط عدم الخيار و الحقّ للطرف، ممنوع.

التبرّي شرط مخالف للكتاب

نعم، الإشكال بأنّه خلاف الكتاب؛ لأنّ العيب سبب للحقّ، فكيف ينكر عليه ذلك و يمنع، و أدلّة الشروط قاصرة عن إيجاد المانع لتأثير

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 156

الأسباب. مثلًا: زوال الشمس سبب، و الغليان سبب، و لا يمكن بالشرط إيجاد المانع عن تأثيرهما في الوجوب و

النجاسة و الحرمة، فهو بعدُ في محلّه.

و يندفع: بأنّه مضافاً إلىٰ النصّ الخاصّ الكافي المفتى به، أنّ هذه الأسباب روعي في جنسها حقّ عائلة البشر، بخلاف تلك الأسباب، فما كان من ذاك فلا منع عن إيجاد مانع التأثير بأدلّة الشروط.

هذا، و التبرّي من العيوب ليس شرطاً أصلًا في المعاملة حسب نظرهم، بل هو يمنع عن اقتضاء العيب حقّا، و لا أقلّ من الشكّ المنتهى إلىٰ قصور الأدلّة عن إثبات الخيار و الأرش؛ لما عرفت. و هذا يتمّ حتّى بالنسبة إلىٰ دليل خيار الفسخ الذي هو بناء العقلاء، كما لا يخفى.

فتحصّل إلىٰ هنا: أنّ أصل رجوع التبرّي إلىٰ الشرط ممنوع. و علىٰ تقدير الرجوع فكونه شرطاً علىٰ المشتري ممنوع. و إذا كان شرطاً علىٰ نفسه، فكونه خلاف الكتاب ممنوع. و علىٰ تقدير كونه خلاف الكتاب، فكونه مفسداً محلّ البحث، و يأتي تفصيله.

و أمّا توهّم: أنّه مفسد مطلقاً و لو لم يكن الشرط الفاسد مفسداً، فغير صحيح، بل الظاهر أنّه لو كان الشرط الفاسد مفسداً، فهذا الشرط أي ما يخالف الكتاب ليس مفسداً؛ لظهور أخباره في فساد ذاته فقط «1»،

______________________________

(1) عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: من اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب اللّٰه فلا يجوز له، و لا يجوز على الذي اشترط عليه، و المسلمون عند شروطهم ممّا وافق كتاب اللّٰه عزّ و جلّ.

الكافي 5: 169/ 1، تهذيب الأحكام 7: 22/ 94، وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 1، و أيضاً الأحاديث 2 و 3 و 4 و 5، و 21: 297، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 38، الحديث 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 157

و إلّا فكان ينبغي الإيماء إليه و لو مرّة، فاغتنم.

الجهة الثالثة مقتضى القواعد في سقوط الخيار بالتبرّي

هل سقوطهما في صورة التبرّي يكون على القاعدة، أو هو تعبّد شرعاً؟ وجهان.

و يظهر منهم الأوّل، فيكون مؤيّداً بالشرع؛ و ذلك لأنّ قضيّة التبرّي من العيوب؛ هو البيع على كلّ تقدير، من غير التزام بالسلامة، و من غير تعهّد في قبال العيب، و ثبوت خيار العيب في هذه الصورة ممنوع شرعاً؛ لقصور الأدلّة حتّى قاعدة «لا ضرر.»، و عرفاً؛ لحكم العقلاء بعدم حقّ للرجوع إليه بالردّ أو الأرش، من غير رجوعه إلىٰ الشرط، كما مرّ.

و بالجملة: مستند خيار العيب إمّا الأخبار الخاصّة، فهي لا تفي بإثباته علىٰ الإطلاق. و لو كان مطلقاً فمقتضىٰ صحيحة زرارة المتقدّمة و بعض الأخبار الأُخر؛ أنّ في صورة التبرّي لا يكون خيار، و لا أرش.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ الصحيحة لا تصلح لتقييد الإطلاق لو كان ثابتاً إلّا في الجملة لإجمالها من هذه الجهة.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 158

أو الإجماع و الشهرة، فهو أيضاً غير نافع؛ لنقل الإجماع علىٰ خلافه في صورة التبرّي.

و إمّا القاعدة، فهي مضافاً إلى ما مرّ لا تصلح في صورة التبرّي لإثبات الخيار و جواز العقد حكماً.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّها قاعدة شرعيّة تمنع عن الإضرار و الضرر بحسب الواقع، و لا يكفي تبرّيه منها؛ لجواز توجيه الضرر إلىٰ المشتري بعد عدم الملازمة بين الاشتراء و الرضا بالمعيب، كما عرفت، و لا سيّما إذا كان نظر المشتري في إقدامه علىٰ عدم تضرّره؛ لانسداد بابه واقعاً عليه بحكم الشرع، من غير دخالة نظر البائع، فما دام لم يرجع التبرّي إلى الشرط في ضمن العقد و لو بالارتكاز يشكل كونه موجباً لسقوط حقّ المشتري المستند إليها.

نعم لا يثبت بها الأرش، كما لا يخفى.

و إمّا بناء العقلاء، فهو أيضاً لا يقتضي إلّا الخيار في غير هذه الصورة. و هذا كأنّه مفروغ عنه بينهم؛ و إن كان وجهه مخفيّاً لاحتمال كونه بعنوانه دخيلًا في عدم ثبوت الخيار، و لاحتمال كون التبرّي راجعاً إلىٰ قيد في طيّ العقد، فتدبّر.

و بالجملة: مجرّد نقل الإجماعات المحكيّة «1» و الشهرات المنقولة عن «الخلاف» و «الغنية» و «التذكرة» «2» غير كافٍ في خصوص

______________________________

(1) مفتاح الكرامة 4: 624، جواهر الكلام 23: 237.

(2) الخلاف 3: 127 128، الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 526/ السطر 7، تذكرة الفقهاء 1: 525/ السطر 16.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 159

المسألة؛ لأنّها من المتفرّعة علىٰ أصل البحث، و فيها الرواية، فتكون معلّلة، فلا تخلط.

و لو كان التبرّي منها موجباً للسقوط، فلا فرق بين الإجماليّ، و التفصيليّ؛ بشرط عدم رجوع الإجمال إلىٰ الشكّ في أصل التبرّي، كما هو المفروض، فإذا كان التبرّي ثابتاً فلا يعتبر ذكره بتفصيل، كسائر الأُمور المبنيّة عليها العقود، أو المذكورة في طيّها، فما عن محكيّ «السرائر» «1» عن بعض الأصحاب «2»، محمول على الفرض المزبور. و احتمال الخصوصيّة و الأخذ بقدر المتيقّن في جانب سقوطهما، مدفوع باحتمال كون الخيار ثابتاً. و هكذا الأرش في غير صورة التبرّي إجمالًا، و لزوم الأخذ بالقدر المتيقّن يوجب سقوطهما حتّى في هذه الصورة.

الجهة الرابعة حكم التبرّي من العيوب المتجدّدة الموجبة للخيار

هل التبرّي من العيوب المتجدّدة الموجبة للخيار كما إذا تجدّدت بعد القبض في بيع الحيوان في الأيّام الثلاثة يوجب السقوط، أم لا؟ وجهان

______________________________

(1) مفتاح الكرامة 4: 625، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260/ السطر 21، السرائر 2: 296 297.

(2) لاحظ مختلف الشيعة: 371/ السطر 17.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 160

ظاهر «التذكرة» «1» و صريح الشيخ «2» هو الأوّل، بل يظهر من الثاني أنّه أولىٰ من التبرّي من العيوب الموجودة حين العقد «3»؛ لأنّ في الصورة الأُولىٰ لا يلزم غرر، بخلاف الثانية، و قد مرّ ما يتعلّق به في الجهات السابقة.

و الذي هو منشأ المناقشة في صحّة هذا مضافاً إلىٰ ما مرّ في أصل التبرّي أنّ ظاهرهم إرجاع التبرّي إلىٰ الشرط في ضمن العقد، فيكون وجه سقوطهما عموم أدلّة الشروط، و حينئذٍ يشكل من جهة أنّ خيار العيب ليس كسائر الخيارات حقّا، بل هو جعل تخييريّ كسائر الأحكام التخييريّة؛ لما عرفت من امتناع كون الحقّ الواحد مردّداً بين الخيار و الأرش، فما هو قابل للجعل هو المعنىٰ التخييريّ الحدثي، كسائر التخييرات في محلّها.

فعلى هذا، لا يجوز شرط سقوط هذا الحكم الشرعيّ؛ فإنّه من الكتاب الذي لا ينفذ كلّ شرط خالفه، و لا سيّما بعد كون حقّ الأرش تأسيساً من الشرع في عَرْض حقّ الردّ، و لا يكون اعتباراً وضعيّاً؛ لامتناعه كما مرّ مراراً.

و ما مرّ منّا: من أنّ الشرع رخّص للمشتري مثلًا في إمضاء البيع؛ و إخراج أحد الطرفين عن دائرة التخيير، فهو لا يرجع إلىٰ أنّه حقّ، بل

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 525.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260/ السطر 23.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260/ السطر 29 30.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 161

هو اعتبار آخر يتصوّر حتّى في باب التخييرات التكليفيّة؛ بأن يكون اختيار أحد الأطراف بيده، بأن يعيّن علىٰ نفسه الطرف الآخر، فيصير متعيّناً كالواجب المعيّن، فلاحظ و تدبّر جيّداً.

نعم، يمكن دعوى انصراف الاستثناء في أدلّة الشروط «1» عن مثله، فيكون الشرط المذكور نافذاً.

و لكنّ الشأن في عدم رجوع التبرّي إلىٰ الشرط، بل

التبرّي يمنع- في محيط العرف و الشرع عن حدوث الخيار و الأرش بالعيب؛ سواء كان شرطاً أم لم يكن.

و بالجملة: التبرّي يوجب قصور سببيّة العيب الحادث عن تأثيره؛ في إحداث حقّ الأرش و الردّ.

و أمّا المناقشة في أنّ التبرّي من العيوب المتجدّدة غير معقول؛ لأنّ التبرّي الفعليّ غير ممكن، و التعليقيّ غير مشروع، فهي مندفعة مراراً واضحة تكراراً في مطاوي البحوث السابقة، و لا ينبغي الخلط بين الاعتباريّات و الحقائق، و بين موضوعات الأحكام و التأثيرات الواقعيّة، فإنّ الشرع و العرف يحكمان بوجود الحقّ في صورة عدم اقتران العقد بالتبرّي مثلًا، و لا يحكمان في غير هذه الصورة.

هذا مع أنّ التبرّي الإنشائيّ يبقىٰ في الاعتبار إلىٰ أن يحدث العيب،

______________________________

(1) عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: المسلمون عند شروطهم إلّا كلّ شرط خالف كتاب اللّٰه عزّ و جلّ فلا يجوز.

الفقيه 3: 127/ 553، تهذيب الأحكام 7: 22/ 93، وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 162

فإذا حدث العيب، يصير هو مقروناً بذلك الوجود الباقي، فيمنع عن التأثير في الخيار و الأرش.

إن قلت: لا بدّ أن يرجع التبرّي المذكور إلىٰ الشرط؛ لأنّا لا نريد منه إلّا ما هو خارج عن ماهيّة العقد، و لاحق به و لو كان علىٰ سبيل الضمنيّة، لا الصريحة.

قلت: لا يورث التبرّي من العيوب شيئاً على الشارط، و لا المشروط عليه، كي يكون عليهما امتثاله بعد الشرط، حتّى يجب الوفاء به، و ما ليس كذلك ليس بشرط، بل التبرّي منها يحدث سعة في محيط المعاملة، و توسعة على البائع، و كأنّ هناك كان شرط حاصل من البناء

و الارتكاز، فأبطل البائع موقف هذا البناء؛ بإيجاد محيط خاصٍّ لتلك المعاملة و البيع؛ حتّى لا يقرنه شي ء يضيّق عليه.

و هذا اعتبار غير اعتبار الشرط، فما عن الشيخ «1»، و غيره «2»، و عن العلّامة «3»، و أتباعهم «4» من التمسّك بدليل الشرط في المسألة، غير راجع إلى التحصيل، فاغتنم.

و من الغريب توهّم: أنّ التبرّي يرجع إلىٰ شرط عدم الالتزام بشي ء، و تصير النتيجة بقاء العدم المقرون بالعقد و السابق عليه إلىٰ حينه،

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260/ السطر 23.

(2) جواهر الكلام 23: 237.

(3) تذكرة الفقهاء 1: 525/ السطر 30.

(4) حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 58/ السطر 38، الخيارات، المحقّق الأراكي: 356.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 163

فلا معنىٰ لعدّه مخالفاً للكتاب، أو للعقل؛ بدعوىٰ أنّه مسقط لما لا وجود له!! فإنّ ذلك لو كان حقّا للزم تأثير العيب، و سلب الخيار أثره؛ لأنّه لا تنافي بين عدم التزامه بشي ء، و إيجاب الشرع ردّ الأرش عليه مثلًا. فلا بدّ من حصول شي ء بالشرط و لو كان عدماً عدوليّاً، لا تحصيليّاً. و إذا تحقّق بالشرط عدم عدوليّ يحصل التنافي، و يصير المحذور عائداً.

و بالجملة: لا حاجة إلىٰ إطلاق الصحيحة «1» و المرسلة «2» و الأخبار الخاصّة في باب الجارية الموطوءة «3» في إسقاطهما، بل يكفي لعدم ثبوتهما، قصور الأدلّة عن إثبات الخيار و حقّ الأرش في صورة اقتران العقد بالتبرّي من العيوب المتجدّدة. و لا حاجة أيضاً إلىٰ عموم دليل الشرط، مع ما فيه كما عرفت.

نعم، قد مرّ وجه جواز العقد؛ نظراً إلىٰ قاعدة «لا ضرر.» فيكون سقوط الخيار الحكميّ ممنوعاً، دون حقّ الأرش، فإنّه لا يثبت بها كما هو الواضح.

نعم، لنا تقرير في رسالتنا الموضوعة

فيها «4» ينتهي هو إلىٰ لزوم جبران الضرر من بيت المال، فيثبت به الأرش، إلّا أنّه ليس على البائع، فتأمّل تعرف.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 124.

(2) تقدّم في الصفحة 125.

(3) وسائل الشيعة 18: 102، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 4.

(4) ممّا يؤسف له فقدان هذه الرسالة.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 164

الجهة الخامسة حكم أقسام التبرّي
اشارة

التبرّي يتصوّر تارة: علىٰ نحو الاشتراط، و أُخرى: على نحوٍ يورث الإخلال بالبناء و محيط المعاملة، كما عرفت.

و علىٰ الأوّل تارة: يكون شرطاً على البائع، و أُخرى: على المشتري.

و على كلّ تقدير، تارة: يكون تبرّياً من أثر العيب العرفيّ، فيكون الخيار ساقطاً.

و أُخرى: من أثر العيب الأعمّ، فيكون كلّ من الخيار و الأرش ساقطاً.

و مثله التبرّي من الالتزام بما يأتي من قبل العيب، فإنّه إن كان معناه اعتبار الالتزام بالعدم فيكون عدماً عدوليّاً فهو مفيد، و إن كان معناه عدم الالتزام بالسلب التحصيليّ، فلا أثر له.

فما في كلام الشيخ (قدّس سرّه) في الوجه الأوّل: «من أنّ مرجعه إلىٰ عدم التزامه بالسلامة، فلا يترتّب علىٰ ظهور العيب ردّ و لا أرش» «1» انتهىٰ، غير تامّ إطلاقه؛ فإنّ عدم التزامه بالسلامة علىٰ وجه تجري أصالة السلامة، و لا يلزم منه الإخلال بالبناء الكلّي المعمول بين العقلاء لا يفيد شيئاً، و لا يترتّب عليه الأثر المذكور.

و ثالثة: يكون التبرّي من ضمان العيب، و قال الشيخ (رحمه اللّٰه): «و هذا هو

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260/ السطر 31.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 165

الأنسب» «1».

و فيه: أنّ الأرش إن كان علىٰ ذمّة البائع بحيث يكون ديناً؛ فيخرج من أصل التركة فهو، و إلّا فلو كان يجب تكليفاً على البائع عند مراجعة المشتري مثلًا، جبرانُ النقص،

فلا أثر للبراءة و التبرّي، و لا مناسبة في البين؛ لما لا ضمان رأساً. و لا يبعد كون الاحتمال الثاني أقرب، و ربّما يأتي تفصيل البحث عن مسألة الأرش و أنّه من أيّ قسم من الاعتبارات؟ في بعض البحوث الآتية إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

و رابعة: التبرّي من حكم العيب، فيكون الخيار ساقطاً، كما في كلام العلّامة «2» حسبما استظهره الشيخ (رحمه اللّٰه) «3».

و أنت قد عرفت احتمال كون الأرش أيضاً من أحكام العيب.

هذا، و لو كان هو أيضاً ديناً و ضماناً، فهو حكم وضعيّ، فلو تبرّأ من الحكم بإطلاقه، يلزم سقوطهما أيضاً، و الأمر سهل.

تنبيه: لو اختلف محيط البائع و محيط البيع بحسب أصالة السلامة

ربّما يكون في قطرٍ من الأقطار بناء العرف علىٰ اشتراء الأمتعة من غير النظر إلىٰ الصحيح و السالم، و لا يحكمون بخيار العيب في محاكمهم، و لا توجد الدعوىٰ بينهم في هذا الأمر؛ لأنّ المغروس بينهم هو

______________________________

(1) نفس المصدر/ السطر 32.

(2) تذكرة الفقهاء 1: 525/ السطر 31.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260/ السطر 34.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 166

البيع علىٰ كلّ تقدير، و لا يميّزون بين الصحيح و المعيب فرقاً يوجب شيئاً؛ لأعمّية أغراضهم، و سعة أنظارهم و مشاربهم، أو لعلل اخرىٰ روحيّة، أو مادّية و منطقيّة، فهل في هذا القطر يثبت خيار العيب شرعاً؛ نظراً إلىٰ أدلّته و إطلاقها، و إلى قاعدة نفي الضرر؛ و أنّها قاعدة عامّة لا تختص بقطرٍ دون قطر و عدم اهتمامهم بالضرر، لا يورت قصوراً في شمولها لموارده؟

أو لا يثبت الخيار و لا الأرش؛ نظراً إلىٰ ظاهر تعليلاتهم، و استدلالاتهم بأصالة الصحّة و السلامة، و إطلاق العقد المقيّد طبعاً في ذلك القطر؟

أو يقال بثبوته بحسب الطبع، و سقوطه؛ لأجل كونه راجعاً إلىٰ

التبرّي من العيوب، إلّا أنّه ليس من التبرّي الشخصيّ، بل هو من التبرّي العموميّ الاعتياديّ؟

و الفرق بين القول بعدم الثبوت رأساً، و بين الثبوت بحسب الأدلّة و السقوط، يوجد فيما إذا باع رجل من ذلك القطر متاعاً و هو في القطر الآخر اتفاقاً، فبان أنّه معيب، فإنّه يشكل الأمر جدّاً؛ ضرورة أنّه بلحاظ الحالة الشخصيّة لا يثبت الخيار و لا الأرش، و بلحاظ المنطقة يثبت الخيار و الأرش. فإن قلنا بالثبوت و السقوط، فلا بدّ أن يحتاج السقوط إلىٰ دليل، و إن قلنا بعدم الثبوت فالثبوت يحتاج إليه.

و بالجملة: هل العبرة بالحالة الشخصيّة؛ فيكون البائع مبرّئاً من العيوب، أم العبرة بما هو متعارف المصر؟

و هذه المشكلة متوجّهة و لو قلنا: بأنّ التبرّي شرط في ضمن العقد؛ ضرورة أنّ البائع اشترط إلّا أنّ المشتري لم يقبل الشرط، فإن

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 167

كان الشرط موجباً لقصور دليل الخيار و الأرش عن إثباتهما و لو لم يقبله المشتري في مثل المقام، فلا يثبت شي ءٌ للمشتري.

و إن قلنا: بأنّ الشرط المقبول موجب لسقوط الحقّين، فله خيار الفسخ و الأرش.

و الذي هو الأقرب هو الأوّل.

الجهة السادسة حكم إنشاء قبول البيع و ردّ التبرّي
اشارة

بناءً علىٰ رجوع التبرّي إلىٰ الشرط في طيّ العقد، فهل يسقط حقّ المشتري عند عدم قبول الشرط، و قبول البيع؟

مثلًا: إذا باع المتاع الخاصّ على البراءة من العيوب، و قَبِل المشتري ذات البيع من غير قبول الشرط، فهل يسقط أيضاً حقّ الفسخ و الأرش، أم يكون البيع باطلًا رأساً، أو يكون صحيحاً و للبائع خيار؟ وجوه:

قضيّة ما تحرّر عندهم في بيع الفرس الشخصيّ علىٰ أنّه عربيّ فبان غير عربيّ؛ هي الصحّة؛ لأنّ البيع الواقع على المتاع الشخصيّ مورد القبول، و الشرط

خارج عن الماهيّة، و ملتحق بها، و حال لها، كما في المثال، فإنّه يصحّ البيع هناك، و يكون للمشتري خيار تخلّف الوصف، فعليه إذا باع الفرس المعيّن علىٰ أن يقرأ سورة، و قبل المشتري ذات البيع دون الشرط صحّ البيع؛ لوقوعه على العين الخارجيّة، و وقوع القبول علىٰ ما وقع عليه الإنشاء، و الشرط أمر خارج.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 168

و لا يلزم من ردّ الشرط و عدم قبوله، عدم التطابق بين الإيجاب و القبول بالضرورة؛ لأنّه التزام ثانٍ خارج عن الالتزام الأوّل في مفروض البحث، بل حقيقة الشرط ذلك، و إلّا فيرجع الشرط الصوريّ إلىٰ المقوّم.

و من هذا الباب تبرّي البائع من العيوب فإنّه من الشرط؛ سواء كان وجوديّاً أو عدميّاً، و سواء كان علىٰ نفسه أو على المشتري، فإنّه إذا قبل المشتري البيع بغير الشرط، فلا بدّ أن يصحّ البيع؛ لوقوعه على الشخصيّ، لا الكلّي. مع أنّه علىٰ تقدير وقوعه على الكلّي، أيضاً يمكن دعوى صحّته، كما لا يخفى.

فبالجملة: لا فرق بين ما نحن فيه، و بين ما اشتهر صحّته بين المحقّقين في المثال المذكور، فإن ترى في نفسك شيئاً بالنسبة إلىٰ المقام فيسري ذلك إلىٰ تلك المسألة، و يكون هذا شاهداً على عدم تماميّة القول بالصحّة هناك.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ التطابق بين الإيجاب و القبول في المثال، حاصل بحسب مقام الإنشاء، و التخلّف الخارجيّ لا يضرّ به. و أمّا فيما نحن فيه، فالتطابق لا يحصل إلّا بقبول جميع القيود المأخوذة في الإيجاب؛ و لو كانت بشكل الشرط، فلو قال المشتري: «قبلت البيع، و ما قبلت الشرط» لا تقع المبادلة عرفاً؛ بناءً علىٰ كون القبول ركناً في العقد.

و أمّا على

القول: بأنّه في حكم إجازة الفضوليّ، و يكون تمام ماهيّة المبادلة حاصلة بإيجاب البائع، فالأمر أيضاً كذلك؛ لعدم موضوعيّة الإيجاب المذكور للأثر عند العقلاء في صورة التخلّف في مقام القبول

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 169

و الإجازة. و هكذا إذا كان البيع واقعاً معاطاة، فتأمّل. و قد مضى شطر من البحث حول هذه الجهة في مسألة تطابق الإيجاب و القبول، فراجع.

في سقوط الخيار عند عدم قبول المشتري للتبرّي

ثمّ إنّه علىٰ تقدير صحّته، كما هو الأقرب من أُفق الصناعة المحضة و إن كان بعيداً عن الأذهان البدويّة، فهل يسقط حقّ الفسخ و الأرش؟ وجهان.

أوجههما: نعم؛ لما مرّ من قصور أدلّة الخيار و الأرش عن شمول هذه الموارد؛ و إن كان لاحتمال جواز العقد نظراً إلىٰ قاعدة نفي الضرر، و لزوم الجبران من بيت المال، حسب تقاريب أبدعناها حولها وجهٌ.

و علىٰ تقدير عدم السقوط، فالأظهر كون البائع بالخيار؛ إمّا لأجل حكم العقلاء، أو لأجل القاعدة.

و لو استشكل في حكم العقلاء: بأنّ مجرّد حكمهم بالخيار غير كافٍ؛ لعدم ثبوت إمضائه من قِبل الشرع لو لم يكن إطلاق أدلّة اللزوم رادعاً، فإطلاق القاعدة يقتضي جوازه الحكميّ؛ لأنّ صبر البائع و لزوم الأرش ضررٌ، و ربّما يعدّ حرجاً، فلا تغفل.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 170

الجهة السابعة حكم التبرّي بالنسبة إلى الردّ دون الأرش
اشارة

في صورة تبرّي البائع مثلًا من العيب علىٰ وجه يختصّ بصورة سقوط الخيار دون الأرش، إذا تلف المتاع فهل يثبت الأرش و يكون التالف من البائع، أو يثبت الأرش عليه فقط، أو لا شي ء عليه؟ وجوه:

أمّا ثبوتهما؛ فالأرش لعدم سقوطه، و مقتضى إطلاق دليله، و أمّا التلف فعلى البائع؛ لأنّه في زمان خيار المشتري؛ فإنّ قاعدة «التلف في زمن الخيار ممّن لا خيار له» أعمّ من وجود الخيار بالفعل، أو صلاحية المورد للخيار، و سقوطه لأجل الجهات اللاحقة.

و إلى هذا المعنىٰ يشير كلام «الدروس» في البحث الآتي بقوله: «و يحتمل الضمان؛ لبقاء علّة الخيار المقتضي لضمان العين» «1» انتهىٰ.

و فيه ما لا يخفى؛ فإنّ تلك القاعدة ليست مورد الإجماع بعنوانها، و دليلها مخصوص بخيار الحيوان و الشرط، و تفصيله في محلّه، و قد نصّ جمع علىٰ خروج خيار العيب عن

موردها «2»، مع أنّه لو كان بعنوانه محطّاً للشهرة، فظاهره وجود الخيار الفعليّ، فليتأمّل.

و أمّا وجه ثبوت الأرش فقط؛ فهو معلوم.

______________________________

(1) الدروس الشرعيّة 3: 283.

(2) لاحظ جواهر الكلام 23: 87، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 248/ السطر 3.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 171

و أمّا وجه إنكاره أيضاً؛ فذلك لأنّه خلاف الأصل و موردِ الخبرين. و أخبار الجارية منحصرة بصورة بقاء العين، كما مرّ فيما سلف و انتفاء الأرش يساعد عليه الاعتبار؛ إذا كان التلف بغير ذلك العيب.

نعم، إذا كان التلف مستنداً إلىٰ ذلك العيب، فالأرش يساعده الاعتبار.

نعم، دعوى القطع بعدم خصوصيّة لبقاء العين في يد المشتري بالنسبة إلىٰ جواز أخذ الأرش، قريبة جدّاً، و لا سيّما إذا كان الأرش مضموناً؛ لأجل العيب الموجب لنقصان المبيع حسب الكمّية، أو قلنا: بأنّ الأرش على القاعدة العقلائيّة، فتدبّر.

بقي شي ء لو تلف المبيع في زمان الخيار بغير العيب المتبرّئ منه

قال الشيخ (رحمه اللّٰه): «إنّ تبرّي البائع من العيوب مطلقاً أو من عيب خاصّ، إنّما يسقط تأثيره من حيث الخيار، و أمّا سائر أحكامه فلا، فلو تلف بهذا العيب في أيّام خيار المشتري، لم يزُل ضمان البائع؛ لعموم النصّ» «1» انتهىٰ.

و هنا سؤال يتوجّه إلىٰ أنّ خصوصيّة التلف بهذا العيب، ممّا لا معنى لها؛ ضرورة أنّ العيب ليس سبباً قهريّاً لحكم من الأحكام، بل هو

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260 261.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 172

اعتبار وضعيّ إمضائيّ أو تأسيسيّ، فإذا تبرّأ البائع من العيب، فلا ردّ و لا أرش حسب الفرض، فإذا تلف المتاع المذكور، فهل يكون تلفه على البائع، أم لا؟ و هذا بحث صحيح؛ سواء كان المتاع المذكور صحيحاً، أم معيباً، أو تلف بذلك العيب أو بغيره؛ لأنّ الكلام حول أنّ التلف في زمن الخيار،

هل يكون على البائع بعد هذا التبرّي، أم لا؟ و في هذه القاعدة لم يؤخذ التلف الخاصّ حتّى يكون التلف بذلك العيب دخيلًا، فلا تخلط.

ثمّ إنّه لو أُريد من البحث و السؤال المذكور؛ التلف في زمان الخيار الساقط بالتبرّي، فقد عرفت البحث عنه فيما مضى في الجهة السابقة، فإنّه لو كان المراد من «الخيار» في القاعدة، أعمّ من خيار العيب و من وجوده الأعمّ من الفعليّة و الشأنيّة، كان لضمان البائع وجه، و إلّا فلا، من غير فرق بين سقوط الأرش و عدمه.

و إن أُريد منه التلف في زمن الخيار الآخر كخيار الحيوان و الشرط، كما هو الظاهر من «الدروس» «1» و الشيخ «2»، خلافاً لما استظهره الفقيه اليزديّ (رحمه اللّٰه) «3» ففي المسألة قولان:

سقوط جميع الأحكام بالتبرّي من العيب، فيكون خيار الحيوان و ضمان العين أيضاً ساقطاً إذا تلف، دون خيار الشرط، فإنّه لا معنىٰ لسقوطه بعد ذكره في عَرْض التبرّي، و هذا هو ظاهر «الدروس» «4».

______________________________

(1) الدروس الشرعيّة 3: 283.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 248/ السطر 3.

(3) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 87/ السطر 31.

(4) الدروس الشرعيّة 3: 283.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 173

و عدم سقوط خيار الحيوان و الضمان، و انحصار السقوط بخيار العيب و الأرش؛ من غير فرق بين كون التلف مستنداً إلىٰ العيب المتبرّئ منه و عدمه؛ لأنّ خيار الحيوان و الضمان ليسا معلولي العيب؛ حتّى يقع التفصيل المذكور، فالتلف و لو كان لأجل ذلك العيب، إلّا أنّه ليس ملحوظاً في القاعدة، و لا يفيد التبرّي منه سقوط أثره و هو الضمان؛ لأنّ التلف و لو كان تكويناً معلول العيب المذكور، و لكنّه بحسب التشريع معلول الاعتبار الخاصّ الشرعيّ،

كما مرّ، فلا تغفل.

و الذي هو التحقيق: إمكان إرادة إسقاط جميع الأحكام حين التبرّي ثبوتاً، و قابليّة كلّ من خيار الحيوان و ضمان التلف للسقوط في ضمن العقد و البيع.

نعم، بحسب الإثبات ما هو الأظهر ارتباط التبرّي من العيوب بآثارها الخاصّة، كخيار العيب و الأرش، دون خيار الحيوان و ضمان التلف.

نعم، إذا كان التلف مستنداً إلىٰ العيب، ربّما يستظهر إثباتاً عدم الضمان أيضاً؛ لأنّ إفراغ ذمّته من الأرش بالتبرّي، يلازم الإفراغ من الضمان بالتلف، فإذا كان بحسب الاستظهار، تبرّيه موجباً لشرط عدم الضمان عند التلف، فلا خيار للمشتري بعده؛ لأنّ التلف في حال خيار الحيوان، يوجب انفساخ العقد آناً ما، فلا معنىٰ لكون صاحب الحيوان بالخيار بعد التلف.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ ذلك في صورة كون التلف علىٰ عهدة البائع، و أمّا إذا كان من كيس المشتري فلا حاجة إلىٰ اعتبار انفساخ العقد،

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 174

فيكون بعد التلف حسب القاعدة العقد باقياً، و لو كان من كيسه فله الخيار. مع أنّ حديث انفساخ العقد آناً ما، غير تامّ عندنا، وفاقاً لجملة من الأعلام (رحمهم اللّٰه).

فبالجملة تحصّل: أنّ في مرحلة الثبوت لا يكون إشكال، و في مرحلة الإثبات لا يبعد كون التلف بالعيب المتبرّئ منه، غير مضمون علىٰ البائع. و لو كان خيار الحيوان باقياً فالقول: بأنّ سائر الأحكام لا تزول بالتبرّي، أو القول بزوالها علىٰ الإطلاق، غير جيّد، بل فيما نحن فيه و هو التلف بالعيب المتبرّئ منه لا يبعد عدم الضمان، مع بقاء خيار الحيوان، فتأمّل.

تحقيق و إرشاد: لو تلف الحيوان بعد التبرّي عن العيوب في الأيّام الثلاثة

ربّما يخطر بالبال أن يقال: إنّ شرط عدم الضمان عند تلف الحيوان، غير نافذ ثبوتاً؛ و ذلك لأنّ حين وجوده لا أثر للشرط، و

إذا تلف لا يبقى العقد، فلا يكون محلٌّ لنفوذ الشرط؛ لأنّه أمر ضمنيّ. و هكذا في جميع الموارد المشابهة للمسألة، كشرط ضمان المستأجر إذا تلفت العين المستأجرة.

و القول: ببقاء العقد و لو تلف العوضان، و إن كان ممّا لا بأس به، إلّا أنّه لا أثر له فيما نحن فيه؛ بعد كون التلف من كيس المشتري.

نعم، نفس هذا الشرط أثر، إلّا أنّه لا بدّ من حكم العقلاء ببقاء العقد في ذاته؛ حتّى يترتّب عليه الأثر المذكور.

و إن شئت قلت: شرط التبرّي من العيوب أيضاً في صورة التلف لا أثر له؛ لأنّه إذا كان التلف من كيس البائع، و ينكشف به انفساخ العقد

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 175

من الأوّل، فلا بدّ من جبران التالف و لو بضمان معاوضيّ، كما هو مختارهم.

فبالجملة: لو كان التلف من كيس البائع، فشرط التبرّي بلا أثر، إلّا إذا قلنا: بأنّ التلف لا ينكشف به الانفساخ، فيكون البائع ضامناً للغرامة، و لضمان اليد بالمثل أو القيمة. و إن كان من كيس المشتري، فبما أنّ التلف يورث انحلال العقد عرفاً من حينه. و القول ببقائه الاعتباريّ ينفع في موارد خاصّة، و لا يساعد عليه العرف علىٰ الإطلاق؛ و إن كان ممكناً ثبوتاً تخيّله كما مرّ.

أقول: هذه المشكلة متوجّهة إلىٰ مقالة الاشتراط؛ و أنّ التبرّي شرط في ضمن العقد، و أمّا على المقالة التي أسّسناها من أنّه ليس يرجع إلىٰ العقد، و لا يعدّ شرطاً فلا يلزم إشكال؛ لأنّ منشأه اعتبار الشرط، و لزوم كونه بلا أثر بعد التلف. فإذا تمّ استظهارنا بأنّ التلف بذلك العيب ليس مضموناً على البائع في صورة تبرّئه من العيب، فلا يلزم انفساخ العقد من الأوّل، و

يكفي لسقوط الضمان مجرّد تحقّق العقد صحيحاً؛ لأنّ معنى اشتراط عدم الضمان، ليس إلّا أنّه إذا تلف فليس عليه شي ء، و هذا قد يثبت بمجرّد المعاملة، و لا يعتبر وجودها البقائيّ في هذا الأمر، فتدبّر.

تذنيب: لو تلف الحيوان بالعيب غير المتبرّئ منه

ما ذكرناه كان حكم التلف في صورة كونه مستنداً إلىٰ العيب المتبرّئ منه، و أمّا إذا كان تلف الحيوان مستنداً إلىٰ العيب غير المتبرّئ

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 176

منه، فيكون على البائع تلفه، و عندئذٍ إن قلنا بالانفساخ كما هو رأي الأكثر «1» فلا بحث؛ لعود الثمن إلىٰ المشتري.

و إن قلنا بالغرامة؛ و أنّ البائع يجب عليه جبران التالف من غير انفساخ العقد، و لا رجوع المثمن إليه، فيمكن دعوى: أنّ المشتري كما له مطالبة عوض التالف المعيب، له مطالبة الأرش؛ لأنّ المفروض استناد التلف إلىٰ العيب غير المتبرّئ منه، فيكون عهدة البائع مشغولة به إن كان الأرش مضموناً.

و بالجملة: لا تنافي بين وجوب جبران التالف و ضمانه، و بين وجوب تحمّل الأرش؛ قضاءً للعقد الباقي الواقع على المعيب المقتضي للأرش.

اللهمّ إلّا أن يقال: يكفي لعدم ثبوت الأرش هنا بعد كونه خلاف القاعدة قصور دليله اللفظيّ و اللبّي، كما لا يخفى.

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 302/ السطر 27.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 177

الثالث زوال العيب قبل الردّ

اشارة

من الموارد التي قيل بعدم ثبوت الخيار و الأرش زوال العيب قبل العلم، بل و بعد العلم به إذا كان قبل الردّ، كما هو ظاهر «التذكرة» «1» و صريح الفقيه اليزدي «2»، و قيل بعدم سقوطهما «3»، و ذهب الشيخ إلىٰ التفصيل بين الخيار و الأرش، فأسقط الأوّل، و أثبت الثاني «4».

و غير خفيّ: أنّ ما هو اللائق بالبحث؛ هو ما إذا زال العيب قبل الأخذ بالخيار أو الأرش، و لا مدخليّة للعلم قبله و لا بعده حسبما تحرّر؛ من أنّ الخيار بطرفيه مستند حسب الأدلّة اللفظيّة و اللبّية إلىٰ العيب في المعقود عليه، و لو كان

العلم دخيلًا في الثبوت، فلا معنىٰ لاحتمال عدم سقوطه بالزوال قبل العلم؛ ضرورة أنّه لم يثبت بعدُ.

و على كلّ تقدير: ينبغي قبل البحث في سقوط الخيار بزوال العيب، البحثُ في جهة أُخرى: و هي أنّه هل لا يعتبر في ثبوت الخيار و الأرش، دوام العيب إلىٰ ما بعد الردّ أو الأخذ بالأرش؟

أم يعتبر مطلقاً، فلو أخذ بالأرش فزال العيب، يردّ الأرش إلىٰ

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 541/ السطر 22.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 88/ السطر 13.

(3) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 77، مصباح الفقاهة 7: 174.

(4) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 261/ السطر 11.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 178

البائع؟

أم لا يعتبر إلّا أصل ثبوت العيب حال العقد بالنسبة إلىٰ الأرش، دون الخيار، فسقوط الأرش يحتاج إلىٰ دليل؟

و بعد ذلك يقع البحث في سقوطهما بالزوال، و هكذا في جريان الاستصحاب و عدمه.

فهنا مسألتان:

المسألة الأُولىٰ اعتبار دوام العيب في ثبوت الخيار و الأرش
اشارة

فالذي هو منشأ احتمال اشتراط دوام العيب في ثبوت الخيار و الأرش؛ عدم وجود إطلاق يعتمد عليه في الأدلّة الخاصّة اللفظيّة، و لا في معقد الإجماعات المحكيّة، و لا في بناء العقلاء، فلا بدّ أن يؤخذ بالقدر المتيقّن؛ لأنّ الخيار و الأرش علىٰ خلاف الأصل في العقود اللازمة، فإذا زال العيب و لو بعد الردّ أو بعد أخذ الأرش، يكشف عن عدم ثبوتهما من الأوّل، كما إذا أخذ بالخيار أو الأرش بتوهّم وجود العيب، فبان خلافه.

فما تعارف بينهم من البحث حول سقوطهما بالزوال قبل الردّ، إنّما هو بعد البحث عن أصل ثبوتهما في مفروض الكلام، كما عرفت.

و تبيّن أيضاً سعة دائرة المسألة؛ لقوّة احتمال عدم ثبوتهما حتّى بعد الردّ أو الأخذ بالأرش؛ إذا زال العيب بعدهما.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص:

179

كما تبيّن أنّ ما في «التذكرة» «1» و ما جعله الشيخ محور البحث من أنّ الزوال قبل الردّ، هل يوجب سقوطهما «2»؟ غير تامّ؛ لأنّ من المحتمل عدم سقوط الخيار حتّى بعد الأخذ بالأرش، كما مرّ في مطاوي البحوث السابقة. هذا.

و الذي هو التحقيق: أنّ صحيحة زرارة «3»، ليست في مقام البيان بالنسبة إلىٰ هذه المسألة. و أمّا مرسلة جميل «4»، فهي مضافاً إلىٰ عدم صحّة الركون إليها؛ لما مرّ ظاهرة في بقاء العيب إلىٰ حال الردّ أو الأخذ بالأرش، و إن كان ظاهر صدرها: أنّ ما هو الموضوع للخيار أو الأرش، هو العيب حين الاشتراء، فلا يعتبر بقاؤه، إلّا أنّه لمكان ذيلها لا يستقرّ ظهوره.

و علىٰ هذا، يسقط البحث حول أنّ ما هو موضوع الخيار هو عنوان «المعيب» فيكون الحكم دائراً مداره، فإذا زال فلا خيار؛ لأجل زوال الموضوع، أو يكون موضوعه المتاع بعلّية العيب علّة منحصرة، فيزول الخيار بانعدام العلّة، أم يكون الموضوع عنوان «المتاع» أو «ما اشتراه» بعلّية العيب علىٰ نعت الوساطة في الثبوت، فيكون الخيار باقياً، و هكذا حقّ أخذ الأرش و لو زال العيب.

و ما هو الظاهر هو الأخير، فلا يعتبر دوام العيب في بقاء الخيار

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 541/ السطر 22.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 261/ السطر 3.

(3) تقدّم في الصفحة 124.

(4) تقدّم في الصفحة 125.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 180

و الأرش؛ فإنّ الصحيحة أجنبيّة عن هذه المسألة، و المرسلة ظاهرة في مورد بقاء العيب حين الردّ أو الأرش.

و توهّم: أنّ قضيّة القاعدة ثبوت الخيار قبل الأخذ بالأرش، و إلّا فلا ضرر.

مدفوع أوّلًا: بأنّ مستند الخيار ليس القاعدة.

و ثانياً: مقتضاها اشتراط الدوام في ثبوت الخيار، و

إلّا فلا ضرر حتّى ينجبر بالخيار.

نعم، إذا أخذ بالأرش فلا خيار بعد الأرش.

فعلى هذا، يكون القول بعدم ثبوت الخيار، و لا الأرش من الأوّل في صورة الزوال و لو بعد الردّ، أو الأخذ بالأرش قويّاً، فضلًا عمّا إذا زال قبل الردّ.

و توهّم: أنّ قضيّة الأخذ بالأرش إسقاط الخيار بحسب الظاهر، أو هو لازم الوجوب التخييريّ، في غير محلّه؛ لأنّ زوال العيب بعد الأخذ بالأرش، يكشف عن عدم الثبوت من الأوّل، فلا خيار، و لا تخيير.

هذا، و لكنّ الإنصاف و الفهم القطعيّ يشهدان علىٰ سقوط احتمال اشتراط بقاء العيب إلىٰ الآخر في ثبوتهما؛ و إن لم يكن علىٰ نفي الشرطيّة دليل إلّا الأُصول العمليّة؛ بناءً علىٰ جواز التمسّك بها في المعاملات، و تفصيله في الأُصول.

و أمّا احتمال اشتراط دوام العيب إلىٰ حال الردّ أو الأخذ بالأرش، فهو في حدّ نفسه قريب، و لا يندفع ذلك بالأدلّة الخاصّة؛ لما مرّ. مع أنّ الالتزام بأنّ في صورة الزوال، يكون المشتري بالخيار، و يكون له أخذ

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 181

الأرش، ممنوع؛ لأنّ خياريّة عقده ضرر على البائع أحياناً، أو يلزم منه الحرج. و أظهر منه في الضرر وجوب الأرش.

و دعوىٰ: أنّه لا تصلح القاعدة لنفي خيار المشتري؛ لأنّ خياره ثابت بها، فيلزم اتحاد القيد و المقيّد، غير مسموعة؛ لما مرّ من إمكان كونها مقيّدة لنفسها. مع أنّ مستند الخيار ليس القاعدة، و أمّا نفي التخيير فهو ممكن بها، كما لا يخفى.

هذا، مع أنّ بناء العقلاء و فهم العرف، يؤكّدان قوّة الاحتمال المذكور، فالقول بعدم ثبوتهما إذا زال العيب قبل الردّ أو الأخذ بالأرش، قويّ.

نعم، فيما إذا أخذ بالأرش فزال فوراً، يحتمل وقوع الأرش في غير

محلّه؛ و إن كان زوال العيب في ملك المشتري و الأرش غرامة؛ لأنّه باعتبار جبران النقص بالضرورة، و حينئذٍ لا يبعد وجوب ردّ الأرش إلىٰ البائع، و لا سيّما بعد كونه خلاف الأصل.

بقي شي ء: في عود العيب بعد الزوال

لو فرضنا الإطلاق في الأدلّة الخاصّة، و احتملنا العنوانيّة للمعيب أو العُروض للعيب، فيلزم عود الخيار و حقّ أخذ الأرش بزوال العيب و عوده؛ حتّى بعد الردّ أو الأخذ بالأرش، فمنه يعلم: أنّ هناك حدّا خاصّاً.

و إذا كان العيب الخاصّ المحدود، موضوعاً للخيار أو دخيلًا، فلا فرق بين المحتملات الثلاثة في هذه المسألة، فما في تعليقات العلّامة

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 182

الأصفهانيّ (رحمه اللّٰه) «1» خالٍ من التحصيل.

المسألة الثانية في سقوط الردّ و الأرش بزوال العيب

بناءً علىٰ كفاية مجرّد العيب لثبوت الخيار و حقّ الأرش، فهل يكون زوال العيب موجباً لسقوطهما أو سقوط أحدهما، أم لا؟ وجهان:

من أنّ الالتزام ببقاء الخيار و حقّ الأرش في صورة زوال العيب، يستلزم كون الخيار في مرحلة البقاء، مستنداً إلىٰ علّة أُخرى، و هي غير ظاهرة.

و أنّ الخيار ضرر، أو أحياناً حرج علىٰ البائع، فيرفع و يقيّد إطلاق دليلهما بالقاعدة، كما أُشير إليه في المسألة السابقة.

و أنّه لا يكفي احتمال بقائه لجريان الاستصحاب بعد العلم بثبوته؛ لكونه من الشكّ في المقتضي.

و من أنّ للشرع أخذ العيب واسطة في الثبوت، و هو أمر واقع في الشرع، كالتغيّر الواسطة لعروض النجاسة علىٰ الماء، مع بقائها و لو زال التغيّر «2».

و أنّه لا يلزم من إجراء القاعدة فرضاً، نفي الخيار مطلقاً؛ لإمكان

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 114/ السطر 15.

(2) وسائل الشيعة 1: 137، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 3.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 183

كونه غير مستتبع للضرر على البائع، و لا الحرج، فيكون حسب الأدلّة الأوّلية ثابتاً.

و أنّه يجري الاستصحاب في الشكّ في المقتضي.

نعم، لا يجري لمكان كونه من الشبهة الحكميّة، و قد تحرّر منّا عدم جريانه فيها. و لا تصل

النوبة إليه؛ لأنّ مرجعيّة إطلاق دليل اللزوم أقوى في النظر.

فتحصّل لحدّ الآن: أنّ زوال العيب يورث سقوطهما؛ بمعنى عدم ثبوتهما، و أنّه علىٰ تقدير ثبوتهما بمجرّد العيب، لا دليل علىٰ سقوطهما إلّا القاعدة، و هي علىٰ تقدير جريانها مخصوصة بموردها، و أنّه لو وصلت النوبة إلىٰ الشكّ، يكون أصالة اللزوم مرجعاً، فتأمّل، و الحمد للّٰه.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 184

مسقطات أُخر للخيار و الأرش ذكرها بعض الأصحاب

اشارة

ثمّ إنّه قد ذكروا أُموراً أُخر يسقط بها الخيار و حقّ الأرش:

التصرّف بعد العلم
اشارة

فمنها: ما هو المحكي عن ظاهر ابن حمزة في «الوسيلة» رحمة اللّٰه عليه فإنّه قال بسقوطهما بالتصرّف بعد العلم «1».

و الظاهر أنّ نظره إلىٰ التصرّف المطلق، و إلّا فالتصرّف المغيّر للعين ليس قابلًا للإنكار عندهم، و لا يكون القول به فتوى جديدةً.

نعم، التقييد بأنّ التصرّف المغيّر بعد العلم مسقط بدعوىٰ: أنّه مراد «الوسيلة» يكون فتوى جديدةً، و لكنّه لا يرتضي به بالضرورة؛ لكونه خلاف رأي الأصحاب و ظاهر الأخبار.

فعلى هذا، يتعيّن أن يكون نظره إلىٰ أنّ مطلق التصرّف إذا كان بعد العلم يكون مسقطاً، و إذا كان عن جهل لا يسقط إلّا إذا كان من التصرّف المغيّر، فهذا الرأي قابل لأن يوجّه بما مرّ في أخبار خيار الحيوان «2»،

______________________________

(1) الوسيلة: 257.

(2) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: الشرط في الحيوان ثلاثة الأيّام للمشتري اشترط أم لم يشترط فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة الأيّام فذلك رضا منه فلا شرط، قيل له: و ما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبّل أو نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء. الحديث.

الكافي 5: 169/ 2، تهذيب الأحكام 7: 24/ 102، وسائل الشيعة 18: 13، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4، الحديث 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 185

حيث إنّه يستفاد منه أنّ التصرّف رضا، و موجب للسقوط.

و دعوىٰ: أنّه لا يوجب سقوط الأرش، و غاية ما يسقط به هو سقوط الخيار و حقّ الفسخ، كما عن الشيخ و أتباعه «1»، قابلة للدفع بأنّه استفاد من أدلّة خيار العيب: أنّ هذا الخيار معنى وحدانيّ ذو طرفين: الفسخ، و أخذ الأرش، و هذا

التخيير التعبّدي الشرعيّ يسقط بالرضا تعبّداً.

و كونه من الرضا بالمبيع دون العيب مجّاناً، لا يضرّ بما هو مراده؛ و هو سقوط خيار العيب هنا تعبّداً الذي طرفه أخذ الأرش، كما هو ظاهر المشهور، و قد مرّ توضيحه، فالتفكيك و إن كان ممكناً، إلّا أنّه يحتاج إلىٰ العناية.

نعم، قد مرّ ما في أصل المسألة في خيار الحيوان، فكيف الأمر بالمقام؟! هذا مع أنّ من المحتمل كون المشتري ذا حقّين عرضيّين: حقّ الفسخ، و حقّ أخذ الأرش، و لا يتمكّن من الجمع، و قد مرّ ما يتعلّق به.

هذا مع أنّ توسعة دائرة التعبّد، لا تمكن إلّا بالظهور و الصراحة،

______________________________

(1) مفتاح الكرامة 4: 626، الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 526/ السطر 13، النهاية: 393، المراسم: 175.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 186

و مجرّد الاستئناس غير كافٍ.

و هذا هو الوجه الوحيد القابل لأن يتمّ به مرام «الوسيلة» من سقوطهما بالتصرّف بعد العلم «1».

و أمّا قضيّة الأخبار الخاصّة، فلا شكّ في أنّها في مورد الجهل بالعيب حين الاشتراء. و أمّا أنّها في مورد الجهالة به حين الإحداث، أو في مورد العلم به حين التغيير و التصرّف، فغير واضح، و قد ادعى الفقيه اليزديّ: «أنّ اختصاص النصوص بصورة التصرّف قبل العلم، ممّا لا ينبغي أن يتأمّل فيه» «2» خلافاً للشيخ (رحمه اللّٰه) حيث تأمّل فيه «3».

و الذي هو الأظهر في المرسلة؛ هو الإطلاق.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ قوله: «إن كان الشي ء قائماً بعينه» معناه إن كان الشي ء الذي وجد فيه عيباً، فيكون «الألف و اللام» للعهد الذكريّ، فإنّه حينئذٍ يستقرّ ظهوره في أنّ المقسم للتغيّر و عدمه قبل الوجدان. مع أنّه أيضاً غير واضح كما لا يخفى، فما في كلام المجيب

ظاهر في أنّ المناط هو البقاء على العين و عدمه؛ من غير دخالة شي ء فيه.

نعم، قد مرّ منّا عدم جواز الركون إلىٰ هذه المرسلة؛ و لو جاز السكون إلىٰ سائر مراسيل أصحاب الإجماع، فلا تخلط.

و أمّا معتبر زرارة السابق الذكر، ففيه من الاحتمالات ما ينتهي إلىٰ

______________________________

(1) الوسيلة: 257.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 88/ السطر 29.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 261/ السطر 15.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 187

خلاف مقالة صاحب «الوسيلة» (رحمه اللّٰه) و هو الظاهر من الاحتمالات؛ لأنّ العلم بالعيب متأخّر فيه عن الإحداث؛ سواء كان قوله (عليه السّلام): «علم بذلك العَوار» معطوفاً بكلمة «ثمّ» أو «الفاء» فعليه يكون التصرّف و الإحداث موجباً للزوم البيع في صورة الجهل.

هذا مع أنّ احتمال كون قوله (عليه السّلام): «علم بذلك العَوار» عطفاً على القبض مطلقاً سواء كان حرف العطف «ثمّ» أو «الفاء» لا ينفع و لا يفيد؛ لأنّ العلم بالعيب و إن كان يلزم تقدّمه علىٰ الإحداث إلّا أنّه لا يسقط به الأرش حسب النصّ، بل غايته سقوط الخيار. مع أنّ سقوط الخيار مستند إلىٰ الإحداث بعد العلم، لا مطلق التصرّف.

فعلى كلّ تقدير: إمّا تكون الصحيحة دليلًا علىٰ خلاف التفصيل المذكور مطلقاً، أو تكون دليلًا علىٰ خلاف مقالته في الجملة، فلا وجه لسقوط الخيار و الأرش معاً بالإحداث بعد العلم.

اللهمّ إلّا أن يقال: قضيّة المفهوم في صورة العلم قبل الإحداث؛ جواز العقد و عدم الأرش، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به، فيكون المفهوم في هذه الصورة لزوم العقد و عدم جواز الأرش لأنّه أيضاً أحد فروض المفهوم بعد كون الجزاء جملتين و سيأتي زيادة توضيح إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

و بالجملة: علىٰ تقدير استفادة القاعدة

الكلّية من أخبار خيار الحيوان «1»، فهي مخصّصة بمعتبر زرارة «2» فيما نحن فيه؛ و أنّ الإحداث

______________________________

(1) وسائل الشيعة 18: 10 15، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 3 و 4 و 5.

(2) تقدّم في الصفحة 124.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 188

الذي هو أقوى من مطلق التصرّف و لو كان بعد العلم، لا يوجب سقوط الخيار و الأرش.

نعم، يوجب سقوط الخيار فقط، وفاقاً للمرسلة «1»، و لما عليه المشهور «2».

تنبيه: حول كون الإحداث من المالك مسقطاً

لأحد أن يقول: إنّ الإحداث أعمّ من التغيير و عدم القيام بنفسه، و هو يقرب من التصرّف، و إذا كان وصف المباشرة قيداً، فيكون مطلق الحدث غير كافٍ للزوم البيع، فعليه كما مرّ يكون الإحداث المستند إلىٰ المالك مباشرة و لو كان الحدث شيئاً جزئيّاً موجباً للزوم البيع تعبّداً؛ لأنّ المفروض الظاهر أنّه في حال الجهل، و عند ذلك يستظهر أنّه لأجل كونه رضا بالبيع، اعتبر مسقطاً للخيار تعبّداً و لو كان حال الجهل؛ نظراً إلىٰ حال البائع، و عدم تضرّره بالصبر على المعيب.

و قد مرّ بعض ما يتعلّق بهذا الاحتمال حول الرواية؛ فإنّ حملها على المرسلة أو العكس، يجوز فيما إذا صحّ الاعتماد عليها، و قد مرّ مراراً وجه سقوطها خصوصاً، فلا تخلط.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 125.

(2) المقنعة: 597، النهاية: 393، الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 526/ السطر 13، المراسم: 175، شرائع الإسلام 2: 30، تحرير الأحكام 1: 183/ السطر 12، الدروس الشرعيّة 3: 283، و غيرهم.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 189

التصرّف في المعيب الذي لم ينقص قيمته بالعيب

و منها:- أي ممّا يوجب سقوط الفسخ و الأرش معاً التصرّف في المعيب الذي لم ينقص قيمته بالعيب، كالبغل المخصيّ.

و ربّما يناقش مسامحة: بأنّه لا معنى لكون الأرش ساقطاً في هذه الصورة، بل لم يثبت الأرش عندهم هنا، فالبحث في هذه الصورة حول أنّ التصرّف في هذا المعيب الذي لا أرش له، يوجب سقوط الخيار، و أنّ الإحداث و التغيير و لو كان عن مباشرة و علم، هل يوجب سقوطه، أم لا؟ بعد ما تحرّر من أنّ قضيّة القواعد عدم السقوط، إلّا إذا أُريد من «التصرّف و الإحداث» إسقاط الخيار، و إلّا فالعقد باقٍ، كما مرّ في خيار الغبن.

هذا، و الذي

تحرّر منّا فيما سلف: أنّ خيار العيب مستند إلىٰ ما هو العيب في محيط المعاملات، لا إلىٰ ما هو العيب في سائر المحيطات و الأقطار، و العيب الذي لا يقوّم لا يوجب الخيار عند العقلاء، فالتصرّف في الصورة المذكورة لا يوجب شيئاً.

و أمّا المناقشة فيه: بأنّ قضيّة القواعد عدم السقوط بالإحداث و التغيير، و أخبار المسألة قاصرة عن شمول المقام؛ لأنّ موردها ما يكون العيب فيه مقوّماً.

فأُجيب: بأنّ ذلك و لو صحّ في جانب معتبر زرارة «1»، إلّا أنّه لأجل

______________________________

(1) عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: أيّما رجل اشترى شيئاً و به عيب و عوار لم يتبرّأ إليه و لم يبيّن له، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئاً ثمّ علم بذلك العوار و بذلك الداء، أنّه يمضي عليه البيع و يرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به.

الكافي 5: 207/ 3، تهذيب الأحكام 7: 60/ 257، وسائل الشيعة 18: 30، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 17، الحديث 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 190

عدم الإطلاق فيه رأساً من هذه الجهة، و أمّا في جانب المرسلة «1» فالإطلاق ثابت للشرطيّة الثانية؛ لأنّها شرطيّة أجنبيّة عن الاولىٰ، و ليست هي مفهوم الشرطيّة الأُولىٰ، فما في كلام المحشّي العلّامة (قدّس سرّه) «2» في غير محلّه.

و الذي هو الحقّ: أنّ المرسلة مضافاً إلىٰ ضعف السند كما مرّ صدرها مع ذيلها أجنبيّ؛ لأنّ الظاهر أنّ قوله: «و إن كان الثوب.» عبارة أُخرى عن الجملة الأُولىٰ، و اختلاف المفهوم و الجزاء لا يوجب الأجنبيّة، فالإنصاف عدم ثبوت الإطلاق للمرسلة، و لا المعتبرة، إلّا أنّه يفهم العقلاء عدم تقييد

في البين بإلغاء الخصوصيّة عرفاً.

و من هنا يظهر وجه دفع ما أورده الوالد المحقّق مدّ ظلّه: بأنّه لو لم يكن إطلاق في أخبار خيار العيب، للزم إنكار خيار العيب في

______________________________

(1) عن جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيباً. فقال: إن كان الشي ء قائماً بعينه ردّه على صاحبه و أخذ الثمن، و إن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب.

الكافي 5: 207/ 2، الفقيه 3: 136/ 592، تهذيب الأحكام 7: 60/ 258، وسائل الشيعة 18: 30، كتاب الطهارة، أبواب الخيار، الباب 17، الحديث 3.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 115/ السطر 23.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 191

المعيب الذي ليس فيه الأرش؛ لقصور الأدلّة، و لانحصارها فيه، و لا دليل آخر يثبت به خيار العيب على الإطلاق «1».

و وجه الاندفاع واضح أوّلًا: لما عرفت من الالتزام بعدم ثبوت خيار العيب في الصورة المذكورة، كما مرّ فيما سبق.

و ثانياً: لنا إثبات الخيار لأجل فهم العقلاء، و بنائهم، و عدم ثبوت الخصوصيّة. بل الظاهر عدم خصوصيّة قطعاً، فتأمّل جيّداً.

و بالجملة: دليل خيار العيب هي الشهرة، و القدر المتيقّن منها هو المورد المذكور، و الأخبار كما مرّ قاصرة من جهات عن إثبات خيار العيب بالتخيير العَرْضي بين الفسخ و الأرش، و أمّا بناء العقلاء على الأعمّ، فهو كافٍ لو لم يكن في البين احتمال ردع الشرع عن هذا البناء، كما مرّ وجهه، فليتأمّل جدّاً.

و علىٰ هذا التحقيق يظهر: أنّ تمسّك الشيخ بالاستصحاب في المورد الآتي «2»، في غير محلّه؛ لكفاية الدليل الاجتهاديّ، و لو لم يكن في البين دليل اجتهاديّ يقتضي الخيار في

أمثال هذه الصورة، لما كان وجه لتمسّكه بالاستصحاب أيضاً.

______________________________

(1) انظر البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 65، و الظاهر أنّ المصنّف الشهيد ينقل عن مجلس بحث الإمام (قدّس سرّه).

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 261/ 24.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 192

حدوث العيب في المعيب الذي لم ينقص قيمته بالعيب الأوّل

و منها: حدوث العيب في المعيب المذكور، و قد أشرنا سابقاً إلىٰ أنّ المناقشة في عدّ هذه الموارد من موارد سقوط الأرش، في غير محلّها.

و أمّا المناقشة فيه: بأنّ جميع هذه الموارد، و ما يأتي من موارد ممنوعيّة أخذ الأرش شرعاً للزوم الربا ليست إلّا بحثاً واحداً: و هو أنّه إذا كان المبيع معيباً لا يؤخذ بالأرش فيه؛ فهل يسقط خياره بالتغيّر، أم لا؟ فما صنعه الشيخ «1» و تبعه الآخرون، في غير محلّه.

فهي مندفعة: بأنّ إرجاع هذه الموارد إلىٰ هذا البحث صحيح و ممكن، إلّا أنّ لكلّ واحدٍ منها دليلًا خاصّاً و ثمرة و بحثاً مخصوصاً، و قد مرّ منّا في المورد السابق الآنف وجه بديع لعدم ثبوت الردّ رأساً، و أمّا فيما نحن فيه فالردّ ممنوع؛ لعدم إمكان الاتكال على المرسلة «2»، فلا يكون مجرّد التغيّر كافياً.

و أمّا الصحيحة «3» فهي قابلة للاتكال، إلّا أنّها واردة في مورد الإحداث، لا حدوث العيب، فإذا حدث عيب فهو خارج عن أخبار المسألة، و لا يكون موجباً لسقوط الخيار، فلا يلزم ضرر على المشتري، و أمّا تضرّر البائع بحدوث العيب، فهو ليس منفيّاً؛ لاستناد الضرر إلىٰ العوامل الأُخر.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 261.

(2) تقدّم في الصفحة 190.

(3) تقدّم في الصفحة 189.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 193

نعم، لو أحدثه المشتري فيسقط الخيار، و لا ينجبر ضرره؛ لأنّه مستند إليه.

تحقّق مسقطات الردّ مع ممنوعية الأرش شرعاً
اشارة

و منها: أي من موارد سقوط حقّ الفسخ و الأرش معاً على تسامح، ما إذا كان الأرش غير ثابت للممنوعيّة الشرعيّة؛ و هو لزوم الربا- لا الممنوعيّة التكونيّة كالموارد السابقة التي لم يكن العيب مقوّماً فإنّه في هذه الموارد إذا تحقّق أحد مانعي الردّ، يسقط الأرش و

الرد كلّ لأجل جهة، لا لجهة واحدة، فهنا تسامح آخر أيضاً؛ فإنّ البحث حول ما يوجب سقوط الفسخ و الأرش، و المقصود منه هو المعنى الواحد المنتهى إلىٰ ذلك، و أمّا الأرش فهنا يسقط لأجل أمر آخر، و الردّ يسقط لجهة أُخرى أجنبيّة عن الأوّل، كما لا يخفىٰ.

و علىٰ كلّ تقدير: قد مرّ البحث حول الربا و ما يتعلّق به من جريانه فيما نحن فيه؛ و أنّ حديث الأخذ بالأرش ليس من الربا المذكور، فيكون البحث هنا تقديريّاً؛ أي علىٰ تقدير سقوط الأرش هنا لأجل الربا، يلزم سقوط الردّ بالتصرّف و الإحداث، فلو أحدث في هذه الموارد الربويّة شيئاً، يمنع عن الردّ قهراً؛ من غير حاجة إلىٰ بيان جديد أفاده و أوضحه العلّامة «1» و الشيخ (رحمهما اللّٰه) «2» لأنّ المفروض لزوم الربا الممنوع،

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 530/ السطر الأخير.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 261 262.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 194

و التصرّف الخاصّ؛ و هو الإحداث مثلًا، فإنّ الأرش و الفسخ يسقطان بهما قهراً؛ من غير احتياج إلىٰ تجشّم استدلال.

و هكذا في صورة حدوث العيب؛ بناءً على القول بكفاية مطلق الحدوث سقوط الردّ، و قد عرفت وجه منعه؛ و أنّ الإحداث يمنع دونه؛ و الحدوث ليس بمانع إلّا على الأخذ بمرسلة جميل «1»، و على القول به فلا فرق بين كونه في مورد يجوز أخذ الأرش، أو لا يجوز، خلافاً لما يظهر من الشيخ (رحمه اللّٰه) «2» فليراجع، و تدبّر جدّاً.

تذنيب: حكم الربا اللازم من الإقالة أو الفسخ

هل يكون الربا اللازم من الإقالة أو الفسخ محرّماً، أم لا؟ وجهان:

من التشديد الأكيد في أمر الربا و تحريمه؛ و أنّه بِحَرْبٍ مِنَ اللّٰهِ «3» و إطلاق الكتاب؛ و هو قوله تعالى وَ

حَرَّمَ الرِّبٰا «4».

و من اختصاصه بالبيع أو مطلق المعاوضات «5»؛ و ليست الإقالة و لا الفسخ بالضرورة من المعاملة الجديدة. و أنّ مطلق الفائدة لو كانت محرّمةً للزم سدّ باب التجارات، و قد مرّ في موجبات سقوط الأرش فقط ما

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 190.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 261/ السطر 32.

(3) البقرة (2): 279.

(4) البقرة (2): 275.

(5) جامع المقاصد 4: 365.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 195

يتعلّق بالمسألة، فراجع.

و قد صرّح الوالد المحقّق مدّ ظلّه هنا بعدم اقتضاء أدلّة الربا حرمته فيما نحن فيه «1»؛ و لو كان بشكل الشرط لو كان اشتراط الزائد في ضمن الإقالة و الفسخ جائزاً، كما لا يبعد، فتدبّر.

فعلى هذا، يكون الردّ و الفسخ جائزين و لو مع شرط الزيادة.

فما عن العلّامة في «التذكرة»: من أنّ الردّ ممنوع؛ إمّا لأجل كونه من الربا إن كان مع الزيادة و جبران العيب الحادث، و إمّا يكون ضرراً إذا لم يكن بدون الجبران «2» غير تامّ؛ لعدم كونه من الربا المحرّم.

هذا مع أنّ ردّ المعيب بالعيب الحادث ضرر؛ و الصبر على المعيب بالعيب الأوّل أيضاً ضرر على المشتري. اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ مقتضى النصّ و الفتوىٰ؛ أنّ العيب الحادث موجب لسقوط الردّ، فالإضرار مستند إلى الشرع، و أخذ الأرش أيضاً من الربا المستند إليه أيضاً، فلا مجال لجريان قاعدة «لا ضرر.» هنا لو قلنا بجريانها في أمثال المسألة.

نعم، بناءً علىٰ ما ذكرناه من عدم سقوط الردّ بالعيب الحادث مطلقاً لعدم الدليل عليه يكون الردّ جائزاً، و لا يلزم الربا إذا ردّه بالزائد جبراناً للعيب الحادث عند المشتري؛ لما عرفت، فتدبّر تعرف.

أو يقال: إنّ الصبر على الضرر بالعيب الأوّل بحكم الشرع؛ للزوم

الربا، بخلاف الردّ بالعيب الحادث، فإنّه لا يلزم منه الربا المحرّم، فلا

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 84.

(2) تذكرة الفقهاء 1: 531/ السطر 3.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 196

يتقابل الضرران كما لا يخفىٰ.

نعم، لا يمكن إثبات الخيار الحقّي بها، و هو ليس بمهمّ في المسألة، و إنّما الشأن ممنوعيّة الربا في الأخذ بالأرش مطلقاً، كما مرّ تفصيله.

إيقاظ: لزوم الربا بردّ المعيب بالعيب الحادث عند المشتري

لأحد أن يقول: إنّ ردّ المعيب بالعيب الحادث في يد المشتري مع الزيادة، من الربا، و يكون المردود موجباً لحصول الربا، و البطلان و الردّ بلا زيادة أيضاً من الربا، و يكون المعوّض زائداً و موجباً للبطلان؛ لأنّ الزيادة الحكميّة بحكم الزيادة الواقعيّة، ضرورة أنّ الصحّة و إن لم تقابل بجزء من الثمن إنشاء، إلّا أنّها دخيلة في ازدياد القِيَم بالضرورة، كما في النقد و النسيئة، مع أنّ الزمان لا يدخل في المبيع إنشاء.

و ما اشتهر: «من أنّ الصحّة و الفساد لا يوجبان خروج المتماثلين عن التماثل» «1» صحيح، و لكنّه أجنبيّ عن مسألتنا هذه، كما لا يخفىٰ.

فما هو الحلّ الوحيد؛ عدم حرمة تلك الزيادة في مثل الفسخ و الإقالة.

______________________________

(1) جواهر الكلام 24: 13، ملحقات العروة الوثقى 2: 27، المسألة 30.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 197

تأخير الأخذ بالخيار
اشارة

و منها: تأخير الأخذ بمقتضى الخيار، فإنّه موجب لسقوطهما؛ بناءً علىٰ فوريّة الخيار و كأنّه كان أمراً مفروغاً عنه بينهم، و لذلك عدّ التأخير من المسقطات.

نعم، في كونه مسقطاً للردّ فقط، أو له و للأرش، خلاف؛ يستظهر عن «الغنية» سقوطهما به «1»، و عن «المبسوط» «2» و «الوسيلة» «3» سقوط الردّ خاصّة، و حيث إنّ الإجماع في المسألة علىٰ تقدير تحقّقه معلّل؛ لاحتمال تخلّل الاجتهاد، مع أنّه غير ثابت إلّا نقله، بل فيه أيضاً خلاف، فالمتّبع هي القاعدة و الأخبار الخاصّة.

و بالجملة: في كونه مسقطاً للردّ، أيضاً إشكال حتّى في صورة العلم؛ لما تحرّر في محلّه من أنّه لا معنى لتوهّم كونه مع العلم مسقطاً؛ إذا كان المشتري معتقداً تراخيه، أو كان مردّداً في الأمر، فالردّ يسقط بالرضا المستكشف؛ علىٰ إشكال مضى تفصيله.

نعم، لا بأس بإسقاط الخيار

بترك الردّ مريداً به ذلك، و لا يثبت سقوطه إلّا بينه و بين ربّه.

فتحصّل: أنّ سقوط الردّ فضلًا عن الأرش ممنوع؛ إلّا إذا ثبتت

______________________________

(1) الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 526/ السطر 9.

(2) المبسوط 2: 139.

(3) الوسيلة: 256.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 198

الفوريّة عند المشتري، و كان عالماً بها؛ و مريداً بالترك و التأخير سقوطَ حقّه.

و علىٰ تقدير ثبوت الفوريّة، ففي سقوط حقّ الأرش كلام آخر يتّضح من ذي قبل إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

و بالجملة: في المسألة احتمالات، بل أقوال: الفوريّة، و سقوطهما بتركها، و الفوريّة و سقوط الردّ، دون حقّ الأرش، و عدم الفوريّة.

فالذي هو مقتضى القواعد عند الشكّ؛ عدم انفساخ العقد بالفسخ بعد الآن الأوّل، و أمّا لزوم العقد بمرجعيّة إطلاق الأدلّة الاجتهاديّة، فهو ممنوع عندنا، كما تحرّر في الأُصول «1»، و مضىٰ في خيار الغبن «2»، و هكذا عدم صلاحية استصحاب الخيار للمرجعيّة؛ لعدم جريانه، فيكون المرجع استصحاب بقاء كلّ من العوضين في ملك مالكه؛ و أنّ كلّ مال باقٍ تحت سلطنة صاحبه، و تفصيله في محلّه.

و بالجملة: لا تجري الاستصحابات الحكميّة التكليفيّة و الوضعيّة، بخلاف الموضوعيّة، و تصير النتيجة هي الفوريّة. هذا في جانب حقّ الفسخ.

و أمّا في جانب حقّ الأرش فالأمر أوضح؛ ضرورة أنّ ما هو المجعول الأوّلي فيما نحن فيه، هو التخيير بين المعنيين الحدثيّين، كسائر الواجبات التخييريّة، و يكون حقّ الفسخ و الأرش منتزعاً عرفاً من هذا

______________________________

(1) لاحظ الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 188 و ما بعدها.

(2) من المؤسف له فقدان هذه الأبحاث من الكتاب.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 199

المعنىٰ، و قد تحرّر في محلّه أنّ الواجبات التخييريّة لا ترجع إلىٰ التعيينيّات، أو المشروطات،

أو المعلّقات، بل هي سنخ إيجاب آخر مركّب من المعنيين؛ من غير رجوعه إلىٰ التعيين ليكون العنوان الواحد واجباً.

و أيضاً عرفت: أنّ هذا المعنى التخييريّ بيد المشتري مثلًا، فله إسقاط أحد طرفيه، و إبقاء الآخر، فلا يلزم من سقوط الردّ سقوط الحقّ المذكور ثبوتاً؛ فإن ثبت إثباتاً إطلاق يقتضي حقّ الأرش فهو، و إلّا فالقدر المتيقّن منه هو الآن الأوّل.

هذا كلّه حول قضيّة القواعد علىٰ ما سلكناه و حرّرناه في مبنىٰ خيار العيب، و التخيير المتصوّر القابل للتصديق.

و أمّا قضيّة الأدلّة الخاصّة:

فالأخبار الواردة في وطء الجارية، و تجويز الردّ في صورة، و عدم التجويز بعد الوطء «1»؛ لا تعرّض فيها للأرش، و لا إطلاق لها في جانب الردّ؛ علىٰ ما هو الأقرب إلىٰ الذهن.

و أمّا مرسلة جميل «2»، فإطلاقها غير بعيد إنصافاً، خلافاً لما يظهر من الشيخ (رحمه اللّٰه) «3» إلّا أنّها غير قابلة للاعتماد، خلافاً للجلّ، و قد مرّ وجهه.

و دعوىٰ: أنّها ليست بصدد تأسيس خيار العيب، مسموعة؛ لأنّه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 18: 102 108، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 4 و 5.

(2) تقدّم في الصفحة 190.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 262/ السطر 23.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 200

خيار عقلائيّ و كان معهوداً بين المسلمين بالضرورة، إلّا أنّه لا مانع من عقد الإطلاق فيها.

و من الغريب توهّم: أنّ الأخبار الخاصّة بصدد أصل تشريع خيار العيب، كما يظهر من الشيخ الأعظم (قدّس سرّه) «1»!! و أمّا الصحيحة «2»، فهي في موقف الأمر الآخر كما هو الأظهر، فجواز إجبار البائع بإعطاء الأرش بعد كونه علىٰ خلاف القواعد الأوّليّة؛ و أنّه من التعبّد شرعاً ممنوع، فما عن الشيخ و غيره من التفصيل بسقوط حقّ الخيار

بالتأخير، دون حقّ الأرش «3»، غير صحيح.

نعم، الصبر على العيب إن كان عن علم و اعتقاد، فلا بأس به؛ و إن كان عن غفلة و جهالة، فيكون اللزوم بلا أرش ضرريّاً في الآن الثاني، فلجريان القاعدة وجه، لو لم نقل: بأنّ الغفلة و الجهالة مبدأ تضرّره، دون الشرع، فتدبّر.

فعلى هذا، ربّما يكون وجه اشتهار التراخي هو الضرر المرفوع؛ إلّا أنّه لا يثبت به دوام حقّ الأرش؛ فالخيار و حقّ الفسخ مبنيّ على التراخي، دون حقّ الأرش؛ لأنّه علىٰ خلاف القاعدة، و لا دليل علىٰ إلزام البائع بقبول جبران النقص، و هذا هو الأقرب من أُفق التحقيق، فيكون القول الرابع و هي فوريّة حقّ الأرش، دون حق الردّ، المخالف

______________________________

(1) نفس المصدر.

(2) تقدّم في الصفحة 189.

(3) المبسوط 2: 139، الوسيلة: 256، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 262/ السطر 21.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 201

للإجماع المركّب أشبه.

تذنيب و توضيح: اختلاف المسألة باختلاف المباني

ربّما يقال: إنّ المباني مختلفة في هذه المسألة:

فعلى ما اختاره السيّد المحقّق الوالد- مدّ ظلّه من أنّ هناك حقّين معيّنين غير قابلين للجمع، و إنّما التخيير في مقام الاستيفاء «1»، فلا منع من الالتزام ببقاء الخيار الثابت في الآن الأوّل استصحاباً إلّا إطلاق أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «2» كما لا منع من الالتزام ببقاء حقّ الأرش؛ لأنّه من الاستصحاب الشخصيّ، و تصير النتيجة فوريّة الخيار، دون فوريّة حقّ الأرش.

و أمّا علىٰ مبنى الشيخ «3» و أتباعه «4»؛ من أنّ هناك حقّا واحداً تخييريّاً، فهو لا يعقل بقاؤه و زواله معاً، فإذا كان في جانب حلّ العقد فوريّاً، فلا يعقل في الآن الثاني بقاؤه في جانب أخذ الأرش؛ لأنّه واحد مردّد، فيلزم من القول بفوريّة فسخ العقد، سقوط حقّ الأرش عقلًا، فلا محلّ

لاستصحاب بقاء حقّ الأرش، إلّا استصحاب الكلّي من القسم الثالث الواضح ممنوعيّة جريانه هنا لو أمكن إجراؤه في بعض

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 13، 21.

(2) المائدة (5): 1.

(3) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 254/ السطر 1.

(4) لاحظ حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 71/ السطر 12.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 202

الصور، كما تحرّر و ذلك لكونه مضافاً إلىٰ عدم العلم بالأمر الثابت و هو حقّ أخذ الأرش، يكون المستصحب معنى انتزاعيّاً من المجعولين الوضعيّين؛ و هو حقّ الأرش الزائل؛ و حقّ الأرش الحادث، و جريان الاستصحاب في هذا المقام ممنوع.

مع أنّ ما هو القدر المتيقّن هو أصل الحقّ، لا حقّ الأرش؛ لأنّ المعنى الثابت في ظرف اليقين، مردّد بين حقّ الفسخ و حقّ الأرش، و لا يكون حقّ الأرش منتفياً، فلا تخلط.

و أمّا علىٰ مبنىٰ كون الحقّ هنا أمراً وحدانيّاً معيّناً علىٰ عنوان واحد، ينطبق علىٰ حقّ الفسخ بالردّ، و الأخذ بالأرش، فإن قلنا بمرجعيّة العموم و الإطلاق عند الشكّ، فلازمه فوريّة حقّ الفسخ، و عدم جواز الرجوع إلىٰ الأرش؛ و ذلك لأنّ مع زوال أحد مصداقي الواجب المعيّن، لا يبقى الموضوع للاستصحاب في ظرف الشكّ؛ حتّى يثبت الأرش.

و هذا نظير ما إذا كان عنوان «أحد الخصال الثلاث» واجباً، و فرضنا زوال الوجوب بالنسبة إلىٰ واحد منها؛ بمعنى خروجه عن المصداقيّة؛ للعجز و غيره، فإنّه إذا شكّ في بقاء وجوب الواحد من الثلاث، لا يمكن التعبّد ببقاء الواحد من الثلاث؛ للقطع بعدم وجوب واحد منها، و ما هو القابل للإبقاء هو الواحد من الاثنين، و هو ليس مورد اليقين.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّه إذا كان عنوان «أحد الخصال الثلاث» مورد اليقين، يكون

عنوان «الواحد من الاثنين» مورد العلم أيضاً، و هذا يكفي لجريان الاستصحاب.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 203

و الذي يسهّل الخطب ما مرّ منّا؛ من عدم تماميّة هذه المباني في خيار العيب، و علىٰ تقدير تماميّتها، لا تكون هذه المباني الأُصوليّة تامّة جدّاً.

فالحقّ الذي لا محيص عنه حسب القواعد: هي فوريّة حقّ الأرش، دون حقّ الفسخ، و التأخير لا يقتضي سقوط حقّ الفسخ؛ إلّا في صورة أشرنا إليها، و لا سقوط حقّ الأرش؛ بل لا يثبت الأرش؛ لقصور أدلّته كما عرفت.

فرع: حكم بيع المعيب تكليفاً

هل يحرم بيع المعيب تكليفاً، أم يجب الإعلام بالعيب تكليفاً، أو يحرم الغشّ، فيكون البيع المذكور محرّماً لأجله، لا بذاته، أو يحرم الغشّ في المعاملة تكليفاً؟

و أمّا ما في كلماتهم «1» من حرمة ترك الإظهار، فهو غير جيّد، لا لما قد يتخيّل من امتناع اتصاف الترك بالحرمة، فإنّه باطل محرّر تفصيله في محلّه، بل لكونه خلاف الفهم العرفيّ؛ فإنّ المتعارف محرميّة الأُمور الوجوديّة، لا العدميّة، و الأمر سهل.

و قد مرّ شطر من البحث في أوائل بحوث خيار العيب، و ذكرنا هناك إمكان كون بيع المعيب محرّماً؛ لكونه من الأكل بالباطل، و النهي في

______________________________

(1) لاحظ مفتاح الكرامة 4: 629، جواهر الكلام 23: 245 247، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 262 263.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 204

الكتاب «1» نفسيّ، و حيث إنّ المعاملة تحتاج إلىٰ الإمضاء و الرضا، و هو لا يجتمع عادة بل و عقلًا علىٰ إشكال مع المبغوضيّة الموجودة في المادّة المحرّمة، فيكون الرضا منتفياً، فيكون البيع باطلًا.

أو لكونه غشّاً، و هو محرّم؛ ضرورة أنّ مبنى المعاملات علىٰ تبادل الصحيح بالصحيح؛ و إن لم يكن التزام شخصيّ بين البائع و المشتري، فإذا

علم البائع و ترك الإظهار، ينتزع منه الغشّ و إن لم يصنع شيئاً وجوديّاً يختفي به العيب، و قد مرّ توضيح هذا المبنىٰ بما لا مزيد عليه.

و لا يضرّ بهذا البناء الكلّي العموميّ، كون البائع في المعاملة الشخصيّة الخاصّة، مريداً جلب المشتري إلىٰ متاعه؛ فإنّه محيط خاصّ، بخلاف المبنىٰ المذكور، فلا تخلط.

أو لكونه من الكذب؛ فإنّ الأفعال توصف بالصدق و الكذب؛ و الأشياء توصف بهما، فيقال: «فجر صادق و كاذب» فإذا سكت البائع بعد ذلك البناء، فسكوته بمنزلة الإخبار، فيكون محرّماً، و خدعة، و حيلة، و تغريراً.

و الذي هو الحقّ من بين الأقوال الخمسة من الحرمة، و الكراهة، و الوجوب، و الاستحباب، و التفصيل بين الخفيّ و الجليّ، أو

______________________________

(1) النساء (4): 29، يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 205

غير ذلك-: أنّ عنوان «بيع المعيب» بما هو هو خارج عن جميعها، و الأدلّة المستند إليها لا تقتضي شيئاً، و أمّا العناوين المنطبقة عليه فلا تورث بطلانه؛ بعد كونه من التجارة عن التراضي؛ علىٰ إشكال محرّر في محلّه، و لا حرمة ذاتاً و بعنوانه.

و أمّا الغشّ، ففي كونه محرّماً في نفسه إشكال.

نعم، ما هو المحرّم احتمالًا هو الغشّ في المعاملة، و إلّا فالخلط بالتصرّف في ملكه ليس محرّماً، فإذا كان الغشّ محرّماً في المعاملة، فهو معناه حرمة بيع المغشوش، و عندئذٍ يشكل صحّته و لو كان محرّماً تكليفاً؛ لما أُشير إليه. و ما قد اشتهر: «من أنّ النهي التحريميّ دليل الصحّة» غير صحيح؛ لأنّ الصحّة عند العقلاء محرّمة عند الشرع، فلا تغفل.

و أمّا المناقشة في الصدق، فهي و لو كانت

ممنوعة في بعض الصور، و لكن في متعارف المعاملات المعاطاتية يكون إعطاء المعيب مع عدم التبرّي و الإعلام غشّاً و تغريراً.

نعم، لو كان الغشّ هو الخلط بين الجيّد و الردي ء، فلا غشّ إلّا في بيع طائفة من المعيبات منضمّة إلىٰ طائفة من السالمات، كبيع مقدار من الرقّي و البطّيخ، كما لا يخفىٰ.

و لا يبعد كونه متقوّماً بحسب المفهوم بخلطٍ ما؛ سواء كان كخلط الدرهم، أو اللبن، أو الرقّي، أو الأرز، و أمّا إراءة الصفات الكماليّة أو

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 206

بيع المعيب، فليس من الغشّ المذكور إنصافاً. و ما أشرنا إليه هو الظاهر من بعض الأخبار، كصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) «1» فراجع.

______________________________

(1) محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السّلام) أنّه سئل عن الطعام يخلط بعضه ببعض، و بعضه أجود من بعض؟ قال: إذا رُؤيا جميعاً فلا بأس ما لم يغط الجيّد الردي ء.

الكافي 5: 183/ 1، تهذيب الأحكام 7: 33/ 139، وسائل الشيعة 18: 112، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 9، الحديث 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 207

الجهة التاسعة في اختلاف المتبايعين

اشارة

و ذلك تارة: في العيب و حدوده.

و أُخرى: في مسقط الخيار.

و ثالثة: في إعماله.

و رابعة: في مسقط الأرش.

و خامسة: في الأخذ به.

و يتمّ الكلام حولها في طيّ بحوث

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 208

البحث الأوّل الاختلاف في تعيّب المبيع

اشارة

الاختلاف في تعيّب المبيع تارة: يكون في السبب؛ و هو وجود العيب.

و أُخرى: يكون في المسبّب؛ و هو الخيار و الأرش.

فالبحث يقع في مقامين:

المقام الأوّل في اختلافهما في السبب؛ و هو وجود العيب
اشارة

و فيه جهات:

الجهة الأُولىٰ الاختلاف في تعيّب المبيع بعيب غير زائل

لو اختلفا في تعيّب المبيع حين العقد، و كان العيب غير زائل في مورد يوجب السقوط كما مرّ، أو يستلزم كشف عدم الثبوت، و بالجملة يختلفان فيما يوجب خيار العيب، فلا يكون الاختلاف في العيب الزائل قبل العقد؛ فإنّه بلا أثر، فما عنونه الشيخ (رحمه اللّٰه) في المسألة الأُولىٰ «1»

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263/ السطر 10.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 209

مجمل، و لا بدّ أنّه أراد به ذلك، دون ما فسّره العلّامة المحشّي (رحمه اللّٰه) «1».

و علىٰ كلّ حال: القول قول المنكر، و هو في الغالب البائع، و قد مرّ أنّ المدار في تشخيص المدّعى و المنكر على العرف، و ما ذكروه من الضوابط غير ناجع؛ حتّى ما صدّقه الوالد المحقّق- مدّ ظلّه من أنّ المدّعى إذا تَرك تُرك «2»؛ ضرورة أنّه إذا كان في مفروض البحث المتاع عند البائع، و كان هو يدّعي العيب، فإنّه لو ترك لا يُترك؛ لأنّ المشتري يرجع إليه لأخذ مبيعه و ملكه بالضرورة، مع أنّ طرّاح الدعوىٰ و الحامل على إيجادها هو البائع.

و لو قيل: لا يتصوّر أن يكون البائع مدّعي العيب؛ لأنّه على ضرره.

قلت: نعم، و لكنّه ربّما يتعلّق بذلك بعض الأغراض الأُخر؛ مثل ما إذا كان ما باعه تذكار أبيه، و تركة أُمّة، فإنّه لدعوى العيب يريد أن يكون فسخ المشتري نافذاً.

فما ترى في كلمات القوم من المراجعة إلىٰ الأُصول العقلائيّة لا الشرعيّة؛ لتشخيص ذلك، في غير محلّه، و لا سيّما ما في كلام الفقيه اليزديّ «3»: من التمسّك باستصحاب الصحّة فيما إذا كان في الحالة السابقة صحيحاً فيكون المشتري في الغالب منكراً، و باستصحاب العيب فيما إذا كان في الحالة السابقة

معيوباً، فيكون المشتري مدّعياً،

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 117/ السطر 17.

(2) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 87.

(3) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 91/ السطر 29.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 210

و بأصالة السلامة في صورة الشكّ و الجهل بالحالة السابقة، فيكون المشتري أيضاً مدعياً.

فإنّه ربّما يناقش في كفاية الأصل المذكور؛ لأجل كونه مثبتاً، فإنّ موضوع العقد اللازم هو العقد الواقع على الصحيح، أو الواقع علىٰ ما لا عيب فيه و لا عَوار؛ فإن كان الثاني فمثبتيّته واضحة، و إن كان الأوّل فإثبات الوقوع مشكل به.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّه عقد واقع وجداناً، و إذا كان المتاع صحيحاً يتمّ المقيّد.

و فيه: أنّ التقيّد لا يثبت، فلا بدّ من كون الموضوع مركّباً، أو نقول باعتبار الأصل المثبت. و من هنا يظهر حال استصحاب العيب.

و أمّا أصالة السلامة فلا بأس بها، إلّا أنّه لا حاجة إليها؛ بعد كون المشتري مدّعي العيب عرفاً. بل لو شكّ في مورد في جريان الأصل المذكور لأجل جهة من الجهات الممكنة يكون المرجع فهم العقلاء أيضاً، دون الأُصول الحكميّة، كاستصحاب عدم الخيار و اللزوم، و براءة البائع من شغل الذمّة بالأرش، و غيرها، فإنّها ممنوعة الجريان أوّلًا، و تحريره في الأُصول، و غير نافعة هنا ثانياً فيما إذا كان المنكر عرفاً قوله موافقاً لها، كما لا يخفىٰ.

و ربّما يتوهّم استصحاب كلّي الخيار؛ لثبوته في المجلس مثلًا، و لكنّه من القسم الثالث، و يؤيّد دعوى المشتري وجود العيب حين العقد.

و هم: دعوى المشتري العيب مع جريان استصحاب العيب، يرجع

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 211

إلىٰ دعوى البائع زوال العيب حين العقد، فلا يكون المشتري مدّعياً، و الأصل موافقه، بل

المشتري منكر، و الأصل يساعده؛ لبقاء العيب إلىٰ حال العقد.

و دفع: قد تحرّر فيما سلف خلاف بين الأعلام في مسألة مصبّ الدعوىٰ و مرجعه؛ و أنّ المناط مصبّ الدعوىٰ أو مرجعه.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 1، ص: 211

مثلًا: إذا اختلفا في العيب، فمرجع الخلاف هو الاختلاف في اللزوم و الجواز، و الخيار و اللاخيار، فهل القاضي يطالب بدليل المرجع، أو يطالب بدليل المصبّ و المطرح؟ و ربّما يرجع الادعاء و الإنكار إلىٰ التداعي في اللزوم و الجواز، و في الانقطاع و الدوام في باب النكاح.

و لأجل اختلاف الآثار، و عدم وجود دليل علىٰ جواز تصرّف القاضي، يكون المناط مصبّ دعواهما؛ فربّما يحتال أحد المتخاصمين بجعل عديله مدّعياً، مع أنّ المدّعى بحسب الواقع نفسه، فلا يسمح حسب الظواهر للقاضي تبديل الدعوىٰ، و توضيح الحال و تفصيله في كتاب القضاء.

الجهة الثانية الاختلاف في صدق المعيب على المبيع
اشارة

لو اختلفا في أنّ ما هو الموجود عيب، أم لا؟

فربّما يمكن أن يقال: إنّه نزاع بلا أثر؛ لأنّ إثبات العيب بلا أثر، بل الأثر مترتّب علىٰ كون المبيع معيباً، كما مرّ في الجهة الأُولىٰ، و هذا في الحقيقة يرجع إلىٰ ذاك.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 212

و فيه: أنّ مقتضىٰ معتبر زرارة «1» و مرسلة جميل «2»؛ أنّ المدار علىٰ كون المبيع به العيب و العَوار، فرجوع الاولىٰ إلىٰ الثانية أولىٰ.

مع أنّ الميزان في الاختلاف، ليس علىٰ كون مصبّ الدعوىٰ، ذا أثر بالمعنى المذكور، بل يكفي كون الدعوىٰ ذات أثر، و هو في الأُولىٰ أيضاً حاصل.

و بالجملة: المدّعى و المنكر حسب فهم العرف معلومان.

و أمّا

حسب الأُصول، فربّما يكون المتاع معيباً، و به عيب و عَوار قبل زمان الاختلاف، و يشكّ و يختلف فيه، فاستصحاب الموضوع يفيد إذا كان الخلاف في أنّ الموجود عيب و عَوار، و لا يكفي استصحاب كونه معيباً، و لا حاجة إليه، فتدبّر.

و هكذا إذا لم يكن مورد الخلاف عيباً أو عَواراً قبل ذلك، إلّا أنّه في الصورة الأُولىٰ يلزم كون المشتري مدّعياً؛ و في الثانية ينعكس.

اللهمّ إلّا أن يقال: ترجع الدعوىٰ في الصورة الثانية إلىٰ أنّ المشتري ينكر بقاءه علىٰ صفة العيبيّة و العَواريّة، فيلزم اتفاق العرف و الأصل في تشخيص المدّعى و المنكر.

نعم، قد أشرنا إلىٰ عدم جواز تصرّف القاضي في الدعوىٰ؛ و إرجاعها من حال إلىٰ أُخرى. هذا في موارد الأُصول العدميّة النعتيّة.

و أمّا الأُصول العدميّة الأزليّة المحموليّة، فجريانها و كفايتها محلّ

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 189.

(2) تقدّم في الصفحة 190.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 213

إشكال و منع، إلّا إذا كان الموضوع مركّباً، فإنّه يجوز استصحاب عدم وجود العيب في المتاع حين لم يكن متاع، فتأمّل.

بقي شي ء: في صدق النقص دون العيب

قال الشيخ الأعظم (قدّس سرّه): «لو علم كونه نقصاً كان للمشتري الخيار في الردّ، دون الأرش؛ لأصالة البراءة» «1» انتهىٰ.

و في «حاشية الفقيه اليزديّ» (قدّس سرّه): «يشكل ذلك: بأنّ النقص المعلوم إن كان موجباً للنقص في القيمة، فهو عيب، و فيه الردّ و الأرش، و إلّا فلا دليل علىٰ جواز الردّ أيضاً» «2» انتهىٰ.

و فيه أوّلًا: ما مرّ من تصوير الأصحاب وجود العيب الموجب للخيار، دون الأرش؛ في مواضع سقوط الأرش، دون الخيار.

و ثانياً: أنّ مراد الشيخ حسب الأظهر؛ ثبوت الخيار الآخر غير خيار العيب الاصطلاحيّ؛ فإنّ النقص يوجب الخيار، سواء عدّ عيباً، أم لم

يعدّ؛ و لذلك عبّر عنه ب «الخيار» و إلّا فالأولى التعبير عنه ب «جواز الردّ» كما في أخبار المسألة «3» و منشأ هذا الخيار إمّا حكم العقلاء مستقلا، أو التخلّف

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263/ السطر 11.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 91/ السطر 36.

(3) ففي الأخبار ما يدلّ على جواز الردّ،. عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل اشترى جارية فوقع عليها قال: إن وجد بها عيباً فليس له أن يردها و لكن يرد عليه بقيمة ما نقصها العيب.

الكافي 5: 214/ 5، وسائل الشيعة 18: 102، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 4، الحديث 3.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 214

عن الشرط و القرار الضمنيّ المبنيّ عليه العقود حسب التعارف.

نعم، ما هو الحقّ: أنّ النقص في محيط الخلقة أو محيط خاصّ، لا يوجب شيئاً، و ما هو الموجب هو النقص في باب المعاملات و التبادلات، التي روعي فيها جانب الماليّة و الخواصّ و الآثار، و هذا النقص كما يستلزم الخيار يستلزم الأرش، كما تحرّر منّا في المسائل السابقة.

و لو سلّمنا وجود النقص و العيب الموجب للخيار دون الأرش، فاختلفا في أنّ الموجود من هذا القسم، أو هو من القسم الموجب لهما فإن كانا معترفين بكونه في السابق من القسم الأول أو الثاني، فالأمر كما تحرّر، و إلّا فالمرجع الأُصول العدميّة المحموليّة، و هي غير نافعة، فالحقّ مراجعة العرف أيضاً، و علىٰ كلّ يكون المشتري مدعياً في الغالب.

و لو قيل: في جميع هذه الموارد يمكن التمسّك باستصحاب عدم وقوع العقد علىٰ ما يوجب الأرش، أو ما يوجب الخيار، أو يوجبهما، لأنّ هذه الأُمور من الحوادث المستندة إلىٰ شي ء في العين من العيب و

النقص، و علىٰ هذا يكون العقد لازماً موافقاً للمنكر؛ و هو البائع، و مخالفاً للمشتري المريد إثبات الخيار و الأرش و نفوذَ الفسخ.

قلنا: قد مضى في موضع من هذا الكتاب بحث حوله، و ذكرنا أنّ

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 215

استمرار العدم الأزليّ المحموليّ المضاف إلىٰ وجود شي ء، ممّا لا بأس به إذا أُريد به نفي الحكم عن الموضوع الآخر الأجنبي عنه، بخلاف ما نحن فيه؛ فإنّ الاستمرار المذكور أُريد به إثبات لزوم العقد؛ بإثبات أنّ المعقود عليه ليس فيه ما يوجب الخيار و الأرش.

و بعبارة اخرىٰ: نفي الحكم بنفي الموضوع و لو كان ممكناً عندهم و أمّا نفي الحكم المتعلّق بالموجود المقيّد بالقيد العدميّ، فلا يمكن باستمرار العدم المطلق إلىٰ حال ذلك الوجود؛ فإنّ ما يوجب الخيار و الأرش هو العقد المتعلّق بالمتاع الكذائيّ، فعدم تعلّق العقد بما يوجب الكذا لا يثمر، فلا تخلط.

الجهة الثالثة الاختلاف في زمان العيب
اشارة

لو اختلفا في التقدّم و التأخّر؛ بعد اتّفاقهما علىٰ وجود العيب في المتاع الحاضر عندهما.

و هذا تارة: يكون بالنسبة إلىٰ حال وقوع العقد، فيدّعي المشتري أنّه كان فيه هذا العيب من الأوّل؛ مريداً به إثبات التخيير.

و أُخرى: يدّعي أنّه كان قبل القبض؛ بناءً علىٰ أنّ حدوثه قبله يوجب الخيار.

و ثالثة: يدّعي أنّه كان في زمان الخيار المضمون على البائع، كالحيوان و الشرط، و عند ذلك فتارة: ينكر البائع مفاد الدعوى.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 216

و أُخرى: يدّعي خلاف الدعوى، فيدّعي أنّه كان بعد القبض، أو بعد المضيّ، و هكذا.

و ربّما يكون التقدّم و التأخّر مورد الدعوىٰ و الإنكار، أو مورد التداعي، فيقول المشتري بتقدّم العيب على القبض، و ينكر البائع ذلك عليه تارة.

و أُخرى: بادعاء تأخّره

عن زمان الخيار، أو القبض، فالصور تزداد على العشر.

و غير خفيّ: أنّه ربّما يكون إنكار البائع، قابلًا للحمل على الإقرار بالعيب الموجب للخيار، مثلًا إذا ادعى المشتري وجود العيب حين العقد، فأنكر عليه البائع، فإنّه يجتمع ثبوتاً إنكاره مع كون العيب حين القبض و الخيار، إلّا أنّه لا دليل للقاضي حتّى يأخذ به.

و ربّما يكون ادعاؤه علىٰ خلاف المنكر، إقراراً بما يوجب الخيار؛ كما إذا ادعى المشتري وجود هذا العيب حين العقد، و البائع يدعي أنّه حين القبض، فإنّه و لو كان إقراراً، و لكن لا حقّ للقاضي في أن يأخذ به في هذه الدعوى؛ لأنّه أمر أجنبيّ عنها، كما لا يخفى.

و بالجملة: بناءً علىٰ ما عرفت؛ من أنّ المدار على العرف في تشخيص المدّعى و المنكر، و تبيّن أنّ الميزان في ذلك بالقياس إلىٰ مصبّ الدعوىٰ، دون مآلها و مرجعها فإنّه يكفي لجواز تدخّل القاضي كونها ذات أثر، و لا شبهة في أنّها ذات أثر و لو مع الواسطة يكون في موارد الإنكار المشتري مدّعياً، و في موارد الادعاء كلّ منهما مدعياً و منكراً.

و ربّما يشهد عليه؛ ذهاب مثل ابن الجنيد إلىٰ توجيه البيّنة على

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 217

البائع المدّعى حدوث العيب عند المشتري، و أنّه يحلّف المشتري إن كان منكراً «1»؛ ضرورة أنّه يريد في دعواه أنّه ليس مضموناً عليه، و لا يكون له الخيار. و كون الحكم المقصود بالأصالة سلبيّاً، لا يستلزم رجوع ادعائه إلىٰ إنكار الضمان و الخيار.

فعلى هذا، يسقط جميع ما يستظهر من القوم، و قد نصّ عليه العلّامة المحشّي «2» (قدّس سرّه): من تفتيش الآثار الشرعيّة المترتّبة على الموضوعات في الأدلّة اللفظيّة و غيرها مع

أنّه تفتيش في غير محلّه، و قد وقع الخلط بين موضوع الأُصول، و ما هو مصبّ الدعوىٰ و التداعي.

و أمّا ما يظهر من تمسّك الشيخ (رحمهم اللّٰه) «3» بأصالة عدم تقدّم حدوث العيب على العقد؛ حتّى لو علم تأريخ الحدوث، و جهل تأريخ العقد؛ لأنّ أصالة عدم وجود العقد حين حدوث العيب، لا تثبت وقوع العقد على المعيب، فهو أيضاً غير صحيح؛ لأنّ ضمّ الوجدان و هو وجود العقد على العين الموجودة إلىٰ أصالة عدم العيب و العَوار، لا يكفي إلّا إذا كان من العدم الرابط؛ ضرورة أنّ الموضوع حسب الظاهر مقيّد، لا مركّب، بل هو قطعيّ عرفاً.

و أمّا أصالة عدم وقوع العقد علىٰ هذه العين التي لم يكن بها عيب و عَوار عند عدم وجودها، فممّا لا يعقل؛ لأنّ العين عند عدم الوجود لا تقبل

______________________________

(1) مختلف الشيعة: 371/ السطر 30.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 117/ السطر 18.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263/ السطر 13.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 218

الإشارة الخارجيّة؛ و الإشارة الذهنيّة توجب كونه من الكلّي، فلا ينفع لحال العين الشخصيّة، كما لا يخفى على أهل البصيرة.

تنبيه: توضيح من الشيخ الأعظم لكلام ابن الجنيد

قال الشيخ (رحمه اللّٰه) توضيحاً و توجيهاً لمقالة ابن الجنيد «1»: «و لعلّه لأصالة عدم تسليم البائع العين إلىٰ المشتري على الوجه المقصود، و عدم استحقاقه الثمن كلّاً، و عدم لزوم العقد» «2» انتهىٰ.

و مقصوده عدم لزوم هذا العقد الخاصّ؛ لوجود الشكّ أو استصحاب عدم وجوب الوفاء.

و لو كان لما أفاده وجه، يلزم أن لا يكون تشخيص المدّعى من المنكر بالأصل، بل يلزم كون المنكر قوله مطابقاً لأصل من الأُصول، و إنّما تشخيصه من جهة أُخرى و طريق آخر؛ ضرورة أنّه لو كان

الأمر كما تحرّر، للزم كون المشتري منكراً في سائر الصور؛ و لو كان مدعياً بحسب الصورة و الظاهر من الحال في طرح الدعوىٰ.

فكأنّ الشيخ (رحمه اللّٰه) يتوجّه إلىٰ فساد هذه الأُصول، و إنّما يريد بذلك توجيه مقالته (رحمه اللّٰه). فما أفاده الوالد المحقّق- مدّ ظلّه حول كلّ واحد من الأُصول من الإشكالات «3»، و ذكر بعضها المحشّي العلّامة (رحمه اللّٰه) «4» كلّ في غير

______________________________

(1) مختلف الشيعة: 371/ السطر 30.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263/ السطر 14.

(3) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 93 94.

(4) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 117/ السطر 25.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 219

محلّه؛ ضرورة أنّ فساد الأصل الثاني ممّا ليس يخفىٰ على مثله (قدّس سرّه).

و ما أشرنا إليه من الأصل الحكميّ، أسلم من تلك الأُصول الثلاثة، بل البراءة عن وجوب الوفاء بالعقد الكلّي، كافية لحال العقد الموجود.

نعم، لا يثبت به الخيار و حقّ الفسخ، إلّا أنّه لكونه موافقاً لإنكار المشتري، يجوز للحاكم فصل الخصومة، فتأمّل.

فرع: حول صدق الإنكار عند سكوت البائع أو ادعائه لعدم العلم

لو ادعى المشتري مثلًا العيب، و سكت البائع، أو قال: «لا أدري شيئاً» فهل يرجع إلىٰ القاضي؛ لأجل أنّه منكر، و لا يعتبر في إنكاره إظهار الإنكار، بل نفس كون الدعوىٰ علىٰ خلاف الأصل يوجب كونه منكراً؟

أم لا بدّ من الإنكار و الإظهار؛ لأنّ الأصحاب (رحمهم اللّٰه) قالوا في تعريفه: «من كان قوله مطابقاً للأصل فهو منكر» فلا بدّ من وجود القول. و هو ظاهر بعض الأخبار الناطقة بأنّ «اليمين علىٰ من أنكر» «1» و السكوت و إعلام الجهالة لا يدرجه في المنكر، فلا يرجع في هذه الصورة إلىٰ القاضي؛

______________________________

(1) أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث فدك إنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال.

و قد قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): البيّنة على من ادّعى و اليمين على من أنكر.

تفسير القمّي 2: 156، علل الشرائع: 190/ 1، وسائل الشيعة 27: 292، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم و أحكام الدعوى، الباب 25، الحديث 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 220

و لا يترتّب علىٰ دعواه شي ء، و يجوز للبائع التصرّف في العوض؛ لو كان شخصيّاً؛ بناءً على المنع عن التصرّف في أيّام الادعاء و المراجعة إلىٰ القاضي؟

و ربّما كان منشأ ذهابهم إلىٰ أنّ تشخيص المدّعى عن المنكر بالأصل؛ لأجل أنّ الميزان كون الطرف مدّعى عليه؛ سواء كان منكراً لغة و عرفاً، أم لا، و هذا هو قضيّة أكثر أخبار المسألة.

و لو كان السكوت موجباً لعدم صلاحيّة الدعوىٰ للطرح، للزم تضييع الحقوق الكثيرة؛ لجواز سكوت المنكر فراراً من الحلف، و نظراً إلىٰ ما أُشير إليه فالأظهر بحسب القواعد صلاحية مجرّد الدعوىٰ لاستماع القاضي إلىٰ البيّنة.

نعم، لو لم تكن بيّنة للمدّعي، ففي توجّه الحلف إلىٰ المدّعىٰ عليه في صورة عدم الإنكار و السكوت، أو إظهار عدم الاطلاع علىٰ زمان حدوث العيب، إشكال، و نحتاج إلىٰ التدبّر في مسائل القضاء، فراجع هناك، و قد أشرنا إلىٰ منشأ الشبهة.

و ربّما يقال: إنّه في صورة جهالة البائع بما يدّعيه المشتري، يكفي استناده إلىٰ الأُصول المخالفة لدعواه موضوعيّة، أو حكميّة؟! و ذلك لأنّ دعوى المشتري العيب، إمّا تكون في محيط يجري الأصل الموضوعيّ علىٰ خلافه، فإنكاره لأجل ذلك الأصل جائز؛ لأنّه من آثار الأصل المزبور.

و لو لم يكن يجري الأصل، أو كان مثبتاً غير حجّة، فالإنكار جائز؛ لانحلال دعواه إلى اشتغال ذمّة البائع بالأرش، أو ادعاء الخيار.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1،

ص: 221

و لو نوقش في استصحاب نفي الخيار كما عرفت وجهه فلا طريق له إلّا دعوى انحلال دعواه الخيار، فإذا فسخ العقد يدّعي حرمة تصرّفه في العوض الشخصيّ، أو اشتغال ذمّته بالثمن، فينكر عليه حسب الأصل الحكميّ.

و أمّا توهّم استلزام جواز نفي اشتغال الذمّة حسب الأصل النافي الحكميّ لجواز نفي الطرف الآخر؛ و هو الخيار، لامتناع بقاء الخيار بدون حقّ الأرش من قِبَل الشرع؛ لأنّ التخيير بينهما أمر وحدانيّ، فنفي أحدهما يستلزم نفي الآخر، فهو فاسد كما ترى.

و فيه: أنّ مقتضى اعتبار تطابق الدعوىٰ و الإنكار؛ عدم كفاية إنكار الأمر الراجع إلىٰ دعوى المدّعى، و قضيّة انحلال الدعوىٰ إلى الدعاوي، غير مسموع؛ لأنّ الانحلال المذكور غير عرفي، و ربّما يكون المدّعى متوجّهاً إلىٰ أطراف القضيّة؛ ليجعل المنكر في الضيق و الأزمة، حتّى لا يتمكّن من الحلف مثلًا.

هذا، و في جواز الاتكاء على الأُصول لترتيب الآثار غير العمليّة و منها الإخبار و الإنكار إشكال حتّى في الاستصحاب، مثلًا استصحاب طهارة الماء لا يقتضي إلّا ترتيب آثارها العمليّة، كقاعدتها، و أمّا الإخبار عن طهارة الشي ء فهو ليس من الآثار العمليّة، إلّا إذا أُجري الأصل في نفسه.

و لكنّ الذي هو الحقّ: جواز ذلك في مورد الاستصحاب؛ لما تحرّر

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 222

عندنا من أنّه ليس إلّا تعبّداً بإطالة عمر اليقين و بقائه «1»؛ أو تعبّداً باليقين المماثل لليقين السابق في جميع الآثار، و لذلك تكون مثبتاته حجّة عندنا.

و يشهد لذلك ما ورد من جواز الشهادة علىٰ طبقه. و قد تحرّر منّا «2» جواز قيامه مقام القطع الصفتيّ، مع أنّ سائر الأمارات لا تقوم مقامه، و علىٰ هذا يجوز الإنكار علىٰ طبقه.

إشكالات على كلام الشيخ الأعظم (قدّس سرّه)

و ممّا

ذكرناه يظهر حكم ما في كلام الشيخ (قدّس سرّه) من قوله: «و لو لم يختبر؛ ففي جواز الاستناد في ذلك.» إلىٰ قوله: «فافهم» «3».

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 8: 314، 351 352.

(2) تحريرات في الأُصول 6: 147.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263/ السطر 19 27، «و لو لم يختبر، ففي جواز الاستناد في ذلك إلى أصالة عدمه إذا شكّ في ذلك وجه احتمله في جامع المقاصد و حكي عن جماعة كما يحلف على طهارة المبيع استناداً إلى الأصل و يمكن الفرق بين الطهارة و بين ما نحن فيه بأنّ المراد بالطهارة في استعمال المتشرّعة ما يعمّ غير معلوم النجاسة لا الطاهر الواقعي كما أنّ المراد بالملكيّة و الزوجيّة ما استند إلى سبب شرعيّ ظاهريّ كما تدلّ عليه رواية جعفر الواردة في جواز الحلف على ملكيّة ما أخذ من يد المسلمين، و في التذكرة بعد ما حكى عن بعض الشافعيّة جواز الاعتماد على أصالة السلامة في هذه الصورة، قال و عندي فيه نظر، أقربه الاكتفاء بالحلف على نفي العلم و استحسنه في المسالك قال لاعتضاده بأصالة عدم التقدّم فيحتاج المشتري إلى إثباته و قد سبقه إلى ذلك في الميسيّة و تبعه في الرياض. أقول: إن كان مراده الاكتفاء بالحلف على نفي العلم في إسقاط أصل الدعوى بحيث لا يسمع البيّنة بعد ذلك ففيه إشكال، نعم لو أُريد سقوط الدعوى إلى أن تقوم البيّنة فله وجه و إن استقرب في مفتاح الكرامة أن لا يكتفي بذلك منه فيردّ الحاكم اليمين على المشتري فيحلف و هذا أوفق بالقواعد. ثمّ الظاهر من عبارة التذكرة اختصاص يمين نفي العلم على القول به بما إذا لم يختبر البائع المبيع بل عن الرياض لزوم

الحلف مع الاختبار على البتّ قولًا واحداً لكن الظاهر أنّ المفروض في التذكرة صورة الحاجة إلى يمين نفي العلم إذ مع الاختبار يتمكّن من الحلف على البتّ فلا حاجة إلى عنوان مسألة اليمين على نفي العلم لا أنّ اليمين على نفي العلم لا يكفي من البائع مع الاختبار فافهم.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 223

فإنّ هناك مواضع للنظر:

منها: أنّ الاختبار غير لازم في الشبهات الموضوعيّة، و لا دليل على اختصاص باب الدعاوي بوجوبه.

و منها: أنّ أصالة عدم تقدّم العيب، لا تثمر شيئاً؛ حتّى يصحّ الاعتماد عليها، كما مرّ.

و منها: أنّ الحلف علىٰ طهارة البيع، أجنبيّ عن البحث؛ ضرورة جواز الحلف عليه بعد اعتبار الشرع طهارة المشكوك، و لا يريد الحالف إلّا ما جعله الشرع على المشكوك من الطهارة.

و أمّا استصحاب العدم المذكور؛ فلا يكفي إلّا للحلف علىٰ عنوان العدم، لا تقدّم القبض، و لا أثر لعدم تقدّم العيب المحلوف عليه، و لا يكفي الاستصحاب المذكور لجواز الحلف علىٰ تقدّم القبض الذي هو

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 224

موضوع الأثر أحياناً.

و منها: أنّه لا فرق بين استصحاب الطهارة و قاعدتها و بين سائر الموارد؛ ضرورة أنّ الجزم المنطقيّ غير معتبر قطعاً، و يكفي التجزّم الحاصل بكلّ واحد من الأُصول المعتبرة.

و أمّا دعوى المشتري نجاسة المبيع، فربّما هي مستندة أيضاً إلىٰ الأصل، أو تكون مستندة إلىٰ الأمارة، فلا حكم إلّا بالنجاسة المنجّزة، و إذا أنكر البائع نجاسته بقاعدة الطهارة و استصحابها فينكر التنجّس المنجّز، فيكون بين الادعاء و الإنكار تطابق في الحقيقة، فما أفاده الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «1» مخدوش، فليلاحظ.

و منها: أنّ الاكتفاء بالحلف علىٰ نفي العلم، غير مقصود؛ بعد كون البائع غير

وارد في محطّ الدعوىٰ، و لا يعدّ منكراً عند إظهاره عدم الاطلاع أو السكوت، و لو كان نفس ذلك كافياً لعدّه منكراً، فيجوز له الحلف حسب الظاهر على بطلان الدعوىٰ، فالحلف علىٰ عدم الحلف، حلف على الأمر الأجنبيّ من مورد الادعاء و الإنكار.

و منها: أنّ الدعوىٰ تكون ساقطة إلىٰ حصول البيّنة، و لا أثر قبل قيام البيّنة بمجرّد الدعوىٰ حسب الظاهر، و لو كان مورد الدعوىٰ ممنوع التصرّف حتّى لذي اليد، فلا معنىٰ لكون الحلف على الأمر الأجنبيّ موجباً لسقوطها، و قد مرّ أنّ الجزم غير لازم حتّى يلزم الاختبار، و التجزّم

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 96 97.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 225

كافٍ حتّى في مثل قاعدة الحلّ «1» و الطهارة «2». و لعلّ قوله (رحمه اللّٰه): «فافهم» إشارة إلىٰ جميع ما أُفيد.

رجع:

و الذي هو الإنصاف: أنّ المسألة تحتاج إلىٰ مزيد تدبّر في مسائل القضاء، و لا ينبغي الغور فيها، و لذلك تركنا مسألة إقامة المنكر البيّنة و أنّه هل يحقّ له ذلك أم لا، و علىٰ تقدير كونه ذا حقّ هل تعارض بيّنة المدعي، أم لا؟

و قد تعرّض السيّد للمسألة في «الحاشية» علىٰ إجمالها، و أوكل الأمر إلىٰ محلّه «3»؛ لكونها خلافيّة قولًا، و اختلافيّة روايةً، و مشكلة جدّاً، و إن كان الأظهر بحسب بادي النظر عجالة أنّه مع إمكان قيام البيّنة للمدّعي، لا يليق للمنكر و لا يحقّ له إقامة البيّنة، و عند فقد بيّنة المدّعى؛ يجوز ترك الحلف بإقامة البيّنة، و الأحوط ضمّ الحلف إليها، فتأمّل.

______________________________

(1) أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: كلّ شي ء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه.

الكافي 5:

313/ 40، وسائل الشيعة 17: 89، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 4.

(2) كلّ شي ء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر.

المقنع: 15، مستدرك الوسائل 2: 583، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات و الأواني، الباب 30، الحديث 4، وسائل الشيعة 3: 467، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 4.

(3) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 92/ السطر 4 و ما بعده.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 226

الجهة الرابعة في موارد الاختلاف في العيب على الوجوه المذكورة
اشارة

إذا كان طرف البيع و الشراء وكيل المالكين، فهل يجوز لهما طرح الدعوىٰ، و هل يسمع القاضي قولهما و بيّنة المدّعى و حلف المنكر، أم لا؟

و علىٰ تقدير عدم جواز الطرح، و عدمِ صحّة دعواهما، فهل يترتّب علىٰ إقرارهما شي ء تفصل به الخصومة و لا يحتاج إلىٰ الأصل، أم لا؟

و علىٰ تقدير نفوذ إقرار الوكيل بشي ء، فهل يعارضه إنكار الموكّل حتّى تتكثّر الدعوىٰ، أو ينقلب و تسقط دعوى الوكيل؛ و أنّه يعتبر فرضاً إقراره عند عدم معارضة الموكّل، و أمّا في صورة المعارضة تبطل وكالته، و يصير أجنبيّا بتاتاً؟

و على تقدير جواز استماع دعوى الوكيل، فهل يسمع الاختلاف بين الموكّل و الوكيل، العائد نفع إقرار الوكيل إلىٰ كيس الطرف، أم لا؛ لأنّ هذه الدعوىٰ من قبيل الدعاوي التي لا أثر لها، و يعدّ الوكيل في حكم الشاهد الواحد للطرف؟

وجوه من البحث، و تحقيقه و تفصيله في محلّه- إن شاء اللّٰه تعالىٰ و إجماله يقع في طيّ أُمور

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 227

الأمر الأوّل حكم سماع القاضي لدعوى الوكيلين

في جواز طرح الدعوىٰ و نفوذها، و لزوم تدخّل القاضي في ذلك، وجهان:

من أنّهما قد بطلت وكالتهما، فهما بعد العمل بمورد الوكالة كالأجنبيّ بالنسبة إلىٰ الادعاء.

و من أنّ من الممكن أن يكون الوكيل المفروض أوّلًا، مطلق العنان من قبل الموكّل، و يعدّ وكيلًا مفوّضاً، كما مرّ في خيار المجلس، و الحيوان، و الغبن «1»، فعندئذٍ لا يصير أجنبيّا. بل إذا كانت الدعوىٰ منه علىٰ مورد تحت سلطنته أو إنكاره في ذلك المورد، لا يجوز للقاضي السؤال عن حاله؛ من كونه وكيلًا أو مالكاً، فإنّ ذات الاستيلاء يكفي لجواز استماع دعواه؛ سواء كان مدّعياً، أو منكراً. و قد مرّ أنّه ربّما

يكون ذو اليد مدّعياً؛ لأنّ تشخيص المدّعى من المنكر بيد العرف، و لا أصل لمراجعة القواعد و الأُصول في ذلك؛ ضرورة أنّ جميع العناوين الواردة في الكتاب و السنّة، موكولة إلىٰ العرف في التمييز و التشخيص، و كون المرجع أمراً آخر يحتاج إلىٰ الدليل الخاصّ. هذا أوّلًا.

و ثانياً: إنّ الوكيل الأجنبيّ عن التصرّف بعد فساد وكالته بمضيّ

______________________________

(1) هذه المباحث من كتاب الخيارات مفقودة.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 228

زمانه، و تماميّة أمره لا يعدّ أجنبيّا بالنسبة إلىٰ عصر الوكالة.

و فيه: أنّه إن كان برضا المالك، فيكون وكيلًا في الدعوىٰ، و هو ممّا لا بأس به، و إلّا فلا تسمع دعواه بعد نفي المالك دخالته في الأمر.

فبالجملة: النفي المطلق و الإثبات المطلق، غير صحيح، و الأوسط هو الحدّ الوسط، و التفصيل هو المعتمد.

و لعلّ النفي في كلام الشيخ «1» و غيره «2» من بطلان الوكالة، و لزوم الردّ إلىٰ الموكّل، ناظر إلىٰ الوكالة الخاصّة، لا المطلقة، فيكون مصبّ الفرض أخصّ، و تحشية المحشّين في غير محلّها.

و بالجملة: في الصورة الاولىٰ يكون الدليل بالخيار، و إليه يردّ الأرش، بل لا تسمع دعوى الموكّل إلّا برجوع ذلك إلىٰ إبطال الوكالة؛ لأنّه في حكم الأجنبيّ، فلو كان الوكيل مفوّضاً بوكالة لازمة فلا تبطل بها، و لا تسمع دعواه، فتأمّل.

و ممّا أُشير إليه يظهر وجه الكلام في قول الشيخ: «لو اختلف الموكّل و المشتري» «3».

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263/ السطر 27.

(2) جامع المقاصد 4: 358، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 93/ السطر 15.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263/ السطر 28.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 229

الأمر الثاني في موارد بطلان الوكالة و بعد مضيّ عمل الوكيل

لو اختلف الموكّل و المشتري في إحدى الصور المشار إليها في أصل

المسألة، فلا ريب في سماع الدعوىٰ، و إنّما هنا بحث في أنّ اعتراف الوكيل في مورد الوكالة و إقرارَه علىٰ خلاف الموكّل، نافذ يوجب حلّ الدعوىٰ شرعاً، أم لا؟ وجهان:

من أنّ مقتضى قاعدة «من ملك شيئاً ملك الإقرار به» «1» سماع إقرار الوكيل بالنسبة إلىٰ مورد سلطنته؛ و هو بيع السلعة، و أنّه أمين يقبل قوله.

و من أنّ كلّ ذلك يصحّ في صورة بقاء وكالته، و إلّا فهو خارج عن مورد القاعدة، و عن مصبّ أدلّة نفوذ إقراره لأمانه الوكيل.

فعلى ذلك، لو كان الوكيل مفوّضاً فالأقرب اعتبار إقراره؛ لأنّه ليس أجنبيّا، بناءً علىٰ أنّ قاعدة «من ملك شيئاً.» تشمل أمثال الاستيلاء غير المالكيّ، أو لأنّه من قبيل الإقرار علىٰ نفسه عند العقلاء، لأنّه بعد كونه مورد الائتمان عرفاً و شرعاً، يعدّ ذلك من الإقرار علىٰ نفسه، و لا يعتبر في ذلك الضرر المالكيّ، بل يكفي الضرر الحاليّ؛ ضرورة أنّه يتضرّر به من الجهات الأُخر التي ربّما تكون أهمّ من الأموال بأضعاف، كما لا يخفىٰ.

______________________________

(1) لاحظ حول القاعدة، المكاسب: 368، القواعد الفقهيّة 1: 4.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 230

و علىٰ هذا، يظهر ما في كلام الشيخ و المحشّين (رحمهم اللّٰه) «1» و ما في «حاشية العلّامة الأصفهاني» من ملاحظة الجهة الماليّة و الغرامة في اعتبار إقراره «2»، غير تامّ، و ليس مستند اعتبار إقراره إخباراً بيّنة الوكيل، بل المستند اعتراف العقلاء علىٰ أنفسهم.

هذا مع أنّ اعترافه بذلك لو كان عن خيانة توجب تضرّر الموكّل، فهو مدفوع بأنّه أمين لا يريد ضرر الموكّل، فلاحظ.

فبالجملة: يجوز في هذه الصورة إحلاف الموكّل، و أمّا في مورد البحث و هو بطلان الوكالة فلا أثر يترتّب عليه؛ حتّى إذا

تمكّن من إقامة البيّنة، ليس له التدخّل في ذلك حسب الظاهر، فقول الشيخ (رحمه اللّٰه): «و لم يتمكّن الوكيل من إقامة البيّنة» «3» يناقض فرض كونه أجنبيّا بطلت وكالته، و لو كان وكيلًا مفوّضاً فيقبل منه جميع ما هو من شؤون البيع، كما عرفت، فليتأمّل جيّداً.

ثمّ إنّ جهالة المشتري بالوكالة، لا توجب شيئاً في محطّ البحث؛ بعد عدم كونه وكيلًا واقعاً حين الادّعاء.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263/ السطر 29، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 93/ السطر 18.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 118/ السطر 22.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263/ السطر 29.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 231

الأمر الثالث حكم اختلاف الوكيل و الموكّل في سبق العيب على العقد

في موارد اختلاف الوكيل و الموكّل في السبق مثلًا، فيكون الوكيل مدّعياً للسبق، و عندئذٍ يثبت للمشتري الخيار، و ينكر عليه الموكّل، فهل لا تسمع دعوى الوكيل بتوهّم: أنّه أجنبيّ باطلة وكالته، أم مجرّد الأجنبيّة غير كافية لعدم السماع بعد كونه ذا نفع بدفع الغرامة عن نفسه؛ و لو نوقش في ذلك: بأنّ الغرامة لا تتوجّه بعد انعزاله عن الوكالة، بل مطلقاً؛ لأنّه أمين حتّى لو صار معيباً في يده؟

نعم، إذا قصّر في تعيّبه فله دعوى عدم السبق لدفع الغرامة.

و علىٰ كلّ تقديرٍ: يكون ما هو الأظهر جواز ادعاء السبق، أو إنكاره؛ نظراً إلىٰ بعض الأغراض الراجعة إليه غير الماليّة.

و يظهر من الشيخ (رحمه اللّٰه) صحّة الدعوىٰ بين الوكيل و الموكّل، حيث قال: «للوكيل إحلاف الموكّل علىٰ عدم السبق؛ لأنّه لو اعترف نفع الوكيل بدفع الظلامة عنه، فله عليه مع إنكاره اليمين» «1» انتهىٰ.

و لعلّ نظره إلىٰ الظلامة غير المظلمة الماليّة؛ و إن كان الأظهر إرادة الظلامة الماليّة و الحقّ، كما يظهر من ذيل كلامه.

و علىٰ كلّ

تقديرٍ: لو كان في الدعوىٰ أثر اجتماعيّ و وجاهة، تسمع

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263/ السطر 30.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 232

و لو كان مورد الدعوىٰ مال الغير، فلو ادعى الوكيل سبق العيب، و أنكره المالك، فإنّه و لو كان يستلزم أحياناً سقوط وكالته و بطلان سلطنته، يحلف.

و لو انعكس الأمر يحلف البائع؛ حسبما تحرّر. و في صورة التداعي يعامل في حقّهما أحكام التداعي المحرّرة في محلّها.

و بناءً علىٰ صحّة الدعوىٰ، لو ردّ اليمين إلىٰ الوكيل، فحلف على السبق، ألزم الموكّل؛ لأنّه خاصّة فصل الخصومة قهراً.

و لو ادعى الوكيل السبق، و لم يتمكّن من إقامة البيّنة، و حلف الموكّل، فإن كان المشتري راضياً بدعواه، فيلزم البيع بلا أرشٍ، و إلّا ففي سقوط دعوى المشتري بسقوط دعوى الوكيل، إشكال بل منع. و يلزم تكرّر الدعوىٰ من غير كفاية الاولىٰ عنها.

نعم، ربّما يستلزم سقوط الدعوى الثانية الموجودة بين الموكّل و المشتري، سقوطَ الأُولىٰ؛ لأجل انتفاء الموضوع كما لا يخفى.

و بالجملة: تحصّل في هذه الجهة مضافاً إلىٰ إمكان استماع دعوى الوكيل؛ لأنّه ذا نفع في تلك الدعوىٰ-: أنّ اختلاف الوكيل و الموكّل أيضاً ممكن؛ و إن لم يكن الوكيل باقياً علىٰ وكالته، و يلزم من فصل الخصومة بنفعه، ثبوت الخيار و الأرش للمشتري، و تمام الكلام في محلّه. و قد أُشير في كلام الشيخ (رحمه اللّٰه) إلىٰ بعض المباحث الأُخر الراجعة حقيقتها إلىٰ بحوث القضاء، فالإيكال إليه أولىٰ.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 233

الجهة الخامسة في اختلافهما في السلعة
اشارة

بعد اعترافهما في أنّها مورد العقد، و هي المبتاعة.

و الكلام هنا يتمّ في طيّ أُمور:

الأمر الأوّل في صور الاختلاف

قد يكون الاختلاف فيها لأجل الاختلاف في خياريّة العقد؛ و أنّ المشتري له الخيار و عدمه؛ ضرورة أنّه لو كانت السلعة التي ادعى المشتري أنّها سلعة البائع و متاعه، هي واقعاً سلعته، للزم كونه ذا خيار؛ لأنّها معيوبة، فحينئذٍ يكون للدعوىٰ مصبّ؛ و هي أنّ هذه السلعة الشخصيّة هي المبتاعة، و لها مرجع و مآل؛ و هو ثبوت الخيار، أو بعض الأحكام الأُخر.

و البائع عند هذه الدعوىٰ تارة: ينكر مقالة المشتري.

و أُخرى: يدّعي ضدّ مقالته.

و هو تارة: يكون دعوى أنّ سلعته المبتاعة تلك السلعة الصحيحة، مريداً به لزوم العقد.

و أُخرى: يدعي لزوم العقد بالنظر إلىٰ مآل دعوى المشتري؛

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 234

فإنّه و إن لم يكن تطابق بحسب الصورة بين الدعويين، إلّا أنّه لا يلزم التطابق في صورة التداعي؛ بعد كون الدعويين مرتبطتين.

بل ربّما يكون نفي خيار المشتري في قبال دعواه السلعة، من الإنكار، دون الادعاء؛ لأنّ إنكار المقصود بالأصالة في دعوى السلعة، يوجب التطابق اللازم في المسألة؛ لما لا دليل علىٰ أكثر من ذلك في شرطيّة المطابقة، كما لا يخفىٰ.

و أُخرى: يتّفقان علىٰ أصل العقد و خياريّته؛ لاعتراف البائع بعيب المتاع و السلعة، أو اعتراف المشتري بعيب العوض؛ كلّيّاً كان، أو شخصيّاً؛ لتعيّنه بالقبض، إلّا أنّ المشتري يردّ السلعة مريداً به حلّ العقد، و البائع ينكر كونها هي المبتاعة؛ مريداً به بقاء العقد و لو كان خياريّاً، أو شيئاً آخر، كإرادته أنّه زيّد العيب و هي تحت يده، و يكون مضموناً في تلك الزيادة، أو يدعي أنّ العقد باقٍ نظراً إلى ما قصده كما أُشير إليه،

و لا يعتبر- كما مرّ التطابق زائداً عليه؛ بعد كون الدعوىٰ ذات أثر، و قابلة للسماع عند القاضي، و تفصل الخصومة بحلفه علىٰ بقاء العقد.

نعم، في صورة دعوى زيادة العيب، يحصل التداعيان المرتبطان نتيجة، كما لا يخفى.

و ثالثة: يختلفان فيما لا يرجع إلى العقد حلّاً و بقاءً، و لا إلىٰ دعوى الخيار و عدمها، كما إذا اتفقا علىٰ أصل الخيار و حلّه بالقول، أو بإرادة ردّ المتاع المبتاع؛ لأنّها تكفي لسقوط الخيار و الحلّ؛ أي كما أنّ إرادة بيع السلعة مع الالتفات، تكفي لسقوط الخيار و إن لم يتّفق البيع و التصرّف، كذلك إرادة الردّ تكفي لحلّ العقد؛ و أنّه بها يحصل إنشاء

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 235

الحلّ، و لا يعتبر قبول البائع مثلًا في انحلاله.

و بالجملة: اختلفا في أنّ السلعة تلك المبتاعة، و أنكرها البائع، أو ادعىٰ أنّها تلك السلعة. و لا مآل لهذه الدعوىٰ بالنسبة إلى العقد.

نعم، لها المآل بالنسبة إلىٰ ازدياد العيب المضمون على المشتري؛ فإنّه عندئذٍ يجوز أن يدّعي بعد دعوى أنّها سلعته-: أنّ المشتري ضامن نظراً إلىٰ زيادة العيب تحت يده و سلطانه.

و غير خفيّ: أنّ إنكار البائع تارة: يكون لأجل أنّ ما يردّه المشتري غير ما باعه شخصيّاً.

و أُخرى: يكون لأجل حصول التغيير إلىٰ حدّ يصحّ له إنكار أنّه ليس هو.

الأمر الثاني كون الاختلاف في السلعة من موارد التداعي

مقتضىٰ ما تحرّر منّا؛ أنّه لا شبهة في موارد المدّعى و المنكر و التداعي، و لا عبرة بالمآل و المرجع في الدعوىٰ، و إنّما اختلف الأصحاب أحياناً في المنكر و المدّعي؛ لاختلافهم في طرق تشخيصهما، و الأُصول المعتمد عليها، و المراجع إليها.

و حيث إنّك قد علمت: أنّ الأمر بيد العرف، و يكون الميزان علىٰ مصبّ

الدعوىٰ، و يكفي التطابق في السبب و المسبّب، يكون في كثير من الموارد المشتري مدّعياً، و البائع منكراً و لو كانت السلعة معيبة و هي

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 236

بعدُ عند البائع، و لم يردّ المشتري ثمنه إلى البائع، فإنّ له فسخ العقد حسب اعتقاده و يدّعي البائع عليه؛ إلّا أنّه فيما نحن فيه غير تامّ؛ لأنّ جميع صور المسألة بعد القبض و الإقباض و في الموارد التي أُشير إليها، يلزم كونها من التداعي.

و أمّا الاعتماد على الأُصول الصحيحة الجارية في مقام الإفتاء و العمل، فهو ممّا لا بأس به، دون مقام القضاء و فصل الخصومات.

مثلًا: في مورد دعوى المشتري في مقام نفي الضمان بالنسبة إلى العيب الزائد، تكون قضيّة العرف إقامة البيّنة عليه؛ إذا كان يطرح الدعوىٰ علىٰ أنّ هذه السلعة سلعته، و لكنّه بحسب الأصل بري ء الذمّة؛ لأنّ الأصل عدم اشتغال ذمّته بالزيادة المدّعاة، فافهم و لا تغفل.

الأمر الثالث جولة حول الأُصول العقلائيّة و الشرعيّة

المتمسّك بها في كلام القوم، ناظرين بها إلىٰ تمييز المنكر من المدّعى.

مثلًا: في «التذكرة» «1» و «الدروس» «2» و «الجامع المقاصد» «3»: أنّه يقدّم قول البائع في الفرض الأوّل؛ لأصالة عدم حقّ للمشتري على

______________________________

(1) لاحظ تذكرة الفقهاء 1: 541/ السطر 28.

(2) لاحظ الدروس الشرعيّة 3: 289.

(3) لاحظ جامع المقاصد 4: 362.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 237

البائع، و لأصالة عدم كونها سلعته «1».

و قيل: و لأصالة عدم تعلّق العقد بما يردّ به، كما في كلام الشيخ «2»، أو أصالة عدم معرضيّة هذه السلعة للبيع.

و ربّما يقال: إنّه في الفرض الأوّل حيث يريد التعيّب، يكون مقتضى الأصل العقلائيّ الموضوعيّ، سلامةَ المبيع و السلعة، فلا تصل النوبة إلى الأُصول الموضوعيّة الشرعيّة، و

لا إلىٰ أصالة اللزوم، و عدم الخيار، و عدم نفوذ الفسخ، و بقاء العقد؛ لتقدّمها عليها.

و فيه: أنّ أصالة السلامة مورد الاتكاء؛ إذا كان حين العقد مشكوك العيب، فيرفع بها الغرر مثلًا، و أمّا رفع الخيار بها فهو غير صحيح؛ لأنّ حدوث العيب قبل القبض يوجب الخيار، و لا أصل في هذه الحالة. و ليس بناء العقلاء علىٰ بقاء السلامة إلىٰ حال القبض، أو إلىٰ بعد مضيّ زمان الخيار المضمون.

و أمّا استصحاب عدم التغيير، أو بقاء السلامة موضوعاً، أو استصحاب عدم حدوث موجب الخيار، فيجري لو كانت أصالة السلامة كافية عن اليقين المعتبر فيه، كما ليس ببعيد.

و لو نوقش في الأُصول المذكورة، فأصالة بقاء ملكيّة كلّ من العوضين علىٰ حالها، و البراءة عن حرمة التصرّف، و أصالة حلّية كلّ

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 264/ السطر 4، فإنّه لم يوجد الدليل في المصادر الثلاثة السابقة.

(2) نفس المصدر/ السطر 8.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 238

من التصرّفات الخارجيّة و الاعتباريّة جارية، و تصير النتيجة: توقّف الخروج عن مقتضىٰ هذه الأُصول علىٰ قيام البيّنة حسب دعوى البائع؛ فإنّها إذا حصلت فلا محلّ لها. بل لا يبعد ذلك من غير التوقّف علىٰ حكم الحاكم.

نعم، فيما إذا كانت الأمارة معارضة مع تلك البيّنة، فلا يبطل محلّها إلّا بالحكم، كما لا يخفى.

مثلًا تارة: يكون المنكر ذا اليد؛ و تقوم البيّنة علىٰ أنّ ما في يده لزيد، فإنّه تقع المعارضة، و تفصل الخصومة بالحكم.

و أُخرى: يكون مقتضى الأصل أنّ زيداً منكر، و قامت البيّنة علىٰ خلافه، فإنّ تصرّف زيد يصير ممنوعاً، و أمّا وجوب رفع اليد عنه، و التسليم إلى المدّعى؛ فلا يبعد أن يكون بعد الحكم، و المسألة تطلب

من محلّها.

و يناقش في جميع الأُصول الوجوديّة و العدميّة و الموضوعيّة و الحكميّة؛ من ناحية أنّها دائرة بين اللاجريان و المثبتيّة؛ و بين عدم كونها قابلة لتمييز المنكر من المدّعى بها فيما هو مفروض البحث و المقصود في المقام.

مثلًا: أصالة عدم حقّ للمشتري على البائع لا معنى لها؛ لأنّه لا شكّ في عدم الحقّ، فإنّ الخيار حقّ متعلّق بالعقد، و ليس لذي الخيار حقّ على الطرف لينتفي بالأصل.

و أمّا نفي حقّ الأرش فهو غير بعيد؛ إلّا أنّه خارج عن محطّ بحثهم ظاهراً. مع أنّه ليس حسبما تحرّر أمراً وضعيّاً، بل الأظهر وجوب جبران

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 239

النقص من غير كونه ديناً في الذمّة؛ لقصور دليله عن إثبات الأزيد منه.

و أمّا أصالة عدم كونها سلعته فكما في «حاشية العلّامة الخراساني (رحمه اللّٰه)» «1»: لا حالة سابقة لها؛ لأنّ السلعة هي المتاع الموصوف بالمبيعيّة.

و الحقّ: جريان استصحاب عدم كون المتاع الموجود ملكاً للبائع؛ حتّى ينتقل إلىٰ المشتري، و هكذا مع وصف المبيعيّة.

نعم، مجرّد نفي كونه متاعه و سلعته، لا يلازم شرعاً نفي خيار المشتري؛ ضرورة أنّ موضوع الخيار هي السلعة التي بها عيب و عَوار، و مع احتمال كونه معيباً من الابتداء، لا يمكن إثبات العدم النعتيّ باستصحاب العدم المحموليّ.

و غير خفيّ: أنّه لا حاجة في ظرف اليقين إلىٰ وجود الأثر، بل يكفي ذلك في ظرف الشكّ، فالعدم المحموليّ لو كان في ظرف الشكّ صاحب الأثر يستصحب، إلّا أنّه لا يجري بالنسبة إلىٰ شخص المتاع؛ لما مرّ من أنّه لا يستحقّ الإشارة إليه في ظرف الشكّ باستمرار ذلك العدم، كما لا يخفىٰ.

و من هنا يظهر وجه أصل الشيخ (رحمه اللّٰه) لأنّ استصحاب عدم

تعلّق العقد بالسلعة، أو أصالة عدم كون السلعة هي التي وقع العقد عليها «2»، ممّا لا بأس به، إلّا أنّه أجنبيّ عن هذه السلعة.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 228.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 264/ السطر 8.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 240

و لا يتوجّه إليه: أنّه لا أثر للعدم المذكور؛ لما عرفت.

و لا يتوجّه إليه أيضاً: أنّه لأعلم بالعدم النعتيّ؛ لأنّ نفس نفي الموضوع المقيّد بالعدم المحموليّ كافٍ لنفي الحكم عن الموضوع المقيّد.

فما أورده الوالد المحقّق «1» مدّ ظلّه من الإشكالين نوعاً في هذه المواقف، مدفوع.

نعم، الإشكال الوحيد ما أُشير إليه؛ ضرورة امتناع الإشارة إلىٰ الخارج لسلب العدم، إلّا العدم الخاصّ، و استصحاب العدم المطلق، لا يفيد العدم الخاصّ، فتأمّل.

و من الغريب التمسُّك باستصحاب عدم المعرضيّة!! غفلة عن أنّ المعرضيّة ليست موضوعاً لأثر حتّى يسلب الأثر بسلب موضوعه.

و أمّا الأُصول الحكميّة، فقد أشرنا إلىٰ منع جريانها في ذاتها، و تفصيله في الأُصول «2».

و استصحاب بقاء القصد، غير نافع بالنسبة إلىٰ مورد الدعوىٰ، و يكون كاستصحاب الملكيّة و بقاء العين تحت سلطنة مالكها.

و ممّا ليس يخفىٰ: أنّ استصحاب عدم التغيير لا أثر له؛ لما لا يكون الحكم مترتّباً على التغيير.

و هكذا استصحاب بقاء السلامة، و كأنّ جماعة منهم يرتضون في

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 100.

(2) لاحظ تحريرات في الأُصول 8: 525 و ما بعدها.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 241

جريانه بيقين و شكّ؛ من غير مراعاة أمر ثالث، و من الغريب وقوع ذلك في كلام الشيخ الأعظم (قدّس سرّه)!! و من هنا يظهر: أنّ استصحاب المالكيّة ليس جريانه واضحاً؛ لعدم أخذ عنوانه في الدليل.

نعم، استصحاب بقاء كونه ماله لتنقيح موضوع قاعدة السلطنة

ممّا لا بأس به، إلّا أنّها قاعدة غير ثابتة شرعيّتها. هذا مع ما أُشير إليه من عدم كفايتها للتمييز المنكر من المدّعى في مصبّ الدعوىٰ.

و من هنا يظهر حال سائر الأُصول الشرعيّة. و ممّا ذكرنا يظهر حال الأُصول في سائر الفروض.

و أمّا قضيّة أصالة عدم خيانة المشتري، المستلزمة لتقديم قول المشتري، كما حكى عن الفخر (رحمه اللّٰه) «1» فالظاهر أنّه لم يرد منه الاستصحاب؛ لعدم كون الخيانة موضوعة للأثر في المعاملة، و صحّتها، و لزومها. و لا يريد منه حمل فعل المسلم علىٰ أحسنه «2»؛ حتّى يقال: إنّ ردّه يحمل على الأحسن، فيكون في محلّه، فإنّه أيضاً أجنبيّ عن أخبارها.

فيبقى كونه من باب الأمانة، و لا يكفي كونه شبيه الأمانة؛ لأنّ

______________________________

(1) إيضاح الفوائد 1: 499.

(2) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) في كلام له: ضع أمر أخيك على أحسنه حتّى يأتيك ما يغلبك منه، و لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً و أنت تجد لها في الخير محملًا.

الكافي 2: 362/ 3، وسائل الشيعة 12: 302، كتاب ل الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 161، الحديث 3.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 242

الشباهة غير كافية، كما وقع في كلام الفقيه اليزدي (رحمه اللّٰه) «1».

و لا يتوجّه إليه: أنّه ملك المشتري؛ فلا معنى للأمانة؛ كما أورده الوالد المحقّق «2» مدّ ظلّه و ذلك لأنّ مجرّد إرادة الردّ يوجب الفسخ؛ من غير الحاجة إلىٰ قبول البائع، فتصير يده بعد تلك الإرادة يد أمانة شرعيّة.

و من الغريب ما في كلام العلّامة المحشّي «3»: من أنّه صاحب الولاية على العين المشتراة شرعاً!! و أنّى له ذلك بعد كونه مالكاً لها ملكاً مرسلًا

طلقاً؛ حتّى تشمله النصوص الناهضة على المنع عن اتهامه «4»؟! و مجرّد كونه موضوعاً لجواز الردّ لا يكفي لكونه أمانة، كما لا يخفىٰ.

و أمّا التمسّك بقاعدة «من ملك شيئاً» «5» فهو في غير محلّه؛ لأنّه نافذ بالنسبة إلى الإقرار الخاصّ؛ لا كل إقرار يرجع نفعه إليه، كما نحن فيه.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 93/ السطر 37.

(2) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 102.

(3) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 119/ السطر 7.

(4) عن جعفر بن محمّد، عن أبيه (عليهما السّلام) أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال: ليس لك أن تتّهم من قد ائتمنته، و لا تأتمن الخائن و قد جرّبته.

قرب الإسناد: 41، وسائل الشيعة 19: 81، كتاب الوديعة، الباب 5، الحديث 10، و أيضاً الحديث 9.

(5) لاحظ حول القاعدة، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263/ السطر 28، القواعد الفقهيّة 1: 4.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 243

فما هو الوجه الوحيد هو أنّه كما أُشير إليه بمجرّد إرادة ردّ العين يوجب انفساخ العقد قهراً، و تصير العين تحت سلطانه شرعاً، و تكون له الولاية.

إلّا أنّ ذلك لا يكفي لحلّ المشكلة في محلّ الدعوىٰ، إلّا برجوع الدعوىٰ إلى الدعوى الأُخرىٰ؛ و أنّ مرجع الاختلاف في السلعة و عدمها، إلىٰ الخيانة و عدمها؛ و قد مضى بطلان الرجوع بما لا مزيد عليه.

هذا مع أنّ قضيّة دعوى البائع خيانته؛ عدم انفساخ العقد؛ لأنّها تستلزم عدم إرادته فسخ العقد بها؛ ضرورة أنّ العقد ينفسخ بها إذا كان المشتري مريداً ردّ السلعة المبتاعة واقعاً، فمن صحّة دعوى البائع يلزم عدم صحّتها، فاغتنم.

المقام الثاني في اختلافهما في المسبّب؛ و هو الخيار
اشارة

و لا يلزم أن يكون مدّعي الخيار المشتري دائماً؛ لاحتمال كون البائع مدّعيه، لما فيه

الأثر المقصود، و لعلمه بأنّ المشتري إذا كان بالخيار، ينفسخ العقد.

فعلى كلٍّ: المدار على العرف؛ و في الغالب القريب من الاتفاق هو المشتري؛ فالقول قول البائع المنكر.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 244

و أمّا موافقة قوله لأصالة اللزوم، و لأصل عدم الخيار، و عدم نفوذ فسخه، و لبقاء العقد و الملكيّة، و غير ذلك، فكلّه مضافاً إلىٰ عدم الحاجة إليه غير جارٍ إلّا استصحاب بقاء العقد، أو الاستصحاب الحكميّ الناشئ شكّه عن الشكّ في وجود العقد، و أمّا الناشئ عن إجمال الدليل و شبهه فلا، كما أُشير إليه، و تفصيله في الاستصحاب.

و غير خفيّ: أنّ المفروض اختلافهما في الخيار لأجل الشبهة الموضوعيّة، و أمّا الاختلاف لأجل الشبهة الحكميّة، ففي صحّة المراجعة إلى القاضي رأساً إشكال؛ و إن كان يظهر من بعضهم جوازه.

و بالجملة: علىٰ تقدير جوازه، فجريان الاستصحابات الحكميّة الكلّية ممنوع إلّا البراءة، و هي في محطّ القضاء لا تنفع شيئاً.

بقي شي ء حكم ادّعاء المشتري لتعيّب المبيع و ثبوت الخيار

إذا ادعى المشتري تعيّب المبيع منضمّاً إلىٰ أنّ له الخيار؛ كي تكون دعواه مركّبةً من السبب و المسبّب؛ أو مركّبةً من المسبّب المقيّد بالسبب فيطرح أنّه بالخيار لكون المتاع معيباً عكس الفرض الأوّل، فعلى ما مرّ لا يجوز للقاضي التصرّف في دعواه، و لا أصل يحرز به القيد؛ لأنّ أصالة عدم العيب و عدم الخيار و لو كانا جاريين، لا يثبت بهما المقيّد، و لا حالة سابقة للمقيّد بما هو مقيّد و لو انحلّت الدعوى

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 245

المذكورة إلى الدعويين أحياناً، و لكنّه انحلال لا يعتبر في محيط القضاء.

مع أنّه ربّما يدّعي: أنّ المتاع فيه العيب الموجب للخيار، في قبال بعض العيوب غير الموجبة له، فلا يكون معنى

حينئذٍ للانحلال، كما لا يخفىٰ.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 246

البحث الثاني الاختلاف فيما يرتبط بسقوط الخيار

اشارة

بمعنى إسقاط الخيار كما إذا ادعى البائع أنّ المشتري أسقط الخيار، أو بمعنى أنّه يدّعي سقوط خياره؛ لعدم ثبوته، فإنّه يعتبر من السقوط تسامحاً كما لو ادعى اشتراط سقوط خيار المجلس في ضمن العقد، فإنّه حينئذٍ لا يثبت حتّى يسقط، و لكنّه مع ذلك يعدّ من السقوط؛ لأنّ مقتضى الثبوت موجود، و أنّ السقوط يحتاج إلىٰ ضمّ خصوصيّة وجوديّة أو عدميّة إلى العقد، فلا تغفل.

و بالجملة: هنا صور:

الصورة الأولىٰ ادعاء علم المشتري بالعيب

بناءً علىٰ عدم ثبوت الخيار، أو سقوطه في صورة علم المشتري بالعيب حين العقد، كما كان يستظهر من معتبر زرارة «1» لو اختلفا فيه، فالمدّعي عندنا من يراجع القاضي و يطرح دعواه؛ سواء كان مورد الدعوىٰ علم المشتري بالعيب؛ حتّى لا يكون له الخيار، أو كان عدم

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 189.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 247

الخيار.

و كون مورد الدعوىٰ وجوديّاً أو عدميّاً، لا دخل له بحديث تشخيص المدّعى من المنكر، و ما اشتهر: من أنّ مقالة المدّعى وجوديّة، و المنكر عدميّة «1»؛ نظراً إلىٰ أنّ الوجود دائماً مسبوق بالعدم المخالف للأصل، غير تامّ كما مرّ.

ثمّ إنّ اختلاف الأعلام (رحمهم اللّٰه) في أنّ العلم الذي يدّعيه البائع للمشتري بالعيب، مانع عن الخيار؛ كما في كلام الفقيه اليزديّ «2»، أو عدم العلم شرط لثبوت الخيار و دخيل في المقتضي، كما في «حاشية العلّامة الأصفهاني (رحمه اللّٰه)» «3» لا ربط له بمسائل القضاء؛ ضرورة أنّ المسألة المطروحة عند القاضي، لا بدّ و أن تكون ذات أثر و لو بلوازمها؛ أو ملازماتها.

و كون الأصل مع منكر العلم لأنّه بإنكار المانع و التعبّد بعدمه، يثبت المدّعى؛ و هو البائع، و لا يكفي الأصل المذكور إذا كان عدم العلم قيداً

و شرطاً، إلّا على الأصل المثبت أيضاً أجنبيّ عن هذه المسألة و لو لم يكن مثبتاً، أو كان الأوّل مثبتاً دون الثاني؛ فإنّ التعبّد بعدم المانع في باب المعاملات مثبت؛ لما لا يستفاد منه ترتّب المقتضى على المتقضي، بخلاف التعبّد بعد وجود الموضوع للأثر لنفي الأثر.

______________________________

(1) لاحظ ملحقات العروة الوثقى 3: 35.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 94/ السطر 1.

(3) حاشية المكاسب، السيّد الأصفهاني 2: 120/ السطر 13.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 248

و الحقّ: أنّ الأصليين ممّا لا بأس بهما؛ لأنّ علىٰ تقدير فرض وجود المانع، يصحّ التعبّد بعدمه؛ لما فيه الأثر كما تحرّر، و هو يكفي لجريان الأصل. و هكذا الشكّ في كون المشتري جاهلًا؛ فإنّ المنفيّ بالأصل ليس جزء المقيّد، حتّى يشكل إثبات التقيّد به، بل الشكّ في حصول الجزء منشأ للشكّ في حصول الكلّ المسبوق بالعدم، و نفي الموضوع كلّه لنفي أثره جائز عندهم، فما أفاده الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «1» لا يخلو من إشكال.

نعم، لو كان الأثر للموضوع الخارجيّ المنعوت بالعدم النعتيّ، فاستصحاب العدم المحموليّ لا يثمر، كما تحرّر فيما سلف.

ثمّ إنّه في صورة كون الدعوىٰ عدم الخيار للمشتري، فتارة: يدّعي المشتري الخيار، فيكون التداعي.

و أُخرى: ينكر ذلك العدم؛ لأجل إثبات الخيار، و لا ترجع الدعوى المذكورة إلىٰ لزوم البيع.

و علىٰ كلّ: فإن قامت البيّنة علىٰ عدم الخيار فهو، و إلّا فيحلف علىٰ أنّ عدم الخيار ليس لي، و لازمه الخيار، و يكفي ذلك لصحّة الدعوىٰ و لثبوت الخيار، كما هو الواضح، فتأمّل.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 106.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 249

الصورة الثانية الاختلاف في زوال العيب قبل علم المشتري؛ أو بعده

و غير خفيّ: أنّ من شرائط صحّة المنازعة، كون الشبهة موضوعيّة، كما

أُشير إليه «1».

و أيضاً منها: كونها ذات أثر، فلو اختلفا في الزوال قبل العلم و بعده، و كان الخيار و الأرش مترتّبين علىٰ ظهور العيب، لا أثر لها؛ لأنّ الحكم من تبعات العيب المعلوم حين العقد، و هما متّفقان علىٰ جهالته حين العقد؛ حسب الظاهر.

نعم، لو أُريد من الاختلاف المذكور؛ الاختلاف في أنّه حين العقد كان عالماً، فزال العيب حين العلم، و ينكر عليه الطرف، فهو يرجع إلى النزاع الأوّل بصورة أُخرى، و هو ليس المراد هنا.

فالخلاف هنا بعد الاعتراف بأنّ وجود العيب، سبب لحدوث الحكم؛ سواء كان هو الخيار، أو الأرش؛ لكفاية أحدهما لصحّة الدعوىٰ، فإذا اعترفا بذلك فيصحّ النزاع فيما يوجب السقوط، بعد الاعتراف بمسقطيّة ما يتنازع فيه، كما إذا اختلفا في حصول الزوال بعد العلم، أو قبله، بعد الإقرار و الإذعان بأنّ الزوال قبل العلم يوجب السقوط، كما مرّ في البحوث السابقة.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 244.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 250

إلّا أنّك عرفت منّا: أنّ الزوال قبل الردّ و بعد الردّ موضوع للأثر، و لا مدخليّة للزوال قبل العلم و بعده، فطرح هذه الدعوىٰ عندنا غير مرضيّ. بل الظاهر أنّ الشيخ «1» تبعاً للعلّامة في موضع من «التذكرة» «2» اعترف بذلك، فكان ينبغي طرح هذه الصورة في اختلافهما في زوال العيب قبل الردّ و بعده؛ ضرورة أنّه موضوع للأثر؛ إمّا بدعوىٰ سقوط الخيار و الأرش معاً، كما اختاره بعضهم «3»، أو سقوط الخيار فقط، كما اختاره الشيخ «4»، أو الأرش فقط، كما هو الأقرب و الأشبه.

و غير خفيّ: أنّه ربّما تقع المنازعة في هذه المسألة لأجل الأثر، إلّا أنّ الأثر يختلف، و هو أيضاً كافٍ لصحّتها، مثلًا إذا ثبت تقدّم

زوال العيب على العلم، يسقط الخيار بعد ثبوته بوجوده الواقعيّ، و يدّعي الآخر تأخّره لإثبات الأرش فقط، دون الخيار، بناءً علىٰ أنّه لا يثبت في صورة العلم.

أو اختلفا في التقدّم و التأخّر بالنسبة إلى الردّ، مع اختلاف الأثر من حيث الخيار و الأرش، فيدّعي البائع زواله قبل العلم، فلا يكون له إلّا الخيار؛ لأنّ الأرش غير ثابت في هذه الصورة؛ لكونه علىٰ خلاف القواعد كما لا يخفىٰ، و يدّعي المشتري زواله بعد العلم، فلا يكون له إلّا الأرش.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 261/ السطر 4.

(2) تذكرة الفقهاء 1: 541/ السطر 22.

(3) نسب الشيخ الأنصاري إلى تذكرة الفقهاء، لاحظ المكاسب: 261/ السطر 4، تذكرة الفقهاء 1: 541/ السطر 20.

(4) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 261/ السطر 11.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 251

و ممّا أُشير إليه إلى هنا، يظهر مواضع ضعف وقعت في كلام الشيخ (رحمه اللّٰه) «1» و لا سيّما الفقيه اليزديّ «2»، و بالأخصّ العلّامة المحشي «3»، بل و الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «4».

إذا تبيّنت هذه الوجيزة، فالمدّعي و المنكر علىٰ ما أسّسناه من الواضح الغنيّ عن البيان، و عن إقامة البرهان.

و أمّا تشخيصهما حسب الأُصول الجارية، ففي صورة عدم كون الدعوىٰ حول عناوين التقدّم و التأخّر، بل كان المشتري يدّعي بقاء العيب، و البائع ينكره، فالأصل مع البائع، و لا بأس به و لو كان ما هو موضوع الأثر عنوان ما به العيب و العَوار، و مورد الدعوىٰ أنّ المتاع معيب، أو أنّ العيب باقٍ، كما لا يخفىٰ.

الصورة الثالثة الاختلاف في أنّ الزائل هو العيب القديم؛ أم هو الجديد

ضرورة أنّه لو كان قديماً يكون موجباً للأثر، و ذاك الأثر كما يمكن أن يكون بقاء الخيار و الأرش، أو أحدهما لأنّ ثبوت العيب يوجب ذلك، و

زواله لا يوجب شيئاً، إلّا أنّ حدوث العيب الجديد يمنع عن بقائه-

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 264/ السطر 19.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 94/ السطر 1 8.

(3) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 120/ السطر 18.

(4) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 106 107.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 252

يمكن أن يكون الأثر في دعوى زوال العيب القديم نفي الخيار، و أنّ زوال العيب الحادث لا يوجب شيئاً، و المخالف يريد إثبات الخيار أو الأرش.

فبالجملة: كما أُشير إليه يتصوّر هناك أيضاً صور كثيرة بالنسبة إلىٰ اختلافهما؛ مدّعياً، و منكراً، و مورداً، و بالنسبة إلى الأثر المتعدّد؛ و هو الخيار و الأرش، أو الواحد، أو كانا مختلفين من هذه الجهة أيضاً.

و ربّما لا يكون في دعوى أنّ الزائل هو العيب الجديد أثر، إلّا أنّها يلازمها ذو أثر؛ لأنّها تستلزم إنكار زوال القديم، فهل في هذه الصورة يسمع إلى الدعوىٰ، أم لا؟ وجهان:

أظهرهما الأوّل؛ لكفايته في لزوم تدخّل القاضي، بعد تقرّر التخاصم العقلائيّ الذي هو ذو الأثر و لو بلازمه؛ من غير لزوم إرجاع الادعاء إلى الإنكار، كما لا يخفى.

و غير خفيّ: أنّ المسألة ذات وجوه حسب المباني، كما أشير إليه في الصورة السابقة، و أشرنا آنفاً إلىٰ أنّه ربّما تختلف المباني؛ علىٰ حدّ تكون دعوى زوال العيب القديم موجبةً للخيار؛ لما لا يترتّب على العيب الجديد شي ء عند مدّعيه و لو كان الطرف حسب رأيه علىٰ عكس ذلك، فيقع القاضي في أمثال هذه المعارك في المشكلة و المعظلة؛ لاختلاف آثار دعواهما إلىٰ اختلاف نظريّة المتداعيين، و هذا ممّا قد غفل عنه كلام المتأخّرين هنا، كما هو الظاهر.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 253

الصورة الرابعة ما لو كانا مذعنين بالعيب الموجود، و العين تحت يد المشتري

فلو

اختلفا في عصر حدوثه؛ فيدّعي البائع حدوثه في يده، و المشتري يدّعي حدوثه حين العقد فهو يرجع إلىٰ الصورة الأُولىٰ؛ و هو تعيّب المتاع حين العقد و عدمه، و يرجع إلىٰ الشكّ في الثبوت، إلّا أنّه بحسب الصورة غير الصورة الأُولىٰ؛ لمفروضيّة وجود العيب المشاهد.

و علىٰ كلّ تقديرٍ: يمكن دعوى أنّ الاختلاف المذكور، ناظر من ناحية البائع إلىٰ نفي الخيار بسقوطه؛ لأنّ حصول العيب تحت يد المشتري، تغيّر في المتاع؛ و هو يمنع الردّ، و من ناحية المشتري إلىٰ بقائه، فيكون البائع مدّعياً، و المشتري منكراً.

و في نفس هذه الصورة له طرح الدعوىٰ؛ على وجه يرجع إلىٰ عدم ثبوت الخيار فيكون بحسب الأصل منكراً؛ و لو كان بحسب العرف مدّعياً، و العبرة بالثاني، كما عرفت.

و ربّما يحتال المدّعى بحسب الواقع؛ و هو المشتري، لادعائه بقاء الخيار؛ علىٰ وجه يرجع البائع إلىٰ القاضي بدعوىٰ إنكار بقاء خياره، فيكون حسب العرف هو المدّعى و لو كان هو منكراً بمقتضىٰ أصالة بقاء سبب الخيار، أو ذاته، و علىٰ هذا الوجه يختلفان في السقوط، لا الثبوت. و البحثُ هنا حول صور ثبوت الخيار، خروجٌ عن محطّ الكلام.

ثمّ إنّ البائع و المشتري في صورة التداعي أو الادعاء و الإنكار،

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 254

يتوافق قول كلّ منهما مع الأصل، مثلًا مقتضىٰ أصالة السلامة كون المتاع سليماً، فيكون العيب المشاهد بلا أثر، و الاستصحاب القهقرى العقلائيّ في أمثال المقام و لا سيّما مع معلوميّة عصر القبض يقتضي حدوث العيب قبل القبض، أو القرائن الخاصّة ربّما توجب كون الأصل حدوث العيب قبله؛ لظاهر الحال، فعلى ما تحرّر منّا من أنّ العبرة بالمدّعي و المنكر في مقام المراجعة إلىٰ القاضي، فلا

أثر لهذه الأُصول.

نعم، لها الآثار بالنسبة إلىٰ الأجنبيّ عن الدعوىٰ، غير المرجوعة إلىٰ القاضي، كما لا يخفىٰ.

و أمّا أصالة صحّة القبض؛ بمعنى أنّ كون المقبوض صحيحاً، فلا أصل لها، و لا بمعنىٰ أنّ القبض صحيح. مع أنّها لا تثبت كون العيب حدث بعد القبض إلّا على القول بحجّية الأُصول المثبتة العقلائيّة.

و غير خفيّ: أنّ المشتري ربّما يدّعي أنّ هذا العيب المشاهد، عبارة عن ذاك العيب حين العقد، فالأثر باقٍ، و البائع ينكر ذلك عليه؛ من غير أن يكون ناظراً إلىٰ حدوث العيب المشاهد في يده، فيكون التغيّر موجباً لسقوطه؛ لاحتمال قوله بأنّ مجرّد التغيّر لا يوجب السقوط، بل إحداث الحدث يوجبه، و المفروض خلافه.

و علىٰ هذا، ترجع الدعوىٰ إلىٰ السقوط. إلّا أنّ إنكار البائع كما يمكن أن يكون إقراراً بالعيب حين العقد؛ حتّى يثبت الخيار به، و هكذا الأرش يمكن أن يكون السلب التحصيليّ سلباً بانتفاء موضوعه، فينكر واقعاً أصل وجود العيب؛ لأنّ إنكار مقالته لا ينافي إنكار أصل العيب، فيرجع إلى الدعوىٰ في الثبوت، و هذا ممّا لا ينبغي أن يختفي على

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 255

القاضي العارف بالمسائل.

نعم، ربّما يكون سلباً عن الموضوع المفروض؛ لشهادة القرائن و الحال.

و علىٰ هذا، يقع البحث في أنّه يؤخذ بهذا الإقرار؛ لعدم ادعائه تغيّر المتاع عند المشتري، أو لا يعتمد علىٰ مثله؛ لأنّه ليس بإقرار صريح، أولا يسمع إلى الدعوىٰ المذكورة؛ لإجمالها، فلا بدّ من ترتيب حتّى يتبيّن الحال، و أنّه ينكر عليه و يريد لازمه الآخر؛ و هو حدوث العيب تحت يده، لا الإقرار بالعيب حين العقد فقط، أم يرجع ذلك إلىٰ إقرار من جهة، و ادعاء من اخرىٰ، وجوه لا تخفى.

الصورة الخامسة في اختلافهما في التبرّي

و

هذا تارة: يكون المتاع الموجود بين أيديهم معيباً.

و أُخرى: يكون صحيحاً.

ففي الفرض الأوّل، يكون مدّعي التبرّي مدّعي السقوط؛ لظهور الحال في ثبوت الخيار مع قطع النظر عن تبرّيه، فمنكر البراءة يحلف.

و لو رجع المشتري إلى القاضي و ادّعى الخيار، فعليه البيّنة، و لا ترجع دعواه عن مصبّها إلى المصبّ الآخر، كما صرّح به في غير موضع

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 256

صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) «1» و لكنّه خرج من البحث المخصوص بالسقوط، فلا تخلط.

و أمّا في الفرض الثاني، فإن كان المتاع في حال الدعوىٰ عند البائع، فلا أثر لهذه المخاصمة؛ لأنّه إمّا تبرّأ البائع فلا خيار للمشتري، و لو لم يتبرّأ و زال العيب قبل العلم و القبض فكذلك. بل و لو قلنا: بأنّه يورث سقوط الخيار قبل الردّ، فلا خيار أيضاً للمشتري؛ سواء تبرّأ أو لم يتبرّأ.

فإن كان النظر في الدعوى المذكورة إلى الخيار، فهذا حكمه.

و أمّا لو كان النظر إلى الأرش، و قلنا بأنّ العيب حين العقد يورث الأرش بوجوده الحدوثيّ كما هو ظاهر الشيخ (رحمه اللّٰه) «2» في محلّه، فادعاء التبرّي له الأثر؛ و هو عدم الأرش، و إنكاره يستلزم الأرش، و القول قول المنكر عرفاً، بل و أصلًا باستصحاب عدم التبرّي.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ المحموليّ منه بلا أثر، و النعتيّ منه بلا سابق، كما مرّ مراراً.

و غير خفي: أنّه لو كان الميزان علىٰ مرجع الدعوىٰ، فالاختلاف في التبرّي ينتج أنّ المشتري يدّعي الخيار، و أصالة اللزوم خصمه.

______________________________

(1) جواهر الكلام 23: 285 286.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 253/ السطر 28.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 257

الصورة السادسة ما لو اختلفا في شرط من شروط تأثير التبرّي
اشارة

بعد عدم كفاية مجرّد التبرّي علىٰ تقدير ثبوته لسقوط الخيار.

و ذلك كما

إذا اختلفا في سماع التبرّي، فيدّعي المشتري عدم السماع، أو اختلفا في صحّة القوّة السامعة، فيدّعي البائع صحّتها؛ نظراً إلىٰ نفي الخيار و الأرش، و ينكرها المشتري، فإنّه بعد ما عرفت الحال في سائر الصور، لا حاجة إلىٰ التكرار.

و غير خفي: أنّ ادعاء التبرّي ليس إقراراً بالعيب الموجب للخيار، كما أنّ ادعاء عدم السماع، ليس إقراراً بنداء التبرّي؛ و أنّ البائع نادى بذلك.

و علىٰ كل تقدير: قضيّة الأصل عدم سماع التبرّي، فلا يسقط الخيار فيما إذا ادعى البائع سماعه.

و أمّا إذا ادعى المشتري عدم السماع، و كان الميزان العرف في التشخيص، فلا عبرة بالأصل، فيحلف البائع، و يردّ إليه الثمن.

دلالة مكاتبة جعفر بن عيسىٰ
اشارة

و ربّما يشير إلىٰ هذه المسألة مكاتبة جعفر بن عيسىٰ قال: كتبت إلىٰ أبي الحسن (عليه السّلام): جعلت فداك، المتاع يباع فيمن يزيد، فينادي عليه

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 258

المنادي، فإذا نادى عليه برئ من كلّ عيب فيه، فإذا اشتراه المشتري و رضيه، و لم يبق إلّا نقده الثمن، فربّما زهد فيه، فإذا زهد فيه ادعى فيه عيوباً، و أنّه لم يعلم بها.

فيقول المنادي: قد برئت منها.

فيقول المشتري: لم أسمع البراءة منها.

أ يصدّق فلا يجب عليه الثمن، أم لا يصدّق، فيجب عليه الثمن؟

فكتب (عليه السّلام): «عليه الثمن» «1».

و ربّما كان ذلك إشعاراً بأنّ البائع يحلف؛ فإنّ العبرة بمصبّ الدعوىٰ، و هنا يكون المشتري مدعياً، و يكون القول قول البائع، و تكون الرواية شاهدة علىٰ مقالتنا. و الحكم الجزميّ بردّ الثمن إشعار بأنّ القول قول البائع، و عليه الإثبات و إقامة البيّنة، و لا يجوز له منع الثمن.

و لو كان المدار على المرجع، فربّما يختلف المرجع الأوّل و الثاني؛ فإنّ هنا يكون المرجع

الأوّل أصالة عدم السماع فيثبت له الخيار، و المرجع الثاني أصالة لزوم البيع فلا خيار له.

فمنه يعلم: أنّ القاضي ينظر إلى الدعوىٰ؛ فمن راجعه و طرحها يطلب منه البيّنة؛ سواء كانت مقالته معنى وجوديّاً، أو عدميّاً، كعدم

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 66/ 285، وسائل الشيعة 18: 111، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 8، الحديث 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 259

السماع في المقام.

و أمّا الاختلاف في سند الحديث، فهو كثير الذيل؛ لأنّ رواية الصفّار، عن محمّد بن عيسىٰ، عن جعفر بن عيسىٰ، محلّ إشكال من جهات:

لاختلاف محمّد بن عيسىٰ في هذه الطبقة؛ و إن كان الأظهر هنا هو اليقطينيّ ابن عُبيد.

و في جعفر بن عيسى بحث.

و كون الرواية معمولًا بها بوجه ينجبر ضعفها، أيضاً غير واضح، و لأجله استشكل أحياناً الأردبيليّ (رحمه اللّٰه) «1»، فيها و منعه الآخر «2».

و أمّا الاختلاف في فهم متنه، فربّما ينتهي إلىٰ عدم قرار معنى ظاهر، إلّا أنّه حيث تكون قضيّة فرضيّة، لا واقعيّة اتفاقيّة، و تكون من قبيل الاستفتاء، فربّما كان السائل يحتمل حجّية قول المشتري، فيكون المقصود ترتيب آثار الصحّة على الثمن غير المقبوض إذا كان معيّناً، فأُجيب بردّ الثمن إليه؛ لعدم الحجّية، و لزوم الوفاء بالعقد.

أو كان النظر إلىٰ أنّه لو انتقل الثمن إلى البائع، يجوز ترتيب الآثار علىٰ ذلك الثمن، أم لا؛ لاحتمال كونه مصدّق القول؟ و لكنّه بعيد؛ لقوله: «فيجب عليه الثمن»، فإنّه يعلم منه: أنّ نظر السائل إلىٰ حكم ردّ الثمن و عدمه، لا ترتيب الآثار بالنسبة إلىٰ نفس السائل؛ و هو جعفر

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 8: 437.

(2) الحدائق الناضرة 19: 92.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 260

بن عيسىٰ

حتّى تكون أجنبيّة عن مسائل القضاء.

و بالجملة: بناءً ما علىٰ احتملناه، لا تكون الرواية محتاجة إلىٰ توجيه «الحدائق» «1» الراجع إلىٰ معلوميّة كذب المشتري في دعواه، و لا إلىٰ توجيه الشيخ «2» الراجع إلىٰ أنّ ظاهر الحال يقتضي سماع المشتري، فيكون مدّعياً؛ لعدم الظهور بعد كون الأحداث حين النداء كثيرة، مع احتمال كونه ثقيل السمع، و ترك الاستفصال.

و أمّا المناقشة في حجّية هذا الظهور، فهي في غير محلّها، لا لأجل دلالة نفس الرواية علىٰ حجّيته، كما أفاده الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «3» لعدم الملازمة و جواز التفكيك، و الالتزام بكون الرواية علىٰ خلاف قواعد القضاء؛ لكثرة التخصيصات في الأحكام و القواعد الأوّلية، بل لأجل عدم الحاجة في تشخيص المدّعى و المنكر إلىٰ حجّية الظهور؛ لأنّ المنظور و ما هو المقصود هو العنوان عرفاً، و هو حاصل.

بقي شي ء: حول إشكال في مكاتبة جعفر بن عيسىٰ

قد استشكل في كلماتهم على الرواية: بأنّ الظاهر منها عدم اشتراط التبرّي في طيّ العقد في موارد المزايدة، و عندئذٍ لا يسقط الخيار، فلا

______________________________

(1) نفس المصدر.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 265/ السطر 5.

(3) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 111.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 261

يوجّه الحكم بردّ الثمن.

و من الغريب ذهاب السيّد الوالد «1» مدّ ظلّه إلىٰ أنّه لا حاجة إلى الاشتراط؛ لأنّ الحكم عقلائيّ، و قد كان بناؤهم علىٰ أنّ العيب سبب للخيار، و التبرّي يوجب قصور السببيّة. و حديث أصالة السلامة و الاشتراط الضمنيّ في ثبوت الخيار حتّى نحتاج إلى الاشتراط في السقوط ممّا لا أساس له!! و قد مرّ وجه عدم تماميّة مرامه؛ ضرورة أنّه لا يتصوّر حكم العقلاء بسببيّة العيب للخيار إلّا عقيب بناء منهم علىٰ سلامة الأمتعة، و قرارهم الطبيعيّ علىٰ مطلوبيّة

السالم، كما مرّ بتفصيلٍ. و أصالة السلامة أجنبيّة عن هذه المرحلة، بل هي أصل يشخّص الصغرىٰ؛ و أنّ هذا المتاع الخاصّ سالم إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

و أمّا قصّة براءة البائع، فهي توجب انقلاب ذاك البناء و المحيط في دائرة صغيرة؛ و هي دائرة بيع الأمتعة في المزايدة مثلًا، و يضمحلّ الأصل و البناء بعد ذاك النداء، من غير اعتبار اشتراط ذلك في ضمن العقد؛ حتّى نحتاج إلىٰ بعض المحتملات الواقعة في كلمات المحشّين و غيرهم، و قد فصّلنا حوله فيما سبق بما لا مزيد عليه.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 112.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 262

الصورة السابعة في موارد ادعاء البائع سقوط الخيار الملازم لإقراره بثبوته عرفاً

كما إذا ادعى أنّه أسقط خياره بعد العقد، أو اشترط عدم الخيار حين العقد، أو رضي و التزم به حين العقد، أو بعده، أو تصرّف بما يوجب السقوط أو أحدث ما يسقطه، أو تغيّر بما يوجب السقوط، أو غير ذلك، فالاستحلاف يتوجّه إلى المشتري.

إلّا أنّ للبائع أن يحاول مع المشتري خارج مجلس القضاء؛ علىٰ وجه تنقلب الدعوىٰ عند القاضي، فيدّعي الخيار، أو عدم الإسقاط، أو بقاءَ العين علىٰ حالها، و غير ذلك، فيستحلف البائع عندنا و لو كان بحسب المرجع الأصل مع المشتري، و الحجّة في بعض الصور العقلائيّة أيضاً معه زائداً على الاستصحاب.

و غير خفيّ: أنّ استصحاب العدم النعتيّ، جارٍ حتّى في صورة ادعائه الشرط في ضمن العقد؛ لأنّه أمر يحصل متأخّراً عنه زماناً، فتأمّل.

و يجوز المناقشة في جميع هذه الأُصول العدميّة النعتيّة؛ ضرورة أنّ إسقاط الخيار ليس موضوعاً لحكم، حتّى يكون استصحاب عدم الإسقاط كافياً و ما هو موضوع الحكم هو الخيار، بل هو نفس الاعتبار الوضعيّ، و المفروض أنّ مصبّ الخلاف هو السقوط

و الإسقاط.

نعم، إذا كان الرضا أو الالتزام بما هما موضوعاً فهو، و إلّا فلا.

و للمناقشة في موضوعيّتهما وجهٌ وجيه؛ لأنّ الظاهر أنّ الرضا

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 263

و الالتزام بما أنّهما ينافيان وجود الخيار و يزول بهما الخيار يعتبران، و لا دليل علىٰ أنّ الالتزام سبب.

نعم، في خصوص الرضا و لو ورد دليل «1»، إلّا أنّه لخصوص بعض الأبواب، فلا تغفل.

نعم، في موارد الاختلاف في الإحداث و التغيّر، يمكن تتميم الأصل، فافهم و تأمّل أيضاً.

و بالجملة: لا حاجة إلى الأُصول رأساً، كما مرّ.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 18: 13، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4، الحديث 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 264

البحث الثالث في موارد الخلاف في الفسخ

اشارة

و غير خفيّ: أنّ كلّاً من البائع و المشتري تصحّ له الدعوىٰ على الآخر؛ لفرض الأثر، مثلًا يدّعي البائع فسخه نظراً إلىٰ عدم ردّ الأرش؛ لما فيه من ثمرته، أو نظراً إلىٰ بعض الأغراض الأُخر الراجعة إلىٰ رجوع العين إلىٰ ملكه، كما يدّعي المشتري فسخه إلّا أنّه بالنسبة إلىٰ الزمان الأسبق؛ لأنّه إذا ثبت الفسخ السابق، يتعيّن على البائع خسارة حفظ متاعه عند المشتري، و علوفته مثلًا، أو يكون ناذراً لعدم الفسخ من الزمان الكذائيّ، فيدّعي الفسخ السابق عليه؛ لما لا يتمكن شرعاً من الفسخ بعد ذلك.

فبالجملة: دعوى كلّ واحد منهما، يجوز أن تكون ذات ثمرة تسمع عند القاضي.

و ربّما يدّعي المشتري عدم الفسخ؛ حسبما مرّ آنفاً من إمكان أن يحتال البائع في بيان الدعوىٰ، علىٰ وجه يدّعي المشتري عند القاضي، و تكون النتيجة عدم تعيّن الأرش.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 265

حكم ادعاء المشتري للفسخ و لا يريد الفسخ في زمان دعواه

منها: لو اختلفا في الفسخ، و كان المشتري يدّعيه، و لا ثمرة في زمان دعواه إلّا في موردين، و لا يريد إنشاءه في زمان الادعاء؛ إمّا لأجل نقض غرضه من الدعوىٰ، أو لأجل الحنث. و لو لم يكن له في دعواه الأثر، و كان له الإنشاء، فلا معنىٰ لدعواه، فما في كلام الشيخ «1» و «الدروس» «2» و بعض المحشّين «3»، غير مطابق لما وصل إلينا من البحث، و الأمر سهل، فعليه يحلف البائع.

مع أنّ الأصل مع المدّعى بالضرورة؛ لبقاء الخيار، و لعدم الفسخ؛ بناءً علىٰ كون استصحاب عدم فسخ الخيار مفيداً.

و لو ادعى البائع بقاء الخيار، يحصل التداعي.

ثمّ إنّ في دعواه الفسخ، و إقراره بالفسخ، و إخباره بأنّه فسخ فيما مضى؛ و إن كان إظهاراً لحلّ العقد، إلّا أنّه في

كفايته إشكال و لو كان إظهار الرضا و الالتزام، كافياً في سقوط الخيار فإنّ سقوط الخيار يعلّل بأخبار خيار الحيوان، المشتملة علىٰ أنّ الرضا يكفي لسقوط

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 265/ السطر 16.

(2) الدروس الشرعيّة 3: 286.

(3) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 95/ السطر 4، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 122/ السطر 5.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 266

الخيار «1»، بخلاف حلّ العقد، فالقياس مع الفارق، فلا تغفل.

فما في كلمات بعض المحشّين من انكشاف الحلّ بالإقرار «2»، غير تامّ. هذا مع أنّه لو كان تامّاً فهو هنا غير صحيح قطعاً؛ لأنّه يريد ضدّ هذا الكشف، ضرورة أنّه يريد الفسخ في الزمان السابق لمصالح فيه، و ربّما يكون نادماً بعد ذلك؛ لما في الفسخ من المنقصة عليه، كما قد يتّفق.

فعلى ما تحرّر و تقرّر، لا يبقى وجه لما في «الدروس» «3» علىٰ جميع الوجوه الممكنة، بل مقتضىٰ أصالة صحّة الدعوىٰ؛ عدم إمكان انكشاف الحلّ من الحين و لو أمكن استعمال الجمل التصديقيّة التي يكون الموضوع فيها خاصّاً في الأكثر من معنى واحد و لو كانا متقابلين، كالإخبار و الإنشاء. مع أنّ تقابلهما في رتبة الاستعمال، محلّ الكلام في غير المقام.

و من هنا يظهر: أنّ قياس ما نحن فيه بالطلاق و الرجوع «4»، أيضاً في غير محلّه.

كفاية ادعاء المشتري لسقوط خياره في حلّ العقد

نعم، لا منع من البحث الأجنبيّ عن المسألة: و هو أنّه لو ادعى

______________________________

(1) لاحظ وسائل الشيعة 18: 13، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4، الحديث 1.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 122/ السطر 7.

(3) الدروس الشرعيّة 3: 286.

(4) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 265/ السطر 17.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 267

المشتري سقوط خياره و إسقاطه، فهل يكفي

هذا لحلّ العقد؛ بعد ظهوره في الإخبار من غير النظر إلى المرافعة الراجعة إلىٰ طرح الدعوىٰ عند القاضي، أم لا؟ وجهان.

لا يبعد الأوّل؛ لأجل إعراضه عن الأخذ بالأرش، بعد العلم بأنّه إمّا لا يعرض عنه، أو يفسخ، و إلّا فمجرّد الرضا بالحلّ غير كافٍ و لو ينكشف ذلك بإخباره.

و أمّا إذا لم يحرز ظهور كلامه في الإخبار، بل كان من قبيل كلمة «يعيد» الواردة في كثير من الأخبار «1»، فلا منع عنه بالضرورة.

ادعاء المشتري للفسخ و كان الدعوى خارج زمان الخيار

و منها: لو ادعى الفسخ، و لم يكن زمان الدعوىٰ زمان الخيار، فهو بعينه ما مرّ؛ لأنّ في الفرض الأوّل و لو كان زمانها زمان الخيار، إلّا أنّه لو لوحظت الدعوىٰ بالنسبة إليه للزمت لغويّتها، و سقوط الادعاء عن صلاحية الاستماع، فمضيّ الزمان المذكور على الوجهين، و إلّا فالصورتان واحدة، فلا تغفل عمّا في كلام الأعلام، عليهم رضوان اللّٰه الملك العلّام.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 142، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 4، الحديث 1، و: 173، الباب 14، الحديث 9، و: 248، أبواب نواقض الوضوء، الباب 1، الحديث 9.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 268

بقي شي ء: ممانعة ادعاء الفسخ عن استحقاق الأرش

هل ادعاء الفسخ يمنع عن استحقاق الأرش؛ لأجل أنّه في صدقه لا يستحقّ، و لا معنىٰ لحمل كلامه على الكذب، و لا للتفكيك؛ للزوم العلم بمخالفة الواقع إمّا لمنعه عن الفسخ، أو لأخذه الأرش؟

أم لا؛ لإمكان التعبّد بالتفكيك، مع أنّ عدم حمل كلامه على الكذب، لا ينافي الكذب الثبوتيّ، مع احتمال كونه قاصداً لغرض في طرح دعواه، فلا يستكشف من ادعائه إعراضه عن حقّ الأرش؛ حتّى يحكم بثبوت الأرش له على البائع، و اشتغال ذمّته به.

و ربّما يقال: إنّ مقتضىٰ إطلاق ما في الأخبار من أنّ الحلف يذهب بحقّه أعمّ من الحقّ الذي هو مورد دعواه، و لازمه، و كان العقد باقياً حسب الحلف، فيمكن دعوى ثبوت الأرش حسب إطلاق دليله، و هذا الإطلاق أقوى من الإطلاق السابق المانع بلازمه عن الأرش، فلولا بعض الوجوه المشار إليه، كان تعيّن الأرش على البائع قطعيّاً.

و أمّا ما عن «الدروس» «1» فهو مبنيّ علىٰ ما أشرنا إليه؛ من رجوع خيار العيب إلىٰ خيار الغبن؛ لزيادة الثمن حسب الطبع عن القيمة السوقيّة، لكون

الصحيح أغلى من المعيب، فإذا فسخ المشتري بعد حلف البائع بعدم فسخه، فلا بحث.

و أمّا إذا لم يفسخ فيلزم اشتغال ذمّة البائع بالنسبة إلىٰ الأقلّ؛

______________________________

(1) الدروس الشرعيّة 3: 286.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 269

للعلم الإجماليّ الدائر بين الأقلّ و الأكثر، ضرورة أنّه يعلم إجمالًا: بأنّه إمّا مديون بمقدار الأرش، أو مقدار زيادة الثمن، فإن اتفقا فهو، و إن اختلفا فيؤخذ بالأقلّ المتيقّن بينهما.

و هذا من غير فرق بين كون الأرش غرامة، أو ديناً؛ ضرورة أنّه عند الطلب يجب عليه إمّا أداء عشرين ديناراً، أو عشرة، و القدر المتيقّن هي العشرة. فما في كلام العلّامة المحشي (رحمه اللّٰه) «1» في غير محلّه، فلا يعتبر في إيجاب الأداء بالأقلّ، اشتغال ذمّته بالأرش.

نعم، بناءً علىٰ عدم وجوب أداء الأرش عند المطالبة، لأعلم إجماليّ، إلّا أنّه لا حاجة إليه بناءً علىٰ ما مرّ؛ لأنّ المعاملة غبنيّة، و له الرجوع إليه لأجل الغبن، كما مرّ تفصيله و ما حوله من (إن قلت قلتات).

و لو قيل: له الفسخ فقط في خيار الغبن.

قلنا: قد ذكرنا أنّ في صورة جبران الغبن لا يثبت خيار الفسخ؛ لإطلاق وجوب الوفاء بالعقد، و القدر المتيقّن من المقيّد تلك الصورة.

نعم بناءً علىٰ ما احتملناه من أنّ البيع الغبنيّ غير نافذ، و لا يصح إلّا إذا لحقته الإجازة، فلا محطّ لإيجاب الوفاء؛ لأنّ دليل فساده أقوى، كما إذا كان البيع عن إكراه.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 122/ السطر 16.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 270

الاختلاف في وقوع الفسخ فوراً

و منها: أنّه بناءً علىٰ كون الخيار فوريّاً، إذا اختلفا في أنّ الفسخ وقع في الوقت الأوّل، فيكون مؤثراً، أم في الوقت الثاني، فلا يؤثّر، فهل القول قول البائع،

أم المشتري، أو يختلف كيفيّة طرح الدعوىٰ، و ربّما يحصل التداعي؟ وجوه.

و الذي ينبغي الإشارة إليه حتّى يتبيّن مواضع الخلل في كلام القوم: هو أنّ الموضوعات العقلائيّة التي أمضاها الشرع، يشكل إجراء الأصل الصحيح الشرعيّ فيها؛ لما لا تكون معلومة، فإنّه لا يكون معلوماً مثلًا أنّ الشرع اعتبر أنّ الفسخ في أوّل الوقت معتبر و نافذ، أو اعتبر أنّ الفسخ في زمان لا يخلّ بالفوريّة نافذ، أو أنّ ذا الخيار فسخه نافذ إذا وقع فوراً، أو أنّه لا يؤثّر الفسخ إذا كان متأخّراً، أو الفسخ المتأخّر عن الوقت الأوّل غير مؤثّر، أو غير ذلك من الاحتمالات التي ربّما تبلغ إلى الأزيد من مئات.

و لا دليل شرعيّ في أمثال هذه المقامات وارد على الموضوع المبيّن، حتّى يحرز بالأصل الوجوديّ، أو العدميّ.

و قد تحرّر منّا في العامّ و الخاصّ: أنّ الخاصّ بعد ما لم يكن موجباً لتعنون العامّ، لا يمكن إجراء الأُصول في الأعدام الأزليّة؛ لأنّ المدار علىٰ ما هو الموضوع إثباتا، لا ثبوتاً و لبّاً.

فعلى هذا البحث عن الأُصول الجارية هنا، من البحوث غير

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 271

الصحيحة، فيرجع الكلام إلىٰ تشخيص المدّعى من المنكر بحسب الأُصول العقلائيّة، و الأمارات، و التشخيصات العرفيّة حسب كيفيّة طرح الدعوىٰ.

نعم، ربّما يتخيّل أنّه في موارد دعوى الفسخ، قضيّة أصالة الصحّة وقوعه في عصر الخيار، فيكون مثلًا في أوّل الوقت، و لكنّه غير ثابت أصلُ جريانه في خصوص المسألة، و لا سيّما بعد معارضته بالدعوىٰ، و لا أقلّ من الشكّ. و في إمكان إثبات وقوعه في أوّل الوقت بها إشكال آخر؛ بناءً على الحاجة إلى الإثبات المذكور.

الاختلاف في الجهل بالخيار و فوريّته

و منها: اختلافهما في الجهل و العلم بالخيار، أو

بفوريّته، فيسمع قوله إن احتمل في حقّه الجهل؛ للأصل.

و غير خفيّ: أنّ دعوى الجهل بالخيار ليست ذات أثر؛ لأنّه لو كان عالماً بالخيار، و كان الخيار مبنيّاً على التراخي، لا يترتّب على الدعوى المذكورة أثر ظاهر، فبين الاختلاف في الجهل و العلم بالخيار و الفوريّة ارتباط، و تكون العبارة «واواً» عوض «أو» أي اختلفا في العلم و الجهل بالخيار و بفوريّته في ضمن الادعاء الأوّل، فيدعي المشتري أنّه كان جاهلًا به و بفوريّته، و يكفي للأثر دعوى: أنّه جاهل بالفوريّة.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ العلم بالخيار شرط ثبوته، فلو كان جاهلًا بالخيار حين العقد، لا يثبت له الخيار بعد العقد، و يكون الجهل

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 272

بالفوريّة حين العقد، موجباً لتأخير الفوريّة إلىٰ زمان العلم بها، فإنّه حينئذٍ يكون النزاع مفيداً؛ سواء كان المدّعى بائعاً، أو مشترياً.

و أمّا الجولان حول الأُصول في هذه المسألة أيضاً مثل ما مرّ، فإنّها غير نافعة.

نعم، ربّما يقتضي الظاهر علمَ المدّعى الخلاف، و لكنّه غير مضرّ بما هو المقصود من «التشخيص» لأنّ المدار علىٰ مفهومهما العرفيّ، و لا يعتنىٰ بمثل هذه الظواهر، و كذا الأُصول في هذا المقام، كما عرفت.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 273

الجهة العاشرة في ماهيّة العيب و تعريفه عدم جواز تدخّل الفقيه في تعريف الموضوعات و تعيين المصاديق

اشارة

اعلم: أنّ من المحرّر عندنا في محلّه؛ ممنوعيّة الفقيه عن التدخّل في تعريف مفاهيم الموضوعات اللّاتي هي ذوات الأحكام؛ ضرورة عدم حجّية رأيهم في المسألة، فربّما يتوهّم المقلّدون لزوم الأخذ بحدودهم و تعييناتهم و تشخيصاتهم، مع أنّ تشخيصهم علىٰ خلاف ما رأوه.

نعم، لو كان يكفي إخبارهم حجّةً من غير حاجة إلىٰ الانضمام في الموضوعات؛ لكفاية العدل الواحد كان فيه الصواب؛ بشرط عدم اعتقاد المقلّد خلاف ما فهمه، و لذلك

ترى أنّ الأخبار و الشريعة ساكتة عن التدخّل في هذا الأمر، و أوكلت المسألة إليهم بحسب الطبع و العادة.

فما ترى في كتبهم و رسائلهم العمليّة من الدخول في صغريات

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 274

الكبريات الفقهيّة، غلط جدّاً، و خطأ سهواً، و إغراء بالجهالة أحياناً، فالبحث عن ماهيّة الحنطة و الشعير في الزكاة، و التمر و الزبيب، و العصير العنبيّ في الطهارة، و غير ذلك كالبحث عن ماهيّة العيب ممّا لا معنىٰ له، و ربّما لا ينتهي إلىٰ شي ء؛ لأنّ كثيراً من تعاريفهم منقوضة بما لا يمكن الالتزام به حتّى في تعاريف ماهيّات العقود و الإيقاعات، و ماهيّة الحكم و الإنشاء و الوضع و التكليف، فيراجعون محيطهم عند الابتلاء علىٰ خلاف ما أتوا به حدّا و رسماً؛ لعدم جواز تجاوزهم عن فهم العرف إلىٰ حدودهم المعيّنة حسب تخيّلاتهم، فيخطّئون أنفسهم، و يتّبعون الأسواق رغم أنفهم، كما ترى كثيراً.

نعم، لو ثبت في الشريعة المتّبعة تعريف شي ء من الموضوعات المعبّر عنه ب «الموضوعات المستنبطة» فإن كان ذلك محمولًا على التعريف بحسب المنطقة و المحيط، من غير التزام صاحب الشريعة به في جميع الأعصار و الأمصار، فالغور فيه لنا أيضاً ممنوع؛ لما لا فائدة فيه بعد مضيّ تلك الأحيان و الأزمان.

و لو كان يستفاد منه تدخّل الشرع علىٰ رغم فهم العرف برفض مرامهم كما هو بعيد جدّاً فالمتّبع هو الشرع، و لا يكون العرف حجّة بالضرورة.

إذا تبيّن ذلك، فالبحث هنا يقع فيما ورد عن الشرع في تعريف «العيب» و أنّه هل هو صادر واقعاً، أم لا؟

و علىٰ تقدير ثبوت صدوره، فهل يردع العقلاء و العرف، أم لا يأتي بشي ء جديد؟

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 275

و علىٰ تقدير كونه جديداً، فهل هو باعتبار المحيط و المنطقة؛ بأن يحمل علىٰ أنّه جديد في عصرنا، و يصدّقه العرف في عصر الرواية؟

حديث ابن أبي ليلىٰ

اشارة

فبالجملة: في «الكافي» عن الحسين بن محمّد، عن السيّاري قال: روي عن ابن ابي ليلىٰ: أنّه قدم إليه رجل خصماً له، فقال: إنّ هذا باعني هذه الجارية، فلم أجد علىٰ رَكَبها حين كشفتها شعراً، و زعمك أنّه لم يكن لها قطّ.

قال: فقال لي ابن أبي ليلىٰ: إنّ الناس يحتالون لهذا بالحيل حتّى يذهبوا به، فما الذي كرهت؟! قال: أيّها القاضي، إن كان عيباً فاقض لي به.

قال: اصبر حتّى أخرج إليك؛ فإنّي أجد أذى في بطني.

ثمّ دخل و خرج من باب آخر، فأتىٰ محمّد بن مسلم الثقفيّ، فقال له: أيّ شي ء تروون عن أبي جعفر (عليه السّلام)، في المرأة لا يكون على رَكَبها شعر، أ يكون ذلك عيباً؟

فقال له محمّد بن مسلم: أمّا هذا نصّاً فلا أعرفه، و لكن حدّثني أبو جعفر (عليه السّلام) عن أبيه، عن آبائه، عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أنّه قال: «كُلّ ما كان في أصل الخلقة، فزاد أو نقص فهو عيب».

فقال له ابن أبي ليلىٰ: حسبك، ثمّ رجع إلىٰ القوم، فقضى لهم

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 276

بالعيب «1».

بحث في سند الحديث

و ربّما يظهر انجبار ضعفه بالشهرة العمليّة، كما في «حاشية الفقيه اليزدي (رحمه اللّٰه)» «2» و ذلك لاشتمال كثير من المتون عليه.

و نوقش فيه أوّلًا: بأنّ في جمع من المتون تعابير أُخر.

و ثانياً: لا يثبت به الاستناد اللازم في الانجبار.

و ثالثاً: بأنّ من الممكن تصديقهم للخبر؛ لأجل فهمهم منه ما يفهمه العرف في عصرهم، فلا يثبت به تعبّدهم بالرواية، حتّى يخرج من الضعف.

هذا مع أنّه ربّما يناقش في المتن: بأنّ قوله: «كلّ ما كان.» إلىٰ آخره، مغشوش لا ينبغي عنه (صلّى اللّٰه عليه و آله و

سلّم) الذي هو «أفصح مَن نطَق بالضّاد» «3» و إمكان تصحيحه بوجهٍ لا ينافي استبعاده عن حضرته (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و من المحتمل أن تكون النسخة «كلّ ما كوّن» من التكوين «في أصل الخلقة» علىٰ وجه معلوم عند العامّة «فزاد عليها أو نقص عنها فهو عيب»، أي معيب.

مع أنّ مفهوم «الخلقة» يختصّ بالطبائع، فلا يشمل سائر السلع.

______________________________

(1) الكافي 5: 215/ 12.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 98/ السطر 2 3.

(3) لم نعثر على هذا التعبير في المجامع الروائية، انظر بحار الأنوار 17: 158/ 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 277

و بعبارة اخرىٰ: السلعة لها الهيئة الطبيعيّة و الوحدة الواقعيّة كسلعات الحيوان، و النبات، و الجمادات، و لها الهيئة التأليفيّة كالدار و أمثالها، و لها الهيئة الاعتباريّة كالعامّ المجموعيّ، و فيها العيب، و لها الخيار بالضرورة.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ قضيّة التعريف المذكور، تورث إلغاء الخصوصيّة عند العرف.

حول مفاد الحديث

ثمّ إنّ احتمال كونها بصدد تحديد العيب تعبّداً بعيد. و حمل مفاد الحديث علىٰ أنّ ما كان عيباً في منطقة الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فهو عيب على الإطلاق زماناً و مكاناً، أبعد، و غير معمول به. مع اختلاف البلدان و الأزمان، في تشخيص العيوب.

و توهّم: أنّ المنظور في الحديث، إفادة أنّ ما هو السبب للخيار و الأرش، هو العيب الخاصّ، في غير محلّه. و مجرّد إمكان الأخذ به غير كافٍ؛ بعد قصور سنده كما أُشير إليه.

فعلى هذا، لا وجه لتدخّل الفقهاء في تعريف العيب و تشخيصه، و إنّما الأمر موكول إلىٰ محيط التجارة و المعاملات، و تشخيص العرف في تلك المنطقة و ذلك المحور.

و من الغريب إعادة الكلام حول

بعض أحكام المسألة في هذا الفصل!! و قد مرّ منّا في السابق: أنّ ما هو الموجب للخيار، هو العيب

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 278

الملازم للنقص الماليّ.

و بعبارة اخرىٰ: قد عرفت منّا أنّ خيار العيب في وجهٍ هو خيار الغبن، إلّا أنّ له أحكاماً خاصّة.

و ما قد يقال: من أنّ نفس كون السلعة معيبةً، موجب للخيار بما هو هو، من اللجاج جدّاً، و إن شئت توضيحه فراجع.

و ممّا ذكرنا يظهر: أنّ إطالة الكلام في المقام، من اللغو المنهيّ، و ادعاء الإجماعات في مواضع من «التذكرة» «1» علىٰ عدّ أُمورٍ من العيب، لا ترجع إلىٰ حجّة شرعيّة كما هو الواضح.

فتحصّل لحدّ الآن: أنّ المرجع فيما هو العيب، هو العرف في منطقة المعاملات؛ سواء كان ذلك، من جهة زيادة كمّية، أو نقيصة، و سواء كانت الزيادة ترجع إلىٰ النقيصة الخلقيّة، أم لم ترجع؛ فإنّ مبادئ اختلاف مصاديقه كثيرة جدّاً.

تذنيب: حول أحداث السنة في غير الرقيق و الإماء

لا خلاف بينهم ظاهراً في أنّ أحداث السنة من عيوب الرقيق و الإماء، و لا توجب خياراً في غيرهما من الأمتعة، فلو كان في الحيوان تلك الأمراض الخاصّة كالبرص، و الجذام، و القرن، و الجنون بعد مضيّ

______________________________

(1) فقال مثلًا-: الجذام و البرص و العمى و العور و العرج و القرن و الفتق و الرتق و القرع و الصمم و الخرس عيوب إجماعاً و كذا أنواع المرض.، تذكرة الفقهاء 1: 540/ السطر 8.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 279

الثلاثة، فلا يردّ المبيع.

و في نفسي شي ء؛ لعدم ثبوت الاختصاص من متون الأخبار، بعد كونهما موجبتين، ففيها ما يتذكّر مصبّها، و ما لا يتذكّر، بل يكون السؤال عن الأحداث و عددها، و لو لا اتفاقهم في فهم

الاختصاص كان للتجاوز وجه. إلّا أنّ القول بثبوت الخيار في الثلاثة، أيضاً خلاف القواعد، فضلًا عن السنة.

و غير خفيّ: أنّ الردّ في الثلاثة على الإطلاق؛ سواء ظهر عيب، أم لم يظهر؛ علىٰ ما مرّ تفصيله مع إشكالٍ مضى منّا، و أمّا في المقام فالردّ بعد ظهور تلك الأمراض الخاصّة، و مقتضى وحدة السرّ و النكتة؛ عدم الفرق أيضاً بين الحيوان و الإنسان من هذه الجهة. و كان ينبغي البحث حول ذلك في ذيل خيار الحيوان، و لعلّ اللّٰه يحدث للمتأخّرين بعد ذلك أمراً.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 281

الجهة الحادية عشرة في الأرش

اشارة

غير خفيّ: أنّ في جميع الأخبار الواردة في خيار العيب إلّا رواية واحدة أو روايتين، كرواية عبد الملك بن عمير (عمرو) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «1» و تأتي من ذي قبل إن شاء اللّٰه تعالىٰ لا يكون عنوان «الأرش» مورد الحكم، و موضوعاً لشي ء، و قد مرّ أنّ ما هو أساس بحث خيار العيب، خبرا زرارة «2»

______________________________

(1) جميل بن صالح، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: لا تردّ التي ليست بحبلىٰ إذا وطأها صاحبها، و له أرش العيب و تردّ الحبلىٰ و يردّ معها نصف عشر قيمتها.

الكافي 5: 214/ 3، تهذيب الأحكام 7: 62/ 267، وسائل الشيعة 18: 106، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 5، الحديث 3.

(2) زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: أيّما رجل اشترى شيئاً و به عيب و عوار لم يتبرّأ إليه و لم يبيّن له، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئاً ثمّ علم بذلك العوار و بذلك الداء، أنّه يمضى عليه البيع و يردّ عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء

و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به.

الكافي 5: 207/ 3، تهذيب الأحكام 7: 60/ 257، وسائل الشيعة 18: 30، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 282

و جميل «1»، و ليس فيهما من لفظة «الأرش» شي ء، و هكذا في روايات اشتراء العبيد و الإماء «2».

نعم، في خبر حمّاد بن عيسىٰ «3» وردت لفظة «الأرش» و من العجيب أنّ الفقيه اليزديّ «4» توهّم: أنّ خبر «قرب الإسناد» «5» غير رواية ابن عيسىٰ، فذكره بعنوان مستقلّ.

فعلى ما تحرّر و تقرّر، لا وجه للغور في مفاد «الأرش» و إطالة الكلام حوله، و لا سيّما بعد وضوح المسألة، و وضوح المراد من

______________________________

(1) جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (عليهما السّلام) في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيباً، فقال: إن كان الشي ء قائماً بعينه ردّه على صاحبه و أخذ الثمن، و إن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب.

الكافي 5: ي 207/ 2، الفقيه 3: 136/ 592، تهذيب الأحكام 7: 60/ 258، وسائل الشيعة 18: 30، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 18: 97 109، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 1 7.

(3) حمّاد بن عيسى قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: قال عليّ بن الحسين (عليه السّلام): كان القضاء الأوّل في الرجل إذا اشترى الأمة فوطأها ثمّ ظهر على عيب، أنّ البيع لازم، و له أرش العيب.

تهذيب الأحكام 7: 61/ 263، وسائل الشيعة 18: 104، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 4، الحديث 7.

(4) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 101/ السطر 6.

(5) قرب الإسناد: 16/ 52.

الخيارات (للسيد

مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 283

«الأرش» بعد عرضه علىٰ سائر الروايات الصريحة، فما في «حاشية العلّامة الأصفهانيّ (قدّس سرّه)» «1» في غير محلّه.

و قد أطال بعض اللغويّين ك «تاج العروس» «2» حوله، و هو في محلّه؛ لأنّه أهله، و قد ذكر هناك أُصول هذه اللفظة؛ على الخلاف الكثير الموجود بين اللغويّين.

فما هو المطلوب بحوث آخر، نشير إليها في طيّ جهاتٍ إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

الجهة الأولىٰ في ضمان الأرش

اشارة

في أنّ الأرش مضمون على البائع، و أنّه مشغول الذمّة به، فيكون ديناً عليه يتعلّق بتركته مثلًا بعد وفاته، و يجوز للمشتري التقاصّ عند المماطلة. أم لا ضمان رأساً، بل هو حكم تعبّدي، و إيجاب شرعيّ على البائع عند سؤال المشتري، وجهان:

من حكم العقلاء في أمثال الموارد بالضمان و الاشتغال.

و من أنّه تعبّد صِرْف علىٰ خلاف الأُصول و القواعد، و لذلك يختصر و يقتصر على النصّ، و لا يقولون في سائر الموارد بالأرش، و لا تقتضي

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 1، ص: 283

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 130.

(2) تاج العروس 4: 279.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 284

الأدلّة الخاصّة إلّا الحكم التكليفيّ.

و ربّما يستظهر من الشيخ (رحمه اللّٰه) «1» هنا: أنّه على القاعدة؛ و ذلك لأنّ البائع التزم بالوصف للمشتري، و أخذ بملاحظته زائداً عمّا يستحقّه على العين، فإذا تبيّن عدم وجود الوصف وجب أن يخرج من عهدته بإعطاء عوضه، انتهىٰ ما أوردناه، و لو كان مصبّ كلامه في جهة أُخرى، تأتي إن شاء اللّٰه.

و من هذا القبيل ما حرّره الفقيه اليزديّ «2»، و إجماله: أنّ هناك

بيعاً صوريّاً إنشائيّاً لبّياً إحساسيّاً، و بيعاً لبّياً، و بالنظر إلىٰ الأوّل فلا تقتضي القاعدة ضماناً، بخلاف الثاني؛ نظراً إلىٰ حكم العقلاء.

و غير خفيّ أوّلًا: أنّ ما أفادوه يجري في خيار الغبن أيضاً.

و ثانياً: البائع بما أنّه بائع، غير ملتزم بإعطاء الصحيح، بل هو عارف بعيب متاعه، و يخفيه علىٰ صاحبه و مشتريه، نعم العقلاء بناؤهم علىٰ كون المتاع صحيحاً، و ما هو النافع هو الأوّل، و أنّ البيع اللبّي ممّا لا أصل له، و زيادة القيمة لأجل العوارض و الأُمور الخارجيّة التكونيّة، أو الاعتباريّة قطعيّة، إلّا أنّ من اللواحق الاعتباريّة ما لا يورث خياراً؛ حتّى خيار الغبن، فضلًا عن العيب، مع كونها موجبة لترغيب الزيادة في القيمة.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 271/ السطر 32.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 101/ السطر 14.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 285

مثلًا: إذا اشترىٰ داراً بألف دينار؛ لكونها قرب السوق و الشارع، فاتفق أنّ الحكومة بعد ذلك البيع هدمت السوق و الشارع، فإنّه لا يورث شيئاً للمشتري بالضرورة، مع أنّ زيادة القيمة كانت لأجل العوارض اللاحقة التي منها الصحّة.

أقول: من العيب ما يقابل الصحّة، و يكون وصفاً و كيفاً، فهذا ممّا لا يقابله شي ء من الثمن، و من العيوب و لو كان مقابل الصحّة، و وصفاً و كيفاً في نظرٍ، و لكنّه أيضاً موجب لنقصان الكمّية.

مثلًا: البطّيخ تارة؛ يعيب بأن يحصل فيه الريح النتن، و أُخرى: يعيب بذهاب قسم منه، و مقدار يعتدّ به، و هكذا في سائر الأمتعة الطبيعيّة و التأليفيّة، كالبيوت و الدور، فإذا تلف بعض منه يردّ بعض الثمن حسب القاعدة؛ للتقسيط العقلائيّ، فتأمّل.

وهمٌ: استفادة ضمان الأرش من معتبر زرارة

ربّما يستظهر من الأدلّة الخاصّة اشتغال الذمّة؛ فإنّ قوله (عليه السّلام):

«يردّ عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به» كما في معتبر زرارة «1»، ظاهرٌ في أنّ الردّ لازم، و ناشئ لزومه من أنّ بعض الثمن ملك المشتري.

و فيه: أنّ الردّ من شخص الثمن غير واجب كما يأتي، فلا يدلّ على

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 281.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 286

اشتغال الذمّة.

و توهّم: أنّ وجوب الردّ على الإطلاق، يكشف عن الدين، و عن أنّه في حكم الغاصب، في غير محلّه؛ ضرورة أنّ في موارد النذر يجب المبادرة، و لا يلزم منه ذلك عند جمع، بل الأمر كذلك في الزكاة و الخمس، و لا يلزم منه ذاك عند بعضٍ.

و من هنا يظهر حكم سائر الأخبار المشتملة على الردّ.

استفادة ضمان الأرش عن سائر الأخبار

و أمّا الأخبار المشتملة على الوضع، كخبر زرارة «1»، و ابن سِنان «2»، و غيرهما، فهي و إن لم يبعد ظهورها في المعنى الوضعيّ؛ و اعتبار حقّ للمشتري على البائع في الثمن، إلّا أنّ ظهورها في خصوص الثمن المقطوع عدم إرادته، يوجب الوهن فيها، فتأمّل.

______________________________

(1) زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: كان عليّ بن الحسين (عليه السّلام) لا يردّ التي ليست بحبلى إذا وطأها، و كان يضع له من ثمنها بقدر عيبها.

الكافي 5: 15 2/ 7، تهذيب الأحكام 7: 61/ 261، وسائل الشيعة 18: 103، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 4، الحديث 5.

(2) ابن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال: قال علي (عليه السّلام): لا تردّ التي ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها، و يوضع عنه من ثمنها بقدر عيب إن كان فيها.

الكافي 5: 214/ 2، تهذيب الأحكام 7: 61/ 266، وسائل الشيعة

18: 102، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 4، الحديث 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 287

و يقرب منها الأخبار المشتملة علىٰ أنّ له أرش العيب «1»، الظاهرة في أنّه صاحب حقّ. و لكنّها أضعف ظهوراً من السابقة في اشتغال الذمّة، بل لو كان له حقّ الرجوع، يكفي لصحّة التعبير المذكور، كما لا يخفى.

فبالجملة: مقتضى القواعد وقوع جميع المبيع في قبال جميع العوض؛ بحسب المبادلة الاعتباريّة، و قد انتقل إلىٰ المشتري ذلك بحسب الواقع، فالبائع وفىٰ بعهده و عقده، فثبوت المعنى الوضعيّ الزائد عليه يحتاج إلىٰ دليل، و هو في غير ما مرّ مفقود.

و أمّا فيما أُشير إليه من العيوب الموجبة للنقصان الكمّي، فالحقّ أنّ قضيّة القواعد عدم الانفساخ، و حديث «التلف في زمن الخيار.» لا يقتضي في المقام شيئاً، كما مرّ و يأتي تحقيقه.

و دعوىٰ: أنّ المسألة إجماعيّة، غير محرزة؛ لعدم ظهور معتدّ به يقتضي جواز التقاصّ. و انتقال دَينه إلىٰ التركة بعد موته و هو التصالح لمكان دعوى دلالة مجموع الأخبار علىٰ أنّ الشرع احتفظ بمال المشتري في أموال البائع، و أنّ الحكم بالردّ و الوضع و الأرش، ناشئ عن أمر وحدانيّ؛ و هو مالكيّة المشتري على البائع. و اختلاف تعابير الأخبار يعرب عن ذلك، و سيأتي مقتضى الأُصول العمليّة إن شاء اللّٰه تعالى.

______________________________

(1) لاحظ ما تقدّم في الصفحة 281 و 282.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 288

الجهة الثانية كيفية ضمان الأرش

بناءً علىٰ كونه مضموناً على البائع؛ علىٰ ما هو المعروف بينهم، فهل هو ضمان اليد، أم ضمان المعاوضة، أو ضمان ثالث، أو في المسألة تفصيل؟

فربّما يقال: بأنّه لا وجه لضمان اليد؛ لأنّ العقد وقع على التالف، لا أنّه تلف مال المشتري في يد

البائع.

و فيه: أنّ من موارد خيار العيب، حدوثَ العيب بعد العقد و قبل القبض؛ علىٰ ما هو المعروف عنهم كما مرّ، فعليه يمكن تضمينه بضمان اليد؛ لأنّ التلف وقع في يد البائع، و قد انقلبت يد البائع إلىٰ اليد الضامنة، و لا خصوصيّة للأخذ، كما مرّ تفصيله في أوائل بحوث البيع. و لا ينافيه حقّ الحبس، مع أنّه يمكن فرض سقوط حقّه؛ لأداء العوض من قِبَل المشتري إليه.

نعم، مقتضىٰ ما تحرّر منّا عدم تماميّة ضمان اليد رأساً، فراجع «1».

و أمّا توهّم ضمان المعاوضة، فقد أُشير إلىٰ أنّه و إن كان يستظهر من

______________________________

(1) تحريرات في الفقه، كتاب البيع: 371 و ما بعدها.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 289

بعضهم «1»، و لكنّه غير وجيهٍ إلّا في بعض صور المسألة.

و ربّما يقال: إنّ وصف الصحّة ليس كسائر الأوصاف، و لا يقاس بها؛ إمّا لأجل حكم العقلاء، أو لأجل حكم الشرع، و كلاهما ممنوعان.

نعم، بناءً علىٰ كون مالكيّة العين؛ هي مالكيّة الآثار و الخواصّ و المنافع المرسلة، و لا معنىٰ لمالكيّة الجوهر و الجسم المركّب من المادّة و الصورة في السوق، ففي محيط المعاملات و الاتجار تكون العين المملوكة تلك الأُمور المندمجة المنضمّة من غير قيدٍ و شرط و حدٍّ، في قبال مالكيّتها في مثل الإجارة و نحوها، فيمكن أن يقال بضمان المعاوضة، حسب التقسيط العرفيّ.

و ما ترى من التقسيط العرفيّ بالضرورة في خيار العيب بالنسبة إلىٰ مقدار الثمن كما يأتي، يشهد علىٰ هذه المقالة، و هي أساس ذلك، فلا تخلط.

و غير خفيّ: أنّ إنكار وقوع الجزء في مقابل جزء الثمن ممكن؛ ضرورة أنّ البيع واحد، و الانحلال في الوحدات التأليفيّة و الطبيعيّة، من الأكاذيب إلّا في

مورد مسّ الحاجة، و تكون حينئذٍ حكميّة؛ أي بمعنى ردّ بعض الثمن؛ غرامةً و جبراناً للضرر و النقصان. و الانفساخ، أو عدم وقوع العقد من الأوّل بالنسبة إلىٰ بعض المبيع، غلط لا أصل له كما تحرّر؛ و ذلك للزوم كون الجزء مستقلا في مقام المبادلة، مع أنّه فانٍ في الكلّ بالضرورة، و مغفول عنه.

______________________________

(1) لاحظ شرائع الإسلام 2: 32، جواهر الكلام 23: 288.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 290

فلو باع داره، و كان باب منها ناقصاً، لا يعدّ البيع بالنسبة قاصراً في النقل، و لا منفسخاً لو تلف بعد العقد، بل المبيع و هي الدار باقية، و لا قصور في سبب نقل الكلّ العنوانيّ؛ فإنّ الأجزاء بأسرها فانية فيه. فما ترى في كلمات القوم من مفروغيّة البطلان و الانفساخ بالنسبة إلىٰ الجزء غير جيّد جدّاً.

فتحصّل: أنّه لو كان الأرش مضموناً، فهو ضمان ثالث، و تعبّد شرعي علىٰ خلاف قاعدة اليد، إلّا في بعض الصور. مع أنّ ضمان اليد ليس عقلائيّاً، و علىٰ خلاف ضمان المعاوضة.

و حيث إنّ الأدلّة اللفظيّة و أخبار المسألة، قاصرة عن إثبات الضمان و اشتغال الذمّة بالأرش كسائر الديون و الضمانات، كضمان الإتلاف مثلًا فلا يثبت في المقام ضمان ثالث؛ حتّى في الموارد التي يكون العيب موجباً لنقص الجزء و مقدار من المبيع.

نعم، فيما إذا كان العيب موجباً لعدم تحقّق البيع العنوانيّ، و عدم صدقه كما إذا باع داراً، و كانت هي خربة؛ بحيث لا يصدق عليها عنوان «الدار» فلا بيع. و في موارد صدق العنوان يكون الثمن منتقلًا إلىٰ البائع، و يجوز له الفسخ أو طلب الأرش.

إن قلت: في هذا ضرر على المشتري؛ فإنّه إذا كان من الواجبات التكليفيّة المحضة،

فلا يجب التقاصّ، و لا يعدّ ديناً حتّى يتعلّق بتركته، و لازمه تضرّره و ذهاب حقّه بلا جبر.

قلت: بعد كونه بالخيار بالنسبة إلىٰ الفسخ و حلّ العقد، فإذا لم يفسخ مريداً عوض النقص، فالضرر من آثار إقدامه، و لا يلومنّ إلّا أنفسهم

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 291

و هم يعلمون. نظير ما إذا لم يفسخ في موارد خيار الغبن و الرؤية، و قلنا بالفوريّة، أو كان موت البائع موجباً للزوم العقد علىٰ الإطلاق.

لا يقال: إنّه لو كان تكليفاً صِرفاً، لكان يمتنع إسقاطه، مع أنّه يجوز عند الأصحاب بالضرورة.

لأنّا نقول: قد مرّ أنّه حقّ عرفيّ منتزع عن التكليف التخييري، و لا شبهة في جواز إسقاط مثله؛ ضرورة أنّه ليس تكليفاً، لما لا كلفة على المشتري، بل له الرخصة في الرجوع إلى البائع بطلب شي ء منه؛ جبراناً لما ذهب من كيسه.

و من الغريب إقرار بعضهم بأنّه ضمان ثالث، لا كضمان اليد و المعاوضة «1»!! و لو كان ضماناً فلا بدّ و أن لا يختلف عن سائر الضمانات في الماهيّة، و إنّما اختلافه معها في الدليل و السبب، فيكون لازمه اشتغال ذمّة البائع بالأرش، مع اعترافهم بعدم الاشتغال.

و أمّا توهّم امتناع التخيير بين الخيار و الاشتغال، فهو لا يختصّ بكون الأرش اشتغالًا؛ لأنّ الخيار الوضعيّ أيضاً غير قابل لكونه طرف التخيير التكليفيّ.

فما به ينحلّ الإشكال: أنّ الحكم الوضعيّ في الطرفين لو ساعدنا الدليل ينتزع من التكليف التخييري و جعل الرخصة، إلّا أنّه لا دليل عليه، و غاية ما يقتضيه هو أنّ المشتري له حقّ حلّ العقد، و حقّ

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 101/ السطر 23، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 131/ السطر 17.

الخيارات (للسيد

مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 292

الرجوع، كما له تعيين أحدهما، و إخراج الطرف الآخر عن الطرفيّة؛ قضاءً لحقّ الحقّية.

و فيما أفاده العلّامة المحشّي الأصفهانيّ (رحمه اللّٰه) «1» هنا، مواضع كثيرة من الضعف، ربّما ظهرت ممّا نقّحناه في هذا المضمار، فتدبّر.

ثمّ إنّ من المحتمل أن يستفاد عن الأدلّة إمكان تغريم البائع؛ بأن يكون للمشتري حقّ تضمينه و جعله ضامناً، فيصير بعد ذلك مشغولة ذمّته بالأرش، و يترتّب عليه أحكام الدين، فتأمّل.

الجهة الثالثة في تعيين الأرش

اشارة

اختلفوا في أنّ المشتري مثلًا، له المراجعة إلىٰ تفاوت الصحيح و المعيب بالنسبة إلى القيمة الواقعيّة، أم له المراجعة إلى التفاوت بلحاظ القيمة المسمّاة.

و قد نسب الأوّل في كلام الشيخ (قدّس سرّه) «2» إلىٰ جماعةٍ من القدماء «3»، و هو مختار بعض أهل العصر «4».

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 131.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 271/ السطر 14.

(3) المقنعة: 597، النهاية: 392، لاحظ مفتاح الكرامة 4: 631.

(4) لم نجزم بمراده من بعض أهل العصر، لاحظ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 131 132.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 293

و نسب الثاني إلىٰ كثير من المتأخّرين «1»، و هو مختار سيّدنا الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «2».

و اختلفوا ثانياً في أنّ مقتضى القواعد هل هو الأوّل، أم الثاني؟

و علىٰ كلّ من التقديرين، قضيّة أخبار المسألة و الأحكام العقلائيّة خصوصاً في المقام ماذا؟

و الذي يظهر لي: أنّ الأصحاب لم يدخلوا المسألة من بابها، و لأجله وقعوا فيما وقعوا فيه من المشكلة الاولىٰ و الثانية؛ و ذلك أنّ من البحوث المغفول عنها هنا: هو أنّ المدار هل علىٰ تفاوت القيمتين يوم البيع، أم علىٰ تفاوت القيمتين يوم مطالبة المشتري؟

و توهّم: أنّه لا وجه لتخيّل الثاني، بل الضرورة قاضية بأنّ الأوّل

متعيّن، و إنّما يقوّم يوم المطالبة الصحيح و المعيب، و ينقص بحسب النسبة عن المسمّى أو الواقع في يوم البيع، غير تامّ؛ ضرورة أنّه لو كان المتاع مختلف القيمة في اليومين، فلا بدّ و أن يرجع مثلًا إلىٰ البائع طالباً منه تفاوت يوم المطالبة؛ لأنّ قيمته ازدادت، و يكون إعمال الخيار بفسخ العقد موجباً لرجوع المتاع إليه بقيمة زائدة بالنسبة إلىٰ يوم البيع، فبالنظر إلىٰ هذه الجهة يجوز دعوى: أنّ له مطالبة تفاوت يوم الطلب.

______________________________

(1) لاحظ شرائع الإسلام 2: 32، الدروس الشرعيّة 3: 287، جامع المقاصد 4: 335، مسالك الأفهام 4: 299، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 271/ السطر 21.

(2) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 127.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 294

مثلًا: إذا اشترىٰ داراً في أوّل السنة، ثمّ بعد مضيّ شهرين تبيّن أنّها معيبة، و قد زادت قيمتها أضعاف قيمة يوم البيع، فإن فسَخ العقد ينقص على البائع ما يعدّ ضرراً أحياناً؛ لأنّه ملكه و ماله، و إن أخذ بما به تفاوت يوم البيع، يكون هو إخلالًا بحقّ المشتري، فما هو الحكم العدل مثلًا هو التخيير بين الفسخ، و أخذ تفاوت يوم المطالبة، فعلى ما تحرّر ليس تعيّن تفاوت يوم البيع أمراً واضحاً حسب القواعد العقلائيّة.

نعم، إذا لم يكن اختلافٌ بين اليومين في القيمة، فالبحث المذكور غير نافع؛ لتقارب اختلاف القيمة المسمّاة و الواقعيّة.

و لو قيل: ربّما يمكن أن يكون بين القيمتين و لو لم يكن اختلاف بين اليومين تفاوت كثير؛ حتّى يلزم أن يعود إلى المشتري لأجل الأخذ بالأرش أضعاف ما انتقل منه إلىٰ البائع ثمناً، كما وقع في كلام الأعلام (رحمهم اللّٰه) فلا يكون البحث قليل النفع.

قلنا: هذا لا يتصوّر إلّا في

البيع المهاباتيّ، و إلّا ففي البيع المتعارف لا يعقل أن يكون وقت البيع، اختلاف القيمتين كذلك؛ فإنّ المراد من «يوم البيع» هو وقت البيع، لا اليوم الاصطلاحيّ حتّى تكون ساعةُ العصرِ من يوم البيع، فيقال: إنّ القِيَم اختلفت لأجل اختلاف الأسواق. و في البيوع المهاباتيّة يشكل ثبوت الخيار؛ لأنّ المتعارف وقوعها على مبنى ليس فيه الخيار، و لا الأرش، كما أُشير إليه في أحكام الخيار، و ذكرنا هناك بعضاً من البحث، فعلى هٰذا ما تراه في كلام القوم خالٍ من التحصيل، و بعيد عن الواقع.

إذا عرفت هذه الوجيزة المحتوية علىٰ تحرير البحث، نقول: إنّ

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 295

للشرع ثبوتاً جعل قانون كلّي؛ و هو الأخذ بالخيار أو الأرش، من غير ملاحظة حال الأفراد الخاصّة؛ لتعارف الاطلاع على العيب، و مراجعة صاحب المتاع إلىٰ المشتري في وقت لا يختلف قيم الأمتعة نوعاً، و التزامه بالبيع و أخذ الأرش، و لو كان في مورد إعماله خياره موجباً لضرر البائع لأجل ارتفاع قيمة المتاع فهو ممّا لا يعتنى به في محيط ضرب القانون الكلّي.

و هكذا إذا كان أخذ الأرش في يوم المراجعة علىٰ وجهٍ يكون الأرش أزيد من قيمة المتاع كلّها؛ لتنزّل قيمته السوقيّة، فإنّ هذا الاختلاف يرفض في جنب القانون العامّ؛ نظراً إلىٰ حفظ النظام، نظير ضرب قانون الكرّ و المسافة، فإنّ المتعارف ابتلاء المكلّف بما دون الكثير، أو ما يزيد عليه بكثير، و قلّما يتفق ابتلاؤه بالكرّ بمقداره الواقعيّ حتّى يقال: إنّه كيف يؤثّر المثقال الواحد في طهارته، و نجاسته؟! فإنّه وهمٌ ناشئ عن عدم ملاحظة مصالح ضرب القانون العامّ، و قد تحرّر تحقيقه في الأُصول «1».

و بعد ذلك، فالذي هو الظاهر

من أخبار المسألة و لا سيّما بالنسبة إلىٰ عصر صدورها و مصرها-: أنّ المدار علىٰ تفاوت القيمة يوم البيع، و ليس ذلك لأجل عدم نقل مقدار من الثمن إلىٰ البائع بالعقد، فإنّه باطل كما مرّ، بل لأجل ظهور الأخبار المؤيّد بفهم الأصحاب (رحمهم اللّٰه) في ذلك؛ سواء كان الأرش المأخوذ أكثر من قيمة العين بالنسبة إلىٰ اليوم

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 6: 230 231.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 296

و وقت المطالبة، أو كان شيئاً يسيراً في جنبه.

فعلى هذا يسقط بحث النسبيّة، بل يلاحظ اختلاف القيمتين في يوم البيع، و يراجع إلىٰ أهل الخبرة المطلعين علىٰ قيمته في ذلك اليوم؛ حسب الحدس و الخرص و التخمين، الذي يأتي بعض الكلام حوله.

فالقول: بأنّه يقوّم الصحيح و المعيب في يوم المراجعة، و بالنسبة إلى الاختلاف المذكور ينقص من القيمة المسمّاة، ليس وجهاً صحيحاً.

نعم، هو أحد طرق الاطلاع علىٰ حلّ المشكلة؛ بفهم اختلاف القيمتين يوم البيع، فلا تخلط.

بقي شي ء: في سقوط الخيار باختلاف قيمة المتاع

ربّما يخطر بالبال أن يقال: إنّ إعمال الخيار بعد اختلاف قيمة المتاع و السلعة، ضرر منفيّ بالقاعدة، فإطلاق دليل الخيار ينفى بها.

أو إنّ ذلك الاختلاف من موارد إحداث الحدث، و حصولِ التغيّر الموجب لسقوط الخيار.

و كلا الوجهين غير مرضيّين؛ ضرورة أنّ اختلاف القيمة ليس ضرراً، بل يُعدّ من سدّ النفع العائد إلىٰ البائع، و إلّا فهو أيضاً ضرر على المشتري؛ فإنّ المقتضي لرجوع تلك القيمة و السلعة إلىٰ المشتري، يكون تامّاً، و قد قيل في المثال: بأنّه من الضرر عرفاً، و أنّ التغيير و إحداث الحدث و أصل الحدث، أمر أجنبيّ عن هذا الخلاف، الناشئ من

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 297

الأُمور الخارجيّة. مع أنّ المدار علىٰ

ما عرفت عندنا علىٰ إحداث الحدث، لا مجرّد حدوثه غير المستند «1»، فتدبّر.

نعم، لو أحدث البائع في جنب السلعة شارعاً أو سوقاً موجباً لرقاء قيمة الأرض المبتاعة؛ بحيث يستند اختلاف القيمة إلىٰ فعله و تسبيبه، فإنّه و إن لم يكن حدثاً في العين، إلّا أنّ إطلاق الخيار ربّما ينفي، و يجوّز له أخذ الأرش حسب قيمة يوم البيع كما عرفت، و هذا من موارد سقوط الخيار، دون الأرش أيضاً، فتدبّر تعرف.

تتميم: في كون الاختيار بيد المشتري

لأحد توهّم: أنّ الاختيار بيد المشتري، فله المراجعة إلىٰ تفاوتهما بالنسبة إلىٰ يوم البيع، أو يوم المطالبة. بل لو كان بين اليومين يوم ثالث ارتفعت فيه قيمة السلعة فيكون الأرش في ذلك اليوم أزيد من اليومين، فله الأخذ به؛ و ذلك لأنّ أخبار المسألة بين ما لا نظر فيها إلىٰ يوم معيّن فتكون مهملة أو منصرفةً بدواً إلىٰ يوم البيع؛ لعدم اختلاف الأسواق في تلك الأيّام و الأعوام و العصور و الأمصار، و بين مالها الإطلاق، كرواية طلحة بن زيد «2» عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «قضىٰ أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رجل اشترىٰ جاريةً فوطأها، ثمّ وجد فيها عيباً، قال: تقوّم و هي صحيحة،

______________________________

(1) تحريرات في الفقه، كتاب البيع 2: 440.

(2) سنده في الكافي هكذا: محمّد بن يحيىٰ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن يحيىٰ، عن طلحة بن زيد.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 298

و تقوّم و بها الداء، ثمّ يردّ البائع علىٰ المبتاع فضلَ ما بين الصحّة و الداء» «1».

و نتيجة ذلك: أنّ المدار علىٰ القِيَمِ الواقعيّة، و لا يلاحظ قيمة يوم البيع الواقعيّة فقط.

و توهّم: أنّ الأمر كما يكون بيد المشتري، يكون بيد البائع، فربّما يتعاركان و

يتعارضان، في غير محلّه؛ لأنّ الخيار للمشتري، فله المراجعة إلى المقوّمين، كما هو المتعارف، و نتيجة الإطلاق ما أُشير إليه.

و فيه: مضافاً إلىٰ بتريّة ابن زيد العامّي «2»، و أنّه لم يوثّق، إلّا أنّه عندنا معتبر قويّاً، و لكن في رواية محمد بن يحيىٰ عنه، و كونه الخزّار الثقة «3»، إشكال للاشتراك، فراجع، و مضافاً إلىٰ احتمال كونه قضاءً خاصّاً، إلّا أنّه بعيد أيضاً أنّ في جميع الأحيان إذا كان أخذ الأرش من الضرر، يجوز تقييد ذلك الإطلاق بقاعدة نفي الضرر.

هذا مع أنّ الوجدان الحاكم في هذا الميدان، يشهد علىٰ أنّ المدار علىٰ جبران النقيصة المتوجّهة إلىٰ المشتري، و بذلك يحكم العقلاء، و لا حاجة إلىٰ الأخبار، بعد انصرافها إلىٰ ما لا يزيد عليه. فتوهّم غير ما أُشير إليه من الاعوجاج؛ سواء فيه العلّامة المحشّي الأصفهانيّ (رحمه اللّٰه) «4»

______________________________

(1) الكافي 5: 214/ 4، تهذيب الأحكام 7: 61/ 265، وسائل الشيعة 18: 102، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 4، الحديث 2.

(2) رجال النجاشي: 206/ 550، رجال الطوسي: 126.

(3) رجال النجاشي: 359/ 964.

(4) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 131 132.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 299

و من فصّل بين عيب المعوّض و العوض.

الجهة الرابعة في أخذ الأرش من الثمن الشخصي

اختلفوا في أنّ المشتري بعد الأخذ بالأرش، هل له تعيين كونه من الثمن الشخصيّ، أم لا؟ وجهان، بل قولان:

ربّما ينشئان تارة: عن اختلافهم في القواعد؛ و أنّ مقتضى القاعدة عدم نقل مقدار من الثمن إلىٰ البائع، فيتعيّن عليه ردّه.

بل مقتضىٰ هذا المرام عدم جواز تعيين غير الثمن، فيكون المتعيّن واقعاً ردّ بعض الثمن المردود؛ و ذلك لما مرّ من توهّم: أنّ الأرش علىٰ وفق الأصل العقلائيّ؛ علىٰ تقاريب مختلفة كلّها باطلة، إلّا

في بعض الصور التي أشرنا إليها، فإنّه و إن كان المفروغ عندهم اتفاقاً تقسيط الثمن، إلّا أنّه أيضاً عندنا في غير محلّه؛ و لو كان جزء من السلعة.

بل الظاهر في صورة التقسيط، و عدم نقل الثمن بتمامه، أنّه لا يستحقّ أزيد من الماليّة؛ لأنّ الأثمان ساقطة خصوصيّاتها في الملكيّة، و لا دليل علىٰ ملكيّة المالك بالنسبة إليها، و من ادعىٰ خصوص ثمنه يكون سفيهاً يبطل بيعه رأساً، فتأمّل.

و أُخرى: عن مقتضى الأخبار الظاهرة في أنّه ينقص من ذلك الثمن،

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 300

كما في معتبر زرارة «1»، و سائرُ الأخبار إمّا مهملة، أو مطلقة أو مقيّدة.

و من الغريب تردّد «جامع المقاصد» «2» في المسألة!! و العجيب أنّ الشيخ احتمل ذلك «3»؛ لمكان قولهم: بأنّه الأرش، و هو جزء الثمن! فإنّ «الثمن» المذكور في الأخبار و المتون الفقهيّة، ليس الأمر الشخصيّ.

و لعمري، إنّه بحث باطل عاطل لا طائل تحته، و لا يجوز لأحد تخيّل خلافه، و هو من الإطالة المنهيّة و اللغو المذموم.

و أعجب من ذلك البحث عن أنّ في موارد يكون الثمن كلّياً، فهل يردّ من المردود، أم هو يخصّ بموارد تكون شخصيّة؟!! غفلةً عن أنّ المبادلة الشخصيّة الواقعة بين النقد الرائج و السلعة، ليست من البيع حقيقة عندنا كما تحرّر؛ ضرورة أنّ المعاوضات كانت بيعاً في العصر الأوّل، و أمّا في العصور الأخيرة التي منها عصر النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فيكون البيع تمليك الشي ء، لا مبادلة شي ء بشي ء، و التفصيل في محلّه، و سيمرّ عليك حكم المعاوضة، و قد مرّت المناقشة في جريان الأرش في المعاوضات؛ بعد كونه خلاف الأصل، فتأمّل.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 281.

(2) جامع المقاصد

4: 194.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 271/ السطر 31.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 301

الجهة الخامسة في ردّ غير النقدين بعنوان الأرش

اختلفوا في أنّ البائع هل يجوز له ردّ غير النقدين بعنوان الأرش، أم لا؟ وجهان.

فلو اشترى الحنطة، و بانت أنّها معيبة، و رجع إليه المشتري لأخذ الأرش، فهل له أن يردّ قطعة من الأرض، أو مقداراً من اللحم، و غير ذلك، بعد وجود النقد عنده و في البلد رائجاً، أم يتعيّن نقد البلد؟

و منشأ ذلك اختلاف القواعد و الأخبار؛ ضرورة أنّ قضيّة القواعد ليست إلّا أنّه يجب عليه جبران النقيصة و الخسارة عند المراجعة، و مقتضى الأخبار ردّ الأرش من الأثمان الظاهرة في نقود البلاد، و إلّا فلا يعدّ عوض المعاوضة من الثمن؛ لأنّ كلّ طرف ثمن و مثمن.

و الذي هو المرجع حكم العرف الممضى ظاهراً حسب الأخبار، أو عدم الردع، و لا شبهة في أنّ بناءهم العمليّ علىٰ تعيّن النقود علىٰ اختلافها في العصور. بل لا يبعد جواز عدم قبول نقد البلد الأجنبيّ في بلد المعاملة.

و ظهور الأمر في مقام الردّ تابع لثمن التجارة، فلو اختلفا مكاناً، و تعاملًا هاتفيّاً، و اختلفت نقود المكانين، فيرجع إلىٰ ما اعتبر ثمناً في البيع.

و ربّما يقال: إنّ ذلك في البيوع المتعارفة، و أمّا في المعاوضات فلا

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 302

يجوز ردّ غير الجنس، و لا ردّ غير الشخص، فلو تبادلا الحنطة بالعدس، فبانت الحنطة معيبةً، يردّ من العدس، و لا يجوز للمشتري دعوى غيره، و لا للبائع تحميل الغير بعد فرض وجوده، و ليس ذلك إلّا لحكم العقلاء المرضيّ الممضيّ بعدم الردع.

اللهمّ إلّا أن يقال: بعدم دليل علىٰ عدم الردع؛ لعدم شياع ذلك، أو أنّه ليس شائعاً حتّى

يتعيّن على الشرع ردعه، كما لا يخفى.

فإذا كانت المعاملة ثابتة بين الجنس، فلزوم كون الأرش بعد عدم كونه موافقاً للقاعدة من الشخص أو ما يقرب منه غير ثابت، فلو ردّ شيئاً آخر إليه من نقد و غيره، لا يجوز للمشتري ردّه.

هذا، و الذي هو الأظهر ما مرّ: من عدم جريان خيار العيب؛ بمعنى التخيير بين الفسخ و الأرش في المعاوضات، فيسقط البحث رأساً، و السرّ كلّه ما أُشير إليه من أنّه علىٰ خلاف القواعد، و الأدلّة الخاصّة ناظرة إلى البيوع بالنقود، فلاحظ تعرف.

و أمّا ما يقال: من أنّ الأرش تغريم، و يكون التغريم هنا كسائر المقامات، ففي المثليّ بالمثل، و في القيميّ بالقيمة «1».

ففيه: مضافاً إلىٰ عدم أساس للمثليّة و القيميّة، كما تحرّر تفصيله أنّ الأرش ليس تغريماً، بل هو حقّ الرجوع إلىٰ جبر النقيصة و الخسارة فقط، و أمّا أنّه بما ينجبر تعييناً أو تخييراً، فهو أمر موكولٌ إلىٰ البناءات الخارجة عن اختيار الطرفين، و يحوّل إلى العادات

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 102/ السطر 12 17.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 303

و المتعارفات في عصر الأخبار، أو عصر المتعاملين، و حيث لا تعيّن للعصر الأوّل؛ لكونه محمولًا علىٰ متعارف ذلك العصر، يلاحظ الثاني طبعاً.

الجهة السادسة هل الجنس المردود بعنوان الأرش نفس الأرش أم بدله؟

اختلفوا في أنّ البائع إذا لم يتمكّن من جبران الخسارة بالنقود المتعارفة، فهل يكون الجنس الذي يتدارك به عوضاً عن الأرش، أو هو نفس الأرش؟

فإن كان عوضاً عن الأرش، فربّما يجري الربا؛ لاختلافهما في المقدار. مثلًا إذا بانت أنّ الحنطة معيبة، و تثبت حقّة من الحنطة عليه، و ليس عنده إلّا الشعير، فلا يردّ إلّا حقّة من الشعير؛ لأنّ ردّ الحقّتين منه يوجب الربا، لأنّهما من جنس

واحد في بابه. و أمّا لو كان هو نفس الأرش، فلا يلزم الإشكال المذكور.

و عندي احتمال آخر: و هو سقوط الأرش و تعيّن الخيار في موارد كون الأرش متعيّناً في شي ء خاصّ؛ نقداً كان أو جنساً. و هو مضافاً إلىٰ كونه مقتضى القاعدة، أنّه لا إطلاق في دليل الأرش حتّى يشمل ذلك الذي يُعدّ أرشاً طولًا لا عَرْضاً، و إلّا فلو كان أرشاً عَرْضاً فلا بحث رأساً، كما هو الظاهر.

و لو لم يكن له الخيار؛ لأجل الجهات الأُخر، ينتظر؛ لما لا حقّ له إلّا المراجعة إليه لأخذ الأرش، و النقصان علىٰ خلاف القواعد،

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 304

و القدر المتيقّن منه صورة كونه متمكّناً من جبرانه بما هو الأرش و المتعيّن عليه بدواً، لا في المرحلة المتأخّرة.

هذا مع أنّه لا معنى للبحث المذكور؛ ضرورة أنّه لو كان يجوز للمشتري المراجعة إليه بعد العجز عن الأرش شرعاً أو عرفاً، فهو الأرش الطولي، لا عوض عن الأرش الأوّل، و لا أرش مطلق، بل هو أرش في طول الأرش المتعيّن أوّلًا؛ و ذلك لأنّ ما يجب على البائع ليس إلّا الجبران، و لا اشتغال في البين، و ما يجوز للمشتري هو الرجوع إلىٰ البائع بمطالبة النقد، و أنّه إذا لم تجز مطالبة النقد لجهة من الجهات يجوز له مطالبة غير النقد، و هكذا.

ثمّ إنّه لنا أن نمنع حرمة الربا المذكور هنا؛ لأنّه معاوضة قهريّة، لا إنشائيّة، و لا دليل علىٰ حرمته في تلك الصورة. مع أنّه ليس من المعاوضة بين الأعيان؛ لما لا اشتغال بالذمّة كما عرفت، بل هو تعويض تسامحيّ، و معاوضة في حقّ الرجوع، و أنّى ذلك من الربا؟! و غير خفيّ: أنّ في

كلمات القوم مواضع كثيرة من الضعف، يظهر كلّها من التدبّر فيما أجملناه و فصّلناه، فلاحظ و تدبّر جيّداً.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 305

الجهة السابعة في مقتضى الأُصول العمليّة في هذه البحوث المذكورة

و نشير إليها إجمالًا:

لا شبهة في أنّ مقتضى الأصل؛ عدم اشتغال ذمّة البائع بعد تحقّق البيع بشي ء.

فلو شكّ في أنّ الأرش حقّ وضعيّ علىٰ ذمّة البائع، يدفع هو باستصحاب البراءة، أو بالبراءة عن وجوب إفراغ الذمّة. بناءً علىٰ عدم جريان الاستصحاب المذكور. هذا في ناحية البائع، و هكذا في ناحية المشتري.

و لو شكّ في أنّه ضمان اليد، أو ضمان المعاوضة، فلا أصل يثبت به أحدهما. و بعد إمكان الثالث يثبت الثالث، و لكن لا يترتّب عليه أثره لو كان له الأثر الخاصّ.

و لو شكّ في أنّ للمشتري حقَّ المراجعة إلىٰ التفاوت بالنسبة إلىٰ القيمة الواقعيّة أو المسمّاة: فإن قلنا باشتغال ذمّة البائع فالزائد منفيّ؛ سواء كانت واقعيّة، أو المسمّاة. و إن قلنا بأنّه مجرّد حقّ الرجوع، فيلزم العلم الإجماليّ بأحدهما.

و معارضة الأصلين إذا كان في البين أثر، ممّا لا بأس بها، إلّا أنّه فيما هو المقصود في المقام، لا يعارض أصالة عدم ثبوت حقّ الرجوع إلىٰ الواقعيّة، أصالة عدم ثبوت حقّ الرجوع إلىٰ المسمّاة؛ لأنّ المفروض

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 306

وجود الأثر للأوّل، دون الثاني. و لو قلنا بجريانهما، فالبراءة عن وجوب ردّ الزائد محكّمة.

و لو شكّ في أنّ المشتري هل له حقّ تعيين الأرش من الثمن المتعيّن في المعاملة، أم لا؟

فربّما يقال: إنّ قضيّة أصالة عدم تسلّط المشتري علىٰ شي ءٍ من الثمن، عدم جواز تعيينه، كما صرّح به الشيخ «1»، و صدّقه الوالد- مدّ ظلّه «2».

و فيه: أنّ الأصل المذكور من العدم النعتيّ، و لا سبق

لعنوان «الثمن» بما هو هو إلّا في العقد المحتمل تحقّق حقٍّ معه زماناً. و لو كان من العدم المحموليّ، فالفساد أظهر.

و أمّا نفي حقّه بالأصل عن النقد الخارجيّ، فهو ممكن؛ لسبق العدم النعتيّ بالنسبة إليه.

و ما في كلام المحشّي العلّامة الخراساني (قدّس سرّه) «3» من استصحاب بقاء الحقّ الثابت له، فهو في غير محلّه؛ بعد عدم كونه حقّا وضعيّاً و ديناً، بل هو مجرّد حقّ المطالبة. و الزائد عليه يمكن نفيه بأصل البراءة أيضاً؛ بناءً علىٰ حلّ مشكلة إثباته في أمثال المسألة، كما فرغنا عنها في محلّها.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 271/ السطر 32.

(2) لم نعثر عليه في كتاب البيع للإمام الخميني (قدّس سرّه) فلعلّ المصنّف الشهيد نقل عن مجلس الدرس.

(3) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 232.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 307

و ما في كلام الشيخ «1» من أصالة براءة ذمّة البائع من وجوب دفعه، ممّا لا معنىٰ له؛ لما أنّ الأرش ليس في الذمة، و لا تشتغل به الذمّة. كما أُشير إليه. بل لو كان في الذمّة، يكون الأمر دائراً بين المطلق و المقيّد، و المقيّدُ يحتاج إلىٰ دليل.

و لو لم يجرِ الأصل لنفي الزيادة؛ لكونه مثبتاً، لا يمكن إيجاب الزائد على البائع؛ لعدم جواز أخذ المشتري في صورة عدم رضا البائع إلّا بما هو الواقع، فيلزم وقوعه في المحذور الراجع إلىٰ رضاه بالمطلق طبعاً، فافهم و اغتنم.

و أمّا توهّم: أنّ الشكّ في بقاء الحقّ الديني، مسبّب عن الشكّ في تعلّق حقّه بالمقيّد؛ و هو الثمن الخاصّ، و نفي ذلك بالأصل موجب لرفع الشكّ المسبّبي «2»، فهو غير جيّد؛ لأنّ التسبّب ليس شرعيّاً.

و بعبارة اخرىٰ: حكومة الأصل السببيّ على المسبّبي ممنوعة، بل ممتنعة، و

مجرّد التسبّب التكوينيّ غير كافٍ، فليتدبّر.

و أمّا إذا شكّ في جواز ردّ البائع غير النقدين في صورة كون العوض من النقدين فحكمه ما مرّ؛ ضرورة أنّ ما هو الثابت للمشتري ليس حقّ مطالبة النقدين؛ لاحتمال كون حقّه متعلّقاً بالأعمّ، و هي الماليّة؛ أي حقّ مطالبة الجبران، و رفع الخسارة.

و من هنا يظهر حكم صورة كون العوض من الأعيان؛ بناءً علىٰ جريان

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 271/ السطر 32.

(2) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 132.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 308

حديث الأرش في المعاوضات، فتدبّر.

خاتمة حول الأرش المستوعب و العيب المستوعب

بعد البناء علىٰ أنّ الأرش الذي يؤخذ به لأجل العيب يكون بالنسبة إلىٰ القيمة المسمّاة لا الواقعيّة، لا يعقل الأرش المستوعب لمقدار القيمة المسمّاة.

و بعبارة اخرىٰ: بعد البناء علىٰ أنّ المدار على التفاوت في يوم البيع، كيف يمكن أن يقوّم المعيب و الصحيح بقيمة واحدة؟! و وجه الامتناع ذلك، لا ما ذكره الشيخ «1» و تبعه جمع؛ فإنّ من الممكن أن يستوعب الأرش تمام القيمة، أو يزداد عليها فيما إذا كان المدار على القيمة الواقعيّة، و لكن لمكان أنّ السلعة ارتفعت قيمتها السوقيّة يوم المطالبة، لا تبطل ماليّتها.

مثلًا: يجوز أن تكون أرضٌ قيمتها عشرة دنانير يوم السبت، و إذا تبيّنت أنّها معيبة يردّ لأجل المقايسة إلىٰ القيمة الواقعيّة إلىٰ المشتري عشرة، و لكنّها في يوم الجمعة و هو يوم التبيّن و المطالبة تكون قيمتها مائة دينارٍ، فحديث بطلان ماليّته بكون الأرش مستوعباً، غير جيّد. بل و لو قلنا بلزوم رجوع شخص الثمن إلىٰ المشتري.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 272/ السطر 10.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 309

نعم، إذا كان الأرش المستوعب، موجباً لتصوّر العيب المستوعب، فربّما يشكل الأمر؛ من

جهة أنّ استيعاب العيب إذا كان علىٰ وجهٍ يقوّم المعيب و الصحيح واحداً و متساوياً، فلازمه كون العين تالفة، و نتيجة التلف بطلان البيع واقعاً؛ في صورة كونه معيباً حين العقد، أو حكماً؛ فيما إذا حدث العيب قبل القبض، أو في عصر الخيار المضمون، فلا أرش حينئذٍ، بل يرجع الثمن.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ الحقّ عدم الانفساخ القهريّ، و عدم تعيّن رجوع شخص الثمن، و عدم كون البائع مشغول الذمّة، بل هو بحكم الأرش. و لكن لو تمّ الأوّلان كما لا يبعد، لا يتمّ الثالث ظاهراً، فتأمّل.

و يمكن دعوى: أنّ العيب المستوعب و لو كان موجباً لاستيعاب مقدار القيمة، و لكنّه لا يستلزم فساد المعاملة؛ لأنّ حقّ الاختصاص من تبعات الملك، أو هو مرتبة ضعيفة من الملك. و كونه مالًا لا ينافي الاستيعاب المذكور؛ لأنّ ماليّته في طول ماليّة العين، التي بيعت و انتقلت، أو ربّما يكون له النفع التكوينيّ المطلوب.

مثلًا: لو باع أمنان حنطةٍ، ثمّ تبيّن أنّها معيبة؛ بحيث لا تفيد أثر الحنطة، إلّا أنّها تنفع للتسميد، فإنّه لا يردّ إلىٰ المشتري إلّا الأرش المستوعب عرفاً؛ لأنّ التسميد ليس من آثار الحنطة، و لا تقوّم لذلك، فلا يبطل البيع؛ لكفاية هذا الأثر لبقائه في الملكيّة، و لصحّة البيع و لو كان العيب المستوعب حين العقد.

و السرّ في ذلك: أنّ ما به قوام صحّة البيع، أعمّ من الماليّة و حقّ الاختصاص، فلو باع عيناً لأجل الماليّة، ثمّ تبيّن أنّ مصحّح بيعها قيام حقّ

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 310

الاختصاص بها، يكون البيع صحيحاً، و لكن العيب المستوعب يوجب استيعاب الأرش القيمة المسمّاة، فلا فرق بين كون العيب حين العقد، أو قبل القبض، أو

في زمان الخيار المضمون، خلافاً لما يظهر من الشيخ (رحمه اللّٰه) «1».

كما تبيّن ممّا ذكرنا مواضع المناقشة في كلمات القوم، و لا حاجة إلىٰ أمثلة «التذكرة» «2» و «القواعد» «3» و «التحرير» «4» ممّا هي ليست صحيحة في ذاتها، كما لا يخفى.

و بالجملة: كما أنّ الماليّة منشأ صحّة بيع العين، كذلك حقّ الاختصاص منشأ صحّة بيعها، و لكن قيمة حقّ الاختصاص خارجة عن القيمة المسمّاة؛ لأنّ مالك العين قبل العيب المستوعب، لا يكون له حقّ الاختصاص، فصاحب الكوز مالكه، و ليس له حقّ الاختصاص، و لكنّه بعد ما انكسر الكوز يعتبر له حقّ الاختصاص مثلًا.

فعلى هذا، لا يلزم من كونه مقوّماً لأجل حقّ الاختصاص، عدم استيعاب الأرش القيمة المسمّاة؛ لأنّها قيمة الشي ء بلحاظ الماليّة، التي هي في الرتبة المتقدّمة وجوداً و اعتباراً علىٰ رتبة مالية حقّ الاختصاص، فافهم و اغتنم.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 272/ السطر 11.

(2) تذكرة الفقهاء 1: 540/ السطر 27.

(3) قواعد الأحكام: 146/ السطر 21.

(4) تحرير الأحكام 1: 185/ السطر 25.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 311

بقي شي ء: حول كون العيب مقابلًا بجزء من الثمن

ربّما يقال: إنّ العيب غير المستوعب إذا لم يكن له قسط من الثمن؛ لكونه كيفيّة عرضيّة، و الفساد و الصحّة خارجان عن محطّ المبادلة، فلا بدّ و أن يكون العيب المستوعب أيضاً غير مقابل بشي ء من الثمن، فضلًا عن مجموعة فعليه كيف يقال: إنّه في صورة العيب المستوعب، تعدّ العين تالفةً إذا كان أرشه مستوعباً؟! و هذا غير معقول؛ لأنّ حكم العيب المستوعب و غير المستوعب واحد، فمن هنا يعلم: أنّ العيب يقابل بجزء من الثمن، إذا كان غير مستوعب، و هذا خلاف ما عليه المحقّقون، و يكون عويصة لا بدّ من حلّها.

و الذي هو

التحقيق: أنّ العيب المستوعب للعين، لا يستوعب أرشه القيمة المسمّاة في الصورة التي هي محلّ البحث؛ و هي كون المدار علىٰ نسبة الأرش إلىٰ المسمّاة، و كان البيع على القيمة العادلة المتعارفة، و إلّا فلا خيار؛ لظهور البيع في التبرّي أو الإسقاط، فعلى هذا لو كانت الحنطة مثلًا في المثال المذكور سابقاً عفنة، فإن كانت العفونة ضعيفة فلا تلف عرفاً، و يصحّ البيع، و إن كانت شديدة جدّاً فالبيع باطل؛ إمّا حقيقة إذا كانت حين العقد، أو في حكم البطلان إذا كانت قبل القبض، فالعيب المستوعب و غير المستوعب لا يقابل بالثمن؛ لا حين العقد، و لا حين التغريم.

نعم، في صورة الاستيعاب المنتهى إلىٰ سقوط العين عن الأثر

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 312

المطلوب النوعيّ، يكون موجباً للتلف الموجب لرجوع الثمن مثلًا، فلا تغفل.

تحقيق: حول ثبوت الأرش في العيب المستوعب

هذا تمام الكلام في تصوير العيوب المستوعبة، و أمّا أنّ الأرش فهل هو ثابت شرعاً بعد كونه خلاف الأصل؟ ففيه كلام؛ ضرورة أنّ قضيّة أخبار المسألة، اختصاص المفروض فيها بالعيوب غير المستوعبة؛ لنصوصيّتها في غير المستوعب، و لا إطلاق لمعقد الإجماع، و لا طريق إلىٰ إلغاء الخصوصيّة، كما لا يخفى.

فلو كان في مورد الأرش مستوعباً؛ لأنّ البيع واقع على القيمة النازلة، و كان الخيار ثابتاً فرضاً، و قلنا بأنّه في هذه الصورة يلاحظ الأرش بالنسبة إلىٰ القيمة الواقعيّة في يوم البيع، فلا يجوز الأخذ بالأرش؛ لقصور الكبرى و لو فرضت الصغرىٰ فرضاً صحيحاً.

و لكنك عرفت: أنّ في موارد بيع الأمتعة على القيمة النازلة، يكون البيع علىٰ مبنىٰ سقوط الخيار و الأرش، فتأمّل.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 313

الجهة الثانية عشرة في معرفة الأرش

اشارة

ضرورة أنّه ربّما يختلف الناس في تشخيص الأرش، و ليس هو من الأُمور الواضحة، فلا بدّ من الرجوع إلىٰ الغير، و الاتكال علىٰ قوله.

و الذي لا شبهة فيه؛ أنّه لا خصوصيّة لذلك الغير، من الرجولة، و الأُنوثة، و البلوغ، و غير ذلك في المسألة؛ لعدم الدليل عليه، و هو مقتضى الإطلاق المقاميّ.

و أمّا توهّم: أنّه لو كان الغير شاهداً كسائر موارد قيام الشاهد فيعتبر فيه ما يعتبر في قبول قول الشاهد، كما صرّح به العلّامة الأنصاري (قدّس سرّه) «1» فهو غير مرضيّ؛ لأنّ شهادة الشاهد في أمثال هذه الأُمور، ترجع نوعاً غالبيّاً إلى اتكاله علىٰ قول أهل الخبرة، و رأي أرباب البصيرة، و خرص أصحاب التخريص أحياناً، و عندئذٍ تسقط شهادته؛

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 273/ السطر 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 314

ضرورة أنّ الفرق بين الشهادة و الإخبار كما يظهر من الأخبار «1»، من

غير حاجة إلىٰ مراجعة الأقوال، و أهل الاستدلال هو أنّ الإخبار أعمّ، و يكون من الإخبار الخبر الكاذب الذي يعرف المخبر بكذب خبره، بخلاف الشهادة، فإنّها أخصّ؛ لخصوصيّةٍ لاحقةٍ بالمخبر، و هي صفة اليقين و العلم الحاصلة للمخبر. و هذا هو المستفاد من آية سورة المنافقين «2»، فراجع.

فما ترى في كلماتهم من الاختلاف، فكلّه ناشئ من قلّة التدبّر في الآثار، و التفصيل في محلّ آخر.

فبالجملة: قبول الشهادة الشاهدين في هذه المواقف، الظاهر اعتمادهم فيها علىٰ رأي أرباب الخبرة، يحتاج إلىٰ الدليل، كقبول شهادتهم المستندة إلىٰ الأُصول العمليّة، و لذلك قال جمع منهم باعتبار شهادة هؤلاء؛ إذا صرّحوا بمستندهم حين الشهادة، حتّى يكون من الشهادة و لو كان المشهود أمراً ظاهريّاً، و حكماً ثانويّاً.

فعلى هذا، ففي كفاية شهادة الشاهد و لو كان كثيراً في مثل المقام مناقشة؛ لعدم دليل علىٰ حجّية الشهادة، إلّا إذا كان مستندهم ممّا يعتبر عند العرف و العقلاء، كما إذا كان إلىٰ إخبار أهل الخبرة، دون مثل الاستصحاب، فتدبّر.

و أمّا رأى أهل الخبرة و نظر الفنّان و المقوّم، فهو و لو كان من الإخبار

______________________________

(1) وسائل الشيعة 27: 341، كتاب الشهادات، الباب 20.

(2) المنافقون (63): 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 315

المستند إلى الأُمور القريبة أو البعيدة أحياناً، و لكنّه لا بدّ من الالتزام باعتباره؛ نظراً إلىٰ السيرة و بناء العقلاء من الأوّل.

نعم، يحتمل مردوعيّة بنائهم؛ لخبر مَسعدة بن صدقة، لأنّ قوله: «الأشياء كلّها علىٰ ذلك حتّى تستبين، أو تقوم به البيّنة» «1» ظاهر في أنّ الحجّة أمّا حجّة شخصيّة؛ و هو العلم و الاستبانة، أو الحجّة النوعيّة؛ و هي البيّنة، فالخبر الواحد و رأي أصحاب الخبرة و فتوى المفتين، غير

حجّة؛ لخروجها عنهما. و لا معنىٰ لحكومة أدلّتها علىٰ ذلك، بعد مقابلته لقوله: «أو تقوم به البيّنة».

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ المراد من «البيّنة» هي الحجّة و الدليل، و إلّا يلزم خروج الاستصحاب و الإقرار منها. مع أنّ في كثير من الموارد لا تكفي البيّنة؛ للحاجة إلىٰ شهادة أربعة عدول. و هكذا يلزم خروج موارد خاصّة، ناهضة علىٰ اعتبار قول الثقة فيها روايةٌ خاصّة، كإخبار البائع و نحوه.

هذا مع أنّ من الممكن اشتراط الاستبانة أو قيام البيّنة في باب

______________________________

(1) مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: كلّ شي ء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، ذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته و هو سرقة، أو المملوك عندك و لعلّه حرّ قد باع نفسه، أو خدع فبيع قهراً، أو امرأة تحتك و هي أُختك أو رضيعتك، و الأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البيّنة.

الكافي 5: 313/ 40، تهذيب الأحكام 7: 226/ 989، وسائل الشيعة 17: 89، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 4.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 316

إثبات الممنوعيّة و الحرمة، لا مطلق الحكم الشرعيّ؛ ضرورة أنّ قوله: «الأشياء كلّها علىٰ ذلك» إشارة إلىٰ الحِلّ.

و بالجملة: قد تحرّر منا مناقشتنا في مَسْعدة بن صدقة في الفقه «1» و الأُصول «2».

نعم، رواية عبد اللّٰه بن سليمان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الجبن قال: «كلّ شي ء لك حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه ميتة» «3» ظاهر في عدم كفاية قول أهل الخبرة. إلّا أنّه من المحتمل اختصاص ذلك بما أُشير إليه آنفاً.

مع

أنّ تلك السيرة القطعيّة القويّة، لا يمكن ردعها بمثل رواية، فليتأمّل جيّداً، و تفصيل المسألة يطلب من قواعدنا الأُصوليّة.

تذنيب حول كيفية التقويم

ربّما وقعوا في كيفيّة التقويم، و هذا أيضاً من موارد غفلة الأصحاب (رحمهم اللّٰه) عن الأمر اللائق بشأنهم؛ فإنّ ما هو وظيفتهم، ليس إلّا إرجاع الأُمّة إلى الأخذ بالأرش؛ و تعيين أنّه التفاوت بين الصحيح و المعيب

______________________________

(1) لاحظ تحريرات في الفقه، كتاب الطهارة 2: 252، الخلل في الصلاة: 227.

(2) تحريرات في الأُصول 7: 26 30.

(3) الكافي 6: 339/ 2، وسائل الشيعة 25: 118، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61، الحديث 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 317

بالنسبة إلى القيمة المسمّاة، و أمّا كيفيّة التقويم فهي موكولة إلى العرف؛ لاختلاف البلدان و الأمصار و الأزمان و الأعصار في ذلك أحياناً، و لا معيّن شرعاً لها، فما أفادوه من الصور لا يرجع إلىٰ محصّل.

و توهّم: أنّ منظورهم من التوغّل فيها، توضيح موارد التقويم من مواضع الشهادة؛ لاختلاف الحكم باختلافها، في غير محلّه؛ لأنّ اختلاف الشاهد و المقوّم من الأُمور الواضحة. مع أنّ اعتبار العدالة و التعدّد في مورد الشهادة على الإطلاق، محلّ منع؛ لما لا دليل عليه إلّا في مواضع خاصّة في باب القضاء.

و ما في بعض الأخبار: من تقويم الصحيح و المعيب «1»، ربّما يومئ إلىٰ أنّ التفاوت الذي يؤخذ؛ هو بالنسبة إلىٰ القيمة الواقعيّة، كما قيل، أو المسمّاة، كما استظهر، فلا نظر فيها إلىٰ بيان أصل الكيفيّة؛ لأنّه من الأمر الواضح الغنيّ عن البيان.

مع أنّه ربّما لا نحتاج إلىٰ تلك الكيفيّة؛ لأنّه إذا ثبت أنّ السلعة من نوع كذا تكون قيمتها واضحة، لأنّ بين النوعين منها اختلافاً واضحاً، و يعدّ أحدهما

بالآخر معيباً.

و أمّا مثل الذهب و الفضّة و العقيق اليمانيّ و غيره، فهو خارج عن

______________________________

(1) عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السّلام) أنّه سأل عن الرجل يبتاع الجارية فيقع عليها، ثمّ يجد بها عيباً بعد ذلك؟ قال: لا يردّها على صاحبها، و لكن تقوّم ما بين العيب و الصحّة فيردّ على المبتاع، معاذ اللّٰه أن يجعل لها أجراً.

الكافي 5: 215/ 6، تهذيب الأحكام 7: 61/ 264، وسائل الشيعة 18: 103، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 4، الحديث 4.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 318

مسألتنا؛ لأنّ غير اليمانيّ و الردي ء منهما ليس معيباً عرفاً و إن كان ناقصاً في قبال الكامل، فلا تخلط.

و ممّا يشهد علىٰ عدم الحاجة إلىٰ الكيفيّة الخاصّة: أنّ تقويم المعيب يكون كافياً، فيعيّن ما هو تفاوتهما من غير تعيين، فاغتنم.

تذنيب مقتضى الأُصول عملية عند تعذّر تعيين القيمة

في موارد تعذّر التعيين لجهة من الجهات الممكنة، فمقتضى الأصل سواء قلنا: بأنّ الأرش دين، أو تغريم، و حقّ الرجوع و المطالبة يكون الزائد منفيّاً بالبراءة، و باستصحاب العدم النعتيّ؛ بناءً علىٰ كونه ذا أثر شرعاً. و استصحابُ بقاء عنوان «الدين و الحقّ» مسبّب عن الشكّ في المقيّد المرميّ قيده بالأصل.

و لمنع جريان الاستصحاب المذكور وجه؛ لأنّ كلّي الدين ليس موضوع الأثر، و ما هو موضوع الأثر غير متيقّن، مثلًا إذا علم باشتغال الذمّة بعشرة دنانير، فعليه الأداء إلىٰ العلم بالفراغ، و لا ينقض اليقين إلّا باليقين الآخر، و أمّا إذا علم بالدين فلا حكم له في الشرع، فلا تغفل.

و غير خفيّ: أنّه ربّما يشكل جريان استصحاب العدم النعتيّ المشار إليه؛ لأنّ نفي الحكم بنفي الموضوع، من المثبتات الجليّة و إن التزموا بجريانه. و لو وصلت النوبة إلىٰ

البراءة عن وجوب الردّ عند مطالبة المشتري، يكون استصحاب بقاء الحقّ الجاري في «حاشية العلّامة

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 319

الخراساني» «1» حاكماً عليها، إلّا أنّك قد عرفت وجه ممنوعيّة جريانه.

بحث و ذنابة حول تعارض أرباب التقويم

اشارة

لو تعارضت أرباب التقويم، و اختلفت أقوال المقوّمين، يحتمل وجوه من الكلام؛ لوجوه من المحتملات، و تمام البحث حوله يتمّ ضمن أُمور:

الأمر الأوّل في صور المسألة

فإنّها كثيرة؛ ضرورة أنّه تارة: يكون الاختلاف بين المقوّمين، و أُخرى: بين الشاهدين و البيّنتين، و ثالثة: بين المقوّم و البيّنة أو الشاهد.

و علىٰ كل تارة: يتعدّد أحد الطرفين، و يتعاضد بعضهم ببعض بقيام المقوّمين مثلًا علىٰ قيمةٍ، و مقوّم واحد علىٰ قيمة، و أُخرى: يتّحد، و يكون الطرفان متساويين.

و على الأوّل تارة: يكون الاختلاف كثيراً، و أُخرى: قليلًا. مثلًا تارة: يقوّم السلعة بعشرة عند خمسة، و بخمسة عند واحد، و أُخرى: بعشرة عند

______________________________

(1) لاحظ حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 232.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 320

خمسة، و بخمسة عند الأربعة. و ربّما يوجب اختلاف الحكم اختلاف المقوّمين في حدود التقويم.

و علىٰ كلّ تقدير تارة: يختلفان في مقدار الصحيح و المعيب معاً، و أُخرى: يختلفان في الصحيح، و يتّحدان في المعيب، و ثالثة: ينعكس.

و علىٰ كلّ تقدير تارة: يكون الاختلاف في المطابقة، كما إذا قوّم أحدهما الحنطة المبتاعة بعشرة، و ثانيهما بالتسعة.

و أُخرى: بالالتزام، كما إذا قوّم أحدهما بعشرة، و قال الآخر: «أنّها حنطة أرض خيبر» و تكون تلك الحنطة بعشرين عندهما فيكون المعيب الموجود بين أيديهما مختلف القيمة حسب لوازم كلامهما، أو حسب صريح أحدهما، و لازم الآخر. و غير ذلك من الصور المحتملة في المسألة.

الأمر الثاني في مقتضى القواعد العقلائيّة
اشارة

أي مع قطع النظر عن الأدلّة الشرعيّة؛ و الترجيحات الخاصّة التعبّدية.

لا شبهة في حجّية إخبار المقوّم ورائه في ذاته، كما لا شبهة في حجّية شهادة البيّنة أيضاً في ذاتها، و إنّما الشبهة في حجّية كلّ واحد عند المعارضة، فيكون قضيّة الأصل سقوطهما؛ لعدم المقتضي، و لعدم الدليل على الحجّية على الإطلاق في أمثال المقام، فلا وجه للمراجعة إلىٰ

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 321

المرجّحات؛ و

ترجيح الحجّة على الحجّة. و لو كانا حجّتين في مقام المعارضة، و ساقطين لأجل التعارض، يقدّم أحدهما على الآخر بالمرجّح. و ربّما كان يكفي مجرد الترجيح و لو كان بالأُمور الأجنبيّة، كترجيح البيّنة بأصل البراءة.

و بالجملة: مقتضى القاعدة عدم الفرق بين كون التعارض حاصلًا بين المقوّم، و الخبر العادل، و البيّنة، بعد الفراغ عن حجّية كلّ واحدٍ في ذاته عند العرف و العقلاء. و لا أقلّ من الشكّ في ذلك، فإنّه يرجع الأمر في النتيجة إلىٰ شي ء واحد.

نعم، في صورة اعتضاد أحد الطرفين بالمماثل؛ فقوّم المقوّمون مثلًا بعشرة، و واحدٌ بالتسعة، أو قوّم المقوّم المعتضد بالشهادة من البيّنات بعشرة، و قامت بيّنة على التسعة، فلا يبعد قيام بناء من العقلاء علىٰ طرد الأقلّ؛ بشرط كون التفاوت بين الطرفين كثيراً.

و في صورة اختلاف المقوّمين في المقدار، مع كون أحد الطرفين معتضداً بالبيّنات و المقوّمين، يتعيّن الرجوع إليهم قطعيّاً، و يكشف عندهم خطأ الآخر.

و أمّا في سائر الصور، فمقتضى الأصل هو التساقط في التعارض بين البيّنات، أو البيّنة و المقوّم.

و لعلّ سرّه: أنّ البيّنة إمّا تستند إلىٰ رأي المقوّم واقعاً، أو تكون بنفسها مقوّمةً، و لا دليل عند العقلاء علىٰ تقديمها علىٰ رأيه.

نعم، في موارد لزوم الرجوع إلىٰ أحدهما، و ضرورة الأخذ برأي أحدهما و قولهما، يكون عندهم المرجحات موجودة، كما في موارد

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 322

المراجعة إلىٰ الطبيب، و أمّا فيما نحن فيه فلا ملزم للرجوع؛ بعد وجود الأُصول، و القواعد الأُخر صالحةً للمراجعة و المرجعيّة.

و بالجملة: مجرّد كون أحد الطرفين مقوّماً، و الآخر بيّنة عادلة، لا يكفي لطرح المقوّم عندهم. و لا إطلاق يقتضي حجّية البيّنة على الإطلاق؛ و يكون الاتكال

علىٰ تقويم المقوّم، مقيّداً بعدم تعارضه بالشهادة، كما لا يخفى؛ لكون دليله بناء العقلاء، و هو لبّي.

بقي شي ء: إبداع الفرق بين الموارد

ربّما يقال: «إنّ الجمع مهما أمكن أولىٰ من الطرح» «1» معناه في المقام غير ما هو المقصود في باب التعادل و الترجيح؛ فإنّ في باب التعادل و الترجيح، يكون الجمع بين الدليلين مهما أمكن إمكاناً عقلائيّاً مقبولًا، فإنّه الأولىٰ؛ بمعنى المتعيّن في قبال الطرح.

و أمّا مجرّد الجمع حتّى بين المتناقضين بالكلّية؛ بدعوىٰ أنّ «أكرم العلماء» نصّ في العدول، و ظاهر في الفسّاق، و «لا تكرم العلماء» نصّ في الفسّاق، و ظاهرٌ في العدول، فيجمع بينهما، و يكون النصّ قرينة على الظاهر في كلّ منهما، فهو غير كافٍ، و إلّا يلزم سقوط الأخبار العلاجيّة.

و أمّا في المقام، فمعناه هو أنّ مقتضى الدلالة المطابقيّة في كلّ واحدٍ من الطرفين المقوّمين للمعيب مثلًا، تعيّن العشرة و التسعة مثلًا، و قضيّة الدلالة الالتزامية نفي كلّ واحد منهما الآخر، و لازم سقوطهما بعد

______________________________

(1) لاحظ عوالي اللآلي 4: 136.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 323

ذلك هو الرجوع إلىٰ أصالة البراءة، و المشتري لا يعلم للمعيب إلّا بالسبعة؛ لاحتمال كون القيمة سبعة واقعاً لا الأزيد، فلا وجه لتعيّن الأخذ بالتسعة، و هذا ممّا يكذّبه العقلاء.

فعليه يجوز أن يقال: بأنّ القول بالعشرة معارض بالذات مع الدلالة الالتزاميّة للقول بالتسعة، و بالعكس، و لا يمكن مقاومة الدلالة الالتزاميّة مع المطابقة عند المعارضة في محيط العقلاء، فإمّا لا يكون لكلّ منهما دلالة وجوداً كما هو الأظهر، أولا حجّية لتلك الدلالة الالتزاميّة و لو كانت موجودة. و علىٰ كلّ تقديرٍ ترتفع المعارضة؛ لأنّ القول بالعشرة يجتمع مع القول بالتسعة، لأنّها تحتوي عليها، بعد سقوط تلك الدلالة الالتزاميّة،

فيلزم الأخذ بهما، و الجمع بينهما.

و أمّا الأخذ في المثال المذكور بالتسعة و النصف، فهو غير جيّد، لا لأجل أنّه مورد نفيهما؛ لأنّ قضيّة الدلالة الالتزاميّة نفي ذلك، فإنّه غير تامّ؛ ضرورة سقوط الالتزاميين للمكاذبة الذاتية التي وقعت بينها و بين المطابقيّة، بل لأجل أنّ الأخذ بالتسعة، أخذ بتمام الدلالة المطابقيّة، و الدلالة التضمّنية. و يؤيّد ذلك بقاعدة العدل و الإنصاف أحياناً.

فبالجملة: فيما إذا كان المقوّم مثلًا مرجعاً لتقويم المعيب فقط لأنّ المفروض معلوميّة قيمة الصحيح؛ لأنّ البيع وقع عليها، و المدار علىٰ قيمته حال البيع، و إنّما يرجع إلىٰ المقوّم لتقويم المعيب؛ نظراً إلىٰ الأخذ بالتفاوت يتعيّن حسب الصناعة قول المقوّم الذي هو الأقلّ.

و دعوىٰ: أنّه معارض بتقويم الأكثر، و ساقط حسب الأصل، صحيحة، إلّا أنّه فرق بين الأخذ بالأقلّ لأنّ الأكثر من قبيل بيّنة الخارج المخالف

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 324

للأصل، كما في «حاشية الفقيه اليزدي (رحمه اللّٰه)» «1» و بين الأخذ به لجهة أنّه من الجمع بين القولين في دلالة المطابقة و التضمّن العرفيّ؛ ضرورة أنّه لا تكاذب ذاتاً بين التقويم بالتسعة و العشرة بما هو هو، و إنّما المكاذبة و المناقضة تحصل من الأخذ بالمفهوم و التحديد الظاهرين بدواً من المقوّمين، و بعد سقوط ذلك فلا مناقضة بين التسعة اللّابدية بشرط، و بين العشرة.

فتحصّل: أنّ طريقة العقلاء في باب الأقلّ و الأكثر كما نحن فيه و باب المتباينين مختلفة؛ ففي موارد التباين تتساقط الطرق، و أمّا في الأقلّ و الأكثر فلا يطرد الدليلان و الطريقان بالرجوع إلىٰ مقتضى الأُصول الأُخر المنافية؛ لما أُشير إليه. كما أنّه يظهر: أنّ حديث معارضة البيّنتين القائمين على العين الشخصيّة، أجنبيّ عن بحث

الأرش، فما أطاله المحشّي العلّامة الأصفهانيّ «2» هنا، ممّا لا طائل تحته.

و من هنا يظهر سقوط الاحتمالات الأُخر، كالرجوع إلىٰ الحاكم، أو القرعة، أو بيّنة الأكثر أو بيّنة الأقلّ، أو قاعدة العدل و الإنصاف. و لا فرق بين أقسام التقويم؛ لرجوع الكلّ إلى الأقلّ و الأكثر في القيميّات.

نعم، فيما إذا اختلفا في المثليّات كما إذا تبادلت الحنطة بالعدس فربّما ينتهي إلىٰ التباين، و لكن بعد ما عرفت من عدم جريان الأرش فيها، فلا يهمّنا البحث حوله.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 103/ السطر الأخير.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 136 137.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 325

و ممّا ذكرنا يظهر وجه سقوط الاختلاف الآخر المحكيّ «1» هنا بين المعظم، و بين الشهيد (رحمه اللّٰه) «2» و صاحب «إيضاح النافع (رحمه اللّٰه)» «3»؛ ضرورة أنّ تقويم المقوّم و شهادة الشاهد فيما نحن فيه، لا أثر له إلّا بالنسبة إلىٰ المقدار الذي يحقّ للمشتري أن يرجع به إلىٰ البائع، فما هو محطّ اختلاف المقوّمين و مصبّ تشاحّ الشاهدين الذي هو منظور العقلاء في الرجوع إليهم، ليس إلّا ذلك. فلو اختلفت آراؤهم في تقويم الصحيح و المعيب معاً، لا يجوز طرح المجموع، و الرجوع إلىٰ أصالة البراءة كما هو مقتضى الصناعة، و لا الأخذ بالطريقة المنسوبة إلىٰ المعظم، أو الشهيد «4» و غيره بناءً علىٰ عدم رجوعهما إلىٰ أمر واحد، كما يستظهر من الشيخ (رحمه اللّٰه) «5» لأنّ سقوط الدلالة المطابقيّة في كلّ منهما بالمطابقة في الآخر في تقويم الصحيح و المعيب ممنوع؛ لما عرفت من عدم المعارضة ذاتاً بينها.

و أمّا توهّم لزوم الأخذ بالالتزاميّة عند العقلاء؛ إذا كانت مشتركة، كما إذا كان اختلاف كلّ منهما في

تقويم الصحيح و المعيب؛ علىٰ وجهٍ يورث كون النسبة بالنصف، فهو غير تامّ؛ لأنّه ليس بنفسه الأثر الذي لأجله وقع التعبّد بالأخذ بقول كلّ من المقوّمين؛ ضرورة أنّ ما هو الأثر هو الحقّ

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 274/ السطر 3.

(2) لاحظ الروضة البهيّة 1: 380/ السطر 7، فإنّه نقل عن النسبة إلى الشهيد الأوّل (قدّس سرّه).

(3) لاحظ مفتاح الكرامة 4: 633.

(4) لاحظ الروضة البهيّة 1: 380/ السطر 7.

(5) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 274/ السطر 10.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 326

الذي يحقّ للمشتري الرجوع به إلىٰ البائع، و ذلك أمر دائر بين الأقلّ و الأكثر، و لا يجوز إلّا الأخذ بالأقلّ؛ لما مرّ، فلو كانت الطريقتان راجعتين إلىٰ واحدة، و هي ترجع إلىٰ ما ذكرناه فهو، و إلّا فلا دليل علىٰ تلك الكيفيّة المعروفة عن المعظم و غيره، كما صرّح به الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «1».

الأمر الثالث في مقتضى القواعد الشرعيّة

اعلم: أنّه ربّما يقال: إنّ في موارد المعارضة لا بدّ من المراجعة إلىٰ الأخبار العلاجيّة «2»؛ سواء كانت المكاذبة بين الروايات في الأحكام أو الموضوعات أو بين إخبار المقوّمين و شهادة الشاهدين، و ذلك لأنّ المستفاد من تلك الأخبار، أنّ نظر الشرع إلىٰ حلّ المشاكل و مراجع الأُمور؛ بمجرد مزيّةٍ، من غير النظر إلىٰ كون المزيّة تمام العلّة لإصابة الواقع و الأقربيّة؛ لإمكان كون خبر غير الفقيه أقرب إلىٰ الواقع، لكونه أثبت في التعبّد بالعبارات الواصلة.

بل المنظور كما يظهر، عدم الوقوف على الحوادث، من غير أن يلزم الترجيح بلا مرجّح، أو ترجيح المرجوح على الراجح، و لأجله ورد التخيير «3».

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 142.

(2) لاحظ وسائل الشيعة 27: 106 124، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب

9.

(3) عن الحسن بن الجهم، عن الرضا (عليه السّلام) قال: قلت له: تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة، فقال: ما جاءك عنّا فقس على كتاب اللّٰه عزّ و جلّ و أحاديثنا، فإن كان يشبههما فهو منّا، و إن لم يكن يشبههما فليس منّا، قلت: يجيئنا الرجلان و كلاهما ثقة بحديثين مختلفين، و لا نعلم أيّهما الحقّ، قال: فإذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّهما أخذت، الاحتجاج: 357، وسائل الشيعة 27: 121، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 9، الحديث 40، لاحظ التعادل و الترجيح، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 119 126.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 327

فعلى هذا فيما نحن فيه و في أمثال المقام، يرجع إلىٰ المرجّحات العرفيّة و العقلائيّة، و المزايا الاستحسانيّة، إلّا فيما ورد خصوصاً وظيفة خاصّة عند تعارض البيّنتين و غيره. و لأجل هذا و أمثاله نجد ترجيح الأصحاب البيّنة الداخلة على الخارجة، و إلّا فلا دليل شرعاً في خصوصه؛ علىٰ ما عندي عاجلًا.

فعلى هذا يمكن دعوى: أنّ المكاذبة بين المقوّمين علىٰ أقسام التقويم؛ حتّى فيما إذا قال أحدهما: إنّ له أن يأخذ التفاوت عشرة، و قال الآخر: بالثمانية؛ نظراً إلىٰ حاصل تقويمهما للصحيح و المعيب و لو كانت بالعرض، إلّا أنّ الأخذ بالأرجح يتعيّن علىٰ خلاف الأصل. فلو كان المقوّم للزيادة راجحاً في الخبرويّة مثلًا، يؤخذ به، و هكذا الأعدليّة و غيرها.

بل ربّما يقال: إنّ تقديم دلالة المطابقة على الالتزام بلا وجه عرفاً، و لكنّه وجيهٌ بالنظر إلىٰ هذه الجهة، و ما تعارف بين الفقهاء في تقديم المنطوق على المفهوم في مقام المكاذبة، ليس وجيهاً إلّا لمجرّد الاستحسان المستفاد جوازه من الأخبار العلاجيّة.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد،

مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.